"زعزوع" كوميديا عن الخرافات الشعبية في زاكورة المغربية
ربيع شجيد يثبت اسمه كأحد أهم مخرجي الأفلام الكوميدية في المغرب.
الخميس 2024/11/07
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مواقف كوميدية ولقطات تكشف جمال الطبيعة المغربية
عالم الجن والحكايات التي تحاك حوله، موضوع تراثي مشترك، حيث تنتشر الأساطير في أغلب المجتمعات الإنسانية ومن بينها المجتمع المغربي، كما يحضر بصفته ثيمة سينمائية جذابة في العديد من الأفلام الغربية والعربية. وهذه المرة نجده موضوعا للفيلم المغربي "زعزوع" الذي أخرجه ربيع شجيد في ثالث تجربة كوميدية له.
الرباط- يندرج فيلم “زعزوع” ضمن الأعمال السينمائية المغربية التي تسعى إلى تقديم معالجة كوميدية لمواقف الحياة اليومية، حيث يصور قصة حب من طرف واحد بين موسى، شاب حالم ورومانسي، وجُودْيَا شابة قوية وعصية على الاقتراب، وتأتي الفكرة كنافذة تطل على جوانب متعددة من الواقع الاجتماعي المغربي، في إطار يمزج بين الجدية والهزل، ويكشف من خلال شخوصه المتناقضة عن أبعاد اجتماعية ومعنوية عميقة.
وتعكس الأحداث حكاية موسى مع حبيبته التي تظل على مسافة من مشاعره، وهذا الحب من طرف واحد يجسد صراعا إنسانيًا شائعا بين الرغبة الفردية في الاتصال العاطفي وحقيقة الحواجز التي تفرضها التعقيدات الشخصية والاجتماعية. فمن خلال شخصية جوديا يضعنا المخرج أمام نموذج للمرأة القوية التي تتخذ مواقف حازمة تسلط الضوء على كيفية بناء الشخصية المغربية الحديثة التي لا تسمح لمشاعرها بأن تتحكم فيها، وهو نموذج يعكس توجها جديدا في السينما المغربية.
◄ إخراج ربيع شجيد يبرز تجربة فنية غنية تعكس جماليات منطقة زاكورة
ويلعب “زعزوع” الجن السحري دورا حاسما في إضافة بعدٍ من السخرية إلى واقعٍ اجتماعي معقد، إذ يرمز وجوده إلى التوقعات غير الواقعية، حيث يلجأ الأفراد أحيانا إلى حلول غير منطقية كنوع من الهروب من مصاعب الواقع، والجن هنا لا يأتي كبطل مخلص بل كعامل مؤثر يزيد من تعقيد الأحداث وينعكس طابعه العبثي على الحكاية، فيرمز إلى فكرة الاعتماد على حلول خارجية غير مألوفة للخروج من مشكلات الحياة.
ويقدم الفيلم مشاهد تعكس تفاصيل من الحياة اليومية للمجتمع المغربي، حيث تتنوع الشخصيات بين المركبة كما في حالة جوديا وموسى، والبسيطة مثل شخصية فاراجي الذي يمثل الوجه الآخر لهذه الحكاية، فيحقق العمل توازنا بين بساطة الأحداث وتشابكها، ويضفي على القصة بعدا نقديا خفيا يسخر من التوقعات غير الواقعية للناس ويؤطر واقعا مألوفا بطابع كوميدي مشوق.
وتأتي الحوارات في الفيلم محكمة ومدروسة، فهي لا تعتمد فقط على الفكاهة السطحية بل تحمل في طياتها مزيجا من السخرية والنقد الاجتماعي، إذ تتناغم مع الصراعات العاطفية والاجتماعية للشخصيات وتنجح في إبقاء المشاهد منجذبا ومتفاعلا مع كل موقف، وهذا يظهر ذكاءً في تناول القضايا المعاصرة بطريقة ساخرة تتجاوز التصنع وتصل إلى العمق الإنساني.
ويجتمع في هذا العمل السينمائي نخبة من الممثلين المغاربة الذين نجحوا في تقديم أداء يمزج بين الواقعية والكوميديا بأسلوب مقنع حيث نجح محمد باسو بأسلوبه الفكاهي الساخر من خلال شخصية تحمل سذاجة محببة تتنقل بين المواقف الكوميدية بسلاسة فتشد انتباه المشاهد وتدخله في أجواء من التسلية المريحة، كما أبدع الكوميدي الزبير هلال في إضفاء البراءة على دوره، فحضوره الهادئ والبسيط يخلق توازنا خفيا بين جديته وسذاجته ويضيف طابعا دراميا محببا يبرز صدق شخصيته.
