التلاعب بنسب الأرباح يضاعف التحديات أمام صناع الأفلام المغربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التلاعب بنسب الأرباح يضاعف التحديات أمام صناع الأفلام المغربية

    التلاعب بنسب الأرباح يضاعف التحديات أمام صناع الأفلام المغربية


    غياب القوانين والرقابة يضر بسوق السينما ويدفع المخرجين نحو الهجرة.
    السبت 2024/11/30
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    متى تلتزم صالات العرب بالشفافية؟

    بينما تلتزم بعض صالات العرض المغربية بالقوانين والاتفاقيات الممضاة مع المخرجين، تتهرب أخرى من التصريح بنسب الأرباح الحقيقية، في مساع منها نحو التربح على حساب جهود صناع السينما، وهو ما يضاعف التحديات أمامهم ويثقلهم بأعباء مالية تضطرهم للهجرة والبحث عن أسواق بديلة لإنتاج أفلامهم.

    الرباط – تشهد الصناعة السينمائية المغربية تحديات متزايدة بسبب ممارسات غير عادلة يمارسها بعض مسؤولي القاعات السينمائية، الذين يسعون إلى تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المخرجين والمنتجين، وهذا يقوض الثقة بين الطرفين ويهدد استمرارية الإنتاج السينمائي المستقل في المغرب، حيث بات تحايل بعض القاعات على نسب الأرباح المتفق عليها، وعدم الالتزام بشفافية مداخيل الأفلام، يشكلان عائقًا كبيرًا أمام المنتجين، خاصة أولئك الذين يعتمدون على مواردهم الذاتية في إنتاج أفلامهم.

    وبالرغم من القوانين التي تنص على حصول المنتجين على نسبة من عائدات الأفلام، نجد أن القاعات تلتف حول هذه القوانين بطرق غير أخلاقية، إذ يوضع المنتجون أمام خسائر مالية تجعلهم يفكرون مرارًا قبل الخوض في إنتاج أفلام جديدة، خصوصًا الأفلام الترفيهية والكوميدية التي تستقطب شريحة كبيرة من الجمهور المغربي، فما هي التدابير اللازمة لضمان بيئة عادلة للإنتاج السينمائي؟

    يتجسد تحايل القاعات السينمائية على المنتجين والمخرجين في إخفاء الأرقام الحقيقية للعائدات ورفض الالتزام بالاتفاقيات المالية المتفق عليها، والتي من المفترض أن تمنح المنتجين نصف العائدات. ومع انعدام الشفافية في إدارة مداخيل الأفلام، يجد المبدعون أنفسهم في مواجهة عبء مالي ومهني يثقل كاهلهم ويحد من قدرتهم على مواصلة العمل، حيث يعاني المنتجون من تلاعب مالي يبدد آمالهم في استرداد التكاليف التي تكبدوها في إنتاج أفلامهم، وهذا يجعلهم أمام خيارين: إما التخلي عن الإنتاج تمامًا، أو الاتجاه نحو إنتاج أعمال متواضعة الجودة لتقليل التكاليف، وهو ما يهدد جودة الإنتاج السينمائي المغربي وقدرته على المنافسة.

    القاعات السينمائية تتحايل على المنتجين والمخرجين في إخفاء الأرقام الحقيقية للعائدات وترفض الالتزام بالاتفاقيات المالية

    ويعد قطاع الأفلام التجارية والترفيهية من أكثر القطاعات تأثرًا، خاصة الأفلام الكوميدية التي تستهدف جمهورًا واسعًا من مختلف الأعمار، فرغم الإقبال الكبير الذي تحققه هذه الأفلام عند عرضها، إلا أن التحايل المالي من قبل القاعات يجعل المنتجين عاجزين عن تحقيق عوائد منطقية تعادل شعبية أفلامهم، وهذا الوضع يعكس حالة من الاضطراب في السوق السينمائية، حيث يصبح الجمهور المغربي محرومًا من التنوع الفني بسبب تراجع عدد الأفلام الجديدة المعروضة، بينما نجد أن استمرار هذا التحايل يضعف من دور السينما في المجتمع، ويقلل من فرص مشاهدة أعمال تحمل طابعًا محليًا يعبر عن الثقافة والهوية المغربية.

    ويؤدي هذا التلاعب المتواصل بالأرقام أيضًا إلى تدهور ثقة المنتجين والمخرجين في القاعات السينمائية، حيث يشعرون بأن جهودهم وأرباحهم تُبتلع في قنوات خفية، ولا تترجم إلى أرباح حقيقية تعكس حجم الحضور الجماهيري لأفلامهم. هذا الخلل يخلق حالة من الشك والضبابية بين المبدعين وأصحاب القاعات، ويحد من الرغبة في الاستثمار في المشاريع السينمائية. وكما هو الحال في أي قطاع إبداعي، فإن غياب الشفافية يعطل الإبداع ويؤدي إلى عزوف الكثير من المنتجين عن العمل، ما ينعكس سلبًا على المشهد السينمائي برمته ويزيد من هيمنة الأعمال المستوردة على حساب الإنتاج المحلي.

    ويبرز هذا الوضع الحاجة الماسة إلى وجود رقابة صارمة وتشريعات قانونية تضمن الشفافية والعدالة في حساب نسب الأرباح، لأن غياب الأنظمة الرقابية الفاعلة يتيح الفرصة لبعض القاعات لاستغلال الوضع دون محاسبة، وهذا يساعد في تكريس مناخ من الفساد المالي الذي يعرقل تطور الصناعة السينمائية، بينما المطلوب هو وجود هيئات إشرافية مستقلة تتولى مراقبة العائدات ومتابعة التنفيذ الصارم للاتفاقيات بين المنتجين وأصحاب القاعات، لضمان حصول المبدعين على حقوقهم المالية دون نقصان، وخلق بيئة عادلة تشجع على الاستثمار والنهوض بالصناعة السينمائية الوطنية وفي ظل الواسطة والتحايل لن يكون هناك أي تقدم مهما نفخ الإعلام هذا القطاع.

    ويمكن القول إن التصدي لهذا التحدي يتطلب إرادة جماعية وتعاونا فعّالا بين الجهات المعنية، فلابد من وضع قوانين صارمة تفرض الشفافية في إدارة مداخيل القاعات السينمائية، وتعاقب بشدة من يتلاعب بالأرقام بغرض تحقيق مكاسب غير مشروعة، ومن شأن تعزيز هذا التعاون وإرساء نظام رقابي موثوق أن يسهم في إعادة الثقة بين المبدعين وأصحاب القاعات، ويعيد للسينما المغربية بريقها ويدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام، ليتمكن الجمهور المغربي من الاستمتاع بأعمال سينمائية تعبر عن ثقافته وتثري المشهد الثقافي المحلي.

    وتعكس هذه الممارسات المحبطة التي يتعرض لها بعض المخرجين المغاربة تحالفات غير نزيهة تخدم المصالح الشخصية على حساب إبداع المخرجين واستمرارهم. فمنذ سنوات، ورغم التطبيل المتكرر بتهيئة القطاع وتجديد البنى التحتية والغرف الفنية، يظل الدعم محصورًا في دائرة ضيقة تُفضل الأقرب فالأقرب، وتسير وفق حسابات ضيقة لا علاقة لها بالكفاءة أو جودة المحتوى، وهكذا يجد العديد من المخرجين أنفسهم في مواجهة حرمانهم من الدعم الرسمي للمركز السينمائي المغربي من جهة، ومكابدة تحايل القاعات السينمائية على أرباحهم من جهة أخرى، في تهميش واضح يضعهم في مأزق متكرر، وكأنهم غير مرحب بهم في قطاع يُفترض أن يكون لهم مكان فيه.

    صناع الأفلام المغاربة الذين يغامرون بتمويل مشاريعهم السينمائية بأنفسهم يواجهون عراقيل كبيرة نتيجة لعدم وجود تشجيع حقيقي من قبل المؤسسات الرسمية

    إزاء هذا الوضع يصبح من حق هؤلاء المخرجين التفكير جديًا في هجرة الساحة السينمائية المغربية نحو بيئات أخرى تقدر فنهم وتدعم إبداعهم، فالإقصاء المستمر والمراوغات التي تتسلل إلى عصب هذه الصناعة تسلبهم أي أمل في التغيير، وتجعل مغادرتهم لهذه الدائرة المتشابكة من التحالفات والمصالح الخاصة قرارًا منطقيًا، بل ضرورة لنجاتهم المهنيّة. وفي نهاية المطاف يظل القطاع السينمائي المغربي، مع غياب العدالة والشفافية في حالة انكماش، مستنزفًا طاقات المبدعين ومنفرًا لهم، بينما تتحول الساحة إلى فضاء مغلق لا يتسع إلا للدوائر الصغيرة ذات النفوذ المتبادل، فتزداد الهوة بين الفن الأصيل والمصالح المؤقتة.

    ويواجه صناع الأفلام المغاربة الذين يغامرون بتمويل مشاريعهم السينمائية بأنفسهم عراقيل كبيرة نتيجة لعدم وجود تشجيع حقيقي من قبل المؤسسات الرسمية، فهؤلاء المنتجون يضطرون للعمل بأقصى جهودهم ومواردهم المحدودة لتقديم أعمال فنية محلية تعكس الثقافة المغربية، لكنهم غالبًا ما تقابل جهودهم بإهمال من قِبل الجهات المسؤولة التي تفضل دعم الأعمال التي تفي بحسابات معينة بعيدة عن المبدعين الحقيقيين. هذا التقاعس في الدعم يزيد من صعوبة المضي قدمًا في الإنتاج السينمائي المستقل ويجعل صناع السينما في مواجهة وجها لوجه مع قاعات السينما التي تتحايل على العوائد المالية، بينما في ظل غياب الدعم والتشجيع يضطر الكثير من هؤلاء المبدعين إلى التفكير في الهجرة نحو أسواق أخرى توفر بيئة أكثر دعمًا واحترافية، وهو ما يضع السينما المغربية في مأزق ويقلل من قدرتها على التنافس والابتكار.

    إن استمرارية قاعات السينما في التلاعب بنسب الأرباح والتكتم على الأرقام الحقيقية تكشف عن خلل عميق في منظومة صناعة السينما المغربية، حيث يعاني صناع الأفلام خصوصًا أولئك الذين يعتمدون على الإنتاج الخاص دون دعم مؤسسي، من تداعيات هذه السياسات غير الشفافة، فهذه الممارسات تحرم المبدعين من معرفة حجم نجاح أعمالهم، وتهدد استمرارية مشاريعهم وتضعهم أمام خيارات قاسية قد تؤثر في مستقبلهم المهني، بينما يجد المنتجون أنفسهم في مأزق بالغ، حيث تعجزهم هذه الممارسات عن جذب الاستثمارات اللازمة فيصبحون في موقع ضعيف أمام قاعات السينما التي تواصل تلاعبها بالأرقام والاتفاقات المالية، وهنا يزداد الخطر على مستقبل السينما في المغرب، ويضعف الأمل في تطوير صناعة تتسم بالشفافية والنزاهة، لكن من المستفيد من غياب شركات إنتاج خاصة؟ وإلى متى سيستمر تجاهل تلاعب القاعات السينمائية في ظل غياب الرقابة على شباك التذاكر؟

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    ناقد سينمائي مغربي
يعمل...
X