"أرزة".. فيلم لبناني يصور رحلة بحث عن أبسط الأحلام
رحلة يائسة للبحث عن السكوتر تتحول إلى بانوراما عن واقع لبنان.
الثلاثاء 2024/11/19
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الاصطدام بحقيقة المجتمع
تعالج الأفلام المشتغلة بعناية ودقة القضايا المرجوة وتضيء عليها بطرق ذكية وغير مباشرة، ما يجعلها ترسخ أكثر في ذهن المتلقي وتدفعه إلى فهم أعمق بالكثير من الشعارات والنظرات السطحية والأخبار العابرة. ويمكننا اعتبار فيلم "أرزة" من هذه الأعمال التي نجحت في تحويل قضية ثانوية بسيطة إلى عين راصدة للبنان ومجتمعه وواقعه.
محمد أيسم
القاهرة - وسط بلد عاش لسنوات على وقع الحروب والأزمات تسعى امرأة لبنانية إلى الحفاظ على الاستقرار الهش لحياتها هي وابنها في الفيلم اللبناني “أرزة” للمخرجة ميرا شعيب.
ومع سعيها لتوسيع مشروعها الخاص من أجل تحسين أوضاعها المالية تصطدم أرزة -التي تأخذ اسمها من اسم شجرة الأرز اللبنانية الشهيرة- بواقع قاس تعصف فيه الانقسامات الطائفية والأعراف الاجتماعية بأبسط الأحلام في رحلة تأخذها عبر أنحاء بيروت.
قصة مثيرة
الفيلم يتتبع حياة أرزة التي تبيع المخبوزات المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش وما يحدث لها من تقلبات
الفيلم من بطولة دياموند أبوعبود وبيتي توتل وبلال الحموي، ومن تأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش، وينافس ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية” في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي.
يتتبع الفيلم على مدى 90 دقيقة حياة أرزة التي تبيع المخبوزات (المناقيش) المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش، ويعاونها ابنها كنان بتوصيل طلبات الزبائن يوميا متنقلا بالمواصلات العامة التي تعلق عادة وسط شوارع مكتظة دوما بمتظاهرين خرجوا للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدهم.
تخطر في ذهن أرزة فكرة شراء دراجة نارية (سكوتر) لتلبية عدد أكبر من الطلبات، لكن ضيق ذات اليد يحول دون ذلك، فلا تجد سبيلا سوى رهن سوار ذهبي لأختها ليلى مقابل بضع مئات من الدولارات تقدمها دفعة أولى لشراء السكوتر بالتقسيط رغم أن السوار هو آخر ذكرى متبقية لدى ليلى من زوجها زين، الذي تعيش على أمل عودته وقد تزينت بأحلى الثياب وأفضل مساحيق التجميل.
تشتري أرزة السكوتر في عيد ميلاد كنان الثامن عشر كهدية ووسيلة لتوصيل أكبر عدد ممكن من الطلبات يوميا، لكنه يصارحها بأنه لا يرغب في دخول الجامعة أو توصيل الطلبات، وإنما في السفر إلى الخارج سعيا لمستقبل أفضل مثلما فعل والده من قبل.
وفي رحلته لتوصيل الطلبات في ذلك اليوم يذهب كنان مع حبيبته ياسمين إلى الاحتفال بعيد ميلاده مع صديقيه الشقيقين نادر ومندور قبل متابعة العمل، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويفاجأ الشاب بسرقة السكوتر عند استعداده للعودة إلى المنزل.
وفي اليوم التالي تبدأ أرزة وكنان رحلة غير محددة الوجهة بحثا عن السكوتر تأخذهما إلى معظم مناطق بيروت.
رحلة بحث يائسة
البحث عن إبرة في كومة قش
لا يستخدم الفيلم المؤثرات البصرية أو أساليب التصوير المعقدة في مشاهده التي يحدث أغلبها في شوارع العاصمة اللبنانية. فنجد اللقطات بسيطة وتعتمد على الزوايا الواسعة لتضم أكبر عدد ممكن من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي تملأ شوارع بيروت. لكن اللقطات المقربة استخدمت في مشاهد كثيرة أيضا خلال الحوارات الثنائية لتعكس الحالة النفسية للأبطال.
