شمس صهباني لـ"العرب": أوظف الأسطورة رمزا وليس تجسيدا مباشرا
"فلورا".. معرض يستكشف العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع.
السبت 2024/11/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
أعمال فنية تنبض بالحياة
من عالم الورود والإلهة فلورا تقتبس الفنانة التشكيلية المغربية شمس صهباني فكرة معرضها التشكيلي الجديد، والذي تستخدم فيه مواد طبيعية إلى جانب الألوان والتقنيات التجريبية المعاصرة، مركزة على التناغم الكبير بين الزمن الماضي والحاضر وكيف أن الطبيعة تذكرنا دوما بأن كل شيء متصل ومنفصل وبأن لا شيء دائما.
الرباط – ينطلق السبت في “منجم الفن” معرض بعنوان “فلورا” للفنانة التشكيلية شمس صهباني، ويستمر حتى 30 نوفمبر الجاري، ويتضمن حفل الافتتاح حدثا أدبيا مميزا، حيث سيوقع الشاعر المصري ياسر يونس ديوانه “قصائد من أجلها”، الذي يضم قصائد رومانسية تتكامل مع بعض أعمال الفنانة، ويقدم هذا الحدث الناقد والكاتب والفنان محمد سعود.
يستلهم معرض “فلورا” أجواءه من إلهة الورد فلورا، الشخصية الأسطورية في الميثولوجيا الرومانية، ليعبّر عن العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع، إذ تستكشف شمس صهباني في هذا المعرض كيف تجسّد أعمالها مفاهيم التجدد والحيوية، التي تشكل جوهر الإبداع الفني، حيث تبدو كل لوحة كزهرة جديدة تنبثق في عملية تحول تتجلى فيها أهمية المادة.
وتعتمد الفنانة على تنوع واسع في المواد كالقماش والورق والنباتات الحية والمجفّفة والطين والزجاج لتقوية الصلة بالطبيعة وإبراز التباينات التي تطبع أعمالها. وتعبر هذه التباينات، سواء داخل العمل الواحد أو بين عدة أعمال، عن ازدواجية وتكامل بين الطبيعة والحياة مما يضفي هيكلية على المعرض.
معرض شمس صهباني يستلهم من إلهة الورد فلورا، الشخصية الأسطورية في الميثولوجيا الرومانية ليعبر عن العلاقة بين الطبيعة والإبداع
في هذا السياق، توضح الفنانة التشكيلية لـ”العرب” سر اختيارها عنوان “فلورا” لمعرضها الفني التشكيلي، وكيف يعكس هذا العنوان رؤيتها الفنية، بالقول “اخترت هذا العنوان نسبة إلى فلورا إلهة الزهور والخصوبة في الأساطير الإغريقية والرومانية، لأنها تمثل رمز الحياة والتطور والتجدد، وهي معان أساسية أحاول التعبير عنها في هذا المعرض، وأردت من خلال هذا العنوان أن أبرز العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع الفني، حيث تعتبر كل لوحة كزهرة جديدة، تحمل في طياتها حكاية من التجديد والانبعاث”.
وتوضح صهباني “أوظف الأسطورة هنا كمعنى رمزي وليس كتجسيد مباشر حيث أستحضرها وأترجمها إلى تجربة بصرية عبر دمج عناصر الطبيعة، مثل الألوان والمواد العضوية والنباتات الحية، لخلق أعمال فنية تنبض بالحياة والتجدد، فاختيار شخصية فلورا يعكس استلهام المعرض من أسطورة تحمل دلالات الخصوبة والإبداع، وهو استلهام يمتد ليشمل أساطير مغربية تتصل بعالم أنثوي خاص، بعضه واقعي وبعضه متخيل، مليء بالجمال والإبداع، فالهدف الأساسي من هذا المعرض هو استكشاف العلاقة بين الطبيعة بجميع مكوّناتها بما في ذلك الطبيعة الإنسانية وعملية الإبداع في المجتمع ككل”.
وتشرح الفنانة أن التهجين في أعمالها يعبّر عن “فكرة التلاقي بين عناصر مختلفة لخلق شيء جديد، كما هو الحال في تنوع الطبيعة، حيث دمجت في هذا المعرض بين المواد الطبيعية، مثل النباتات الحية والألوان العضوية، مع مواد أخرى كالقماش والورق والطين، وهذا ما يميز طريقتي في العمل. هذا الاستخدام المتعمد للتنوع المادي والأسلوبي يعكس حيوية الطبيعة وتعدد وجوهها ويمنحها حياة نابضة داخل العمل الفني. ولاستكمال هذه الرؤية، تجد أنني لا أقدم في لوحاتي أزهارا أو ورودا واضحة ومحددة كما قد يتوقع البعض، بل أعبّر عن أفكار ومشاعر برمزية تجريدية للزهور، ولا أهدف إلى رسم لوحات لأزهار جميلة، حيث تصبح الزهور رمزا للتجدد والتطور والإبداع وتنسج كل لوحة قصة تجسد عمق المعاني التي أطمح إلى إيصالها”.
