أبورفعت حاج بكري - مثقفو حلب
من جعبة الذكريات...وادي طعيم العجيب..جنة من جنان الدنيا على الارض...
تلك من ذكرياتي يوم كنت ملازم مجند ..قائد فصيله على نهر الرقاد.غرب مدينة نوى...في عامي ١٩٧٣..١٩٧٤..
فبعد حرب تشرين التي كان لي شرف الاشتراك بها..اتخذنا مواقع جديده تشرف على واد سحيق..يدعى وادي طعيم العجيب الذي يدعو الى الفتنه لما فيه من غرابة وجمال ...
فنهر الرقاد الذي يجري في الشتاء والربيع مع ذوبان الثلوج. يبدأ من سفوح جبل الشيخ قرب بلدة حضر بطول ٧٠ كم..وينتهي به المطاف ليصب في وادي طعيم ..
العجيب في وادي طعيم..ان نهر الرقاد وهو يجري بانحدار عادي..يصب فجأة في فالق انهدامي سحيق من الارض بعمق ٣٠٠ متر وعرض ٥٠٠ متر ..ذلك هو وادي طعيم..الذي ينتهي الى وادي اليرموك في موقع يدعى تبة خالد.
كان هذا الفاصل العظيم ونحن في الشرق يفصلنا عن العدو في الجهه المقابله لنا في الغرب في بلدة كفر الما..وكان يتعذر ايامنا النزول لقلب الوادي الا من ممر عسير وخطير جدا بسبب وعورته الا من قبل بعض الصيادين..او الرياضيين..
وحيث كنت يومها رشيق الجسم اقل من ٦٠ كغ..فقد قررت النزول للوادي مع زميل لي من مرمريتا..
في بطن الوادي وجدت نفسي في عالم آخر من الروعة والجمال.والجو اللطيف..حيث الشلالات تنحدر من جدران الوادي.. والنهر الجاري العذب الذي لم اتمالك نفسي فنزلت للسباحة فيه في يوم شديد الحر خارج الوادي..
كما وعلى سفوح الوادي غابة من الاشجار والشجيرات..والتي منها المثمره كاشجار التين والزعرور والسماق الخ..هذا وقد التقينا بأحد الصيادين وقد قتل خنزيرا بريا.قال لنا نحن نصيد هنا الارانب والغزلان والطيور والاسماك من النهر..الخ..يومها ومع فتنة هذا الوادي تذكرت شعرا من أجمل ماقالته العرب في وصف الوديان...
وقانا لفحة الرمضان واد...سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا....حنو المرضعات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأ زلالا...الذ من المدامة للنديم..
في مواقعنا المشرفه على الوادي تقبع قرى مثل جمله وعابدين ومعربه.تتبع لناحية الشجره في محافظة درعا...وقد سألت احدهم لماذا سميت قريتكم جمله بهذا الاسم..فضحك وقال لان نساءها جميلات..ولا شك أنها سميت كذلك بسبب جمال طبيعتها..
اذكر انه كان الى الشرق منا عينا تسمى عين دكر..فيها مسبح سبحنا فيه عدة مرات..والى الشرق ايضا..كان يتوضع تل الجموع في سهل منبسط من سهول حوران..وقد سمي بهذا الاسم لان سيدنا خالد بن الوليد لدى وصوله من العراق بناء على اوامر سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنهما قد جمع جموع المسلمين وقادتهم في الشام..ابو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن ابي سفيان وشرحبيل بن حسنه..رضي الله عنهم جميعا..جمعهم عند هذا التل قبيل معركة اليرموك للتخطيط لهذه المعركه الفاصلة التي ادت الى انهاء الوجود الرومي في الشام...
والى الشمال قليلا من تل الجموع..هناك تل الجابية..وخرائب مدينة الجابيه.. التي كانت عاصمة للغساسنة العرب منذ الالف الاولى قبل الميلاد..وقد تشرف هذا التل باستقبال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عقد فيه مؤتمرا لقادة الجيوش بعد الانتصار في اليرموك للتخطيط لما بعد اليرموك..
والى الشرق من مواقعنا في الخلف ..تقع مدينة نوى التي اشتهرت بانتساب الامام النووي لها...
وقدقمت بزيارة مرقد الامام النووي في المدينه..فوجدته يومها في عام ١٩٧٤..في مكان مسور مكشوف مهمل..وفيه شجرة بطم عجوز يابسه عمرها عشرات السنين..وقد تألمت عندما علمت أنها قد يبست في زماننا وأنه قد مضى على يباسها اكثر من عام.وهنا ووفاء للامام النووي اقول....
انه الحافظ المحدث الفقيه..المجتهد الزاهد ..الذي قيل عنه انه ابرز علماء الاسلام..وعمدة الفقهاء وصفوة الأولياء..لقب بالنووي نسبة الى بلده نوى..توفي رحمه الله في عام ٦٧٦ هجريه.في دمشق ونقل جثمانه الى نوى..وقد نزل في دمشق في المدرسه الرواحيه وانصرف بكليته للعلم..فلم يتفرغ للزواج..وكان لاياكل في يومه الا وجبة واحدة..ولا يقبل هدية او عطاء من احد...
له مؤلفات كثيره..لعل من اشهرها ..الاربعين النوويه..ورياض الصالحين..وكتاب الاذكار الذي قيل فيه...بيع الدار واشتر الاذكار..
أطلت عليكم..سامحوني..