وحش Monster
( الفيلم غير عائلي )
في 2 أكتوبر من عام 2002 ، أُسدل الستار على حكاية " آيلين وورنوس " ، بإعدامها بواسطة حقنة قاتلة في سجن فلوريدا المركزي ، بعد أن شغل لغزُ قتل سبعة رجال في ظروف غامضة الأوساطَ الأمنية و الإجتماعية في ولاية فلوريدا الأمريكية . ولكن بعد أقل من عام صدر فيلم دراما / جريمة مثير حمل عنوان ( وحشMonster ) الذي يشكل أولَ تجربة إخراجية سينمائية للمخرجة " باتي جينكنز " . و هذا الفيلم من إنتاج بطلته الممثلة الجميلة " چارليز ثيرون " التي خطفت عن دورها فيه جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيس ، و كذلك جائزة گولدن گلوب و جائزة نقابة ممثلي الشاشة ، و ذلك لأدائها البارع في دور السفاحة " آيلين وورنوس " من خلال حركات غريبة أدتها " ثيرون " عبر مشيها و حركة أكتافها و فمها و رأسها ، تتوافق مع حركات أنثى غير سوية تتصرف بدافع الإستهتار و الإرادة المسلوبة . و لقد كان الماكياج الذي ظهرت فيه " چارليز ثيرون " مثالياً و غريباً على من اعتاد على شكل الممثلة الجميل ، ولكنه كان مناسباً تماماً للدور ، حتى أن " روجر إيبرت " ، الناقد السينمائي لصحيفة ( شيكاغو سان تايمز ) ــ من عام 1967 حتى عام وفاته 2013 ــ كتب يقول : ( أعترف بأنني دخلت العرض دون أن أعرف من هو النجم ، وأنني لم أتعرف على چارليز ثيرون حتى قرأت اسمها في الاعتمادات الختامية ) .
كانت " چارليز ثيرون " ذكية ، و تصرفت بحسٍ تجاري و إنساني معاً حين تولت إنتاج الفيلم ، حيث كانت قضية جرائم " آيلين وورنوس " محافظة ــ حينها ــ على سخونتها لدى المجتمع المصدوم بتلك الجرائم . و إذ كلف الإنتاج ثمانية ملايين دولار فإن إيراداته بلغت أكثر من ستين مليوناً . و قد استقبل الجمهورُ و النقادُ الفيلمَ بحفاوة ، ولكن البعضَ أخذ عليه كونه قد قدّم القاتلة على أنها كانت تقوم بجرائمها من باب الدفاع عن النفس . و قد يكون ذلك صحيحاً بخصوص الضحية الأولى الذي تعامل مع " آيلين وورنوس " معاملة سادية واضحة ، حين راح يدخل فيها ــ من الخلف ــ قضيباً صلباً ، معدنياً أو خشبياً ، و قد ربط يديها ، و كان واضحاً أنه كان ينوي القضاء عليها لسبب غير معروف ، ربما لعقدة نفسية لديه ، أو لرغبته في إنتقام تعويضي من زوجته ، فهو يحمل في إصبعه خاتم زواج .
كما أنها ربما وجدت مبرراً شخصياً ــ و ليس إنسانياً ــ في قتل الشخص الذي طلب منها أن تناديه ، أثناء المضاجعة ، بـ ( يا أبي ) ، فربطت ذلك بعقدتها الشخصية فوجدت في قتله مبرراً للإنتقام من ماضيها .. الذي سنذكره لاحقاً .
ولكن في بعض الحالات كان ضحاياها أبرياء ، كالشخص الذي لم يطلب منها الجنس ، بل عرض عليها المساعدة بإمكانية الإقامة معه و مع زوجته في منزله حيث لديه غرفة فارغة و أن زوجته تتفهم الأمر ، ولكن يبدو أن غريزة القتل تأصلت لديها فاستسهلت الأمر بدافع الإنتقام من الرجال و تأمين المال للعيش مع عشيقتها " سيلبي " ذات الثمانية عشرة عاماً ، و التي لم تكن " آيلين " تحمل ميولاً مثلية قبل التعرف عليها . و " سيلبي " ( التي لعبت دورها " كريستينا ريچي " و ترشحت لجائزة گولدن گلوب عن دورها هذا ) كان أهلها قد أرسلوها للعيش مع أقاربهم في فلوريدا لكي تتعالج من هوَسها الشديد بالسحاق ولكنها أوقعت السفاحة " آيلين وورنوس " في شباك شبقها الجنسي فورطتها معها . غير أن " آيلين " أحبتها كما يبدو ، و لا نعلم إن كانت بعض جرائمها كانت بدافع الحفاظ على الإستمرار معاً من خلال القتل و توفير المال و إدامة هذا الإستمرار ، أم أن غريزة القتل لدى " آيلين " قد اتخذت طابع المرونة و الإستسهال .
غير أن السؤال الأهم هنا ، هل أن " آيلين وورنوس " ارتكبت جرائمها بدافع غريزي ، أم أن ثمة تراكمات عائلية و شخصية و نفسية خلقت لديها دافعاً بصيغة ( رد فعل ) ؟
وُلدت " آيلين وورنوس " في 29 فبراير / شباط 1959 في ولاية مشيغان ، و بعد شهرين تركها والدها في عهدة أمها ، التي بدورها تركتها في عهدة والديها المدمنَين على الكحول ، و في سن الحادية عشرة بدأت تتعرض الى الإعتداء الجنسي من قبل جدها . فيما انتحر والدها في السجن الذي أُقتيد إليه بسبب إعتدائه الجنسي على طفلة في السابعة . و في الثامنة عشرة راحت " آيلين " تمارس العهر علناً و تقدم نفسها للشبان بإعتبارها عاهرة .
في حالة كهذه ، هل نلقي اللوم على الفتاة التي تحولت الى عاهرة ، أم علينا أن ندرس الظروف ؟ و في حالة مجتمع ، مثل المجتمع الأمريكي الذي يمنح الحرية الشخصية للفتاة البالغة الثامنة عشرة من عمرها ، كيف يمكن ضبط سلوكها الأخلاقي و الإجتماعي بالتوافق مع ماضيها المنفلت أخلاقياً على المستوى العائلي ؟
هذه الأسئلة ، لم يكن فيلم ( وحش ) مهتماً بالرد عليها و معالجتها ، ولكنه كان مبادراً في التقاط الحدث الإجتماعي و الإعلامي الساخن فحقق هدفه في الإنتاج السينمائي ، إذ قدمت لنا المخرجة " باتي جينكنز " و الممثلة البارعة " چارليز ثيرون " فيلماً متقناً وفق سيناريو محبوك وضعته " جينكنز " نفسها .
( الفيلم غير عائلي )
في 2 أكتوبر من عام 2002 ، أُسدل الستار على حكاية " آيلين وورنوس " ، بإعدامها بواسطة حقنة قاتلة في سجن فلوريدا المركزي ، بعد أن شغل لغزُ قتل سبعة رجال في ظروف غامضة الأوساطَ الأمنية و الإجتماعية في ولاية فلوريدا الأمريكية . ولكن بعد أقل من عام صدر فيلم دراما / جريمة مثير حمل عنوان ( وحشMonster ) الذي يشكل أولَ تجربة إخراجية سينمائية للمخرجة " باتي جينكنز " . و هذا الفيلم من إنتاج بطلته الممثلة الجميلة " چارليز ثيرون " التي خطفت عن دورها فيه جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيس ، و كذلك جائزة گولدن گلوب و جائزة نقابة ممثلي الشاشة ، و ذلك لأدائها البارع في دور السفاحة " آيلين وورنوس " من خلال حركات غريبة أدتها " ثيرون " عبر مشيها و حركة أكتافها و فمها و رأسها ، تتوافق مع حركات أنثى غير سوية تتصرف بدافع الإستهتار و الإرادة المسلوبة . و لقد كان الماكياج الذي ظهرت فيه " چارليز ثيرون " مثالياً و غريباً على من اعتاد على شكل الممثلة الجميل ، ولكنه كان مناسباً تماماً للدور ، حتى أن " روجر إيبرت " ، الناقد السينمائي لصحيفة ( شيكاغو سان تايمز ) ــ من عام 1967 حتى عام وفاته 2013 ــ كتب يقول : ( أعترف بأنني دخلت العرض دون أن أعرف من هو النجم ، وأنني لم أتعرف على چارليز ثيرون حتى قرأت اسمها في الاعتمادات الختامية ) .
