الرجال والنساء العرب كانوا يرتدون الملابس نفسها تقريبا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرجال والنساء العرب كانوا يرتدون الملابس نفسها تقريبا

    الرجال والنساء العرب كانوا يرتدون الملابس نفسها تقريبا


    كتاب يؤرخ للأزياء العربية قبل ظهور الإسلام وبعده حتى العصر الحديث.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    تهاجن بين أنواع الملابس والأزياء

    تشكل الألبسة والأزياء جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ ارتبطت ارتباطا وثيقا بالتطورات والتحولات التي شهدتها المجتمعات في الشرق أو الغرب، مثلها مثل الفنون والعمارة والآداب والموسيقى، كما تعد شاهدا رئيسيا على تمايزات وخصوصيات وهويات ومعتقدات المجتمعات وثقافاتها وطبقاتها الاجتماعية وما داخلها من تأثيرات خارجية، ومن ثم فهي كاشفة للكثير من الرموز والدلالات المجتمعية وعاكسة لجوانبها الثقافية.

    تمثل الأزياء وثائق تاريخية وجمالية ناقلة للمعلومات الخاصة في هذا المجتمع أو ذاك الذي تشكلت فيه سواء على المستوى المادي أو الرمزي. فأنماط الألبسة وأذواقها لا تعكس جماليات المجتمع أو زينته فحسب إنما ثقافته وقيمه وأطره الاجتماعية وأعرافه وعاداته وتقاليده.

    وهذا الكتاب الاستثنائي “تاريخ الأزياء العربية منذ فجر الإسلام إلى العصر الحديث” للباحثة يديدا كالفون ستيلمان -أستاذة الدراسات اليهودية والشرق أوسطية والباحثة المشهورة عالميا في الثقافة المادية الإسلامية واليهودية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- من بين عشرات الكتب التي تناولت تاريخ الزي/ اللباس العربي والإسلامي.
    التأثر بما سبق




    يقدم الكتاب دراسة تاريخية وإثنوغرافية فريدة لجانب مهم من الثقافة المادية العربية والإسلامية، الملابس؛ حيث ينصب تركيزه على تطورات وتحولات أنماط اللباس والأزياء والألبسة العربية والإسلامية منذ ما قبل الإسلام حتى أواخر القرن العشرين في شتى الأقطار والأصقاع الإسلامية، عند الخلفاء والسلاطين والنُخَب الحاكمة وصفوة المجتمع والطبقة الكادحة، علاوةً على ملابس الشرطة وعسس الأسواق والجواري والمطربات، وألبسة أهل الذمة والأقليات الأخرى في المجتمعات الإسلامية، بالإضافة إلى الملابس العسكرية والأزياء ذات الطبيعة الاحتفالية والطقوسية، مثل الملابس الكهنوتية وملابس رجال الدين الإسلامي.

    وتتعامل الدراسة مع الملابس العربية كجزء من نظام اللباس الإسلامي وتتم مناقشتها في سياق الاتجاهات الاجتماعية والدينية والجمالية والسياسية لكل عصر. وبالإضافة إلى الفصول التاريخية الخمسة التي يضمها الكتاب، خصصت الباحثة ثلاثة فصول لموضوعات رئيسية تتعلق بتاريخ الألبسة الإسلامية خاصة “قوانين الغيار” التي تميز بين ملابس المسلمين وغير المسلمين عن طريق التفرقة بين لون الثياب ونوعيتها، والأدوار التي لعبتها مؤسسة الطراز “المنسوجات الراقية المطرزة بالنقوش” وغيرها من المؤسسات التي لعبت دورا في إنتاج المنسوجات الفخمة والخلع، “أثواب وأرواب الشرف”، وظاهرة البرقع والنقاب وأغطية الرأس.

    كما تجري مسحا تاريخيا شاملا لكل الدراسات والمراجع التي تناولت الملابس الإسلامية وتقيم الدراسات الحديثة المتعلقة بالزي العربي والإسلامي، إضافة إلى تحليل الاتجاهات والمناهج المتبعة في هذه النوعية من الدراسات. وأخيرا تم تعزيز النص بـ70 صورة ورسمًا توضيحيًا.

