كيف تنظرون لعلاقة الفن مع البيئة ؟ وبمعنى آخر: إلى أي حدّ تلعب البيئة دوراً في إعطاء الفن خصائص بيئية = مجتمعية ؟
طبعاً الفن هو أعظم إنتاج إنساني فهو المحور. والفن أقدم من التاريخ [ يقصد الأستاذ زهدي بكلمة تاريخ أي بدء الكتابة – المحاور] . وكما تعلم أن الفن نشأ حين أصبح الإنسان بحاجة للتعبير فكان الرسم والنحت واللحن ثم كانت الكلمة. الآن، نحن نعلم أن كل إنسان هو ابن البيئة التي نشأ فيها. فهي التي تساهم في تكوينه النفسي والاجتماعي والإنساني.
فإذا قلنا أن كل عمل فني يحتاج إلى ثلاثة ركائز، هي المادة والموضوع والتعبير، فنحن الآن إزاء علاقة المادة بالبيئة والموضوع بالبيئة والتعبير بالبيئة. فالمادة هي التي توجه الحضارة ولأطرح مثلاً، إن المنطقة الفقيرة بالأخشاب والغنية بالأحجار نجدها ابتكرت وسائل الكتابة على الحجر ووسائل العمارة بالحجر. وبعض المناطق الغنية بالطين والفقيرة بالأحجار تكون مادتها طينية.
فالبيئة تقدم الإمكانيات. وترى أن منطقة جنوب الشام قدمت لإنسانها البازلت الصلد والصعب التعامل معه. ومع هذا فقد استطاع إنساننا التعامل معه والسيطرة عليه. إذن البيئة تقدم للإنسان العنصر الأساسي من عناصر العمل الفني – أقصد المادة – وكذلك ارتباط الموضوع بالبيئة. فضمن النظام المعرفي الذي اكتسبته من بيئتي الاجتماعية، لا بد أن يكون موضوعي منبثقاً من هذا النظام المعرفي = الاجتماعي وإلا أصبحت لا أخاطب بلغة اجتماعية نشأت بها وعليها.
أما طريقة التعبير وارتباطها بالبيئة فهذا عائد إلى مدى التطور الفني والاجتماعي والثقافي للمجتمع وتطور نظرته في الحياة والكون.
فالفن إذن هو ابن البيئة وهو مرآة المجتمع. كما أننا لا ننسى دور الفن وتأثيره في البيئة والمجتمع، من ناحية تنمية الحس الجمالي والأخلاقي فيه.
وإذا لاحظت معي أنه حتى الدين، بل كل الأديان اعتمدت على الفن وكذلك كل الأفكار. فالنشيد الوطني لكل أمة هو عنوان فني وفكري للأمة وكذلك عَلَمُ كل أمة.
طرحت في كتابي " الفن السوري في العصر الهلنستي والروماني " نظرية تتعلق بهذه الناحية أقصد علاقة الفن بالبيئة. فقد درج البعض على اعتبار أن الآثار المكتشفة في سورية في العصر الروماني هي آثار رومانية. لكنني توصلت بعد دراسة هذا إلى ما مفاده أنها آثار سورية من العصر الروماني وعبّرت عن ذلك بالأدلة التالية:
أولاً: من ناحية المادة المستخدمة: نجد أن المادة محلية وليست مستوردة – كالبازلت مثلاً.
ثانياً: لا يوجد في بلاد اليونان أو الرومان آثار كالآثار الموجود في بلادنا.
ثالثاً: معلوم أن الحضارة السورية تعود إلى مليون سنة قبل الميلاد. ومعلوم أيضاً أن حضارة اليونان تبدأ من القرن التاسع ق.م. وحضارة الرومان بدأت بعد انتهاء الحرب الفونيقية. فإذن بما أن الشعب السوري قد أبدع آثاراً منذ مليون سنة، وكون أن هناك تواصل حضاري فيمكن أن يحصل بنتيجة المثاقفة تأثر وتأثير بالميثولوجيا وحركة الفكر العامة لعصر من العصور، مع وجود صبغة محلية ومادة محلية.
