من أهم كلاسيكيات السينما المصرية ..
«الزوجة الثانية» .. عندما يتحول فيلم لتراث شعبي
القاهرة ـ «سينماتوغراف» : محمد عدلي
فيلم «الزوجة الثانية» يعد من أهم الأفلام الكلاسيكية في السينما المصرية، ولأهميته حرص المنظمون في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي علي عرضه ضمن قسم كلاسيكيات مصرية مرممة، والتي تقام ضمن فعاليات الدورة الـ45 للمهرجان، وفي السطور التالية نسلط الضوء على هذا العمل الذي يحمل بصمة مخرج الواقعية صلاح أبو سيف.
يقيس أحياناً صناع أي عمل فني مدى نجاحه باستخدام الجمهور لمفردات ومصطلحات جاءت على لسان الأبطال، وهو جزء يمكن الحديث فيه تفصيلاً من باب أنه جزء لا يتجزأ من تطور فن الحوار في تاريخ السينما المصرية، بداية من الحوار الكلاسيكي حتى اللغة التي تستخدم في أفلامنا اليوم، فمثلاً عندما تعيش الجملة أو «الأفيه» سنة أو سنتين يعتبرا إنجازاً، ما بالك إذا استمر استخدامها أكثر من خمسين عاماً!، هذا ما فعله صلاح أبو سيف ورفاقه في فيلم «الزوجة الثانية»، فحتى الآن نستخدم «الليلة يا عمدة، امضى يا أبو العلا» وغيرها من جمل جاءت على لسان أبطال الفيلم.
قصة الفيلم للكاتب والشاعر الكبير أحمد رشدي صالح، ولمن لا يعرف أحمد رشدي صالح، فهو صحفي ومؤسس مركز الفنون الشعبية في القاهرة، وله العديد من القصائد العظيمة، قدم قصة الفيلم وقتها للمخرج صلاح أبو سيف، قبل الشروع في كتابة أي سيناريو وحوار، القصة التي تدور أحداثها حول كفر يحكمه عمدة ظالم ويعاونه رجاله المنافقين وقراره المفاجيء بالزواج من سيدة متزوجة بالفعل ورحلته في التفريق بينها وبين زوجها بمعاونة حاشيته حتى ينقلب السحر على الساحر ويموت هماً وغيظاً.
كتابة السيناريو كانت مميزة جداً في هذا العمل الذي يحمل رموزاً عديدة بين شخصياته، كتب السيناريو ثلاثة من كبار صناع السينما وقتها، محمد مصطفى سامي، السيناريست الذي قدم أفلاماً عديدة مثل «الزوج العازب وكرامة زوجتي، وحتى آخر العمر»، والكاتب المسرحي العظيم سعد الدين وهبة، صاحب أرض النفاق، وأعمال آخرى، وثالثهما صلاح أبو سيف، مخرج العمل نفسه، وهو شيء ليس غريباً على صلاح أبو سيف، وهو من علم نجيب محفوظ، نفسه فن كتابة السيناريو قبل الشروع في كتابة فيلم «المنتقم».
تتر فيلم الزوجة الثانية، يعتبر الأفضل في تاريخ السينما المصرية من حيث الفكرة، وبما أن أحداثه تدور في بلد ريفي، قرر الكاتب والمخرج صلاح أبو سيف، تقديم التتر مصحوباً بصوت راوي يشعر من كلمات وأداء صلاح جاهين، ليكون التتر وكأنه سيرة شعبية تروى من التراث الريفي والصعيدي في مصر، وبالتالي يتعلق المشاهد أكثر بالفيلم وحكايته كما تعلق بالسير الشعبية.
النظر لسيناريو فيلم الزوجة الثانية يستدعي وضع حالة مصر وقتها في الاعتبار، حيث تم تقديمه عام 1967، فترة نكسة ألمت بالمصريين وقتها ومن قبلها ثورة تأثر بها جيل كتاب العمل، وبالتالي الحبكة الرئيسية في الفيلم وهي إجبار العمدة لفلاح بسيط بتطليق زوجته كانت ترمي وقتها لقرارات تأميم الحكومة لعدد كبير من ممتلكات بعض المواطنين دون سبب واضح وإجبارهم عن التنازل للدولة عنها، خصوصاً في الجملة التي جاءت على لسان أبو العلا الفلاح البسيط «دا حرام دا ظلم»، وهو تفكير الكاتب والمخرج صلاح أبو سيف، الذي ينتمي للمدرسة الواقعية في السينما.