وفي حديثها عن طريقة استخدامها للمواد الطبيعية المستعادة وكيف تساهم في خلق التوتر بين ما هو قديم وما هو معاصر، توضح التشكيلية المغربية “أستخدم المواد الطبيعية المستعادة، مثل النباتات الجافة والزيوت والطين، لإضفاء إحساس بالزمن في أعمالي، وهذه المواد تحمل طاقة الماضي وتاريخا خاصا بها، وعندما أدمجها مع عناصر وألوان معاصرة يتولّد توتر بين ما هو قديم وما هو حديث، وهذا التفاعل يرمز إلى الحوار المستمر بين الماضي والحاضر ويضيف عمقا وثراء للأعمال، ليشعر المتلقي بأن الطبيعة وجمالها يمكن أن يستمرا في كل مرحلة زمنية”.
وتستدرك “أما الورود مثل الورد البلدي ووردة المسك والخزامى والزهر، فتحمل رموزا قوية في الثقافة المغربية، حيث ترتبط بالاحتفالات والتقاليد، فمن خلال أعمالي أسعى لنقل هذا العمق الثقافي عبر تجربة بصرية تحفز حاسة الشم أيضا، باستخدام مواد طبيعية تحافظ على عطور خفيفة (الخزامة، التوابل…)، فتغمر المتلقّي في أجواء مغربية أصيلة (بالدارجة نقول “مشموم” أي باقة زهور، فحاسة الشم مهمة جدا)، فالهدف من كل هذا هو خلق تجربة حسية كاملة، تجمع بين المرئي والمحسوس، مما يعزّز ارتباط المتلقي بالأعمال على مستوى أعمق”.
وتتابع “أستخدم مواد طبيعية وروائح خفيفة لإضفاء أجواء حسية تشجع زوار المعرض على تفعيل حاسة الشم، فيشعرون بأنهم جزء من العمل. أما ملمس بعض المواد المستخدمة في اللوحات، مثل الورق أو الخشب، فيضيف بعدا آخر يجذب الزائر للتفاعل معها من زاوية حسية مختلفة، وآمل أن يتفاعل المتلقي مع أعمالي كرحلة حسية تجمع بين الرؤية، والشم وربما حتى اللمس والسمع”.
وتقول صهباني لـ”العرب” إن “الفوضى والنظام في عالمنا المعاصر يخلقان توازنا دقيقا، حيث لا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر، فالفوضى تمثل الحركية المستمرة والتغيرات السريعة، بينما النظام يجسد محاولتنا المستمرة لخلق معنى واستقرار وسط هذه التغيرات. في المعرض، أعبّر عن هذا التوازن من خلال دمج العناصر العشوائية مثل الألوان المتدفقة والمواد الطبيعية المستعادة، مع تكوينات منظمة ومدروسة. هذا المزج يعكس كيف نتعايش مع الفوضى والنظام، ونبحث عن الجمال والانسجام رغم التناقضات التي تحيط بنا”.
وتشرح “تعكس أعمالي هذا الصراع اللامتناهي بين الخالد والزائل، بين ما يبقى في الذاكرة وما يتلاشى مع مرور الزمن، ففي كل لوحة أسعى للتعبير عن هذه الثنائية من خلال تداخل الألوان والأشكال، حيث تعبّر الزهور والنباتات الهشة عن جمال لحظي يذكرنا بأن كل شيء في الحياة هو مؤقت، وهذا التعبير عن الجمال الزائل يحمل في طياته حزنا عميقا يهمس بأن الفرح والفقد يتلازمان، وأن كل ما هو حي سيتلاشى في النهاية. والرسالة التي أريد إيصالها هي أن نحتفل باللحظات العابرة، أن نقدر الحياة حتى في هشاشتها، لأن الوعي بفنائها يمنحنا القدرة على رؤية الجمال بشكل أعمق وبكل ما فيها من تناقضات، تذكرنا بأن كل شيء متصل وأن الجمال في لحظات الزهرة المتفتحة يتألق أكثر عندما ندرك أنه لن يدوم”.
دمج المواد الطبيعية مع عناصر وألوان معاصرة يرمز إلى الحوار المستمر بين الماضي والحاضر ويضيف عمقا وثراء للأعمال
أما أكبر تحدّ تواجهه في غالبية أعمالها، فتقول صهباني إنه “التوفيق بين الفكرة التجريدية والمواد المستخدمة أحيانا، فالأعمال النهائية لا تعكس تماما ما أريد التعبير عنه، لكنّني أدرك أن هذه التحديات هي جزء طبيعي من العملية الإبداعية، بينما أتجاوز الصعوبات من خلال قبول الفوضى كجزء من الإبداع، فكلما واجهت عائقا، إلا وتعلمت شيئا جديدا عن نفسي وعن رؤيتي، وخلال هذا المعرض استخدمت تلك اللحظات التي يراودني فيها الشك والإحباط كفرص للبحث عن مسارات وأفكار جديدة، وساعدني هذا القبول على تحويل كل تحدّ إلى خطوة نحو تطوير العمل. التشكيل أصلا تجربة فريدة تعكس رحلة الفن والحياة ذاتها، دون تحديات لن تكون ممتعة”.
والمستقبل بالنسبة إلى الفنانة مليء بالإمكانيات والتحديات الجديدة، حيث تقول “أفكر في البحث عن مفاهيم جديدة تتعلق بالطبيعة الإنسانية وعلاقتها بالعالم من حولها، وكيف يمكن للفن أن يكون مرآة تعكس هذه العلاقة بعمق ووضوح، بينما أطمح ربما بعد سنتين أو أكثر، لأنني أريد أن أعطي التجربة الحالية ما يكفي من الوقت والتفكير والتفاعل مع المتلقي، إلى جانب دراسة أساليب فنية مختلفة، مثل دمج التقنيات الرقمية مع الفنون التقليدية، وأريد أن أخلق أعمالا وعوالم فريدة ومؤثّرة تجمع بين الأشكال التقليدية والحديثة، حيث أعتبر أن الفن هو وسيلة للتواصل والتفاعل، ولذلك أسعى دائما لتطوير طرق جديدة تعزز هذا التواصل، وتجعل من الأعمال الفنية ليس مجرد قطع جمالية”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
"فلورا".. معرض يستكشف العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع.
السبت 2024/11/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
أعمال فنية تنبض بالحياة
من عالم الورود والإلهة فلورا تقتبس الفنانة التشكيلية المغربية شمس صهباني فكرة معرضها التشكيلي الجديد، والذي تستخدم فيه مواد طبيعية إلى جانب الألوان والتقنيات التجريبية المعاصرة، مركزة على التناغم الكبير بين الزمن الماضي والحاضر وكيف أن الطبيعة تذكرنا دوما بأن كل شيء متصل ومنفصل وبأن لا شيء دائما.
الرباط – ينطلق السبت في “منجم الفن” معرض بعنوان “فلورا” للفنانة التشكيلية شمس صهباني، ويستمر حتى 30 نوفمبر الجاري، ويتضمن حفل الافتتاح حدثا أدبيا مميزا، حيث سيوقع الشاعر المصري ياسر يونس ديوانه “قصائد من أجلها”، الذي يضم قصائد رومانسية تتكامل مع بعض أعمال الفنانة، ويقدم هذا الحدث الناقد والكاتب والفنان محمد سعود.
يستلهم معرض “فلورا” أجواءه من إلهة الورد فلورا، الشخصية الأسطورية في الميثولوجيا الرومانية، ليعبّر عن العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع، إذ تستكشف شمس صهباني في هذا المعرض كيف تجسّد أعمالها مفاهيم التجدد والحيوية، التي تشكل جوهر الإبداع الفني، حيث تبدو كل لوحة كزهرة جديدة تنبثق في عملية تحول تتجلى فيها أهمية المادة.
وتعتمد الفنانة على تنوع واسع في المواد كالقماش والورق والنباتات الحية والمجفّفة والطين والزجاج لتقوية الصلة بالطبيعة وإبراز التباينات التي تطبع أعمالها. وتعبر هذه التباينات، سواء داخل العمل الواحد أو بين عدة أعمال، عن ازدواجية وتكامل بين الطبيعة والحياة مما يضفي هيكلية على المعرض.
معرض شمس صهباني يستلهم من إلهة الورد فلورا، الشخصية الأسطورية في الميثولوجيا الرومانية ليعبر عن العلاقة بين الطبيعة والإبداع
في هذا السياق، توضح الفنانة التشكيلية لـ”العرب” سر اختيارها عنوان “فلورا” لمعرضها الفني التشكيلي، وكيف يعكس هذا العنوان رؤيتها الفنية، بالقول “اخترت هذا العنوان نسبة إلى فلورا إلهة الزهور والخصوبة في الأساطير الإغريقية والرومانية، لأنها تمثل رمز الحياة والتطور والتجدد، وهي معان أساسية أحاول التعبير عنها في هذا المعرض، وأردت من خلال هذا العنوان أن أبرز العلاقة بين الطبيعة وعملية الإبداع الفني، حيث تعتبر كل لوحة كزهرة جديدة، تحمل في طياتها حكاية من التجديد والانبعاث”.
وتوضح صهباني “أوظف الأسطورة هنا كمعنى رمزي وليس كتجسيد مباشر حيث أستحضرها وأترجمها إلى تجربة بصرية عبر دمج عناصر الطبيعة، مثل الألوان والمواد العضوية والنباتات الحية، لخلق أعمال فنية تنبض بالحياة والتجدد، فاختيار شخصية فلورا يعكس استلهام المعرض من أسطورة تحمل دلالات الخصوبة والإبداع، وهو استلهام يمتد ليشمل أساطير مغربية تتصل بعالم أنثوي خاص، بعضه واقعي وبعضه متخيل، مليء بالجمال والإبداع، فالهدف الأساسي من هذا المعرض هو استكشاف العلاقة بين الطبيعة بجميع مكوّناتها بما في ذلك الطبيعة الإنسانية وعملية الإبداع في المجتمع ككل”.
وتشرح الفنانة أن التهجين في أعمالها يعبّر عن “فكرة التلاقي بين عناصر مختلفة لخلق شيء جديد، كما هو الحال في تنوع الطبيعة، حيث دمجت في هذا المعرض بين المواد الطبيعية، مثل النباتات الحية والألوان العضوية، مع مواد أخرى كالقماش والورق والطين، وهذا ما يميز طريقتي في العمل. هذا الاستخدام المتعمد للتنوع المادي والأسلوبي يعكس حيوية الطبيعة وتعدد وجوهها ويمنحها حياة نابضة داخل العمل الفني. ولاستكمال هذه الرؤية، تجد أنني لا أقدم في لوحاتي أزهارا أو ورودا واضحة ومحددة كما قد يتوقع البعض، بل أعبّر عن أفكار ومشاعر برمزية تجريدية للزهور، ولا أهدف إلى رسم لوحات لأزهار جميلة، حيث تصبح الزهور رمزا للتجدد والتطور والإبداع وتنسج كل لوحة قصة تجسد عمق المعاني التي أطمح إلى إيصالها”.
وفي حديثها عن طريقة استخدامها للمواد الطبيعية المستعادة وكيف تساهم في خلق التوتر بين ما هو قديم وما هو معاصر، توضح التشكيلية المغربية “أستخدم المواد الطبيعية المستعادة، مثل النباتات الجافة والزيوت والطين، لإضفاء إحساس بالزمن في أعمالي، وهذه المواد تحمل طاقة الماضي وتاريخا خاصا بها، وعندما أدمجها مع عناصر وألوان معاصرة يتولّد توتر بين ما هو قديم وما هو حديث، وهذا التفاعل يرمز إلى الحوار المستمر بين الماضي والحاضر ويضيف عمقا وثراء للأعمال، ليشعر المتلقي بأن الطبيعة وجمالها يمكن أن يستمرا في كل مرحلة زمنية”.
وتستدرك “أما الورود مثل الورد البلدي ووردة المسك والخزامى والزهر، فتحمل رموزا قوية في الثقافة المغربية، حيث ترتبط بالاحتفالات والتقاليد، فمن خلال أعمالي أسعى لنقل هذا العمق الثقافي عبر تجربة بصرية تحفز حاسة الشم أيضا، باستخدام مواد طبيعية تحافظ على عطور خفيفة (الخزامة، التوابل…)، فتغمر المتلقّي في أجواء مغربية أصيلة (بالدارجة نقول “مشموم” أي باقة زهور، فحاسة الشم مهمة جدا)، فالهدف من كل هذا هو خلق تجربة حسية كاملة، تجمع بين المرئي والمحسوس، مما يعزّز ارتباط المتلقي بالأعمال على مستوى أعمق”.
وتتابع “أستخدم مواد طبيعية وروائح خفيفة لإضفاء أجواء حسية تشجع زوار المعرض على تفعيل حاسة الشم، فيشعرون بأنهم جزء من العمل. أما ملمس بعض المواد المستخدمة في اللوحات، مثل الورق أو الخشب، فيضيف بعدا آخر يجذب الزائر للتفاعل معها من زاوية حسية مختلفة، وآمل أن يتفاعل المتلقي مع أعمالي كرحلة حسية تجمع بين الرؤية، والشم وربما حتى اللمس والسمع”.
وتقول صهباني لـ”العرب” إن “الفوضى والنظام في عالمنا المعاصر يخلقان توازنا دقيقا، حيث لا يمكن لأحدهما أن يوجد دون الآخر، فالفوضى تمثل الحركية المستمرة والتغيرات السريعة، بينما النظام يجسد محاولتنا المستمرة لخلق معنى واستقرار وسط هذه التغيرات. في المعرض، أعبّر عن هذا التوازن من خلال دمج العناصر العشوائية مثل الألوان المتدفقة والمواد الطبيعية المستعادة، مع تكوينات منظمة ومدروسة. هذا المزج يعكس كيف نتعايش مع الفوضى والنظام، ونبحث عن الجمال والانسجام رغم التناقضات التي تحيط بنا”.
وتشرح “تعكس أعمالي هذا الصراع اللامتناهي بين الخالد والزائل، بين ما يبقى في الذاكرة وما يتلاشى مع مرور الزمن، ففي كل لوحة أسعى للتعبير عن هذه الثنائية من خلال تداخل الألوان والأشكال، حيث تعبّر الزهور والنباتات الهشة عن جمال لحظي يذكرنا بأن كل شيء في الحياة هو مؤقت، وهذا التعبير عن الجمال الزائل يحمل في طياته حزنا عميقا يهمس بأن الفرح والفقد يتلازمان، وأن كل ما هو حي سيتلاشى في النهاية. والرسالة التي أريد إيصالها هي أن نحتفل باللحظات العابرة، أن نقدر الحياة حتى في هشاشتها، لأن الوعي بفنائها يمنحنا القدرة على رؤية الجمال بشكل أعمق وبكل ما فيها من تناقضات، تذكرنا بأن كل شيء متصل وأن الجمال في لحظات الزهرة المتفتحة يتألق أكثر عندما ندرك أنه لن يدوم”.
دمج المواد الطبيعية مع عناصر وألوان معاصرة يرمز إلى الحوار المستمر بين الماضي والحاضر ويضيف عمقا وثراء للأعمال
أما أكبر تحدّ تواجهه في غالبية أعمالها، فتقول صهباني إنه “التوفيق بين الفكرة التجريدية والمواد المستخدمة أحيانا، فالأعمال النهائية لا تعكس تماما ما أريد التعبير عنه، لكنّني أدرك أن هذه التحديات هي جزء طبيعي من العملية الإبداعية، بينما أتجاوز الصعوبات من خلال قبول الفوضى كجزء من الإبداع، فكلما واجهت عائقا، إلا وتعلمت شيئا جديدا عن نفسي وعن رؤيتي، وخلال هذا المعرض استخدمت تلك اللحظات التي يراودني فيها الشك والإحباط كفرص للبحث عن مسارات وأفكار جديدة، وساعدني هذا القبول على تحويل كل تحدّ إلى خطوة نحو تطوير العمل. التشكيل أصلا تجربة فريدة تعكس رحلة الفن والحياة ذاتها، دون تحديات لن تكون ممتعة”.
والمستقبل بالنسبة إلى الفنانة مليء بالإمكانيات والتحديات الجديدة، حيث تقول “أفكر في البحث عن مفاهيم جديدة تتعلق بالطبيعة الإنسانية وعلاقتها بالعالم من حولها، وكيف يمكن للفن أن يكون مرآة تعكس هذه العلاقة بعمق ووضوح، بينما أطمح ربما بعد سنتين أو أكثر، لأنني أريد أن أعطي التجربة الحالية ما يكفي من الوقت والتفكير والتفاعل مع المتلقي، إلى جانب دراسة أساليب فنية مختلفة، مثل دمج التقنيات الرقمية مع الفنون التقليدية، وأريد أن أخلق أعمالا وعوالم فريدة ومؤثّرة تجمع بين الأشكال التقليدية والحديثة، حيث أعتبر أن الفن هو وسيلة للتواصل والتفاعل، ولذلك أسعى دائما لتطوير طرق جديدة تعزز هذا التواصل، وتجعل من الأعمال الفنية ليس مجرد قطع جمالية”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي