"أوركيش" كمدينة اثرية
==================
هي المدينة الوحيدة من بين حواضر الألف الثالث قبل الميلاد ، التي يمكن وبثقة تامة اعتبارها مركزاً دينياُ وسياساً رئيساً للحوريين.
أوركيش القديمة مدينة دفينة تحت تل أثري عرف بتل موزان تختزن في ركامها تاريخ عصور وعهود خلت, هي أول عاصمة للحوريين التي كان لها الأثر السياسي والديني في الجزيرة السورية العليا فكانت من أهم مدن شمالي حوض الخابور في بداية الألف الثاني ق.م.و كانت تحتوي على مخازن النحاس الذي جعل من المدينة غنية,
اكتشافها أعطى معلومات هامة عن حضارة سورية في تلك الحقبة , و السويات المكتشفة فيها مثلّت ثلاث سويات استيطانية تشمل المدة الواقعة بين 2750 ق.م و 1500 ق.م اي منتصف الألف الثالث تقريباً, أما التنقيب في التل فقد اظهر سور المدينة وأطلال مبنى حجري وطبعات أختام وآثارهامة . وتعدّ من أهم المواقع الدينية في منطقة الخابور وتل براك.
في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، أصبح توبكيش، ملكا للمدينة، في الوقت الذي كان أكاد يبسط سيطرته على معظم مناطق بلاد السومريين ومناطق واسعة من سوبارتو بالإضافة إلى مناطق من الفرات والخابور الأعلى، مع هذه السيطرة الواسعة للأكاديين، استطاع توبكيش حماية استقلالية مدينته، إثر اتفاق بين أكاد وأوركيش،
وفي بداية الألف الثاني قبل الميلاد كانت أوركيش قوة رئيسية في منطقة الخابور. وعلى الرغم من دورها الضعيف في الاقتصاد استطاعت أن تحمي نفسها، حيث بقيت كمركز رئيسي للدين في شمال ميزوبوتاميا،
في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد اشتدت قوة الحوريين، وبسطوا سيطرتهم على مناطق واسعة من الخابور، حيث إنّهم جعلوا من مثلث الخابور قاعدة لهجماتهم لتوسيع مناطق نفوذهم، فشرقاً من جبال زاغروس إلى شواطئ البحر الأبيض غرباً ومن مناطق أماندو» آمد» شمالا حتى خلف مناطق قاديش «تل نبي مند» جنوباً، وبهذا أسسوا أكبر إمبراطورية في الألف الثاني قبل الميلاد.
.
أما معنى اسم أوركيش :
نستطيع ترجمة هذا الاسم حسب اللغة الحورية وتعني (مدينة السعادة أو الأحلام). وقد ذُكرت المدينة في النصوص والأساطير الدينية القديمة ,أما اسم تل موزان فهو غير حديث . أورده ابن الأثير في أخبار فتح رأس العين, ويذكر ياقوت الحموي أنه بلد قديم بين رأس العين وسروج بينه وبين رأس العين عشرة أميال، ويعرف التل بتل المال.
يعتقد أنّ الاسم اوركيش مستمدّ من كلمة أوركا Urka من اللغة الحورية وتعني السرج ، والسرج كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور يعني الرحل الذي يوضع على ظهر الدابة أو الفرس فيقعد عليه ، والجمع سُروج ، وأسرجها إسراجا : أي وضع عليه السرج .
كما يعتقد أنّ هذا الاسم ربما يكون قد استمدّ من مشهد ممرّ ماردين الواقع شمال تل موزان الذي يخترق جبال طوروس حيث تعتبر النقطة الجغرافية البارزة في كلّ المنطقة .
.
من اشهر اثار اوركيش:
◘ معبد الأسد
بني على شكل مربع على مصطبة كبيرة بارتفاع 27 متراً عن الأرض، يرتفع المعبد عن السهل المحيط بالموقع 28 متراً ويرتفع 7 أمتار عن الساحة العامة و12متراً عن القصر.
◘ القصر
بني القصر الذي ربط وحدتين معماريتين مقدستين سابقتين له تاريخياً في عهد الملك توبكيش وزوجته الملكة أوكنيتوم حوالي عام (2250 ق.م(. وقد تألف القصر من مستويين: المستوى الأول المنخفض يمثل جناح الخدمات الذي احتوى على المطبخ، وعلى مخزن المواد التموينية الخاص بالعائلة الملكية، ومنطقة خدمة يُرجح أنها نُفذت فيها احتياجات القصر الملكي، أما القسم الرابع فقد حالت عوامل التعرية الطبيعية دون إمكانية التعرف على وظيفته.
◘ البئر
بناء دائري ومظلم وعميق، وكان متعدد الاستخدامات في الفترات اللاحقة، إلا أنه في بدايات نشوء الموقع خُصص لنهل المياه في الموقع وتلبية حاجات القصر والمعبد، هذا البناء يتبع القصر والمعبد.
◘ الأختام
كما عُثر في الموقع على المئات من الأختام الطينية والحجرية. ويعود تاريخ معظم هذه الأختام إلى الألف الثالث قبل الميلاد، عُثر على معظمها في غرف القصر ومستودعاته. وكانت هذه الأختام ممهورة على السلال والجرار الفخارية والصناديق والأكياس وكذلك على الأبواب, لتأمين محتوياتها ويعود تاريخ معظمها إلى الربع الأخير من الألف الثالث ق.م. قدّمت هذه الأختام تفاصيل دقيقة من خلال طرحها لمواضيع كثيرة تعلقت بطبيعة العلاقات الاجتماعية بين الأسرة الحاكمة والحاشية
.
كما إنّها كانت توضح أهمية دور المرأة، وتعاونها مع النوّاب العاملين في المتابعة والإنتاج، ومنها تنظيم الهدايا التي يقدمها المزارعون والصناع من المدينة أو من خارجها، وعن الاستقبالات التي كانت تتم مباشرة، حيث إنّها تدل على مستوى عال من التنظيم الإداري للمدينة.
إضافة إلى كشف تفاصيل عن الشؤون الإدارية وأهمية دور المعبد والقصر بالإضافة إلى أنواع الطعام والمواضيع المتعلقة بالميثيولوجيا الهورية، الإله والرّموز، ودور ووظيفة بابا درويش في المعبد.
كما إنّها توضّح الشأن الاقتصادي واللغة أيضا عن طريق ما نقش عليها من خلال شكل خاص، يتمثل في الصور والرسومات والأفكار التي تتمثل في أنواع الثياب والهدايا التي كانت تقدّم إلى الملك وزوجته والقصر.
.
كل هذا اثبت هذه الاختام ان "أوركيش" كانت مركزاً هاماً لفن صناعة الأختام في شمال سورية خلال الفترة الحورية.
◘ وهناك تمثال أسد من البرونز يحمي لوح تأسيس من الحجر نقش عليه باللغة الهورية:
"بنى تيش أتَل ملك أوركيش معبداً لنرغال ، ليحمي الإله لوبغادا هذا المعبد وليقضي على كل من يخربه، وليكن كل من سيدة نَغار وإله الشمس وإله الطقس هم من يدمرونه". والتمثال محفوظ في متحف اللوفر في فرنسا.
.
عام ١٩٤٨م تم بيع تمثالين لأسدين من البرونز ذات أحجام صغيرة في مدينة عامودا على يد تجّار للآثار ، واستقرّ أحد الأسدين في (متحف المتروبوليتان للفنّ في أمريكا) والآخر في (متحف اللوفر بباريس) ، وكان برفقة الأخير رقيِّم يحمل كتابة مسمارية باللغة الحورية كتب عليها : " تيش أتال باني معبد نيرجال " وهو المعبد الموجود في "أوركيش" ، يعود تاريخ هذه الرقيِّم إلى أواخر الألف الثالث ق.م وتعتبر هذه المدوّنة أقدم كتابة حورية حتى هذه اللحظة .