شخصيات فيلم الزوجة الثانية موجودة في كل حدوتة وصالحة لكل زمان ومكان «الحاكم الظالم ومعاونيه الفاسدين – المواطن الفقير الذي يتعرض للظلم ثم يثأر لنفسه»، تقديم الشخصيات في بداية الفيلم للجمهور كان مميزاً، فتجد أول مشهد للعمدة «عتمان» وهو يجبر فلاحة بسيطة على بيع بعض الطيور لديها بسعر بخس بمباركة شيخ البلد وشيخ الغفر، شخصية جبارة تستتر وراء قناع الدين والآيات الملفقة لمواقف لا تناسبها ويستغل ضعف ونفاق من حوله لتحقيق أهدافه، ثم شخصية «فاطمة»، الزوجة الحسناء التي جسدتها سعاد حسني، تظهر في أول لقطاتها تحمل «البلاص» على رأسها وتتحرك بخفة ورشاقة وتمر وسط نظرات العمدة وشيخ البلد دون أي اكتراث منها.
هنا يظهر نصف ملامح الشخصية، لتظهر بعدها باقي ملامح شخصيتها التي استطاعت الانتقام من العمدة، ثم شخصية زوجة العمدة الأولى التي جسدتها سناء جميل، والتي بدأت أول جملها في الفيلم بقولها للعمدة «والله ما اتهبل إلا انت»، شخصية لا تخشى ظلم زوجها وتعلم أنه يحتاج لها ولأموالها فتتعامل معه بجبروت لا يقل عن جبروته، ثم شخصية «أبو العلا» الفلاح البسيط الذي قدمه شكري سرحان.
«أبو العلا» الذي يقول لزوجته في أول مشاهده «أيوة دقت الوز، وأنا صغير أمي كان عندها وزها، لحقتها بالكسينة وهي بتفرفر»، وهي جملة تدل على فقره وعوزه الشديد والذي سيستغله العمدة لاحقا ورغم ذلك يحب زوجته وأولاده ويعيش فى سعادة لا يشعر بها العمدة صاحب الأطيان.
ومن أهم الشخصيات أيضاً شخصية الغفير «حسان»، الذي قدمه عبد المنعم إبراهيم، ذلك الغفير الذي يكره العمدة ولكنه يساعده في تنفيذ قواعده الظالمة على أهل الكفر، الشخص الذي يطبق مبدأ «عبد المأمور»، رغم كرهه لهذا المأمور، وكذلك شخصية شيخ البلد التي قدمها حسن البارودي، والتي مثلت للعمدة الصك الإلهي لتنفيذ رغباته الدنيئة، وحاول المخرج والمؤلفين تجسيد ضمير العمدة في شخص شيخ البلد، ذلك المتجبر الذي يحتمي بآيات الله.
الحوار في الفيلم كان من أمتع ما يكون، هناك جمل حوارية بعينها باقية حتى الآن بين الجمهور «وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم، إيه يا عمدة خسارة فيا؟ لا خسارة ليا، فى الزريبة يا راجل يا ناقص، ادعولوا ادعولوا.. وكمان ادعولوا..«يخربيت أبوه»، ومن جماليات الحوار في هذا الفيلم، أن جملة بسيطة كانت محركاً أساسياً للأحداث وليس حدث كبير، عندما قالت فاطمة للعمدة «جوزي، ليه هو أنت جوزي؟»، هنا تعرف العمدة على المكيدة التي دبرتها له فاطمة وبعدها كانت نهايته.
قدم صلاح أبو سيف، صورة إخراجية مميزة، بداية من اختيار أماكن التصوير، حيث نقل لنا بكاميرته صورة للريف البسيط وقتها حيث تم التصوير في قرية بمحافظة الدقهلية، ثم بداية الفيلم عن طريق مشهد صندوق الدنيا الذي يحكي القصة كلها قبل بداية التفاصيل، ثم مشهد «الأراجوز» والذي جاء فيه حكمة الفيلم «الحب مش بالعافية»، وكان محركاً للأحداث حيث استمدت منه فاطمة خطتها للقضاء على العمدة، كلها مشاهد حاول بها المخرج أن يربط بين أحداث الفيلم والحكايات الشعبية ليضمن أن يعيش على مر الزمن وقد كان.
يعتبر صلاح أبو سيف، من أهم المخرجين – هو ويوسف شاهين – أصحاب القدرات في تقديم أكثر من مشهد دون قطع، تشعر كأنك تتجول داخل الأماكن مع شخصياته ليس فقط مشاهدا عاديا، فهو بحركة الكاميرا يدخل شخصيات ويخرج أخرى من المشهد ويخلق مشهدا جديداً دون أي قطع وهو تكنيك مسرحي صعب.
من أهم مشاهد الفيلم وأصعبها وعكس التكنيك الذي استخدمه «أبو سيف»، طوال الفيلم، هو مشهد إجبار «أبو العلا» على الطلاق، تجد هناك قطعات كثيرة لإظهار ردود الأفعال المختلفة، بداية المشهد بكادر من أعلى الممثلين لإظهار محاوطة العمدة وأعوانه للفلاح الفقير، ثم قطعات وكلوز أب على وجه «أبو العلا»، تظهر مدى القهر والظلم الذي تعرض له، ثم قطعات على وجه العمدة وأوعوانه توضح الجبروت.
إيقاع الفيلم كان سريعاً، رغم توقع النهاية وكلاسيكية الموضوع إلا أنك لا تشعر بأي ملل من مشاهدة الفيلم أكثر من مرة وبالطبع ذلك يحسب للمخرج.
ومن أهم مميزات الفيلم أيضاً وتحوله لتراث شعبي حقيقي هي موسيقى الفيلم التي ألفها فؤاد الظواهري، واستوحاها من قصة أيوب المصري، وهي أحد القصص الشعبية المنتشرة.
التمثيل في فيلم الزوجة الثانية كان مباراة قوية بين مجموعة من الممثلين المتمكنين من أدوارهم بشدة، أولاً جمعيهم أتقنوا اللهجة الريفي، فمثلا دور العمدة الذي قدمه صلاح منصور، تجده طول الفيلم راكبا على حماره أو ماشيا واضعا يده على بطنه الممتلئه كنوع من الاعتزاز والفخر بنفسه، سعاد حسني في تجسيدها لشخصية «فاطمة»، قدمت واحدا من أهم أدوارها حيث انقسم دورها جزأين، الأول الفلاحة البسيطة المنكسرة التي لا تستطيع مواجهة ظلم العمدة، فتجدها في الجزء الأول من الفيلم تبكي كثيرا ويظهر على زجهها البؤس والقهر، ثم تنتقل فجأة للجبروت في ردود أفعالها ومحاربتها للعمدة وزوجته.
ويعتبر دور الفلاح «أبو العلا» نقلة في الأداور التي قدمها شكري سرحان في تاريخه، ما بين الجان الوسيم والطالب والشرير، ذلك الفلاح المجبر على أمره والذي نقل لنا سرحان خلال تجسيده الشخصية قهره والظلم الواقع عليه من خلال دموعه وأدائه الجمل الحوارية.
ومن أهم الممثلين أيضاً كان حسن البارودي، الذي قدم دور شيخ البلد، استخدم في كل مشاهده تقريباً لغة الجسد، فكان يحرك يديه معبراً عن كلامه ليقنع الشخص الذي أمامه بقصده ورأيه، وهو أساس شخصيته، كذلك قدمت سناء جميل، دور الزوجة الأولى التي تحاول إفساد الزيجة الثانية للعمدة بشكل جيد وصادق، كذلك عبد المنعم إبراهيم، في شخصية الغفير حسان، قدم الدور بتعبيرات وجهه، ما بين كرهه للعمدة وحقده عليه طوال غيابه وبين نفاقه له في وجوده.