أما عبدالله ديدان فيمتاز بلمساته الكوميدية ذات الطابع المتزن، حيث يستخدم خبرته الفنية لإبراز حس فكاهي عميق يعكس نضج الشخصية التي يؤديها، ويأتي الفنان عبدالرحيم المنياري مجسدا شخصية تمزج بين الفكاهة والجدية، بينما يجسد أسامة رمزي دور الجن السحري “زعزوع” بأسلوب ساخر وذكي، حيث يتقن توظيف الكوميديا الفجائية التي تضفي على المشهد طابعا عبثيا وتعزز عنصر المفاجأة الذي يحرك الأحداث بلمسات فكاهية غير متوقعة.
ويبرز إخراج ربيع شجيد تجربة فنية غنية تعكس جماليات منطقة زاكورة، حيث يستثمر المخرج البيئة المحيطة كعنصر حيوي يثري القصة ويعزز من واقعيتها، ويظهر اجتهاده في اختيار مواقع التصوير حيث تتداخل المناظر الطبيعية الخلابة مع تفاصيل الحياة اليومية لتخلق خلفية حية تنبض بالحياة وتسمح للجمهور بالتفاعل مع الأجواء المحلية. ويظهر المخرج قدرة فائقة على خلق توازن بصري، حيث تتناغم المشاهد الخارجية التي تعرض المناظر الطبيعية المدهشة مع المشاهد الداخلية التي تسلط الضوء على العلاقات الإنسانية والتفاعلات الاجتماعية، وينسجم تركيب اللقطات مع تطور الأحداث بشكل سلس ومُحكم من خلال المونتاج التركيبي الذي يتميز بالقدرة على الانتقال بسلاسة بين المشاهد المختلفة، ويجمع هذا الإيقاع بين لحظات الفكاهة والدراما.
ويعاني الفيلم من بعض نقاط الضعف التي قد تحد من جودته وأثره لدى المشاهد، فعلى الرغم من جاذبية استخدام فكرة الجني الذي يخرج من المصباح السحري أو من الكتاب، تظل موضوعًا مكررًا في السينما العالمية، وهذا يجعل المشاهد يشعر بأنه يتعامل مع مفهوم مألوف لم يعد يحمل الوهج نفسه ولا القدرة عينها على الإبهار، كما أن هناك بعض المشاهد التي تعاني من خلل في التنسيق بين الحوار و الصوت حيث يسبق الصوت حركة الشفاه، ومع ذلك يبقى الفيلم متميزا في تقديم لحظات فكاهية ولقطات تبرز أهمية الآثار المغربية في البازارات القديمة، لاسيما في زاكورة.
كما تعالج السخرية السوداء بعض الظواهر الاجتماعية مثل تجسس النساء من النوافذ وكذب المسؤولين، لخلق تجربة ترفيهية ممتعة للجمهور، بينما ينجح الفيلم في تقديم عمل فني غني بالضحك والفرح وهذا ما يريده الجمهور المغربي.
وسبق أن حقق المخرج ربيع شجيد نجاحًا في السينما الكوميدية، ونجاحا في شباك التذاكر من خلال فيلمه الكوميدي “جوج”، وهو فيلم مغربي يعرض قصة شابين يواجهان تحديات الحياة بأسلوب فكاهي وساخر. يتناول الفيلم مواقف طريفة تعكس واقع الشباب المغربي، إذ يجد الشابان نفسيهما في مواقف صعبة ومضحكة في محاولتهما لتحقيق أهدافهما الشخصية والعملية. والفيلم يضم نخبة من الممثلين المغاربة الذين يجسدون شخصيات متنوعة، ويقدم رؤية كوميدية ناقدة لجوانب من الحياة اليومية للمجتمع المغربي.
وقد واصل المخرج نجاحه في مجال الكوميديا من خلال فيلم “30 مليون”، الذي يروي قصة ثلاثة أصدقاء: سامي، زهير، وهشام، حيث يجد سامي نفسه معتقلا إثر مواجهة مع الشرطة، بينما يسعى زهير وهشام لمساعدته بالتعاون مع أمال وسارة والمحامية نسرين، حيث تتعقد الأحداث عندما يكتشف الأصدقاء أنهم بحاجة إلى جمع كفالة مالية ضخمة لإطلاق سراح سامي. والفيلم من تأليف بشرى مالك وإدريس شلوح، وبطولة إدريس شلوح، مهدي أزكري، يسار لمغاري، ابتسام تسكت، كريمة غيث، وفاتي جمالي.