تتحول رحلة البحث البائسة عن إبرة في كومة قش إلى بانوراما واسعة للتباين الطائفي في لبنان تبرز خلالها نظرة كل طائفة للأخرى وحالة التشكيك وعدم الاطمئنان داخل المجتمع الواحد، ويتنقل الثنائي من منطقة مسيحية إلى أخرى سنية إلى ثالثة شيعية، وفي كل بقعة لا يكون الحال أفضل من الأخرى.
وبينما أرزة في طريقها إلى إحدى المناطق المعروفة بالاتجار بالدراجات النارية المسروقة تتعرض للسرقة، ما يزيد الأمور تعقيدا لكن ذلك لا يثبط عزيمتها فتقول “كل حياتي والناس تاخد مني، ما راح خليهن هالمرة،” إلا أن البحث لا يتكلل بالنجاح هذه المرة أيضا.
تكمل أرزة رحلة البحث عن السكوتر لكنها تتلقى اتصالا تعلم عن طريقه أن أختها اختفت ولا أثر لها فتبحث هي وكنان عن ليلى حتى يجدانها عند أنقاض البيت الذي كان لها وزوجها الغائب زين، ثم يعود الجميع إلى منزل أرزة التي يبدو أنها استسلمت للواقع وتوقفت عن البحث.
في اليوم التالي يقابل كنان صديقيه، نادر ومندور، ويعطيه نادر عنوان تاجر دراجات نارية مسروقة ويخبره بأن أحد أقاربه وجد ضالته لديه بالفعل. يحمل كنان الورقة ويذهب بها إلى أرزة لطرح الفكرة عليها، فتصارحه بتقبلها الواقع وأنه كان محقا منذ البداية بنصحه إياها بعدم البحث عن السكوتر إلا أنها تحت إلحاح كنان وليلى تستعيد الأمل وتقرر مواصلة البحث قائلة جملتها الأثيرة “حاسة هالمرة راح تضبط معنا.”
وتحمل الموسيقى التصويرية في الفيلم ملامح موسيقى شعوب البحر المتوسط، فنجدها ملائمة للطابع الموسيقي اللبناني والمصري، بل واليوناني والإيطالي أيضا. وموسيقى الفيلم من تأليف الفنان المصري هاني عادل.
رحلة يائسة للبحث عن السكوتر تتحول إلى بانوراما عن واقع لبنان.
الثلاثاء 2024/11/19
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الاصطدام بحقيقة المجتمع
تعالج الأفلام المشتغلة بعناية ودقة القضايا المرجوة وتضيء عليها بطرق ذكية وغير مباشرة، ما يجعلها ترسخ أكثر في ذهن المتلقي وتدفعه إلى فهم أعمق بالكثير من الشعارات والنظرات السطحية والأخبار العابرة. ويمكننا اعتبار فيلم "أرزة" من هذه الأعمال التي نجحت في تحويل قضية ثانوية بسيطة إلى عين راصدة للبنان ومجتمعه وواقعه.
محمد أيسم
القاهرة - وسط بلد عاش لسنوات على وقع الحروب والأزمات تسعى امرأة لبنانية إلى الحفاظ على الاستقرار الهش لحياتها هي وابنها في الفيلم اللبناني “أرزة” للمخرجة ميرا شعيب.
ومع سعيها لتوسيع مشروعها الخاص من أجل تحسين أوضاعها المالية تصطدم أرزة -التي تأخذ اسمها من اسم شجرة الأرز اللبنانية الشهيرة- بواقع قاس تعصف فيه الانقسامات الطائفية والأعراف الاجتماعية بأبسط الأحلام في رحلة تأخذها عبر أنحاء بيروت.
قصة مثيرة
الفيلم يتتبع حياة أرزة التي تبيع المخبوزات المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش وما يحدث لها من تقلبات
الفيلم من بطولة دياموند أبوعبود وبيتي توتل وبلال الحموي، ومن تأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش، وينافس ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية” في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي.
يتتبع الفيلم على مدى 90 دقيقة حياة أرزة التي تبيع المخبوزات (المناقيش) المحشوة بالخضروات لكسب لقمة العيش، ويعاونها ابنها كنان بتوصيل طلبات الزبائن يوميا متنقلا بالمواصلات العامة التي تعلق عادة وسط شوارع مكتظة دوما بمتظاهرين خرجوا للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدهم.
تخطر في ذهن أرزة فكرة شراء دراجة نارية (سكوتر) لتلبية عدد أكبر من الطلبات، لكن ضيق ذات اليد يحول دون ذلك، فلا تجد سبيلا سوى رهن سوار ذهبي لأختها ليلى مقابل بضع مئات من الدولارات تقدمها دفعة أولى لشراء السكوتر بالتقسيط رغم أن السوار هو آخر ذكرى متبقية لدى ليلى من زوجها زين، الذي تعيش على أمل عودته وقد تزينت بأحلى الثياب وأفضل مساحيق التجميل.
تشتري أرزة السكوتر في عيد ميلاد كنان الثامن عشر كهدية ووسيلة لتوصيل أكبر عدد ممكن من الطلبات يوميا، لكنه يصارحها بأنه لا يرغب في دخول الجامعة أو توصيل الطلبات، وإنما في السفر إلى الخارج سعيا لمستقبل أفضل مثلما فعل والده من قبل.
وفي رحلته لتوصيل الطلبات في ذلك اليوم يذهب كنان مع حبيبته ياسمين إلى الاحتفال بعيد ميلاده مع صديقيه الشقيقين نادر ومندور قبل متابعة العمل، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويفاجأ الشاب بسرقة السكوتر عند استعداده للعودة إلى المنزل.
وفي اليوم التالي تبدأ أرزة وكنان رحلة غير محددة الوجهة بحثا عن السكوتر تأخذهما إلى معظم مناطق بيروت.
رحلة بحث يائسة
البحث عن إبرة في كومة قش
لا يستخدم الفيلم المؤثرات البصرية أو أساليب التصوير المعقدة في مشاهده التي يحدث أغلبها في شوارع العاصمة اللبنانية. فنجد اللقطات بسيطة وتعتمد على الزوايا الواسعة لتضم أكبر عدد ممكن من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي تملأ شوارع بيروت. لكن اللقطات المقربة استخدمت في مشاهد كثيرة أيضا خلال الحوارات الثنائية لتعكس الحالة النفسية للأبطال.
تتحول رحلة البحث البائسة عن إبرة في كومة قش إلى بانوراما واسعة للتباين الطائفي في لبنان تبرز خلالها نظرة كل طائفة للأخرى وحالة التشكيك وعدم الاطمئنان داخل المجتمع الواحد، ويتنقل الثنائي من منطقة مسيحية إلى أخرى سنية إلى ثالثة شيعية، وفي كل بقعة لا يكون الحال أفضل من الأخرى.
وبينما أرزة في طريقها إلى إحدى المناطق المعروفة بالاتجار بالدراجات النارية المسروقة تتعرض للسرقة، ما يزيد الأمور تعقيدا لكن ذلك لا يثبط عزيمتها فتقول “كل حياتي والناس تاخد مني، ما راح خليهن هالمرة،” إلا أن البحث لا يتكلل بالنجاح هذه المرة أيضا.
تكمل أرزة رحلة البحث عن السكوتر لكنها تتلقى اتصالا تعلم عن طريقه أن أختها اختفت ولا أثر لها فتبحث هي وكنان عن ليلى حتى يجدانها عند أنقاض البيت الذي كان لها وزوجها الغائب زين، ثم يعود الجميع إلى منزل أرزة التي يبدو أنها استسلمت للواقع وتوقفت عن البحث.
في اليوم التالي يقابل كنان صديقيه، نادر ومندور، ويعطيه نادر عنوان تاجر دراجات نارية مسروقة ويخبره بأن أحد أقاربه وجد ضالته لديه بالفعل. يحمل كنان الورقة ويذهب بها إلى أرزة لطرح الفكرة عليها، فتصارحه بتقبلها الواقع وأنه كان محقا منذ البداية بنصحه إياها بعدم البحث عن السكوتر إلا أنها تحت إلحاح كنان وليلى تستعيد الأمل وتقرر مواصلة البحث قائلة جملتها الأثيرة “حاسة هالمرة راح تضبط معنا.”
وتحمل الموسيقى التصويرية في الفيلم ملامح موسيقى شعوب البحر المتوسط، فنجدها ملائمة للطابع الموسيقي اللبناني والمصري، بل واليوناني والإيطالي أيضا. وموسيقى الفيلم من تأليف الفنان المصري هاني عادل.