القراءة سَفَر حرّ والكتب أجنحة الحالمين
تجربتي الشخصية أملت عليّ الإيمان بأننا لا يمكننا أن ننصح أحدا كيف يقرأ، بل من الجرم أن نفعل، فلكل طريقته، في استقبال الأشياء، والإقبال عليها.
لوحة الفنان رضا درويش
في البدء كانت الكلمات، ثم ولدت الكتب لتكون أجنحة لمخيلات الحالمين بالطيران بعيدا عن المكان الفخ الذي أسروا فيه، وألزموا بالإقامة في قيده، كما ألزم إيكاروس وأبوه ديدالوس في برج الملك مينوس. الكتب لنسافر، والكتب لنتخيل الأبعد، الكتب لنستبدل الواقع بالحلم، حلم السفر بعيدا وارتياد الآفاق، حلم اكتشاف الذات والعالم، حلم الحرية. لذلك حرّم الطغاة الكتب، وأحرق الغزاة المكتبات.
في حياتي، حتى اليوم، عدد من المكتبات التي اقتنيت كتبها واعتنيت بكل منها على نحو ارتبط، بالضرورة، بالأمكنة التي عشت فيها. لقد عبّر كل منها عن مرحلة من مراحل حياتي القرائية واهتماماتي ودراساتي في الأدب. فباستثناء الفترة المبكرة من حياتي العلمية والأدبية، لطالما كنت الطالب والمعلم معا، ولم يكن لي من المعلمين، طوال حياتي، من هم أفضل من الكتب.
الكتب، باختيار شخصي ومزاج قرائي خاص، وغالبا ما كانت قراءاتي بعيدة كل البعد عن الموضات الدارجة في القراءة، وأعني بها تلك التي تعبر عن نفسها في دعوات محمومة يوجهها أصدقاء إلى أصدقائهم لقراءة كتب بعينها.
***
في أواخر السبعينات سرت حمى في دمشق اسمها “مئة عام من العزلة”، ظهرت عوارضها الشديدة على جل من عرفت من الأصدقاء، فكنت كلما التقيت صديقا، وقبل أن أسأله عن آخر قراءاته كان يهاجمني بالسؤال “هل قرأت مئة عام من العزلة؟”. وكنت أجيب بالجملة نفسها “لا، لدي برنامج قراءات، عندما أفرغ منه سأقتني الكتاب”. إذ ذاك كنت أرى في وجه سائلي التعبير المشفق نفسه: كم فاتك إذن!
استمرت تلك الحمى سنتين، وربما أكثر. وفي عيد ميلادي كذا والعشرين وصلتني هدية، فإذا بها رائعة غابرييل غارسيا ماركيز بترجمة سامي الجندي. إجلالا للصديق وضعتها في مكان بارز من مكتبتي، والواقع أنني لم أقرأ تلك الرواية لا في دمشق ولا في بيروت (رغم ما كان من ارتباطي بعلاقة صداقة مع سامي الجندي)، ولم أفعل في قبرص حيث أقمت لبضع سنوات وفي حوزتي نسخة موقعة من المترجم. وبعد مرور عقدين من الزمن جاء الموعد مع تلك الرواية الرائعة. ولأعترف أنني لا أذكر إن كنت شعرت بالأسف لكوني لم أقرأ هذا العمل في سنوات العشرينات.
لاحقا تنبهت إلى أن وراء إعراضي عن قراءة تلك الرواية ودعوات أخرى، قبلها وبعدها، ما هو أكثر من نفوري من الموضات ومما تلهث المجموعات وراءه، ومن اعتدادي المبكر بخياراتي الشخصية في القراءة، وعشقي لمصادفات اللقاء مع الكتاب، بعيدا عن الإشارات الفظة القادمة من آخرين، حتى وإن كانت موفقة أحيانا.
***
كانت هناك دوافع شعورية خافية علي أدركتها لاحقا، الأرجح أنها كانت تغذي السبب الظاهر، وأعني بها تلك الهيمنة التي فرضت على المجتمع السوري من قبل النخبة الانقلابية الحاكمة والتي صادرت الخيارات الفردية للأشخاص لصالح فرض ثقافي جماعي مزعوم يجيش كل مظهر من مظاهر الحياة الخاصة بالأفراد والجماعة ويؤطره في إطار أيديولوجي هو نفسه مزيف ووظيفته مسح وجوه الأفراد والهيمنة على أفكارهم ومخيلاتهم ويحيلهم إلى قطيع خاضع يسمونه الجماهير، وهو يفعل ذلك بدءا من ملابس الطلبة في المدارس الثانوية التي باتت ذات لون موحد، هو الكاكي، مرورا بكتاب القومية ذي النصوص الفاشية وهو الكتاب الفكري الموحد لجميع الشباب، وفق صيغة لا تعترف بالاختلاف ولا تتيحه، ولا تترك لذات ذاتا مفردة تعتد بخياراتها أو اختلافها. بل إن سبل النجاح للأفراد المنضوين في القطيع إنما تمر من خلال النجاح في الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلقة بخطابات “القائد الخالد” ونظرية الحزب و.. و… إلخ. مما سطرته العصبة الحاكمة في حب “الأب القائد” و”الحزب الطليعي”.
على خلفية هذه اللوحة، لم تكن المدرسة، مثلا، تحتوي مكتباتها على روايات أو مسرحيات أو مجموعات شعرية، ولم تكن فيها كتب تنتمي إلى عالم الأفكار والنظريات وعلوم الجمال القديمة أو الحديثة، فلا قديم ولا حديث في الفكر إلا “فكر الجماهير” الذي هو في حقيقة الأمر خطاب “الوصايا الخالدة” لـ”الأب القائد” كما ترجمته خطاباته وأقواله وأعماله “العظيمة”.
هذه الصورة البائسة للتربية الفكرية والجمالية في ظلال “دولة الأبد” الشمولي لم تترك سوى هامش ضيق، ومساحة ملتبسة لصمت مراوغ تعتصم به الذوات اليافعة الحالمة بالحرية في نيل المعرفة، واكتشاف العالم بعيدا عن “نهر الجنون”.
باتت المكتبات البعيدة عن آلة النظام، المشتغلة ليل نهار في حشو رؤوس الشباب بـ”الأفكار الخالدة”، هي الملجأ والملاذ للندرة من الشباب الذين أفلتوا من “حظيرة القطيع”، وأخذوا يكتشفون، بوسائلهم الخاصة وقدراتهم الذاتية، العالم الفسيح الممتد وراء الأسوار.
أعرف شبابا زاملتهم في سنوات الدراسة لم يفتح واحد منهم كتابا سوى المقرر من كتب الدرس و”كتاب القومية” الإلزامي، ولطالما كان ذلك صادما لي، ومدعاة للأسف، فقد كان بعض من عرفت شبابا أذكياء وموهوبين، ولكنهم كانوا ضحية تلك “الشبكة الجهنمية” التي امتصت أدمغتهم، أو هي أتلفتها تماما، فجعلتهم معرضين عن خزانة المعرفة، وغرباء عن الكتاب.
على خلفية هذه اللوحة الكئيبة، تشكلت دوافعي في البحث عن كتب أخرى، غير تلك المقررة. وتولد لدي نفور مبالغ فيه من أي صيغة للوصول إلى الكتاب لا تأتي عبر بحث شخصي.
***
كانت الكتب بالنسبة إليّ نقيض واقع بائس ومخرجا منه إلى عوالم لا تشبه عالمي الواقعي. فكانت مرة علامات ملهمة على طريق، ومرة مدنا غريبة مدهشة، ومرة أحلاما مبهمة، ومرة أفكارا مضيئة، ومرة نماذج هندسية لخيال أصحابها عن الكون. مغامرات عقلية وروحية، ولغات داخل اللغة توسع من شرايين القارئ، قبل أن تطلق خياله.
والواقع أن تجربتي الشخصية أملت عليّ الإيمان بأننا لا يمكننا أن ننصح أحدا كيف يقرأ، بل من الجرم أن نفعل، فلكل طريقته، في استقبال الأشياء، والإقبال عليها. البعض يوفق بطريقته والبعض الآخر يخفق في العثور على ما يوافقه أو يصبو إليه.
شخصيا، كنت ولا أزال موفقا، غالبا، في طريقتي في اختيار الكتب. فالكتاب غالبا ما لا يأخذ طريقه إلى مكتبتي إلا بعد فحص وتمحيص شديدين. وليسامحني أصحاب الكتب التي أُهديت لي، ولم تصل إلى مكتبتي، فأنا مثلي مثل آخرين أخجل من رفض الهدية. أعترف بأنني، لم أكن صريحا دائما، لذلك أحيانا ما كنت أجد نفسي مضطرا لنزع ورقة من كتاب أهدي لي ليمكنني أن أعرضه على شخص ما موظف في فندق أو نادل مقهى. على أنني، غالبا ما أتجنب ذلك، مع بعض المؤلفين، فأوهمهم بأنني حصلت على الكتاب، وأنه من الأفضل الاحتفاظ بالنسخة لقارئ آخر. المسألة ليست شخصية أبدا، فبعض أصحاب تلك الكتب من أحب الناس إليَّ.
العلاقة بالكتب وبالقراءة شغف تحيط به لدى الكتاب طائفة لا تنتهي من الأسئلة، عن موضوعات القراءة، هوية القارئ وسبل القراءة، زمن القراءة، أمكنة القراءة، فضلا عن صيغ القراءة، ومآلاتها، وحالاتها، ومراميها، جملة كبيرة من الأسباب والعناصر التي تتشكل من خلالها شبكة مغرية من الموضوعات المؤسسة لعلاقة القارئ بالكتاب.
بالنسبة إليّ هناك دائما برنامج للقراءة، بوجهيه الثابت والمتغير، يتدخل فيه عنصر الوقت. أخيرا، كم من الكتب تقبع في رفوف مكتبتي وعناوينها المغرية تتقافز أمام عيني، منتظرة تفرغي لها. القارئ الشغوف بالكتب في حرب ضروس مع الزمن.
كل كتاب سفر، والسفر مع الكتب هو أكبر الأسفار.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نوري الجراح
شاعر سوري مقيم في لندن
تجربتي الشخصية أملت عليّ الإيمان بأننا لا يمكننا أن ننصح أحدا كيف يقرأ، بل من الجرم أن نفعل، فلكل طريقته، في استقبال الأشياء، والإقبال عليها.
لوحة الفنان رضا درويش
في البدء كانت الكلمات، ثم ولدت الكتب لتكون أجنحة لمخيلات الحالمين بالطيران بعيدا عن المكان الفخ الذي أسروا فيه، وألزموا بالإقامة في قيده، كما ألزم إيكاروس وأبوه ديدالوس في برج الملك مينوس. الكتب لنسافر، والكتب لنتخيل الأبعد، الكتب لنستبدل الواقع بالحلم، حلم السفر بعيدا وارتياد الآفاق، حلم اكتشاف الذات والعالم، حلم الحرية. لذلك حرّم الطغاة الكتب، وأحرق الغزاة المكتبات.
في حياتي، حتى اليوم، عدد من المكتبات التي اقتنيت كتبها واعتنيت بكل منها على نحو ارتبط، بالضرورة، بالأمكنة التي عشت فيها. لقد عبّر كل منها عن مرحلة من مراحل حياتي القرائية واهتماماتي ودراساتي في الأدب. فباستثناء الفترة المبكرة من حياتي العلمية والأدبية، لطالما كنت الطالب والمعلم معا، ولم يكن لي من المعلمين، طوال حياتي، من هم أفضل من الكتب.
الكتب، باختيار شخصي ومزاج قرائي خاص، وغالبا ما كانت قراءاتي بعيدة كل البعد عن الموضات الدارجة في القراءة، وأعني بها تلك التي تعبر عن نفسها في دعوات محمومة يوجهها أصدقاء إلى أصدقائهم لقراءة كتب بعينها.
***
في أواخر السبعينات سرت حمى في دمشق اسمها “مئة عام من العزلة”، ظهرت عوارضها الشديدة على جل من عرفت من الأصدقاء، فكنت كلما التقيت صديقا، وقبل أن أسأله عن آخر قراءاته كان يهاجمني بالسؤال “هل قرأت مئة عام من العزلة؟”. وكنت أجيب بالجملة نفسها “لا، لدي برنامج قراءات، عندما أفرغ منه سأقتني الكتاب”. إذ ذاك كنت أرى في وجه سائلي التعبير المشفق نفسه: كم فاتك إذن!
استمرت تلك الحمى سنتين، وربما أكثر. وفي عيد ميلادي كذا والعشرين وصلتني هدية، فإذا بها رائعة غابرييل غارسيا ماركيز بترجمة سامي الجندي. إجلالا للصديق وضعتها في مكان بارز من مكتبتي، والواقع أنني لم أقرأ تلك الرواية لا في دمشق ولا في بيروت (رغم ما كان من ارتباطي بعلاقة صداقة مع سامي الجندي)، ولم أفعل في قبرص حيث أقمت لبضع سنوات وفي حوزتي نسخة موقعة من المترجم. وبعد مرور عقدين من الزمن جاء الموعد مع تلك الرواية الرائعة. ولأعترف أنني لا أذكر إن كنت شعرت بالأسف لكوني لم أقرأ هذا العمل في سنوات العشرينات.
لاحقا تنبهت إلى أن وراء إعراضي عن قراءة تلك الرواية ودعوات أخرى، قبلها وبعدها، ما هو أكثر من نفوري من الموضات ومما تلهث المجموعات وراءه، ومن اعتدادي المبكر بخياراتي الشخصية في القراءة، وعشقي لمصادفات اللقاء مع الكتاب، بعيدا عن الإشارات الفظة القادمة من آخرين، حتى وإن كانت موفقة أحيانا.
***
كانت هناك دوافع شعورية خافية علي أدركتها لاحقا، الأرجح أنها كانت تغذي السبب الظاهر، وأعني بها تلك الهيمنة التي فرضت على المجتمع السوري من قبل النخبة الانقلابية الحاكمة والتي صادرت الخيارات الفردية للأشخاص لصالح فرض ثقافي جماعي مزعوم يجيش كل مظهر من مظاهر الحياة الخاصة بالأفراد والجماعة ويؤطره في إطار أيديولوجي هو نفسه مزيف ووظيفته مسح وجوه الأفراد والهيمنة على أفكارهم ومخيلاتهم ويحيلهم إلى قطيع خاضع يسمونه الجماهير، وهو يفعل ذلك بدءا من ملابس الطلبة في المدارس الثانوية التي باتت ذات لون موحد، هو الكاكي، مرورا بكتاب القومية ذي النصوص الفاشية وهو الكتاب الفكري الموحد لجميع الشباب، وفق صيغة لا تعترف بالاختلاف ولا تتيحه، ولا تترك لذات ذاتا مفردة تعتد بخياراتها أو اختلافها. بل إن سبل النجاح للأفراد المنضوين في القطيع إنما تمر من خلال النجاح في الإجابة عن جميع الأسئلة المتعلقة بخطابات “القائد الخالد” ونظرية الحزب و.. و… إلخ. مما سطرته العصبة الحاكمة في حب “الأب القائد” و”الحزب الطليعي”.
على خلفية هذه اللوحة، لم تكن المدرسة، مثلا، تحتوي مكتباتها على روايات أو مسرحيات أو مجموعات شعرية، ولم تكن فيها كتب تنتمي إلى عالم الأفكار والنظريات وعلوم الجمال القديمة أو الحديثة، فلا قديم ولا حديث في الفكر إلا “فكر الجماهير” الذي هو في حقيقة الأمر خطاب “الوصايا الخالدة” لـ”الأب القائد” كما ترجمته خطاباته وأقواله وأعماله “العظيمة”.
هذه الصورة البائسة للتربية الفكرية والجمالية في ظلال “دولة الأبد” الشمولي لم تترك سوى هامش ضيق، ومساحة ملتبسة لصمت مراوغ تعتصم به الذوات اليافعة الحالمة بالحرية في نيل المعرفة، واكتشاف العالم بعيدا عن “نهر الجنون”.
باتت المكتبات البعيدة عن آلة النظام، المشتغلة ليل نهار في حشو رؤوس الشباب بـ”الأفكار الخالدة”، هي الملجأ والملاذ للندرة من الشباب الذين أفلتوا من “حظيرة القطيع”، وأخذوا يكتشفون، بوسائلهم الخاصة وقدراتهم الذاتية، العالم الفسيح الممتد وراء الأسوار.
أعرف شبابا زاملتهم في سنوات الدراسة لم يفتح واحد منهم كتابا سوى المقرر من كتب الدرس و”كتاب القومية” الإلزامي، ولطالما كان ذلك صادما لي، ومدعاة للأسف، فقد كان بعض من عرفت شبابا أذكياء وموهوبين، ولكنهم كانوا ضحية تلك “الشبكة الجهنمية” التي امتصت أدمغتهم، أو هي أتلفتها تماما، فجعلتهم معرضين عن خزانة المعرفة، وغرباء عن الكتاب.
على خلفية هذه اللوحة الكئيبة، تشكلت دوافعي في البحث عن كتب أخرى، غير تلك المقررة. وتولد لدي نفور مبالغ فيه من أي صيغة للوصول إلى الكتاب لا تأتي عبر بحث شخصي.
***
كانت الكتب بالنسبة إليّ نقيض واقع بائس ومخرجا منه إلى عوالم لا تشبه عالمي الواقعي. فكانت مرة علامات ملهمة على طريق، ومرة مدنا غريبة مدهشة، ومرة أحلاما مبهمة، ومرة أفكارا مضيئة، ومرة نماذج هندسية لخيال أصحابها عن الكون. مغامرات عقلية وروحية، ولغات داخل اللغة توسع من شرايين القارئ، قبل أن تطلق خياله.
والواقع أن تجربتي الشخصية أملت عليّ الإيمان بأننا لا يمكننا أن ننصح أحدا كيف يقرأ، بل من الجرم أن نفعل، فلكل طريقته، في استقبال الأشياء، والإقبال عليها. البعض يوفق بطريقته والبعض الآخر يخفق في العثور على ما يوافقه أو يصبو إليه.
شخصيا، كنت ولا أزال موفقا، غالبا، في طريقتي في اختيار الكتب. فالكتاب غالبا ما لا يأخذ طريقه إلى مكتبتي إلا بعد فحص وتمحيص شديدين. وليسامحني أصحاب الكتب التي أُهديت لي، ولم تصل إلى مكتبتي، فأنا مثلي مثل آخرين أخجل من رفض الهدية. أعترف بأنني، لم أكن صريحا دائما، لذلك أحيانا ما كنت أجد نفسي مضطرا لنزع ورقة من كتاب أهدي لي ليمكنني أن أعرضه على شخص ما موظف في فندق أو نادل مقهى. على أنني، غالبا ما أتجنب ذلك، مع بعض المؤلفين، فأوهمهم بأنني حصلت على الكتاب، وأنه من الأفضل الاحتفاظ بالنسخة لقارئ آخر. المسألة ليست شخصية أبدا، فبعض أصحاب تلك الكتب من أحب الناس إليَّ.
العلاقة بالكتب وبالقراءة شغف تحيط به لدى الكتاب طائفة لا تنتهي من الأسئلة، عن موضوعات القراءة، هوية القارئ وسبل القراءة، زمن القراءة، أمكنة القراءة، فضلا عن صيغ القراءة، ومآلاتها، وحالاتها، ومراميها، جملة كبيرة من الأسباب والعناصر التي تتشكل من خلالها شبكة مغرية من الموضوعات المؤسسة لعلاقة القارئ بالكتاب.
بالنسبة إليّ هناك دائما برنامج للقراءة، بوجهيه الثابت والمتغير، يتدخل فيه عنصر الوقت. أخيرا، كم من الكتب تقبع في رفوف مكتبتي وعناوينها المغرية تتقافز أمام عيني، منتظرة تفرغي لها. القارئ الشغوف بالكتب في حرب ضروس مع الزمن.
كل كتاب سفر، والسفر مع الكتب هو أكبر الأسفار.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نوري الجراح
شاعر سوري مقيم في لندن