فيلم «الزوجة الثانية»، يعطي مثالاً قويا في قدرة السينما وصناعها على خلق فن يصلح لسنوات، فحكايات الخير مقابل الظلم، والحق مقابل الباطل، صالحة لكل زمان وتحدث في كل مكان ولا تنتهي أبداً، الأهم من الحكاية هي رؤية مخرج في موهبة صلاح أبو سيف.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك
«الزوجة الثانية» .. عندما يتحول فيلم لتراث شعبي
القاهرة ـ «سينماتوغراف» : محمد عدلي
فيلم «الزوجة الثانية» يعد من أهم الأفلام الكلاسيكية في السينما المصرية، ولأهميته حرص المنظمون في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي علي عرضه ضمن قسم كلاسيكيات مصرية مرممة، والتي تقام ضمن فعاليات الدورة الـ45 للمهرجان، وفي السطور التالية نسلط الضوء على هذا العمل الذي يحمل بصمة مخرج الواقعية صلاح أبو سيف.
يقيس أحياناً صناع أي عمل فني مدى نجاحه باستخدام الجمهور لمفردات ومصطلحات جاءت على لسان الأبطال، وهو جزء يمكن الحديث فيه تفصيلاً من باب أنه جزء لا يتجزأ من تطور فن الحوار في تاريخ السينما المصرية، بداية من الحوار الكلاسيكي حتى اللغة التي تستخدم في أفلامنا اليوم، فمثلاً عندما تعيش الجملة أو «الأفيه» سنة أو سنتين يعتبرا إنجازاً، ما بالك إذا استمر استخدامها أكثر من خمسين عاماً!، هذا ما فعله صلاح أبو سيف ورفاقه في فيلم «الزوجة الثانية»، فحتى الآن نستخدم «الليلة يا عمدة، امضى يا أبو العلا» وغيرها من جمل جاءت على لسان أبطال الفيلم.
قصة الفيلم للكاتب والشاعر الكبير أحمد رشدي صالح، ولمن لا يعرف أحمد رشدي صالح، فهو صحفي ومؤسس مركز الفنون الشعبية في القاهرة، وله العديد من القصائد العظيمة، قدم قصة الفيلم وقتها للمخرج صلاح أبو سيف، قبل الشروع في كتابة أي سيناريو وحوار، القصة التي تدور أحداثها حول كفر يحكمه عمدة ظالم ويعاونه رجاله المنافقين وقراره المفاجيء بالزواج من سيدة متزوجة بالفعل ورحلته في التفريق بينها وبين زوجها بمعاونة حاشيته حتى ينقلب السحر على الساحر ويموت هماً وغيظاً.
كتابة السيناريو كانت مميزة جداً في هذا العمل الذي يحمل رموزاً عديدة بين شخصياته، كتب السيناريو ثلاثة من كبار صناع السينما وقتها، محمد مصطفى سامي، السيناريست الذي قدم أفلاماً عديدة مثل «الزوج العازب وكرامة زوجتي، وحتى آخر العمر»، والكاتب المسرحي العظيم سعد الدين وهبة، صاحب أرض النفاق، وأعمال آخرى، وثالثهما صلاح أبو سيف، مخرج العمل نفسه، وهو شيء ليس غريباً على صلاح أبو سيف، وهو من علم نجيب محفوظ، نفسه فن كتابة السيناريو قبل الشروع في كتابة فيلم «المنتقم».
تتر فيلم الزوجة الثانية، يعتبر الأفضل في تاريخ السينما المصرية من حيث الفكرة، وبما أن أحداثه تدور في بلد ريفي، قرر الكاتب والمخرج صلاح أبو سيف، تقديم التتر مصحوباً بصوت راوي يشعر من كلمات وأداء صلاح جاهين، ليكون التتر وكأنه سيرة شعبية تروى من التراث الريفي والصعيدي في مصر، وبالتالي يتعلق المشاهد أكثر بالفيلم وحكايته كما تعلق بالسير الشعبية.
النظر لسيناريو فيلم الزوجة الثانية يستدعي وضع حالة مصر وقتها في الاعتبار، حيث تم تقديمه عام 1967، فترة نكسة ألمت بالمصريين وقتها ومن قبلها ثورة تأثر بها جيل كتاب العمل، وبالتالي الحبكة الرئيسية في الفيلم وهي إجبار العمدة لفلاح بسيط بتطليق زوجته كانت ترمي وقتها لقرارات تأميم الحكومة لعدد كبير من ممتلكات بعض المواطنين دون سبب واضح وإجبارهم عن التنازل للدولة عنها، خصوصاً في الجملة التي جاءت على لسان أبو العلا الفلاح البسيط «دا حرام دا ظلم»، وهو تفكير الكاتب والمخرج صلاح أبو سيف، الذي ينتمي للمدرسة الواقعية في السينما.
