رياحين عدنان بشير معيتيق تعبق برحيق الفنّ وتبشّر بقيم الوطن والحريّة
مقالات في التّشكيل المعاصر تنفتح على تجارب الإبداع في العالم العربي.
معيتيق يبدأ في دراسة التشكيل من ليبيا نحو الخارج
بعد مسيرة حافلة بالنقد الفني والممارسة التشكيلية والاطلاع على تجارب ومدارس متنوعة، أصدر الناقد والفنان التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق كتابا يستعرض فيه مقالات راصدة ومحللة للتشكيل العربي المعاصر انطلاقا من ليبيا وذاكرتها الفنية.
طرابلس - أصدر الناقد والفنان التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق، كتابا بعنوان “رياحين: مقالات عن تجارب مختارة في التشكيل العربي المعاصر”، يتضمن قراءة في ست وثلاثين تجربة تشكيلية عربية، بالإضافة إلى المقالات التي كتبت عن التجارب الليبية بعد صدور كتابه السابق “مكامن الضوء” في العام 2020.
وفي تقديمه للكتاب يقول الفنان والناقد التشكيلي التونسي خليل قويعة إن إصدار “رياحين، مقالات في التّشكيل العربي المعاصر”، للفّنان بشير معيتيق، يأتي استئنافا لشعريّة الفنون وربطا، على الأقل رمزيّا، بين جماليّة الأدب وجماليّة الفنون التشكيليّة، من خلال تجارب من ليبيا وخارجها.
وليس هذا الإصدار إلاّ ثمرة لبنية وعي جمالي تشكّلت في رحم الثقافة الفنيّة الحديثة والرّاهنة وها هي تخرج إلى العالم لتسهم في التعريف بالمنجز الإبداعي العربي وتقدّم فتوحا جديدة خصبة في آفاق الفكر التّأمّلي الذي يحتمله العمل الفنّي وهو يُعرَض للنّظر والقراءة والتّأويل. وما أحوجنا إلى نصوص تستقرئ أعمال الفنّانين وتواكب نبض الذات والعالم بين علاماتها التشكيليّة وتضيء مجمل القيم الإبداعيّة التي تتوفّر عليها.
الكتاب يأتي استئنافا لشعريّة الفنون وربطا على الأقل رمزيّا بين جماليّة الأدب وجماليّة الفنون التشكيليّة
وتعتبر “رياحين” معيتيق، استلهاما من شعريّة ليبيّة تعبق بها أشعار جدّه، واستئناسه بها، تأكيد للعلاقة الرّحمية ما بين الأدب والتّشكيل. كما أنّها امتدادا لإصداره الأوّل “مكامن الضّوء”، حيث فضلا عن تجربته التشكيليّة الواعدة، يمارس الكاتب تجربة في النّظر والقراءة والتّأويل. ويطالعنا هذا التّفاعل الإبداعي بين الفرشاة والقلم، أو هذا التّجاذب الثنائي بين الفضاء والنّص، بمسار فكريّ يجعل من صمت القماشة قدرة على استدراج المعنى المحتمل بين الأشكال والألوان. ويعدّ عدنان البشير معيتيق ابن حراك فنّي ميّز الجيل الثالث من المبدعين اللّيبيّين الذي آمن بالمراكمة الإبداعيّة والنّقديّة، في اتّجاه كتابة فصول مشعّة من النّشاط التشكيلي يجمع بين الصّورة والتّصوّر أو بين الممارسة التّشكيليّة الحيّة وإحالاتها على مستوى الخطاب والقراءة، الجماليّة والإنشائيّة.
ويرى خليل قويعة أن سخاء الكاتب بشير معيتيق هنا من سخاء الفكر الإبداعي النّشيط بالقطر الليبي الزّاخر بعلامات الإبداع، إذ الرّجل ابن جيل آمن بقدرة الفنّ على خدمة الضمير الاجتماعي وآمال التّأسيس المستمر. جيل انخرط في مساعي بناء المسألة الثقافيّة وتفاعل مع تجارب التّحديث في الوطن العربي وعمل على الإسهام فيه. فكان السّعي لتوظيف الخبرات الأكاديميّة والمعارف المستفادة من تاريخ الفنّ العالمي، بما في ذلك أيضا تجارب الرّواد الذين درسوا بروما ثمّ، عند رجوعهم، أسّسوا مدوّنة تشكيليّة تعبّر عن تطلّعات الفنّان في صياغة الهويّة الثقافيّة والانخراط في السّيرورة الاجتماعيّة والتّاريخيّة.