    تقول ستيلمان في مقدمتها للكتاب، الذي ترجمه الأكاديمي صديق محمد جوهر وصدر عن مشروع كلمة بأبوظبي، “عبر التاريخ ارتبطت الملابس في المجتمعات الإسلامية بمفاهيم الطهارة والنجاسة وبالطقوس الاجتماعية والسنن الدينية وبالتفريق في ‘الغيار’ -الألبسة بين المسلم وغير المسلم- كما ارتبطت بالمعتقدات الخاصة بالفصل بين الجنسين -النساء والرجال- ذلك أن المرأة ترتدي الحجاب دون الرجل. ومن هذا المنطق تشكل الأقمشة هيكلية ثقافية معقدة داخل المجتمعات الإسلامية أو ما أسماه رولان بارت بـ’منظومة الأزياء والألبسة’. وبمعنى آخر فإن دارسة الأقمشة والألبسة جزء لا يتجزأ من حقل الدراسات الاجتماعية والتاريخية التي تندرج في إطار الدراسات الثقافية أو دراسة الثقافة المادية”.

    وتضيف “مع أن مجال دراسة الثقافة المادية قد حقق اختراقات عديدة عن طريق دراسة التاريخ الكلاسيكي الأوروبي القديم ودراسة تاريخ أوروبا في العصور الوسطى وعصر النهضة والعصر الحديث إلا أن هذا التخصص لم يحقق إنجازات مماثلة تتعلق بالعالم الإسلامي والحضارة الإسلامية في البلدان العربية خاصة في العهود القديمة، علاوة على أن الدراسات الإثنوغرافية المعاصرة التي استهدفت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبلاد المغرب -وارتكزت على دراسة الأزياء والألبسة في هذه المناطق- لم تكن كافية، فقد تمت هذه الدراسات المتعلقة بالموضة والألبسة إبان الحقبة الاستعمارية أما الأطروحات اللاحقة فجاءت وصفية أكثر منها تحليلية أو نقدية”.

    الكتاب يسرد تطورات أنماط اللباس والأزياء والألبسة العربية والإسلامية منذ ما قبل الإسلام حتى أواخر القرن العشرين

    وتوضح أن النقوش والرسوم على الأحجار أول ما عرف من أدلة عتيقة العهد على الثياب التي كان الناس يلبسونها في الجزيرة العربية في ما قبل التاريخ (الألفية الأولى والثانية قبل الميلاد). وتطالعنا هذه الرسوم على رجال يرتدون أقل ما يمكن من الثياب فضلا عن كونها ثيابا للجنسين وتشكيلة من أغطية الرأس (إضافة إلى أنواع من الشباشب والصنادل ينتعلها كلا الجنسين). وعلى الرغم من تعدد الإشارات إلى العرب في الأدبيات الكلاسيكية الجغرافية والتاريخية، ثمة النذر اليسير من الشذرات المتفرقة التي تتعلق بأزيائهم.

    ويذكر هيرودوت أن العرب كانوا يرتدون الزيرا، وهو ثوب طويل سابغ يثبته إلى جسم صاحبه أحد الحزمة. وتلك الإشارة هي بالقطع من أقدم الإشارات إلى الإزار، ذلك الثوب العربي الرئيسي والأهم، وهو في النصوص العربية الوسيطة واللهجات الدارجة عبارة عن دثار أشبه ما يكون بملاءة كبيرة مزدوج الغرض كعباءة أو كمئزر، ويدعم سترابو شهادة هيرودوت حين يكتب بعد مرور أربعة قرون قائلا عن الأنباط العرب أو العرب النبطيين “إنهم عراة الصدور ويتمنطقون بالأحزمة حول خواصرهم وينتعلون الشباشب في أقدامهم. وثمة تماثيل تبقت من المملكة اللحيانية القديمة شمال الحجاز تمثل الحاكم عاري الصدر لا يضع إلا إزارا. ويعكس هذا الزي القديم استمرار ارتداء الإزار في حالة الإحرام بالحج أو لأي غرض مقدس مؤقت.

    وتأسف ستيلمان على كون الأوصاف التفصيلية لثياب العرب في العهود البائدة العتيقة لجهة ألوانها ونماذجها وأنسجتها شحيحة ونادرة إن لم تكن معدومة، ولطالما لاحظنا ما يبديه البدو من تفضيل على مر العصور حتى أيامنا هذه للثياب الغوامق، وثمة ما يرجح أن هذا كان شأنهم طيلة العصور البائدة القديمة وخاصة المتأخرة منها. ويشير التلمود البابلي (أحد أهم الكتب المقدسة لليهود في الشتات البابلي) إلى الثياب الغامقة لأحد العرب كنموذج للون الأزرق المائل إلى السواد كمحاولة للتوصيف الدقيق. كما يتردد ذكر الثياب في الشعر الجاهلي كثيرا خصوصا ما يتعلق بالعباءات الخارجية كالبردة والإزار والمرط والريط والرداء والشملة.