شخصيات فيلم الزوجة الثانية موجودة في كل حدوتة وصالحة لكل زمان ومكان «الحاكم الظالم ومعاونيه الفاسدين – المواطن الفقير الذي يتعرض للظلم ثم يثأر لنفسه»، تقديم الشخصيات في بداية الفيلم للجمهور كان مميزاً، فتجد أول مشهد للعمدة «عتمان» وهو يجبر فلاحة بسيطة على بيع بعض الطيور لديها بسعر بخس بمباركة شيخ البلد وشيخ الغفر، شخصية جبارة تستتر وراء قناع الدين والآيات الملفقة لمواقف لا تناسبها ويستغل ضعف ونفاق من حوله لتحقيق أهدافه، ثم شخصية «فاطمة»، الزوجة الحسناء التي جسدتها سعاد حسني، تظهر في أول لقطاتها تحمل «البلاص» على رأسها وتتحرك بخفة ورشاقة وتمر وسط نظرات العمدة وشيخ البلد دون أي اكتراث منها.
هنا يظهر نصف ملامح الشخصية، لتظهر بعدها باقي ملامح شخصيتها التي استطاعت الانتقام من العمدة، ثم شخصية زوجة العمدة الأولى التي جسدتها سناء جميل، والتي بدأت أول جملها في الفيلم بقولها للعمدة «والله ما اتهبل إلا انت»، شخصية لا تخشى ظلم زوجها وتعلم أنه يحتاج لها ولأموالها فتتعامل معه بجبروت لا يقل عن جبروته، ثم شخصية «أبو العلا» الفلاح البسيط الذي قدمه شكري سرحان.
«أبو العلا» الذي يقول لزوجته في أول مشاهده «أيوة دقت الوز، وأنا صغير أمي كان عندها وزها، لحقتها بالكسينة وهي بتفرفر»، وهي جملة تدل على فقره وعوزه الشديد والذي سيستغله العمدة لاحقا ورغم ذلك يحب زوجته وأولاده ويعيش فى سعادة لا يشعر بها العمدة صاحب الأطيان.
ومن أهم الشخصيات أيضاً شخصية الغفير «حسان»، الذي قدمه عبد المنعم إبراهيم، ذلك الغفير الذي يكره العمدة ولكنه يساعده في تنفيذ قواعده الظالمة على أهل الكفر، الشخص الذي يطبق مبدأ «عبد المأمور»، رغم كرهه لهذا المأمور، وكذلك شخصية شيخ البلد التي قدمها حسن البارودي، والتي مثلت للعمدة الصك الإلهي لتنفيذ رغباته الدنيئة، وحاول المخرج والمؤلفين تجسيد ضمير العمدة في شخص شيخ البلد، ذلك المتجبر الذي يحتمي بآيات الله.
الحوار في الفيلم كان من أمتع ما يكون، هناك جمل حوارية بعينها باقية حتى الآن بين الجمهور «وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم، إيه يا عمدة خسارة فيا؟ لا خسارة ليا، فى الزريبة يا راجل يا ناقص، ادعولوا ادعولوا.. وكمان ادعولوا..«يخربيت أبوه»، ومن جماليات الحوار في هذا الفيلم، أن جملة بسيطة كانت محركاً أساسياً للأحداث وليس حدث كبير، عندما قالت فاطمة للعمدة «جوزي، ليه هو أنت جوزي؟»، هنا تعرف العمدة على المكيدة التي دبرتها له فاطمة وبعدها كانت نهايته.
قدم صلاح أبو سيف، صورة إخراجية مميزة، بداية من اختيار أماكن التصوير، حيث نقل لنا بكاميرته صورة للريف البسيط وقتها حيث تم التصوير في قرية بمحافظة الدقهلية، ثم بداية الفيلم عن طريق مشهد صندوق الدنيا الذي يحكي القصة كلها قبل بداية التفاصيل، ثم مشهد «الأراجوز» والذي جاء فيه حكمة الفيلم «الحب مش بالعافية»، وكان محركاً للأحداث حيث استمدت منه فاطمة خطتها للقضاء على العمدة، كلها مشاهد حاول بها المخرج أن يربط بين أحداث الفيلم والحكايات الشعبية ليضمن أن يعيش على مر الزمن وقد كان.