وكان لتأسيس دائرة الفنون الجميلة بوزارة الإعلام سنة 1970 الأثر البالغ في نشر الثقافة الفنيّة وفتح أبواب الحوار حول العمل الفنّي الجاد وتميّزه عن المعروض التّجاري، المحلّي والمستورد، كما أنّ انضمام مجموعة من الفنّانين الشباب إليها وممارستهم الحرّة للإنتاج الفنّي قد زادا من قدراتهم التي ظهرت في المشاركات بالمعارض الخارجيّة وساهم في تأكيد الثقة في مستواهم الفنّي، على نحو ما ذكر الفنّان الرّائد الأستاذ طاهر الأمين المغربي في افتتاح رواق السّلفيوم سنة 2007، وهو رائد فنّ الغرافيك في ليبيا.
وفعلا، فضلا عن ثراء التراث الفني اللّيبي الذي يعود إلى آثار الحضارة الجرمنتيّة قبل خمسة آلاف سنة، مرورا بالتراث الرّوماني والبيزنطي، وصولا إلى التّراث العربي الإسلامي في فنون المعمار والزّخرفة… بل وفضلا عمّا يزدحم به التّاريخ الثقافي بالمدن الّليبيّة القديمة من تراث تشكيليّ إنساني يتجلّى في فنون الخزف والنّحت والفسيفساء – ويكفي أن نذكر أنّ ليبيا هي محطّة بارزة لمدرسة شمال أفريقيا لفنّ الفسيفساء – ها هي التّجارب الفنيّة اليوم رافد مهمّ للثقافة الفنيّة العربيّة وتبشّر بإسهام واعد في صياغة الرّؤى وتأسيس صورة الإنسان المبدع، الصّانع لمصيره التّاريخي. وما “رياحين” إلاّ علامة لهذا الرّحيق الجمالي الذي يعمل الأستاذ عدنان بشير معتيق على توزيعه بين أرجاء الوطن العربي.
إبداع فني بروح الماضي
ويذكر قويعة أن من سخاء بشير معيتيق أنّه ينفتح على مختلف تجارب الإبداع بالعالم العربي وقد حاول أن يغطّي في نصوصه أكثر ما يمكن من البلدان العربيّة. إنّها تجربة في النّظر والقراءة ويمكن تبويب تفرّعاتها إلى أربعة أبواب واضحة المعالم، وهي القيم الجماليّة والرّوحيّة، أوّلا، وإحياء شذرات بصريّة من الذّاكرة المنسيّة، ثانيا، ودلالة الوطن، ثالثا، ثمّ أخيرا، تجلّيات اليومي والتراث الثقافي المحلّي.
ومن خلال نماذج بعينها من الفنّ التشكيلي العربي الرّاهن، يتطرّق الكاتب في السّياق الجمالي والرّوحي، إلى صمت الشّكل الفنّي وطرائق استنطاقه وإلى ثنائيّة “الحركة والسّكون” وإضاءة “متاهات الذّات” والحسّ الطّفولي الباكر ومخزونه الشاعري. كما يتطرّق إلى الأبعاد الصّوفيّة للحروف العربيّة المشكّلة داخل اللّوحة، وإلى جماليّة النّشأة والنّظر إلى النّبض الأبدي للعالم وهو يستمرّ إيقاعيّا أمام العين.
◙ الكاتب يعمل على تأصيل الشكل الفنيّ داخل بيئته الثقافيّة، إيمانا منه بأن الفنّ نشاط تاريخي وخزّان رمزيّ لمعنى الهويّة
وفي سياق الذّاكرة المنسيّة، يباحث الكاتب ألوانا "تطارد ركام الذّكريات” وتغازل ألوانا “خافتة في قصر التيه"، كما يستدرج “ذاكرة اللّون" والخط ومختلف العلامات السّاكنة في المناطق اللاّمغزوّة للذاكرة، باتجاه استعادتها داخل القراءة البصريّة وبين طيّات الخطاب.
فيما يعمل في سياق ثيمة الوطن على ربط الشكل الفني بقيم الوطن والسّلم والحريّة، حيث “الرّسم وطن للحلم”، بل وتحقيق إبداعيّ لحلم الوطن. أمّا في مجال النّظر إلى حضور التّراث في حياة النّاس وفي المخيال اليومي، يعمل الكاتب على تأصيل الشكل الفنيّ داخل بيئته الثقافيّة، إيمانا بأن الفنّ نشاط تاريخي وخزّان رمزيّ لمعنى الهويّة وطريقة في سكن العالم ثقافيّا، انطلاقا من المخزون التراثي للذّات المبدعة.
وتأتي "رياحين" معيتيق - حسب رأي الناقد التونسي- تفنيدا لبعض الأحكام القديمة والبالية وتأسيسا جديدا لممكنات الشكل الفني في صناعة ضمير ثقافي خلاّق وعلائقي ومشارك في تمثل إشكاليّات العصر وإعادة طرحها إبداعيّا. ومن ذلك أنّ بعض المثقّفين العرب، مازال يتبنّى تصنيفات رائجة بصفة عمياء، من قبيل أنّ الثقافة العربيّة هي ثقافة “كلمة” بينما الغربيّة هي ثقافة “صورة".. والحال أنّ لدينا تراثا بصريّا ألهم صنّاع الصّورة ومبدعيها في العالم. بل ولقد ارتقت الصّورة في الثقافة العربيّة إلى التّجريد والتّذهين الفكري والصّوفي وهي من أرقى درجات الإبداعيّة، ومثل هذا الإصدار شاهد على ذلك.
ويضيف قويعة "أن تكون مثقّفا اليوم، هو أن تكون قادرا على إدارة حوار مثمر وخلاّق مع الآخر، منفتحا على متغيّرات العالم التي تنعكس على المنجز الفكري والفنّي العالمي ويساعد هذا المُنجز على إخراجها وتمثّلها وصياغتها وتنشيطها. فالمنجز الثقافي ليس ترجمة لما يحدث في العالم بل هو إسهام في تمثّله وهو مقاربة إبداعيّة لرؤية الإنسان لهذا العالم النّابض والمتحرّك.
وعلى هذا النّحو، يُقاس مدى تقدّم الشعوب. ومن ثمّة، على الثقافة العربيّة اليوم أن تعي بهذا الدّور حتّى تجنّب نفسها مخاطر الانكماش والعزلة التي مازالت تهدّد وجود الحوار الخلاّق وتحول دون وجودها بين عناصر الصّورة العالميّة للثقافة".
هكذا، تكون "رياحين، مقالات في التّشكيل العربي المعاصر"، ورقة نظر وعمل باتجاه تمجيد قيم الإبداع في المنجز التشكيلي بالقطر اللّيبي وخارجه واستعادة الذّاكرة المنسيّة. إنّها ورقات تعبق برحيق الفنّ وشعريّة الحياة وذاكرة اللّون وتبشّر بقيم الوطن والحريّة.
رموز واقعية (لوحة الفنان جمعة الفزاني)
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مقالات في التّشكيل المعاصر تنفتح على تجارب الإبداع في العالم العربي.
معيتيق يبدأ في دراسة التشكيل من ليبيا نحو الخارج
بعد مسيرة حافلة بالنقد الفني والممارسة التشكيلية والاطلاع على تجارب ومدارس متنوعة، أصدر الناقد والفنان التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق كتابا يستعرض فيه مقالات راصدة ومحللة للتشكيل العربي المعاصر انطلاقا من ليبيا وذاكرتها الفنية.
طرابلس - أصدر الناقد والفنان التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق، كتابا بعنوان “رياحين: مقالات عن تجارب مختارة في التشكيل العربي المعاصر”، يتضمن قراءة في ست وثلاثين تجربة تشكيلية عربية، بالإضافة إلى المقالات التي كتبت عن التجارب الليبية بعد صدور كتابه السابق “مكامن الضوء” في العام 2020.
وفي تقديمه للكتاب يقول الفنان والناقد التشكيلي التونسي خليل قويعة إن إصدار “رياحين، مقالات في التّشكيل العربي المعاصر”، للفّنان بشير معيتيق، يأتي استئنافا لشعريّة الفنون وربطا، على الأقل رمزيّا، بين جماليّة الأدب وجماليّة الفنون التشكيليّة، من خلال تجارب من ليبيا وخارجها.
وليس هذا الإصدار إلاّ ثمرة لبنية وعي جمالي تشكّلت في رحم الثقافة الفنيّة الحديثة والرّاهنة وها هي تخرج إلى العالم لتسهم في التعريف بالمنجز الإبداعي العربي وتقدّم فتوحا جديدة خصبة في آفاق الفكر التّأمّلي الذي يحتمله العمل الفنّي وهو يُعرَض للنّظر والقراءة والتّأويل. وما أحوجنا إلى نصوص تستقرئ أعمال الفنّانين وتواكب نبض الذات والعالم بين علاماتها التشكيليّة وتضيء مجمل القيم الإبداعيّة التي تتوفّر عليها.
الكتاب يأتي استئنافا لشعريّة الفنون وربطا على الأقل رمزيّا بين جماليّة الأدب وجماليّة الفنون التشكيليّة
وتعتبر “رياحين” معيتيق، استلهاما من شعريّة ليبيّة تعبق بها أشعار جدّه، واستئناسه بها، تأكيد للعلاقة الرّحمية ما بين الأدب والتّشكيل. كما أنّها امتدادا لإصداره الأوّل “مكامن الضّوء”، حيث فضلا عن تجربته التشكيليّة الواعدة، يمارس الكاتب تجربة في النّظر والقراءة والتّأويل. ويطالعنا هذا التّفاعل الإبداعي بين الفرشاة والقلم، أو هذا التّجاذب الثنائي بين الفضاء والنّص، بمسار فكريّ يجعل من صمت القماشة قدرة على استدراج المعنى المحتمل بين الأشكال والألوان. ويعدّ عدنان البشير معيتيق ابن حراك فنّي ميّز الجيل الثالث من المبدعين اللّيبيّين الذي آمن بالمراكمة الإبداعيّة والنّقديّة، في اتّجاه كتابة فصول مشعّة من النّشاط التشكيلي يجمع بين الصّورة والتّصوّر أو بين الممارسة التّشكيليّة الحيّة وإحالاتها على مستوى الخطاب والقراءة، الجماليّة والإنشائيّة.
ويرى خليل قويعة أن سخاء الكاتب بشير معيتيق هنا من سخاء الفكر الإبداعي النّشيط بالقطر الليبي الزّاخر بعلامات الإبداع، إذ الرّجل ابن جيل آمن بقدرة الفنّ على خدمة الضمير الاجتماعي وآمال التّأسيس المستمر. جيل انخرط في مساعي بناء المسألة الثقافيّة وتفاعل مع تجارب التّحديث في الوطن العربي وعمل على الإسهام فيه. فكان السّعي لتوظيف الخبرات الأكاديميّة والمعارف المستفادة من تاريخ الفنّ العالمي، بما في ذلك أيضا تجارب الرّواد الذين درسوا بروما ثمّ، عند رجوعهم، أسّسوا مدوّنة تشكيليّة تعبّر عن تطلّعات الفنّان في صياغة الهويّة الثقافيّة والانخراط في السّيرورة الاجتماعيّة والتّاريخيّة.
وكان لتأسيس دائرة الفنون الجميلة بوزارة الإعلام سنة 1970 الأثر البالغ في نشر الثقافة الفنيّة وفتح أبواب الحوار حول العمل الفنّي الجاد وتميّزه عن المعروض التّجاري، المحلّي والمستورد، كما أنّ انضمام مجموعة من الفنّانين الشباب إليها وممارستهم الحرّة للإنتاج الفنّي قد زادا من قدراتهم التي ظهرت في المشاركات بالمعارض الخارجيّة وساهم في تأكيد الثقة في مستواهم الفنّي، على نحو ما ذكر الفنّان الرّائد الأستاذ طاهر الأمين المغربي في افتتاح رواق السّلفيوم سنة 2007، وهو رائد فنّ الغرافيك في ليبيا.
وفعلا، فضلا عن ثراء التراث الفني اللّيبي الذي يعود إلى آثار الحضارة الجرمنتيّة قبل خمسة آلاف سنة، مرورا بالتراث الرّوماني والبيزنطي، وصولا إلى التّراث العربي الإسلامي في فنون المعمار والزّخرفة… بل وفضلا عمّا يزدحم به التّاريخ الثقافي بالمدن الّليبيّة القديمة من تراث تشكيليّ إنساني يتجلّى في فنون الخزف والنّحت والفسيفساء – ويكفي أن نذكر أنّ ليبيا هي محطّة بارزة لمدرسة شمال أفريقيا لفنّ الفسيفساء – ها هي التّجارب الفنيّة اليوم رافد مهمّ للثقافة الفنيّة العربيّة وتبشّر بإسهام واعد في صياغة الرّؤى وتأسيس صورة الإنسان المبدع، الصّانع لمصيره التّاريخي. وما “رياحين” إلاّ علامة لهذا الرّحيق الجمالي الذي يعمل الأستاذ عدنان بشير معتيق على توزيعه بين أرجاء الوطن العربي.
إبداع فني بروح الماضي
ويذكر قويعة أن من سخاء بشير معيتيق أنّه ينفتح على مختلف تجارب الإبداع بالعالم العربي وقد حاول أن يغطّي في نصوصه أكثر ما يمكن من البلدان العربيّة. إنّها تجربة في النّظر والقراءة ويمكن تبويب تفرّعاتها إلى أربعة أبواب واضحة المعالم، وهي القيم الجماليّة والرّوحيّة، أوّلا، وإحياء شذرات بصريّة من الذّاكرة المنسيّة، ثانيا، ودلالة الوطن، ثالثا، ثمّ أخيرا، تجلّيات اليومي والتراث الثقافي المحلّي.