    يديدا كالفون ستيلمان: الملابس في المجتمعات الإسلامية ارتبطت بالمعتقدات الخاصة بالفصل بين الجنسين


    وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر القصيدة الغنائية للشاعر السموأل بن الضياء التي يقول فيها “لئن سلم شرف المرء من الوضاعة والخنا فكل رداء يرتديه شريف”، أما الشاعر الأعشى الذي عاش حتى بلغ صدر الإسلام الأول فيشير إلى النساء اللواتي يمشين متعثرات جراء ذيول قمصانهن التحتانية غير ذوات الأكمام وإزاراتهن المجرورة على الأرض، كما أن الشاعر الأمير امرؤ القيس يصف الريط (وهو أحد أسماء الخمار) بأنه ذو طرف مفضوض. ويذكر المؤرخ ترتوليان أن النساء العربيات لا يظهرن علانية أو على قارعة الطريق إلا وهن متسربلات بعباءتهم وحجابهن، فلا تظهر منهن سوى عين واحدة. وقد اطرد استعمال هذا الزي النسائي في بقاع نائية عن الصحراء العربية مثل إيران وجنوب الجزائر والمغرب الأقصى.

    وترى ستيلمان أن طرز الثياب في المجتمع المسلم الأول كانت امتدادا لما سبقها وإن طالتها بعض التعديلات جراء الاعتبارات الأخلاقية الجديدة التي كرسها الإسلام. لقد طوعت العقيدة والفكر الإسلاميان اتجاهات الناس وأعمالهم. ومن اللافت أن نلاحظ أن الكثير من الثياب التي كان النبي والصحابة يرتدونها تواصل استخدامها عبر القرون كثياب رئيسية لا يرتدي المزارعون والبدو سواها في سائر أنحاء الشرق الأوسط عقر دار الإسلام، وفيما سواه من أرجاء العالم الإسلامي الكبير، كون هذه الثياب بسيطة وعملية وصالحة للبيئة.

    لكن سكان المدن ذوي الأفق الواسع والفكر المتحرر وبالرغم من كونهم أكثر إلماما بالسنة النبوية من أبناء عمومتهم في الريف والبادية دأبوا باستمرار ومنذ العصر الأموي على تغيير وتنقيح ما تحتويه خزانات ثيابهم من طرز وأشكال ونماذج. ولطالما تباينت الأساليب بمقدار ما تبتعد عن المناطق الإسلامية وعن المركز في الشرق الأوسط كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب، ومهما يكن من أمر فإن الخطوط الرئيسية لنظم اللباس الإسلامية استمرت قائمة ومتواصلة بشكل لافت حتى في المدن وفي المناطق والأقاليم البعيدة عن المركز.

    وتشير ستيلمان إلى أن القطع الرئيسية في عصر النبوة لكلا الجنسين تتكون من الثياب التحتانية، والقمصان السابغة، والأثواب الطويلة وقمصان النوم أو السترة، وثياب خارجية كالعباءات والمعاطف أو الدثر، كما تتضمن بالمثل ما يغطي القدمين من الأحذية والصنادل وكذلك أغطية الرأس. وقد يعمد الشخص إلى ارتداء قطعة واحدة من بين تلك القطع أو العديد منها اعتمادا على الكثير من العوامل كالطقس والمناسبة والمستوى المادي.. إلخ. وجدير بالذكر أن الكثير من تلك القطع متطابقة في الشكل ومع ذلك ارتداها الرجال والنساء على حد السواء. وحقيقة الأمر أن الكثير من قطع الثياب هذه لم تكن سوى قطع من القماش يتسربل بها العرب رجالا كانوا أو نساء، هذا هو الزي الرئيسي الذي ربطه ابن خلدون بأهل البادية.
    تهاجن الملابس



    تبين ستيلمان أنه في أواسط القرن الثامن الهجري كانت الإمبراطوية الإسلامية قد أحكمت قبضتها على جزيرة أيبيريا الإسبانية (الأندلس) وكانت جيوشها قد عبرت نهر جيحون واستولت على المناطق الواقعة في أواسط آسيا خلف النهر. لقد امتدت ديار الإسلام أو دور الإسلام أو الأراضي التابعة للحكم الإسلامي عبر ثلاث مناطق ذات توجهات ثقافية وحضارية مختلفة: أولا الجزيرة العربية التي كانت تقع خارج نطاق الحضارات الكبرى، وكانت بمنأى عنها. ثانيا المناطق التي كانت تابعة للحضارة الهيلينية وحضارات حوض المتوسط، وثالثا البلدان الواقعة في أواسط آسيا والتي كانت في نطاق الحضارات الإيرانية والتركية.

    من هنا اختلفت الملابس والأزياء السائدة اختلافا جذريا. فقد كانت الثياب التقليدية في الجزيرة العربية خلال عهود ما قبل الإسلام وفي صدر الإسلام ثيابا فضفاضة متهدلة ولم تكن لدى الناس دراية بالحياكة أو التفصيل ولذلك انعدمت الملابس والأزياء المصنوعة بيد الخياطين. أما نظام الملابس التقليدية في العالم الهيليني (المناطق التابعة للحضارة اليونانية) فقد تميز بانتشار القمصان والعباءات الطويلة (التونيك) بالإضافة إلى قطع أخرى كالدثار والحرام والمعطف. وفي المناطق ذات الثقافة الإيرانية والتركية فقد سادت الملابس المصنوعة بيد الحياكين والخياطين مثل المعاطف والسترات والبناطيل والسراويل.

    الدراسة تتعامل مع الملابس العربية والإسلامية وتناقشها في سياق الاتجاهات الاجتماعية والدينية والجمالية والسياسية لكل عصر

    وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن ثمة أنماطا وأشكالا عديدة من اللباس الهيليني والإيراني والتركي قد شقت طريقها إلى الجزيرة العربية قبل بزوغ الإسلام وانطلاق الغزوات الإسلامية خارج الحدود. ولذلك حدث تهاجن بين أنواع الملابس والأزياء التي تمثل ثلاث حضارات مختلفة على تخوم البلدان ذات التلاقح الثقافي خاصة المناطق الواقعة في غسان والحيرة. لقد كان هذا التلاقح أمرا واقعا يوم خرج الدين الإسلامي إلى الوجود. وبعد مرور بضعة قرون على ميلاد الدين الإسلامي ظهر ما يسمى بالزي الإسلامي الذي أصبح حقيقة واقعة معترفا بها في ديار الإسلام شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، طولا وعرضا.

    وتؤكد الكاتبة أن التطورات واسعة النطاق التي غيرت مسار تاريخ الملابس العربية أثناء الخلافة الأموية ارتبطت بأفكار أيديولوجية عقائدية، فعندما تدفقت الثروات على الأمة المظفرة المنتصرة في غزواتها، شرعت في الجنوح بعيدا عن سنة الأولين فاليوم الآخر مازال في علم الغيب أما الحاضر فهو مفعم بالانتصارات والثراء الفاحش. فشرع الأمويون في تجاهل حياة التقشف التي اتبعها الأولون كما تجاهلوا تحريم الإسلام للملابس والثياب المترفة التي تعامل معها الرعيل الأول من السلف الصالح بمقت وبغض شديدين. وفي العصر العباسي أصبحت الظروف والأجواء مهيأة لظهور لباس إسلامي كوزموبوليتاني متحرر من النوازع القومية أو المحلية، يجمع بين الحضارة الإسلامية من ناحية والحضارات الإيرانية والتركية والهيلينية المتوسطية والممتدة إلى سواحل البحر الأحمر من ناحية أخرى.

    وتلفت ستيلمان إلى أنه منذ القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر بعد الميلاد برزت للعيان العديد من الاتجاهات المهمة في نظم اللباس الإسلامية، ومن بينها أولا انتشار ثياب جديدة من خارج إطار النظام السائد. ثانيا زيادة الفوارق الطبقية التي انعكست بدورها على ثياب كل طبقة. ثالثا ثبات منظومة ثياب الدهماء من عامة الشعب (الرعايا). وفي ظل الخلافتين الأموية والعباسية وباستثناء بعض الثياب ذات الطابع الاحتفالي الخاصة بدواوين الخلافة فإن كل أطياف المجتمع كانت ترتدي الكثير من قطع الثياب المتطابقة. وكان ثمة فارق واحد هو نوعية القماش والزخارف. ولم يكن ثمة زي خاص بالعسكر إلى حين حلت الخلافة العباسية محل الخلافة الأموية وقرر الخليفة المعتصم أن يرتدي حرسه من الأتراك زيا مخصصا لهم.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X