يعتبر صلاح أبو سيف، من أهم المخرجين – هو ويوسف شاهين – أصحاب القدرات في تقديم أكثر من مشهد دون قطع، تشعر كأنك تتجول داخل الأماكن مع شخصياته ليس فقط مشاهدا عاديا، فهو بحركة الكاميرا يدخل شخصيات ويخرج أخرى من المشهد ويخلق مشهدا جديداً دون أي قطع وهو تكنيك مسرحي صعب.
من أهم مشاهد الفيلم وأصعبها وعكس التكنيك الذي استخدمه «أبو سيف»، طوال الفيلم، هو مشهد إجبار «أبو العلا» على الطلاق، تجد هناك قطعات كثيرة لإظهار ردود الأفعال المختلفة، بداية المشهد بكادر من أعلى الممثلين لإظهار محاوطة العمدة وأعوانه للفلاح الفقير، ثم قطعات وكلوز أب على وجه «أبو العلا»، تظهر مدى القهر والظلم الذي تعرض له، ثم قطعات على وجه العمدة وأوعوانه توضح الجبروت.
إيقاع الفيلم كان سريعاً، رغم توقع النهاية وكلاسيكية الموضوع إلا أنك لا تشعر بأي ملل من مشاهدة الفيلم أكثر من مرة وبالطبع ذلك يحسب للمخرج.
ومن أهم مميزات الفيلم أيضاً وتحوله لتراث شعبي حقيقي هي موسيقى الفيلم التي ألفها فؤاد الظواهري، واستوحاها من قصة أيوب المصري، وهي أحد القصص الشعبية المنتشرة.
التمثيل في فيلم الزوجة الثانية كان مباراة قوية بين مجموعة من الممثلين المتمكنين من أدوارهم بشدة، أولاً جمعيهم أتقنوا اللهجة الريفي، فمثلا دور العمدة الذي قدمه صلاح منصور، تجده طول الفيلم راكبا على حماره أو ماشيا واضعا يده على بطنه الممتلئه كنوع من الاعتزاز والفخر بنفسه، سعاد حسني في تجسيدها لشخصية «فاطمة»، قدمت واحدا من أهم أدوارها حيث انقسم دورها جزأين، الأول الفلاحة البسيطة المنكسرة التي لا تستطيع مواجهة ظلم العمدة، فتجدها في الجزء الأول من الفيلم تبكي كثيرا ويظهر على زجهها البؤس والقهر، ثم تنتقل فجأة للجبروت في ردود أفعالها ومحاربتها للعمدة وزوجته.
ويعتبر دور الفلاح «أبو العلا» نقلة في الأداور التي قدمها شكري سرحان في تاريخه، ما بين الجان الوسيم والطالب والشرير، ذلك الفلاح المجبر على أمره والذي نقل لنا سرحان خلال تجسيده الشخصية قهره والظلم الواقع عليه من خلال دموعه وأدائه الجمل الحوارية.
ومن أهم الممثلين أيضاً كان حسن البارودي، الذي قدم دور شيخ البلد، استخدم في كل مشاهده تقريباً لغة الجسد، فكان يحرك يديه معبراً عن كلامه ليقنع الشخص الذي أمامه بقصده ورأيه، وهو أساس شخصيته، كذلك قدمت سناء جميل، دور الزوجة الأولى التي تحاول إفساد الزيجة الثانية للعمدة بشكل جيد وصادق، كذلك عبد المنعم إبراهيم، في شخصية الغفير حسان، قدم الدور بتعبيرات وجهه، ما بين كرهه للعمدة وحقده عليه طوال غيابه وبين نفاقه له في وجوده.
فيلم «الزوجة الثانية»، يعطي مثالاً قويا في قدرة السينما وصناعها على خلق فن يصلح لسنوات، فحكايات الخير مقابل الظلم، والحق مقابل الباطل، صالحة لكل زمان وتحدث في كل مكان ولا تنتهي أبداً، الأهم من الحكاية هي رؤية مخرج في موهبة صلاح أبو سيف.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك