فيلم 451 فهرنهايت - حيث يحرقون الكتب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم 451 فهرنهايت - حيث يحرقون الكتب

    فيلم 451 فهرنهايت - حيث يحرقون الكتب
    – لطفية الدليمي
    درجة 451 فهرنهايت هي درجة حرارة إحتراق الورق و451 فهرنهايت إسم رواية كتبها احد اشهر كتاب الخيال العلمي في أمريكا (راي برادبوري)
    ..ظهرت الرواية سنة 1957 وأحدثت ضجة في الأوساط الثقافية لأنها أدانت الحقبة المكارثية، عندما مارس النائب الجمهوري جوزيف مكارثي حملته الشهيرة بعد الحرب العالمية الثانية ولاحق المفكرين والكتاب والفنانين وأحالهم الي المحاكم وسجن الكثيرين منهم بتهمة إنتمائهم لليسار ومنعت وصودرت كتب الكثيرين منهم واستخدم هو ومؤسساته عدداً هائلاً من المثقفين كمخبرين وكاتبي تقارير ومن بين الذين استخدمتهم المكارثية لفترة طويلة الكاتب البريطاني (جورج اورويل) صاحب مزرعة الحيوانات و(1948 ) وياللعجب.ويعد المشهد الختامي في الفيلم من أروع مشاهد المقاومة الانسانية في مدينة تحرم قراءة الكتب .
    يرينا المخرج الفرنسي "فرانسوا تروفو" في الفلم المأخوذ عن الرواية مشهدا هائل الجمال خارج مدينة التحريم الفكري حيث لجأ إلى الغابة عدد من الرجال والنساء والأطفال تحول كل منهم الي (كتاب حي) إذ حفظوا الكتب العظيمة عن ظهر قلب، فنجد رجلاً اسمه (الحرب والسلام) يردد عبارات تولستوي وهذه امرأة حفظت رواية (أنا كارينينا) وهناك آخر حفظ ثلاثية (دروب الحرية) لسارتر، وهذا صبي يافع يمثل رواية (دافيد كوبرفيلد) لديكنز وذلك الرجل هو كتاب (الجريمة والعقاب) والآخر هو (البؤساء)، ومعه كتاب ( جمهورية أفلاطون ) وعندما يشرف أحد الشيوخ علي الموت وهو حافظ لأحد كتب العباقرة يقوم بتلقين مضمون الكتاب كلمة كلمة لصبي صغير قبل ان يلفظ أنفاسه الاخيرة وعندما يتم المهمة يغمض عينيه مطمئناً فقد ضمن وصول الكتاب إلى جيل جديد سينقله إلى المستقبل مرة أخرى.
    وفي هذا الجو المشحون بالإثارة الروحية والعاطفة الانسانية وإحساس المقاومة بنجاح خطتها، يلتقط المخرج صورة مقربة لقدم رجلٍ في جوارب مثقوبة وعندما ترتفع الكاميرا الى الاعلى نقرأ (كتاب الأمير لميكيافيلي ).. يضحك الرجل ساخراً ويقول:
    ــ لا تحكموا على الكتاب من غلافه..
    وتكمن مفارقة النظام الإرهابي الذي يقلب وظائف الاشياء إلى ضدها في تحويله فرقة إطفاء الحرائق إلى فرقة إحراق الكتب وتسمي فرقة (451 فهرنهايت )
    يقول رئيس الفرقة:
    - نريد إشغال الناس بمسابقات الأغاني ، نريد حشو أدمغتهم بمعلومات تافهة ليتوهموا بأنهم بارعون وراضون عن أنفسهم بينما هم في حقيقة الأمر لايفكرون في شيء ذي قيمة ( أراب ايدول وذا فويس و x فاكتور وغيرها أمثلة حية على صرف العقول الشابة عن الثقافة الرصينة واشغالهم بمتابعة المسابقات وأخبار النجوم ).
    تنبأ (راي برادبوري) بما سيؤول اليه مستقبل الفكر الانساني عندما تتدنى قيمة المعرفة وتهيمن سلطة الجهل ويتحكم التلفزيون ببرامج مسابقاته وألغازه في حياة البشر محولاً الجموع إلى قطعان مدجنة مخدرة تلتهم برامج المنوعات والأغاني والمسلسلات وتدمن عليها فلا تعود معنية بما يحدث من مخاطر وتهديدات لمستقبل البشرية ولا تأبه بأي شأن من شؤون الحياة والمخاطر التي تفترس المجتمع .
