"الذئاب المنفردة": حلّ المشاكل على قدر الجريمة
سمير رمان
سينما
جورج كلوني وبراد بيت في فيلم "الذئاب المنفردة"
شارك هذا المقال
حجم الخط
أطلقت منصة Appel TV+ عبر الإنترنت فيلم الجريمة الكوميدي "الذئاب المنفردة/ Lone Wolves" للمخرج الأميركي جون واتس/ Jon Watts.
يلعب الأدوار الرئيسة في الفيلم النجمان جورج كلوني، وبراد بيت. وتمثّل الكاريزما المدهشة التي يتمتّع بها الرجلان العمود الفقري لمثل هذا النوع من الأفلام. المخرج أعطى كلًّا منهما كامل الحرية في الأداء، اعتمادًا على سحرهما المجرّب مرارًا وتكرارًا، والذي أثبت نجاعته في كثيرٍ من الأفلام.
في السنوات الأخيرة، يتكرّر الحديث في صحافة الصناعة السينمائية عن انتهاء عصر نجوم السينما. وبشكلٍ عام، هذه الأحاديث مصحوبة بقصّةٍ عن شخصٍ شابٍّ نوعًا ما، والذي يتوقّع أنّه سيكون هذه المرّة الممثل النجم براد بيت في نسخته الجديدة، أو قد يكون ليوناردو دي كابريو، أو ربما إحدى شخصيات جيمس دين القديمة الجديدة.
صحيح أنّ هذا يبدو في كثيرٍ من الأحيان وكأنّه وسيلة تحايل تسويقي، أكثر من كونه وعدًا يتسم بالصدق، لأنّ صناعة السينما نفسها قد تغيّرت بدرجةٍ كبيرة. قبل 16 سنة، عندما لعب براد بيت وجورج كلوني آخر مرّةٍ في فيلم الكوميديا السوداء "Burn After Reading/ يحرق بعد القراءة" للأخوين مويني، أصبح مثل هذا الفيلم حدثًا في حدّ ذاته. تولت آبل تمويل فيلم النجمين الجديد، ولكنّها بعد عرضه الأوّل الصاخب في مهرجان فينيسيا السينمائي، بادرت المنصة إلى إلغاء إصدار فيلم "الذئاب المنفردة" على نطاقٍ واسع، كما سبق أن خططت، لأنّ آمالها بأن تجذب هذه الأسماء الكبيرة جمهورًا عريضًا من المشاهدين قد تبددت، فقامت بعرض الفيلم على وسائل الميديا من دون أيّة ضجّة ترافقه. جاءت هذه الخطوة محزنةً بعض الشيء، فأصبح من الأفضل، على الرغم من تضمّن الفيلم عددًا لا بأس به من جرائم القتل، مشاهدته في المنزل، بحيث يستطيع المشاهد التمتع بهذه الكوميديا وهو لا يزال في مزاج أعياد الميلاد يتمتّع بمناظر الثلج، وكذلك بأنوار المدينة الأنيقة، وبحيث يستطيع أفراد العائلة الدخول في مشاحنات عائلية حول سحر وفتنة كل من براد بيت، وجورج كلوني.
ذئاب منفردة! تلك هي الطريقة التي وضع أبطال الفيلم فيها أنفسهم أمام عملائهم. كانت نسخة الفيلم الأصلية بعنوان الفيلم "الذئاب"، في إشارةٍ بالطبع إلى فيلم "المنظّف/ Cleaner" للمخرج وينستون وولف، الذي مثّل فيه هارفي كايتل. أبطال فيلم "الذئاب المنفردة" هم أيضًا "منظفون"، يزيلون الآثار التي يخلفها أشخاص يجدون أنفسهم في مواقف صعبة، وبالتالي يساعدونهم على تجنّب المشاكل مع القانون. ومع ذلك، فإنّ أبطال الفيلم ليسوا متنافسين، بل لم يكن أحدهم يعرف بوجود الآخر قبل مساء أحد أيام الشتاء. تجد محامية مقاطعة نيويورك مارغريت (الممثلة إيمي رايان) نفسها في جناحٍ في أحد الفنادق الفاخرة، وحدها مع جثّة شابٍّ في العشرين من عمره (الممثل أوستن أبرامز) عارٍ تمامًا إلا من سرواله الداخلي.