الباحث بشير زهدي
حوارات في الحضارة السورية
طبعاً الفن هو أعظم إنتاج إنساني فهو المحور. والفن أقدم من التاريخ [ يقصد الأستاذ زهدي بكلمة تاريخ أي بدء الكتابة – المحاور] . وكما تعلم أن الفن نشأ حين أصبح الإنسان بحاجة للتعبير فكان الرسم والنحت واللحن ثم كانت الكلمة. الآن، نحن نعلم أن كل إنسان هو ابن البيئة التي نشأ فيها. فهي التي تساهم في تكوينه النفسي والاجتماعي والإنساني.
فإذا قلنا أن كل عمل فني يحتاج إلى ثلاثة ركائز، هي المادة والموضوع والتعبير، فنحن الآن إزاء علاقة المادة بالبيئة والموضوع بالبيئة والتعبير بالبيئة. فالمادة هي التي توجه الحضارة ولأطرح مثلاً، إن المنطقة الفقيرة بالأخشاب والغنية بالأحجار نجدها ابتكرت وسائل الكتابة على الحجر ووسائل العمارة بالحجر. وبعض المناطق الغنية بالطين والفقيرة بالأحجار تكون مادتها طينية.
فالبيئة تقدم الإمكانيات. وترى أن منطقة جنوب الشام قدمت لإنسانها البازلت الصلد والصعب التعامل معه. ومع هذا فقد استطاع إنساننا التعامل معه والسيطرة عليه. إذن البيئة تقدم للإنسان العنصر الأساسي من عناصر العمل الفني – أقصد المادة – وكذلك ارتباط الموضوع بالبيئة. فضمن النظام المعرفي الذي اكتسبته من بيئتي الاجتماعية، لا بد أن يكون موضوعي منبثقاً من هذا النظام المعرفي = الاجتماعي وإلا أصبحت لا أخاطب بلغة اجتماعية نشأت بها وعليها.
أما طريقة التعبير وارتباطها بالبيئة فهذا عائد إلى مدى التطور الفني والاجتماعي والثقافي للمجتمع وتطور نظرته في الحياة والكون.
فالفن إذن هو ابن البيئة وهو مرآة المجتمع. كما أننا لا ننسى دور الفن وتأثيره في البيئة والمجتمع، من ناحية تنمية الحس الجمالي والأخلاقي فيه.
وإذا لاحظت معي أنه حتى الدين، بل كل الأديان اعتمدت على الفن وكذلك كل الأفكار. فالنشيد الوطني لكل أمة هو عنوان فني وفكري للأمة وكذلك عَلَمُ كل أمة.
طرحت في كتابي " الفن السوري في العصر الهلنستي والروماني " نظرية تتعلق بهذه الناحية أقصد علاقة الفن بالبيئة. فقد درج البعض على اعتبار أن الآثار المكتشفة في سورية في العصر الروماني هي آثار رومانية. لكنني توصلت بعد دراسة هذا إلى ما مفاده أنها آثار سورية من العصر الروماني وعبّرت عن ذلك بالأدلة التالية:
أولاً: من ناحية المادة المستخدمة: نجد أن المادة محلية وليست مستوردة – كالبازلت مثلاً.
ثانياً: لا يوجد في بلاد اليونان أو الرومان آثار كالآثار الموجود في بلادنا.
ثالثاً: معلوم أن الحضارة السورية تعود إلى مليون سنة قبل الميلاد. ومعلوم أيضاً أن حضارة اليونان تبدأ من القرن التاسع ق.م. وحضارة الرومان بدأت بعد انتهاء الحرب الفونيقية. فإذن بما أن الشعب السوري قد أبدع آثاراً منذ مليون سنة، وكون أن هناك تواصل حضاري فيمكن أن يحصل بنتيجة المثاقفة تأثر وتأثير بالميثولوجيا وحركة الفكر العامة لعصر من العصور، مع وجود صبغة محلية ومادة محلية.
الباحث بشير زهدي
حوارات في الحضارة السورية