كانت " چارليز ثيرون " ذكية ، و تصرفت بحسٍ تجاري و إنساني معاً حين تولت إنتاج الفيلم ، حيث كانت قضية جرائم " آيلين وورنوس " محافظة ــ حينها ــ على سخونتها لدى المجتمع المصدوم بتلك الجرائم . و إذ كلف الإنتاج ثمانية ملايين دولار فإن إيراداته بلغت أكثر من ستين مليوناً . و قد استقبل الجمهورُ و النقادُ الفيلمَ بحفاوة ، ولكن البعضَ أخذ عليه كونه قد قدّم القاتلة على أنها كانت تقوم بجرائمها من باب الدفاع عن النفس . و قد يكون ذلك صحيحاً بخصوص الضحية الأولى الذي تعامل مع " آيلين وورنوس " معاملة سادية واضحة ، حين راح يدخل فيها ــ من الخلف ــ قضيباً صلباً ، معدنياً أو خشبياً ، و قد ربط يديها ، و كان واضحاً أنه كان ينوي القضاء عليها لسبب غير معروف ، ربما لعقدة نفسية لديه ، أو لرغبته في إنتقام تعويضي من زوجته ، فهو يحمل في إصبعه خاتم زواج .
كما أنها ربما وجدت مبرراً شخصياً ــ و ليس إنسانياً ــ في قتل الشخص الذي طلب منها أن تناديه ، أثناء المضاجعة ، بـ ( يا أبي ) ، فربطت ذلك بعقدتها الشخصية فوجدت في قتله مبرراً للإنتقام من ماضيها .. الذي سنذكره لاحقاً .
ولكن في بعض الحالات كان ضحاياها أبرياء ، كالشخص الذي لم يطلب منها الجنس ، بل عرض عليها المساعدة بإمكانية الإقامة معه و مع زوجته في منزله حيث لديه غرفة فارغة و أن زوجته تتفهم الأمر ، ولكن يبدو أن غريزة القتل تأصلت لديها فاستسهلت الأمر بدافع الإنتقام من الرجال و تأمين المال للعيش مع عشيقتها " سيلبي " ذات الثمانية عشرة عاماً ، و التي لم تكن " آيلين " تحمل ميولاً مثلية قبل التعرف عليها . و " سيلبي " ( التي لعبت دورها " كريستينا ريچي " و ترشحت لجائزة گولدن گلوب عن دورها هذا ) كان أهلها قد أرسلوها للعيش مع أقاربهم في فلوريدا لكي تتعالج من هوَسها الشديد بالسحاق ولكنها أوقعت السفاحة " آيلين وورنوس " في شباك شبقها الجنسي فورطتها معها . غير أن " آيلين " أحبتها كما يبدو ، و لا نعلم إن كانت بعض جرائمها كانت بدافع الحفاظ على الإستمرار معاً من خلال القتل و توفير المال و إدامة هذا الإستمرار ، أم أن غريزة القتل لدى " آيلين " قد اتخذت طابع المرونة و الإستسهال .
غير أن السؤال الأهم هنا ، هل أن " آيلين وورنوس " ارتكبت جرائمها بدافع غريزي ، أم أن ثمة تراكمات عائلية و شخصية و نفسية خلقت لديها دافعاً بصيغة ( رد فعل ) ؟
وُلدت " آيلين وورنوس " في 29 فبراير / شباط 1959 في ولاية مشيغان ، و بعد شهرين تركها والدها في عهدة أمها ، التي بدورها تركتها في عهدة والديها المدمنَين على الكحول ، و في سن الحادية عشرة بدأت تتعرض الى الإعتداء الجنسي من قبل جدها . فيما انتحر والدها في السجن الذي أُقتيد إليه بسبب إعتدائه الجنسي على طفلة في السابعة . و في الثامنة عشرة راحت " آيلين " تمارس العهر علناً و تقدم نفسها للشبان بإعتبارها عاهرة .
في حالة كهذه ، هل نلقي اللوم على الفتاة التي تحولت الى عاهرة ، أم علينا أن ندرس الظروف ؟ و في حالة مجتمع ، مثل المجتمع الأمريكي الذي يمنح الحرية الشخصية للفتاة البالغة الثامنة عشرة من عمرها ، كيف يمكن ضبط سلوكها الأخلاقي و الإجتماعي بالتوافق مع ماضيها المنفلت أخلاقياً على المستوى العائلي ؟
هذه الأسئلة ، لم يكن فيلم ( وحش ) مهتماً بالرد عليها و معالجتها ، ولكنه كان مبادراً في التقاط الحدث الإجتماعي و الإعلامي الساخن فحقق هدفه في الإنتاج السينمائي ، إذ قدمت لنا المخرجة " باتي جينكنز " و الممثلة البارعة " چارليز ثيرون " فيلماً متقناً وفق سيناريو محبوك وضعته " جينكنز " نفسها .