"أبطال فيلم "الذئاب المنفردة" هم "منظفون"، يزيلون الآثار التي يخلفها أشخاص يجدون أنفسهم في مواقف صعبة، وبالتالي يساعدونهم على تجنّب المشاكل مع القانون" |
تدّعي المحامية أنّ الشابّ كان منتشيًا لدرجةٍ أنه قفز على السرير، ليسقط ويرتطم رأسه بحافة طاولة زجاجية، ويفقد حياته. كان المشهد بالنسبة لمحامية محترمة، وأمّ لبناتٍ بالغاتٍ، مفزعًا ومرعبًا. تتصل المحامية برقم هاتفٍ سبق أن أعطاها إياه ذات مرّةٍ صديقٌ موثوق لطلب المساعدة في حالات الضرورة القصوى. يصل رجلٌ يرتدي ملابس سوداء (جورج كلوني) يتولى حلّ مثل هكذا مشاكل. على الفور، يبدأ الرجل عمليات التنظيف، مبديًا خبرةً واضحة. وبينما كان الرجل يقوم بعمله، سمعت طرقات على الباب، ليظهر على الفور عند العتبة رجلٌ آخر يرتدي أيضًا ملابس سوداء (براد بيت)، ليقوم هو الآخر بعمليات التنظيف. يتضح للمشاهد أنّ عددًا من الكاميرات المخفية قد زرعت في الغرفة، وأنّ صاحبة الفندق المدعوة بام قد اطلعت على تسجيلات الكاميرات، وشاهدت كلّ ما حدث (لا تظهر بام في المشهد، ولكنّ المشاهد يسمع صوتها فقط). سارعت بام في إرسال براد بيت لتنظيف الموقع، فهي لا تريد على الإطلاق فضائح حول فندقها. بعد التشاور، اتفقت صاحبة الفندق بام والمحامية مارغريت على توحيد جهودهما. على الرغم من أنّ الرجلين (المنظفين) لم يبديا على الإطلاق حماسةً لمثل هذا الاحتمال، ولكنهما كانا مضطرين للاتفاق. علاوةً على ذلك، وكما لو أنّ الجثة لم تكن كافية، عثرا على قوالب من الهيرويين في حقيبة ظهر الشاب القتيل، وأدركا على الفور أنّه لا يمكن أن يكون هذا الفتى اليافع هو صاحب البضاعة الحقيقي، وعرفا من خلال خبرتهما السابقة أنّه يتوجّب عليهما إيجاد صاحب البضاعة بسرعةٍ، وإعادتها إليه.
كتب جون واتس سيناريو الفيلم بنفسه، وكمخرجٍ، لم يكن يهتمّ كثيرًا بتعقيدات الحبكة التقليدية، التي تقود الأبطال إلى الحيّ الصيني، حيث تعمل هناك طبيبة في الخفاء (الممثلة بورنا جاغاناثان)، من ثمّ توجّه المنظفان إلى موتيل غرفه مصمّمة على طراز رحلات السفاري، وتتجول فيها صراصير بحجم قطة صغيرة. أخيرًا، وصلا إلى حفل زفافٍ كرواتي (زلاتو برويتش، الذي لعب دور أوليغارشي روسي في فيلم "مثلث الحزن"، وهنا في الفيلم يلعب دور زعيم عصابةٍ إجرامية أفرادها من البلقان). وصلا إلى مستودعٍ، حيث تدور هناك المعركة الحاسمة. تتمثّل مهمة جون واتس، بصفته كاتب سيناريو الفيلم ومخرجه، في وضع بيت وكلوني على المسرح والتنحي جانبًا، ليتركهما يمارسان الاستهزاء الذاتي، واستعراض سحرهما المذهل، الأمر الذي يفعلانه بالفطرة، وبسحرٍ لا يقاوم.
قرب نهاية الفيلم، نتابع رجلًا عجوزًا آخر من هوليوود. المشهد رئيسي، ويظهر فيه ريتشارد كايند، الذي يؤدي دور رجل كبير في السنّ من عشاق فرانك سيناترا، في تحية لأحد ألمع نجوم القرن العشرين: لعب براد بيت وجورج كلوني دور البطولة في فيلم سيناترا Ocean's Eleven/ أصدقاء أوشين الأحد عشر"، الذي كان بمثابة بداية ثلاثية كاملة تحمل العنوان ذاته، ووضع أسسًا راسخة لعلاقةٍ وديّة جمعت الرجلين على الشاشة.
من ناحيةٍ أُخرى، يذكرنا فيلم "الذئاب المنفردة" أيضًا بأحد الأفلام التي لعب بطولتها فرانك سيناترا، وهو "عصبة الجرذان/ Rat Pack"، حيث سمح فيه للممثلين أن يكونوا على طبيعتهم، وأن يستمتعوا بأدائهم، وبالتالي ليستمتع الجمهور أيضًا بذلك. لم يكن عبثيًا إبقاء شخصيات الفيلم بلا أسماء: فالمشاهدون سيدعونهم بأسمائهم الحقيقية بيت وكلوني، أو براد وجورج، وكأنّهم أصدقاء يعرفونهم منذ زمنٍ بعيد. على كلّ حال، لم يكن الفيلم آخر حلقات الصداقة الرائعة بين النجمين، فقد أوصت Appel بالفعل بتكملة الفيلم.