    إستشرف (برادبوري) مستقبل الإنسانية عندما توقع صعود القهر والتسلط والإرهاب في بعض بلدان عالمنا المعاصر وكيف سيتحول البشر المحرومون من المعرفة والثقافة إلى كائنات تحيا لإشباع غرائزها الاولية( جنس وطعام وثياب ومخدرات ) وتقاوم البؤس والتعاسة والعجز والأرق بإلتهام الحبوب المهدئة و المنومة والمخدرات ولا ترى العالم الا من خلال شاشة التلفزيون التي تتحكم بالأفكار والأنشطة والآمال وتدور حولها تفاصيل حياة الناس المرتبطة بشهوة الثراء والجوائز وإمتلاك الأجساد النموذجية والنساء الجميلات والسيارات الفارهة.
    في المدينة اللامسماة وفي عصر غير محدد بزمان وربما هو عصرنا الذي توقعه (برادبوري) تداهم فرقة (451 فهرنايت) المنازل التي يبلغ عنها جواسيس النظام المرتعب من وجود الكتب ويقوم رجال الفرقة بتحطيم أثاث البيت والخزائن ويلقون بالكتب التي يعثرون عليها في باحة البيت حيث يتم حرقها باستخدام قاذفات اللهب لتكون عبرة للآخرين ممن يتجرأون علي إقتناء الكتب. يقول ( مونتاغ ) أحد رجال الفرقة مرددا مقولة السلطة:
    - الكتب؟ ماهي إلا مجرد نفايات تسلب الناس السعادة وتقلق حياتهم وتجعلهم يتمردون علي المجتمع لذلك ينبغي حرقها.
    يخبر الفتاة التي يتعرف عليها في الجوار إن عمله في حرق الكتب ينطوي علي كثير من الإثارة والمتعة فمثلاً نحرق اليوم الإثنين ( هنري ميللر) ويوم الثلاثاء (تولستوي) ويوم الأربعاء (ديستوفسكي) وفي يوم آخر (سارتر) و(ماركس) و(نيتشه ) إنه عمل مسلٍ ومجزٍ فنحن نعتاش على حرق الكتب مثلما يعتاش الآخرون على مهن أخرى. إنها مهنة مثل كل المهن. مهمتنا حرق هؤلاء الكتاب دون إستثناء (و نحولهم الي رماد)
    تسأله بشيء من الفضول:ـ إذن هل أنت سعيد؟
    لايرد فهو لايدري ان كان سعيدا او تعيسا
    ــ هل جربت أن تقرأ أحد الكتب؟؟ يقول : لا..
    ــ حاول أن تفعل.
    يبدأ (مونتاغ) بسرقة بعض الكتب من أكداس المطبوعات المهيأة للحرق يقرأ ويقرأ ؛ فتستيقظ لديه الحياة. يتنبه العقل والجسد والمشاعر في الوقت الذي تتحول زوجته الي مدمنة مثالية للتلفزيون والمسلسلات والحبوب المهدئة وتغدو كائنا مجردا من الوعي والمشاعر .. (روبوت) بشري ، وتراقب تحولات زوجها وترتاب في كونه يمتلك الممنوعات.
    يتفق مونتاغ مع صديقته علي اللقاء وراء النهر، ولكن بعد أن يتم مهمته الشاقة التي قرر القيام بها . في هذا الوقت تدهم الفرقة منزل سيدة مسنة تملك الافاً من الكتب ويجري تكديس الكتب في كومة كبيرة ويشرعون في حرق الكتب فتصرخ المرأة وهي وتقف وسط لهب الكتب المحروقة:
    - (لن تحرقوا الكتب بدوني، سأموت مع كتبي – لاحياة لي بدونها ) وهكذا تفعل، تضحي بالحياة التي لاتعني لها شيئا من غير مكتبتها التي جرى تدميرها .
    يخبر (مونتاغ) صديقته بإجرائه الذي سيحطم النظام من داخله، سيدس كتاباً من الممنوعات لدي كل حارق من أعضاء الفرقة ويبلغ عنه، لتنهار الفرقة ويتوقف الإرهاب الذي تمارسه الدولة عن طريق فرقة الحريق ، غير أن زوجته تبلغ عنه قبل إنجاز مهمته ؛ فتحاصره الفرقة ويعثرون على المحرمات في منزله لكنه يستخدم قاذفة اللهب لمهاجمة أعضاء الفرقة ويهرب إلى موعده مع الفتاة حيث يلتقيان مع أناس الكتب ، وهناك حيث ينهض عالم رائع وعجيب من البشر الذين قاوموا إرهاب السلطة ورفضوا الخضوع لسياسة التجهيل ، وأقاموا مجتمع العقل في الغابة وعاشوا في حذر وخوف لأنهم يحملون أثمن أسرار البشرية ونتاج عقولها ، ويتنهي الفلم عند هذه المأثرة الانسانية الرفيعة: تحول البشر إلى حافظين للتراث الانساني رداً على القمع وظلامية النظم الاستبدادية.
يعمل...
X