المتحف الوطني العماني يوثق مخطوطات الفوائد للملاح أحمد بن ماجد
"مجموع في علم البحار" كتاب يوثق أصل مخطوطة الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي.
![](https://alarab.co.uk/sites/default/files/styles/article_image_800x450_scale/public/2023-09/12_1.jpg?itok=_VUprASi)
حفظ المخطوطة وصونها
عمر الخروصي
مسقط - صدر عن المتحف الوطني العماني كتاب خاص بعنوان “مجموع في علم البحار” يوثق أصل مخطوطة الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي “كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد” والمعنونة بمجموع مخطوطات الفوائد في علم البحر والقواعد وحاوية الاختصار في أصول علم البحار والأراجيز، والمُعار من مكتبة الأسد الوطنية بالجمهورية العربية السورية للمتحف الوطني منذ عام 2019.
ويأتي هذا الإصدار توثيقًا لما سطّرهُ الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي وتأصيلًا لبراعته البحرية، وإبداعه الملاحي.
وجاء الإصدار في 722 صفحة، ويتضمن مقدمة الدراسة التي قام بها الدكتور حميد بن سيف النوفلي للمخطوط، ومقدمة الإصدار، والمبحث الأول بعنوان “نسخة الإصدار”، والمبحث الثاني بعنوان “رسائل المخطوطة”، والمبحث الثالث بعنوان “حفظ المخطوطة وصونها” وأخيرًا استعراض النسخة المصورة للمخطوطة يقابلها عرض تفاصيل المخطوطة.
وتناول النوفلي في مقدمته دراسة للمخطوط، حيث كان عمله في دراسة هذا التراث محصورًا على النسخة الوحيدة المتوفرة، وهي المعُارة من مكتبة الأسد الوطنية، حيث قام بالاطلاع على النسخة الورقية لمحتويات المجموع، ومراجعتها لغويًّا، ومقابلة النسختين الورقية والإلكترونية وتحرير الأخيرة، وفقًا للتعديلات والتصويبات اللغوية والطباعية، وأخيرًا تقديم تعريفات مختصرة لأغلب المحتوى الوارد في الكشافات على طريقة المعاجم الجغرافية.
الكتاب يقدم خلاصة ما توصل إليه أحمد بن ماجد بالتجربة في علوم البحار وهي في الوقت نفسه تتويج لمعارفه الجمة
ويشير النوفلي في مقدمة الدراسة بقوله “في ما يتعلق بالنصوص الشعرية فقد أبقيتها على أصلها، ولم أتدخل في تعديلها رغم عدم استقامة الأوزان في بعض الأراجيز؛ نظرًا إلى أنَّ منهجية العمل تتمثل في دراسة المجموع وليس تحقيقه وشرحه، والأمر نفسه في التعامل مع أسماء الأماكن والبلدان والموانئ والمعالم الجغرافية الأخرى التي لم أتوصل إلى أي تعريف لها أو حتى إشارة لها في المصادر والمراجع المتاحة، ويمكن عزو ذلك إلى احتمال تغير أسمائها كما هو شأن كثير من الأماكن لاسيما الموانئ التي تكون نشطة ومهمة ومعروفة في زمن معين ثم تنحسر أهميتها بعد ذلك لأسباب مختلفة؛ فلا تكاد تذكر”.
ويضيف “إنَّ المتحف الوطني بسلطنة عُمان صنع خيرًا عندما أحيا تراث الملاح أحمد بن ماجد باستعارة مجموع يحتوي على عدد من مؤلفاته من مكتبة الأسد بدمشق، والتي هي موضوع هذه الدراسة لتكون متاحة للجميع، ولتفتح آفاقًا جديدة لإجراء مزيد من الدراسات المعمقة حول هذا التراث المهم، ودراسة مختلف جوانبه الجغرافية والبيئية والمناخية والفلكية على حد سواء”.
وفي ختام الدراسة يقول النوفلي “يتضح جليًّا مما تقدم الحضور المهيب لشخصية هذا الملاح العُماني الفذ من خلال تعدد مواهبه ومنهجه العلمي وإنتاجه المعرفي؛ الأمر الذي دعا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى إدراجه في عام 2021 ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة عالميًّا بكل جدارة واستحقاق، وهذا يؤكد الشهود الحضاري لعُمان وللعُمانيين، ويرسخ تأثيرهم الذي جاوز الحدود الوطنية ليكون عالميًّا بامتياز”.
وجاء في مقدمة الإصدار “عُرف أحمد بن ماجد السعدي (825 – 906هـ/ 1421 – 1500) بأنَّه من أشهر الملاحين العرب وأطولهم خبرة في المحيط الهندي في القرن الخامس عشر، ومن أعمق علماء فن الملاحة وتاريخه تجربة عند العرب، وهو الخبير بالبحار الشرقية وشواطئها، كما أنَّه منظر علم الملاحة العربي، وصاحب الاكتشافات الجغرافية الذي سبق الأوروبيين في معرفتهم بحر الهند، وهو من وضع النظريات لتجديد رؤية الجغرافيين القدامى إلى هذا المحيط.
وركَّز المبحثان الأول والثاني على هذه المخطوطة التي تُعد من أواخر ما كتبه الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي، فهي تمثل خلاصة ما توصل إليه بالتجربة في علوم البحار، وهي في الوقت نفسه تتويج لمعارفه الجمة، وحفظت هذه المخطوطة في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، ولم يذكر اسم الناسخ على المخطوطة.
وتتضمن هذه النسخة من المخطوطة ثلاث مجموعات، واقترحت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية عنونتها بـ”مجموع في علم البحار”؛ وذلك كونها تحتوي على أكثر من عنوان، حيث جاءت عناوين المخطوطة في ثلاث مجموعات، المجموع الأول: “الفوائد في علم البحر والقواعد” والذي حوى على 18 فائدة، أمَّا المجموع الثاني “حاوية الاختصار في أصول علم البحار” – وهو عبارة عن أراجيز شعرية – فمكونٌ من 11 فصلاً، والمجموع الثالث تضمن “الأراجيز”، ويحتوي على 14 أرجوزة و8 فصول.
وتناول المبحث الأول المجموع الأول وأول عشر فوائد، أمَّا المبحث الثاني بعنوان “رسائل المخطوطة” فتضمن التعريف بالفائدة الحادية عشرة والثانية عشرة، بالإضافة إلى المجموع الثاني والثالث.
هذا الإصدار يأتي توثيقًا لما سطّرهُ الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي وتأصيلًا لبراعته البحرية، وإبداعه الملاحي
وسلط المبحث الثالث الضوء على مراحل حفظ وصون المخطوطة، ففي إطار التعاون بين المتحف الوطني وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية عكف قسم الترميم بالهيئة على الحفظ والصون لمخطوطة “الفوائد في معرفة علم البحر والقواعد” للملاح أحمد بن ماجد السعدي، إذ تمَّ تشكيل فريق عمل لمعالجة المخطوطة وترميمها، نظرًا للأضرار البالغة التي أصابتها، ولم يكن بالاستطاعة حمل المخطوطة أو التعامل معها بسهولة، وذلك لارتفاع درجة حموضة الورق وتكسرها، وكذلك لتأثر الأحبار في مساحات واسعة من المخطوطة.
ومرت المخطوطة بعدة مراحل في عملية الحفظ بدءًا من إجراءات الاختبارات والتحاليل، وعملية إزالة اللاصق من آثار الترميم السابق، ثم المعالجات والترميم، تليها عمليات الصون اليدوي والتدعيم والتشذيب، وانتهاءً بالخياطة والتجليد والزخرفة، وصناعة الحافظة ومسند العوض؛ لتأخذ المخطوطة في النهاية شكلها الأصلي في الغلاف والزخرفة واللون.
أما آخر جزء في الإصدار فاستعرض النسخة المصورة للمخطوط من خلال عرض كل ورقة من المخطوط يقابلها عرض تفاصيل المخطوط بعد التعديلات والتصويبات اللغوية والطباعية مع تعريفات مختصرة في نهاية بعض الصفحات.
جدير بالذكر أنَّه في عام 2021 تمَّ لمدة 3 أشهر عرض مخطوط “الأراجيز الشعرية في الملاحة البحرية” المُعار من معهد المخطوطات الشرقية بمدينة سانت بطرسبرغ في روسيا الاتحادية إلى جانب مخطوط “كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد” المُعار من مكتبة الأسد الوطنية في “قاعة التاريخ البحري” بالمتحف الوطني.
ويُعد المخطوط الأول هو الأقدم في العالم للبحار أحمد بن ماجد السعدي، ويحتوي على ثلاث أراجيز: السفالية والمعلقية والتائية، ويُحفظ المخطوط في مدينة سانت بطرسبرغ، وتعود كتابته إلى القرن 11هـ/ 16 ميلاديا، في فترة مملكة النباهنة وهو من الجلد والورق، وخُطَّ بالحبر الأسود والأحمر.