ومن خلال نماذج بعينها من الفنّ التشكيلي العربي الرّاهن، يتطرّق الكاتب في السّياق الجمالي والرّوحي، إلى صمت الشّكل الفنّي وطرائق استنطاقه وإلى ثنائيّة “الحركة والسّكون” وإضاءة “متاهات الذّات” والحسّ الطّفولي الباكر ومخزونه الشاعري. كما يتطرّق إلى الأبعاد الصّوفيّة للحروف العربيّة المشكّلة داخل اللّوحة، وإلى جماليّة النّشأة والنّظر إلى النّبض الأبدي للعالم وهو يستمرّ إيقاعيّا أمام العين.
◙ الكاتب يعمل على تأصيل الشكل الفنيّ داخل بيئته الثقافيّة، إيمانا منه بأن الفنّ نشاط تاريخي وخزّان رمزيّ لمعنى الهويّة
وفي سياق الذّاكرة المنسيّة، يباحث الكاتب ألوانا "تطارد ركام الذّكريات” وتغازل ألوانا “خافتة في قصر التيه"، كما يستدرج “ذاكرة اللّون" والخط ومختلف العلامات السّاكنة في المناطق اللاّمغزوّة للذاكرة، باتجاه استعادتها داخل القراءة البصريّة وبين طيّات الخطاب.
فيما يعمل في سياق ثيمة الوطن على ربط الشكل الفني بقيم الوطن والسّلم والحريّة، حيث “الرّسم وطن للحلم”، بل وتحقيق إبداعيّ لحلم الوطن. أمّا في مجال النّظر إلى حضور التّراث في حياة النّاس وفي المخيال اليومي، يعمل الكاتب على تأصيل الشكل الفنيّ داخل بيئته الثقافيّة، إيمانا بأن الفنّ نشاط تاريخي وخزّان رمزيّ لمعنى الهويّة وطريقة في سكن العالم ثقافيّا، انطلاقا من المخزون التراثي للذّات المبدعة.
وتأتي "رياحين" معيتيق - حسب رأي الناقد التونسي- تفنيدا لبعض الأحكام القديمة والبالية وتأسيسا جديدا لممكنات الشكل الفني في صناعة ضمير ثقافي خلاّق وعلائقي ومشارك في تمثل إشكاليّات العصر وإعادة طرحها إبداعيّا. ومن ذلك أنّ بعض المثقّفين العرب، مازال يتبنّى تصنيفات رائجة بصفة عمياء، من قبيل أنّ الثقافة العربيّة هي ثقافة “كلمة” بينما الغربيّة هي ثقافة “صورة".. والحال أنّ لدينا تراثا بصريّا ألهم صنّاع الصّورة ومبدعيها في العالم. بل ولقد ارتقت الصّورة في الثقافة العربيّة إلى التّجريد والتّذهين الفكري والصّوفي وهي من أرقى درجات الإبداعيّة، ومثل هذا الإصدار شاهد على ذلك.
ويضيف قويعة "أن تكون مثقّفا اليوم، هو أن تكون قادرا على إدارة حوار مثمر وخلاّق مع الآخر، منفتحا على متغيّرات العالم التي تنعكس على المنجز الفكري والفنّي العالمي ويساعد هذا المُنجز على إخراجها وتمثّلها وصياغتها وتنشيطها. فالمنجز الثقافي ليس ترجمة لما يحدث في العالم بل هو إسهام في تمثّله وهو مقاربة إبداعيّة لرؤية الإنسان لهذا العالم النّابض والمتحرّك.
وعلى هذا النّحو، يُقاس مدى تقدّم الشعوب. ومن ثمّة، على الثقافة العربيّة اليوم أن تعي بهذا الدّور حتّى تجنّب نفسها مخاطر الانكماش والعزلة التي مازالت تهدّد وجود الحوار الخلاّق وتحول دون وجودها بين عناصر الصّورة العالميّة للثقافة".
هكذا، تكون "رياحين، مقالات في التّشكيل العربي المعاصر"، ورقة نظر وعمل باتجاه تمجيد قيم الإبداع في المنجز التشكيلي بالقطر اللّيبي وخارجه واستعادة الذّاكرة المنسيّة. إنّها ورقات تعبق برحيق الفنّ وشعريّة الحياة وذاكرة اللّون وتبشّر بقيم الوطن والحريّة.
رموز واقعية (لوحة الفنان جمعة الفزاني)
انشرWhatsAppTwitterFacebook