بَديع الزَمان الهَمذاني al-Hamadhani..كاتب وشاعر، مواليد همذان (خراسان)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بَديع الزَمان الهَمذاني al-Hamadhani..كاتب وشاعر، مواليد همذان (خراسان)

    بديع زمان همذاني

    Badi' az-Zaman al-Hamadhani - Badi' az-Zaman al-Hmadhani

    بَديع الزَمان الهَمذاني
    (358ـ398هـ/968ـ1008م)

    أبو الفضل، أحمد بن الحسين بن يحيى بن بشر الهمذاني، ولقبه بديع الزمان. كاتب وشاعر، ولد في همذان (خراسان) فنسب إليها، وتلقى فيها علومه الأولى على يد العالم اللغوي أبي الحسين أحمد بن فارس، ثم فارق همذان سنة 380هـ وهو غض الشباب قد ناهز الثامنة والعشرين من عمره، وقصد الصاحب بن عباد في الريّ، وبقي في بلاطه مدة نال فيها حظوة، ثم ورد جرجان واتصل بعلماء الإسماعيلية وعاش في رعاية أبي سعيد محمد بن منصور. ولمّا عزم على ورود نيسابور، أعانه أبو سعيد بما سهل له السير إليها، ولكن اللصوص خرجوا عليه في الطريق وسلبوا ما كان معه، فورد البلدة وهو في حال بائسة، ولم تكن شهرته الأدبية قد ذاعت، وكان فيها أبو بكر الخوارزمي[ر] أعلم أهل عصره باللغة والأدب وأرفعهم مكانةً لدى الملوك والأمراء، وكان الهمذاني يأمل أن يلقى الترحيب عنده، ولكنه لم يجد ما كان يشتهي، فاتصلت بينهما رسائل العتاب والاعتذار، وسعى الواشون بينهما، وكان البديع قد استطاع بما اتصف به من سرعة البديهة وقوة الحافظة ونضارة الصبا، أن يجذب إليه الأنظار، ودعا أناس إلى المناظرة بين البديع والخوارزمي الذي لم يكن أحد ليجرؤ على التصدي له، فرحب البديع وتردد أبو بكر. ثم جرت بينهما مناظرة بمشهد من القضاة والفقهاء وغيرهم، وكان موضوعها في الشعر واللغة، واختلف القوم في النتيجة، بعضهم حكم بغلبة الخوارزمي وبعضهم حكم بغلبة البديع، غير أن المناظرة حققت ما طمح إليه الهمذاني إذ سرى في الأقطار الإسلامية نبأ تغلب البديع على الخوارزمي، وأنه أجود منه شعراً وأحلى نثراً وأقوى حجةً، وبذلك حقق الهمذاني رغبته في الظهور وبلوغ الشهرة.
    ولما توفي الخوارزمي خلا الجو للهمذاني، فأخذ ينتقل من مكان إلى آخر، ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلاّ دخلها واتصل بحكامها وحظي بنوالهم، وانتهى به المطاف إلى هراة، حيث صاهر أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي، فانتظمت أحواله واقتنى بمعونة نسيبه ومشورته ضياعاً وعاش عيشة راضية، إلى أن توفي وقد بلغ الأربعين، ويذكر ابن خلّكان أنه مات بالسكتة القلبية فعجّل بدفنه.
    اهتمّ كتّاب التراجم بحياة بديع الزمان وأوردوها معجبين بها لما كان يتحلى به من الذكاء وسرعة الخاطر وصفاء الذهن والقدرة على كتابة النثر ونظم الشعر، وأوردوا قصصاً تدلّ على ما خُصَّ به من الحافظة العجيبة، فقد قيل إنه كان ينشد القصيدة التي يسمعها للمرة الأولى ويؤديها من أولها إلى آخرها من دون خطأ، وكان ينظر في أربع أوراق أو خمس من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرةً واحدةً ثم يسردها عن ظهر قلبه سرداً، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية بالأبيات العربية فيجمع في ترجمته بين الإبداع والإسراع.
    وكان الثعالبي (ت429هـ) قد لقيه فكتب عنه وأثنى على بلاغته ومقدرته الأدبية، وعن الثعالبي أخذ كثيرٌ ممن كتب عن البديع.
    كان الهمذاني متعصباً لأهل الحديث والسنة، إذ كان على مذهب الأشعري الشافعي.
    عالج الهمذاني النثر والشعر، وتعتمد شهرته في الأدب على رسائله ومقاماته. ويبلغ عدد رسائله 233 رسالة أكثرها يندرج في باب الإخوانيات، وله رسائل في الهجاء والمدح والاعتذار.
    موضوعات الرسائل منوعة، في بعضها فكاهة، غير أن الجد يغلب على أكثرها، ومع أن معظم الرسائل تمثل شخصية البديع، سجل فيها خواطره النفسية وأحداث حياته ومبادئه التي آمن بها، فإن بعضها يصور عصره في تشجيع الناس على المناظرات بين الأدباء إلى طمع الكتّاب في المناصب الرسمية، ومن ضعف الخلق عند الأغنياء إلى ذكر ما كان يثور بين العرب والفرس من حين إلى حين.
    وتتصف رسائله بوجه عام بالبساطة، ولم يكن البديع يلجأ إلى المبالغة إلا إذا كانت الرسالة في مخاطبة الرؤساء ويبدو ذلك في الجمل الدعائية التي يخص بها من يكتب لهم.
    وكان يحرص على تضمين الرسائل مختار الأمثال وجميل الأشعار، ولم يكن يتقيد فيها بصيغة خاصة في بدايتها شأن القدماء، إلا إذا كانت موجهة إلى وزير أو أمير.
    أما الفن الذي اشتهر به فهو فن المقامة وقد ذكر الثعالبي أن البديع أملى أربعمئة مقامة في نيسابور سنة 382هـ، ويبدو أن هذا العدد للتكثير، أما ما بقي من المقامات فواحدة وخمسون، ثم ألحقت بها واحدة نشرت في ملحق المقامات المطبوعة في اصطنبول وعنوانها «الملح»، أما موضوعها فحياة البدو. ويبدو أن العدد (51) وهو الذي عارض به الحريري[ر] مقامات البديع كما وصلت إليه، هو عدد المقامات في الأصل.
    وقد عمد البديع في مقاماته إلى حياة المكَدِّين (أي الشحاذين) فصاغ منها قصصاً تدور فيها المحاورة والمساجلة بين شخصين، الراوية وهو عيسى بن هشام، والبطل، وهو أبو الفتح الاسكندري، وقد يكون الراوية أحياناً هو البطل. أمّا موضوعات أكثر المقامات فهو الوصول إلى لقمة العيش بالحيلة. وكان قصد البديع التعليم بإظهار براعته في تخير الألفاظ والاستكثار من الزخارف البديعية والترصيع والتجنيس والإدلال بسعة محفوظه من المنظوم والمنثور.
    ويرى بعض النقاد أن الهمذاني هو أول من أنشأ فن المقامة بشكلها اللغوي الذي نعرفه، ويذهب الحصري في «زهر الآداب» إلى أن البديع أخذ فكرة مقاماته وطريقتها من الأربعين حديثاً لابن دريد، ويرى بعض الباحثين أن بديع الزمان لم يكن مبتكر فن المقامة، وعلى النقيض يرى آخرون ومنهم بروكلمان أن البديع هو مبتكر هذا الفن الذي انتقل بفضله إلى الفارسية كما دخل بعد ذلك إلى العبرية والسريانية.
    ويمكن القول إن بديع الزمان كان رائد هذا الفن، وفي ذلك يقول الحريري الذي عارض مقامات البديع: «هذا مع اعترافي بأن البديع رحمه الله سبّاق غايات وصاحب آيات وأن المتصدي بعده لإنشاء مقامة ولو أوتي بلاغة قدامة لا يغترف إلا من فضالته ولا يسري ذلك المسرى إلاّ بدلالته».
    ومقامات البديع نوع من الأحاديث، تبتدئ وتنتهي على نسقٍ واحد، وفي بعض المقامات نماذج متكاملة من القصة القصيرة، ففيها الحبكة القصصية وتحليل الشخصيات كما في المقامات المضيرية والبغدادية والموصلية. غير أن بعض المقامات لا يعدو إرسال العظة أو المفاضلة بين الشعراء القدماء والمحدثين كالمقامة القريضية، أو تصوير حيل المكدّين واللصوص كما في الرصافية أو ذكر أقذع الشتائم التي كانت تجري على ألسنة المكدين كما في المقامة الدينارية.
    وقد تأثر بمقامات البديع في القرن الرابع ابن نباتة السعدي، ثم جاء الحريري فعارض الهمذاني وصيّر فن المقامة فناً أدبياً، وانتشرت مقاماته في جميع الأقطار، كما تأثر بالبديع الكتّاب الذين جعلوا المقامة وسيلة للتعليم، كما يبدو ذلك في مقامات السيوطي وابن الجوزي والقلقشندي. وفي العصر الحديث وضع المويلحي قصته «عيسى بن هشام» متأثراً بالبديع وبشخصيات مقاماته.
    ومع اختلاف كتّاب المقامات في موضوعاتهم التي تمثل عصورهم أو ثقافات عصرهم، فإنها جميعها ترجع إلى فن البديع في التزام السجع والازدواج وطريقة سرد القصص، والهمذاني في كتابته النثرية صورة لعصره، إذ يدرك القارئ ما وصلت إليه الأخلاق في زمانه وما وقع من أحداث وشجر من خلافات في البقاع الإسلامية من أرض الشرق، وهو يعطي القارئ من الأخبار ما قد تضنّ به كتب التاريخ والسير، وهو دقيق الملاحظة في نقل ما يراه بالعين ويسمعه بالأذن من أحوال تلك البلاد وأحوال الطبقات الدنيا فيها. وهو في ذلك يكتب بجرأة، لا يهاب أحداً، ويبدو مفطوراً على الفكاهة التي نثرها في رسائله ومقاماته يمزج الجد بالهزل. وكان يجدّ حيناً ويضع عظات للناس كما فعل في المقامة الوعظية والمقامة الكوفية. ويقف قارئ مقاماته ورسائله على سعة محفوظة من المنظوم والمنثور، وبما وعت حافظته من اللغة وآدابها.
    أما الأسلوب الذي اعتمده في كتاباته فهو أسلوب النثر الذي يتصف به أغلب أدباء القرن الرابع الهجري في الالتزام بالسجع التزاماً مطلقاً والاعتماد على زخرفة الألفاظ والاستكثار من محسنات البديع في توشية الكتابة بفنون الجناس والمطابقة والموازنة والترصيع والتورية مع الاهتمام بجعل ما يجري من الفقرات المسجوعة تجري مجرى الأمثال كقوله: «المرء لا يعرف ببرده كالسيف لا يعرف بغمده»، ومع كثرة صور البديع وتعمده الصنعة فقد كانت صوره تدلّ على خصب خياله.
    نموذج من مقاماته من «المقامة البغدادية»: «حدثنا عيسى بن هشام قال: اشتهيت الأزاد. وأنا ببغداد.وليس معي عقد على نقد. فخرجت أنتهز محاله حتى أحلني الكرخ. فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره، ويُطَرّف بالعقد إزاره. فقلت: ظفرنا والله بصيد. وحياك الله أبا زيد. من أين أقبلت؟ وأين نزلت؟ ومتى وافيت وهلمّ إلى البيت. فقال السوادي: لست بأبي زيد، ولكني أبو عبيد. فقلت: نعم لعن الله الشيطان، وأبعد النسيان. أنسانيك طول العهد، واتصال البعد».
    أما شعر البديع فلا يرقى إلى مستوى نثره، وقصائده التي جمعت تدلّ على أن صاحبها كان موهوباً بالفطرة وإن لم يكن شاعراً.

    نهلة الحمصي
    الموضوعات ذات الصلة:
    الأدب في العصر العباسي ـ الحريري ـ المقامة (فن ـ).
يعمل...
X