الخط العربي فن قديم يعيش بين شوارع تونس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخط العربي فن قديم يعيش بين شوارع تونس

    الخط العربي فن قديم يعيش بين شوارع تونس


    خطاطون تونسيون يستعيدون تراثهم وهويتهم التي طالها التهميش.
    الخميس 2024/11/07
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    خطاطو تونس يحيون فنها القديم

    فن الخط العربي متداخل مع المعمار التونسي القديم، فلا يكاد يخلو مسجد أو متحف أو قصر أو مبنى عام من الخط أو من الأشكال المستوحاة منه. ولكن رغم حضوره البارز وتميز الخطاطين التونسيين فإنه تراجع نسبيا، وهو ما دعا التونسيين إلى إطلاق مراكز للعناية بهذا الفن العريق.

    تونس- حين تتجول في أحد القصور القديمة للبايات في تونس، أو داخل أعرق المساجد في المدن العتيقة، تلحظ تلك الزخارف والخطوط العربية المنقوشة في كل ركن من أركان المعمار القديم، لاسيما وأن رواد الخط العربي في تونس لم يقتصروا في أعمالهم الفنية على المحامل الخشبية أو القماش، بل أبدعوا في تخليد فنهم خصوصا في المعمار القديم، حتى في بعض البنايات الحديثة. وما زالت نقوشهم تلك تشهد على عراقة هذا الفن في تونس. ولعل أهمها ما نقش في جامع عقبة بن نافع بالقيروان منذ عام 256 للهجرة.

    العديد من المساجد التونسية ما زالت تحمل أشكالا فنية زخرفية ومخطوطات، حتى أنها جسدت الهوية الثقافية التي خلدها فن الخط العربي في تونس، الذي أبدع فيه العشرات من الخطاطين.
    فن الخط التونسي


    أعمال الخطاطين التونسيين لم تتوقف عند اللوحات أو المحامل الخشبية بل تجاوزتها إلى الجدران والسجادات وغيرها

    إضافة إلى المساجد نقشت أجزاء من أسقف بعض المتاحف التونسية الكبيرة وجدرانها بأنواع مختلفة من الخطوط العربية، مما جعل تونس تسجل الخط العربي عام 2021 ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”.

    وقال الخطاط عمر الجمني في تصريح له “لقد بدأت فصول حركة الخط العربي في تونس بظهورها على النقوش بين القرنين الثاني والثالث للهجرة في عهد الأغالبة بالقيروان، ثم جاءت مرحلة بني زيري وأضافت العديد من الكتابات الرائعة على الخشب والرق الأزرق والرق الأبيض بخطوط كوفية متنوعة، وكذلك في عهد الحفصيين الذين وظفوا أيضا الخط الكوفي المربع المستورد من المشرق على العمارة في سنة 910 للهجرة، ثم جاء العهد الأندلسي وبعده العهد العثماني حافلين بأساليب حضارتيهما، إذ رسّخ العثمانيون أساليبهم في خطوط الثلث والنسخ التي تعلو أبواب المساجد والمداخل والتكايا والمدارس”.

    وأوضح أنه كان “للأندلس خطوط منها المبسوط الأندلسي، والمجوهر والثلث المغربي وكانت قيد الاستعمال في تونس”. مشددا على أن الخط التونسي الذي يعد من مشتقات الخط الأندلسي والمغربي تم تعويضه بخطوط مشرقية لسد الحاجات المطبعية والجرافيكية، ولا يخفي الجمني تأثير استبعاد الخط التونسي من التدريس على انتشار هذا الفن إذ تسبب في ركود على المستوى الفني والإبداعي امتد إلى حدود العشرية الأولى من هذا القرن حيث بدأ الخطاطون التونسيون يستعيدون تراثهم وهويتهم الخطية ابتداء من تعلم كتابات القرن الخامس الهجري إلى كتابات هذه المرحلة التي نعيشها مرورا بمخرجات المراحل المذكورة ومواكبة للحركة الفنية العالمية ذات الأسلوبين التقليدي والمعاصر.

    وتنافس الخطاطون في تونس في تجويد الخط العربي الذي استعمل في البداية خصوصا في المساجد والقصور والمتاحف لاسيما في عهد العثمانيين، ذلك أنهم كتبوا المصاحف الشرقية بأجمل الخطوط ونبغوا في الخط العربي. وظهر التأثر البالغ بالنسق التركي في مختلف الكتابات التي ظهرت في المساجد والجوامع خاصة الحنفية بالعاصمة تونس، وبالمنابر والقباب. حيث إن هذا التأثر أفرز ظهور بعض الخطاطين التونسيين الذين تميزوا بتقليد الخط المشرقي.

    ويبرز هذا الفن في تونس جيدا في الاهتمام بخطوط المصحف الشريف على الأخص وبعض البراعات والأختام ومصحف المملوك زهير المخطوط والمحفوظ في أصله بالمكتبة الوطنية بتونس. ومن بين أبرز الخطاطين في العصر الحديث، محمد صالح الخماسي مدرس الخط العربي سابقا في جامعة الزيتونة وبالمدرسة الصادقية وصاحب مؤلف “المنهج الحديث لتعليم الخط العربي”، حيث يعد رائدا ومجددا في هذا الفن بتونس، وقد أبهر الجميع بما قدمه من أعمال فنية راقية.



    وتوجد في تونس حاليا هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي، هي “المركز الوطني لفنون الخط”، الذي أنشئ في العام 1994، ومن أهدافه حماية فن الخط العربي وتطويره وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي. وتمسُّك بعض الخطاطين بهذا الفن، جعل فنهم يصل إلى العالمية على غرار نجا المهداوي الذي سافر في ستينات القرن الماضي لدراسة الفنون الجميلة بأكاديمية الفنون بجامعة سانت أندريا بروما وتخرّج فيها، ليتحول فيما بعد إلى باريس لتلقي تدريبات أكاديمية بالمدينة الدولية للفنون.

    وترك المهداوي لمساته الفنية في عدة معالم على غرار واجهة مسجد الجامعة بجدة. كما أنجز أعمالا قيّمة لعدد من الشركات العالمية. أما لوحاته وجدارياته فهي مقتناة ضمن مجموعات أهم المتاحف في العالم على غرار المتحف البريطاني ومتحف سنيثونيان في العاصمة الأميركية واشنطن. وأصدر المهداوي العديد من المؤلفات من بينها كتاب الألف، وهو عمل على نص ثنائي اللغة لإدوارد مونيك وعزالدين المدني، كما أصدر كتاب فن الكوليغرافيا، وغيرها.

    فيما اختص الخطاط محمد نجيب الزعلوني في كتابة القرآن. وهو من مواليد 1962، ظهرت موهبته منذ الصف الابتدائي، واكتشف موهبته المدرسون حتى تجاوز مرحلة الثانوي، فنصحه مدرس العربية عبدالحميد نور بالالتحاق بمعهد الفنون الذي كان يدرس فيه محمد الخماسي.

    وتخصص نجيب الزعلوني في رسم الخرائط التي تتناغم مع الخط. ونظرا إلى موهبته تلك تم إرساله إلى معهد تاريخ العسكر والثقافة والإعلام، ليكمل فيه تدريبا مدته سنتان، إلى أن تحصل على شهادة، ليلتحق فيما بعد بكلية القيادة والأركان ليتولى رسم الخرائط. وغادر الزعلوني الحياة العسكرية واتجه إلى بعض الصحف. وباشر فيها أيضا كتاباته بالخط العربي، ثم التحق بالعمل الإداري في عدة إدارات مركزية، ودور نشر.

    اقتدى الزعلوني بالعديد من الخطاطين مثل موسى عزمي وهاشم البغدادي، وتعلم موازين الحروف ومواقعها، والتزم بالقواعد وضوابط الخط العربي كخط النسخ وخط الثلث والخط الفارسي والخط الكوفي الذي يتفرع عنه المورق والخط القيرواني والخط المغربي، وغيرها من الخطوط الأخرى. وأشار إلى أن كتّاب القرآن بالخط العربي قليلون جدا في تونس. وتخضع تلك المصاحف التي تكتب بخط اليد إلى لجنة مراجعة نص المصاحف بشكل دقيق.

    وأكد الزعلوني وجود مصاحف كتبت في تونس بالخط العربي يدويا. وقد تتطلب كتابة سورة واحدة في ورقة ذات حجم كبير سنتين وأكثر. فقد استغرق الخطاط الزعلوني أربع سنوات لكتابة سورة البقرة بشكل مبدع.
    العناية بالخط




    لم تتوقف أعمال الخطاطين عند اللوحات أو المحامل الخشبية بل تجاوزتها إلى محامل أخرى على غرار الجدران والسجادات والأثواب وحتى الجلود والأواني الفخارية. ويعد سامي غربي من بين أشهر الخطاطين في تونس اليوم، وهو خطاط عربي تشكيلي يبدع على جميع المحامل مهما اختلفت، سواء الورق أو الجلد أو الآلات الموسيقية، مستعملا الخط المغربي والخط الكوفي المستنبط من النبطية، إضافة إلى بعض الرسوم الشرقية لإضفاء الطابع الشرقي على بعض أعماله. كما ابتكر خطا خاصا به سماه الخط البنزرتي نسبة إلى مدينته بنزرت شمالي تونس.

    ولم يكن سامي الغربي متفرغا للخط العربي إلا بعد بلوغ سن الأربعين. فقد كان موسيقيا وممتهنا لبعض المهن البعيدة عن الفن التشكيلي والخط العربي. ولكنه اختار العودة إلى هوايته التي باتت تشغل كامل وقته اليوم. يتنقل بين المدن التونسية ويسافر إلى بعض الدول لرسم لوحاته بالخط العربي على جميع المحامل. كما أنه باحث في جميع الزخارف والخطوط على امتداد العصور والفترات، لاكتشاف جميع تلك الخطوط التي مرّت على الإنسانية وتم توثيقها.

    درس سامي الغربي الفنون الجميلة في بعض المعاهد الخاصة، كما درست بعض أعماله في جامعة إسطنبول. وأبدع في تطويع الخط العربي لإنتاج لوحات تشكيلية على عدة محامل. وقد أبدع الخطاطون في تونس كل حسب هوايته وشغفه، بين من تمسّك بالخط المقروء الذي يقدم معنى، وبين من طوّع الخط لإنتاج لوحات فنية تراجيدية.

    لم يحظ الخط العربي في تونس سابقا بالعناية الكافية. لكن منذ مارس 2023 تم الإعلان عن مشروع المركز العالمي لفنون الخط بتونس ليكون أحد أهم المراكز في العالم التي تهتم بالخط بمختلف اللغات خاصة أن العديد من الجهات أبدت استعدادها للمساهمة في تنفيذ هذا المشروع الرائد.

    وسيمكن هذا المركز من المساهمة في النهوض بالبحث والتجارب وإنجاز الدراسات وجمع البيانات والتوثيق في مجال الخط العربي على وجه الخصوص، وسائر الخطوط الأخرى عموما، إلى جانب إقامة المعارض وتنظيم الملتقيات والندوات.

    وسيشتمل المركز على قاعات للمؤتمرات وفضاءات للتكوين والورشات إضافة إلى متحف للخط العربي ولعديد الخطوط الأخرى، وذلك بهدف إعادة إشعاع الخط العربي كفن وجزء من الحضارة العربية الإسلامية، والحفاظ على الموروث الثقافي الوطني، إلى جانب أنه سيكون قبلة لكل من يهتم بالثقافات الأخرى.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X