الفيلم يمكن أن يكون عملا فنيا بينما لا يمكن للسيناريو أن يصبح أدبا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفيلم يمكن أن يكون عملا فنيا بينما لا يمكن للسيناريو أن يصبح أدبا

    الفيلم يمكن أن يكون عملا فنيا بينما لا يمكن للسيناريو أن يصبح أدبا


    الناقد السينمائي برنارد ف. ديك: الأفلام يجب أن تعامل معاملة النصوص.
    الجمعة 2024/11/29
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الفيلم نص خاص مسموع ومرئي

    السينما فن هجين استفاد في تشكله من فن التصوير والأدب، وكل الدعوات التي نادت بانفصال هذا الفن عن الأدب، وإن كانت تحمل في شق كبير منها رجاحة، أثبتت خطأها؛ لأن التكامل موجود بين العالمين والفنين، وهذا ما يؤكده الناقد السينمائي البريطاني برنارد ف. ديك في كتابه "تشريح الفيلم."

    يغوص الناقد السينمائي برنارد ف.ديك في كتابه “تشريح الفيلم” في دهاليز مفردات اللغة السينمائية من تصوير ومونتاج وإخراج وسيناريو، عارضا وضاربا الأمثلة وعاقدا للمقارنات الأدبية والفلسفية، لإبراز إمكانات الفن السينمائي، فضلا عن قيامه بتضمين بؤرة واسعة عن الاتجاهات من العرض السينمائي بنظام الديجيتال، بالاضافة إلى صناعة الأفلام الديجيتال والـ”دي في دي” حتى قيام اليوتيوب والموارد السينمائية الأخرى.

    ويحلل برنارد ف. ديك في كتابه الذي ترجمه مصطفى محرم أكثر الأفلام حداثة والكلاسيكيات المعاصرة بكل من النص الجديد وصور الإنتاج الثابتة، ومن هذه الأفلام “لا وطن للعجائز” 2007، “الجبل المنهار” 2005، “الآنسة صن شاين الصغيرة “2006، “النادلة” 2007، “الكبرياء والهوى” 1940 و2005، “المختفي” 2005، “متاهة بان” 2006، “المسافر” 1975، و”سراباند” لإنجمار برجمان 2003، و”المغامرة” لأنطونيوني 1960، و”أليس ومارتن” 1998، و”الراعي الطيب” 2006، وأفلام أخرى تم وضع قائمة بها وتتجاوز 600 فيلم.
    الفن التعاوني



    ◙ برنارد ف. ديك يحلل في كتابه الذي ترجمه مصطفى محرم أكثر الأفلام حداثة والكلاسيكيات المعاصرة بكل من النص الجديد وصور الإنتاج الثابتة


    الفيلم السينمائي من منظور الكاتب “أن يضغط حقبة بأكملها إلى صور قليلة أو يمكن أن يمتد بحدث بحيث يتجاوز زمنه المعتاد. وفي المسرح نجد أن الممثل هو الذي ينطق الحوار، وفي الفيلم قد تقول الشخصية شيئا والكاميرا قد تجيب بالصورة أفضل من أي شخصية أخرى. يعتمد المسرح على الإضاءة السينمائية إلى أبعد حد وترسم شخصية أحد الأفراد على أنه تافه أو معقد أو طيب أو قديس أو آثم.”

    ويضيف خلال تحليله فيلم “المسافر” للمخرج أنطونيوني من أجل إظهار البعد الفلسفي في الفيلم “فحتى الحقيقة تراوغ الكاميرا التي تكون رؤيتها في الغالب يمكن الاعتماد عليها أكثر من رؤيتنا. ومن جراء حماقتنا فإننا نظن أنه كلما اقتربنا من الشيء أصبح غامضا أكثر. وكلما اقترب المرء من لوحة الموناليزا على سبيل المثال زادت حيرة ابتسامتها. هل هي تبتسم برقة أم أنها ابتسامة الرضاء أم ابتسامة المواساة أو هل هناك ابتسامة على الإطلاق؟”

    ويرى برنارد ف. ديك في إطار الفيلم بوصفه فنا هجينا أنه تجب معاملة الأفلام معاملة النصوص، أعمال يجري تحليلها وتفسيرها، فهي تشابه أي نص آخر بما فيه نص الكتاب. وتأتي كلمة Text من الكلمة اللاتينية Textum وهي تعني “ما قد تم نسجه”، فالنص ينسج المادة في نسق منظم ومتماسك، والفيلم هو أيضا نص خاص من النصوص -نص مسموع ومرئي مثل ما وصفه الكاتب المسرحي الأميركي والسيناريست والناقد جون هوارد لوسون.

    كان الفيلم نصا مكتوبا إما في شكل سيناريو أو ملخص حبكة كما كان في فترة السينما الصامتة. وإذا لم يكن مكتوبا فإنه كان يتكون من فكرة في ذهن صانع الفيلم الذي يحولها إلى نص مسموع ومرئي. إن الفيلم فن هجين مثل الأوبرا؛ فالأوبرا تعتمد على فنون أخرى، المسرح والتصوير والموسيقى، وتعمد الأوبرا على الرقص والبانتوميم. ويمكن أن يعتمد الفيلم على كل هذه الفنون وهو قد نما أيضا من داخل فن آخر؛ التصوير. وغالبا ما نسمي الفيلم بالفن التعاوني بمعنى أنه يتطلب مواهب كثيرة من المتخصصين الذين يتم التنويه بأسمائهم جميعا في عناوين النهاية. وهو أيضا فن نتوقع فيه أن يقوم شخص واحد، وهو المخرج، بدمج المساهمات كلها في كل واحد.

    ◙ الفيلم الروائي على علاقة وطيدة بالأدب والأشكال الروائية المختلفة كالملحمة والقصة القصيرة والرواية يتشارك معها التقنية نفسها

    ويوضح أن الفيلم السينمائي مثل أي رواية يتضمن صراعا، صراع الشخصيات، تختلف الأهداف وتتشعب المصالح وتختصم الشخصيات مع بعضها البعض أو مع المجتمع، ومع ذلك نجد في الفيلم الصراع مسموعا ومرئيا؛ فإنه يسمع ويرى ولا يكتب ويقرأ. فالفيلم “يجسد علاقات الزمان والمكان.” وفي حين أن الرواية المكتوبة بمقدورها أن توحي بحدثين يقعان في نفس الوقت في مكانين مختلفين، فإن الفيلم بإمكانه أن يصنع أكثر من الإيحاء؛ بإمكانه أن يعرضهما أثناء وقوعهما.

    لقد تجاوز فيلم “شفرة الزمن” 2000 حدثين متزامنين. ففي هذا الفيلم التجريبي بشكل عال جرى تقسيم الشاشة إلى أربعة أجزاء إلى درجة أنها أصبحت أشبه بالشبكة. في كل جزء نرى قصة عن الخيانة الزوجية بحيث يستطيع الجمهور متابعة أربع روايات متداخلة عن نفس الموضوع، وتحدث في نفس اليوم ونفس المكان في لوس أنجلس. وحيث إن فيلم “شفرة الزمن” لم يكن الغرض منه الصور المتناثرة فإنه لم يجذب جماهير غفيرة.

    كانت محاولة المخرج مايك فيجس لتوضيح كيف يمكن أن يقدم لنا أربعة أحداث تقع في نفس الوقت دون أن يقوم المخرج بالانتقال من واحد إلى آخر. ولأنها طريقة تبتعد عما يتوقعه الجمهور من الفيلم فإن فيلم “شفرة الزمن” لا يمثل موجة المستقبل. ومع ذلك يوضح العمل مبدأ مهما: أن المرئي ليس مقيدا بنفس قيود المتكلم وأكثر ما نلاحظه أن الصورة تسمو بالزمن.

    ويرى الكاتب أن الزمن السينمائي ليس هو الزمن الحقيقي إذ يتلاعب الزمن السينمائي بالزمن الجقيقي، ويتسم بالمرونة، فيمكن في الفيلم ضغط يوم بأكمله في دقائق قليلة أو حتى ثوان وأيضا يمكن للدقائق والثواني أن تطول إلى ما يبدو أنه يوم بأكمله. ومن جانب آخر فإنه بالنسبة إلى تنوع الوسيط نجد تنوعا كبيرا بحيث من المستحيل أن نعمم طبيعة الوسيط. وليس كل فيلم من إنتاج أحد الأستوديوهات الكبيرة، وليس كل فيلم من إنتاج هوليوود.
    السينما والأدب



    ◙ يمكن أن يتم استخراج شكل الفيلم جزئيا من الأدب وجزئيا من الفنون المرئية


    يؤكد الناقد “ليست الأنواع احتكارية فبالرغم من أن التراجيديا بكل وضوح هي نوع فإن هناك أنواعا مختلفة من التراجيديا: اليونانية، الإليزابيثية، الكلاسيكية الجديدة الفرنسية، التاريخية والحديثة. وبالمثل هناك أنواع مختلفة من الكوميديا: الهزلية، مسخرة حجرة النوع، الكوميديا الرومانتيكية، كوميديا حجرة الجلوس والكوميديا التشيكوفية التي تخلط الضحك بالبكاء بطريقة فريدة، ويمكن تقسيم الرواية البوليسية كنوع إلى رواية الجريمة، البسيطة، المعقدة، البوليسية، القوطية، الجاسوسية والإجراءات البوليسية. ولذلك فإنه ليس من السهل تصنيف عمل أدبي، والأنواع السينمائية هي بالمثل معقدة.

    ويعتقد برنارد ف. ديك أنه يمكن أن يتم استخراج شكل الفيلم جزئيا من الأدب وجزئيا من الفنون المرئية. ويقتضي الأدب شيئا مكتوبا. قد يكون السيناريو أدبا كلاسيكيا في أغلب أساسه لأنه نص مكتوب، ولكن نادرا في المعنى التراثي أن يصبح أدبا كلاسيكيا. وعلى الوجه الآخر يمكن أن يكون الفيلم عملا سينمائيا فنيا في حين أن السيناريو لا يمكن أن يمر كأدب. وفي الحقيقة إن السيناريوهات المنشورة لإنجمار برجمان وهارولد بنتر وودي آلن قد تقرأ مثل الأدب (أو على الأقل مثل المسرحيات) فهي ليست شواهد يعتمد عليها بالنسبة إلى الأفلام الفعلية.

    ويذكر أنه في سيناريو “من خلال زجاج معتم” لبرجمان يقطع مارتن إصبعه الذي يبدأ في النزف فتشرع زوجته كارين حينئذ في امتصاص الدم من الجرح. وكما هو موصوف في السيناريو “تمتص كارين الدم وتنظر إليه مرة أخرى فجأة وبدون حماس.” ففي الفيلم يقطع مارتن إصبعه وكارين تقبله. وعندما كتب إنجمار برجمان السيناريو قد يكون المشهد تراءى له بشكل مختلف. وعندما أخرجه برجمان قرر أن يكون قطعا بسيطا أكثر من كونه امتصاص دماء. وبالفعل بتأسيس سلوك كارين الغريب أدرك أنه ليس الوقت المناسب ليكشف عن انفصام كارين. وقد يشمل الفيلم -وعادة ما يفعل- مشاهد لم تكن في السيناريو المنشور، فالسيناريو مثل النص الأوبرالي، فحيث هناك العديد من الأوبرات العظيمة هناك نصوص قليلة تستحق الدراسة مثل الأدب، وكما أن النص الأوبرالي يحتاج إلى موسيقى يحتاج السيناريو إلى تصور مرئي.

    ◙ الفيلم فن هجين كالأوبرا، التي تعتمد على فنون أخرى كالمسرح والتصوير والموسيقى والرقص، ومثلها تفعل السينما

    ويبين أن السيناريو كما يقتضي الاصطلاح هو مسرحية من أجل الشاشة ومثل المسرحية فيمكن أن تكون للفيلم مقدمة وخاتمة، ففي الفيلم قد تظهر المقدمة مطبوعة في العنوان الافتتاحي أو كدراما في العناوين أو مشهد قبل العناوين. فالعنوان الافتتاحي وأسماء الفنيين ومشاهد قبل الأسماء هي بالطبع غريبة عن الفيلم ويعتبر وجودها مقدمة. وفي إحدى الحالات تحتوي المقدمة على كلمات مكتوبة وفي الأخرى تحتوي على حدث مرئي.

    ويقول برنارد ف. ديك إن السينما ليست لها علاقة بالأدب، هذا ما أعلنه إنجمار برجمان. وحجة برجمان -أن الفيلم السينمائي كوسيط مرئي مقبول للخيال بينما الأدب وسيط مقروء يتوافق مع العقل- يمكن دحضها بالطبيعة العقلية لأعمال برجمان نفسه. في الواقع فإن الفيلم الروائي على علاقة كبيرة بالأدب. والأشكال الروائية المختلفة (الملحمة، الدراما، القصة القصيرة، الرواية والأوبرا) تتشارك في نفس التقنية: الافتتاحية والارتدادات والتلميح والعلم بكل شيء ووجهة النظر، إلى آخره. وعندما يستخدم المخرج السينمائي هذه الخصائص الروائية فإنه يصبح قاصا يستخدم تقنيات أصيلة لوضع قصته على الشاشة.

    ويؤكد الكاتب أن التمييز بين السينما والأدب خاصة يفتقر إلى الوضوح، وذلك عندما يكون الفيلم مقتبسا من رواية أو قصة قصيرة أو مسرحية. وينال الاقتباس أكبر كم من النقد لأن العمل الأصلي يصبح المقياس الذي تقاس عليه نسخة الفيلم، ومن ثم تأتي التهمة المتكررة “حسنا إنه ليس الكتاب (أو المسرحية).” وهناك إجابة واحدة فقط في شكل الاتهام “لم يكن يعني هذا،” فالاقتباس هو إحدى النسخ وليس النسخة الوحيدة؛ ذلك أنه يمكن لرواية معينة، أو مسرحية، أن تلهم نسخا سينمائية مختلفة، فأي نسخة من “شبح في الأوبرا” هي نسخة لرواية جاستون ليروكس.

    ويشير إلى أن كتابة السيناريو فن يميل التاريخ السينمائي -الذي يركز على تطور السينما كوسيط ونظام الأستوديو والنجوم الذين خرجوا عن عباءته ودور المخرج وعملية صناعة الفيلم- إلى تجاهله، ربما لأن السيناريو مرحلة قبل التصوير، وحتى بالرغم من ذلك فإن معظم الأفلام الروائية تبدأ بالسيناريو ويتراجع السيناريو إلى الخلفية عندما يتغير من نص مقروء إلى نص مرئي بحيث عندما يتم الفيلم تترجم الكلمات إلى صور، ولذلك فإن رواد السينما لا يربطون الحوار بالكاتب ولكن بالممثل الذي يقول الكلام أو بالمشاهد التي يتكلم فيها الممثلون، وبشكل يثير التعاطف.

    يغضب الكتاب عندما يجدون في دعاية الفيلم “فيلم للمخرج (اسم المخرج)” أو “(اسم المخرج) فيلم” في حين أن أسماءهم في نهاية العناوين وبحجم أصغر، ومع ذلك فإن أي واحد يأخذ السينما بجدية سوف يبحث عن اسم كاتب السيناريو في العناوين، إن تفهم دور كاتب السيناريو يتكامل مع فهم الوسيط السينمائي حيث السيناريو فيه هو الدعامة الأولى التي يقوم عليها الفيلم. وإن سر الكتابة السينمائية أن تعرف أجزاء الحبكة التي يمكن أن تحكيها كاملة دون كلمات، والأجزاء التي تتطلب حوارا. وكما لاحظ جون هوارد لوسون بأن الفيلم هو وسيط سمعي وبصري ويتطلب من كاتب السيناريو أن يفكر وفق كل من الكلمة المنطوقة والصورة المرئية.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X