التصوير الفوتوغرافي فن مستقل يحتاج إلى نضج غير مكتمل
شاكر لعيبي يجمع رؤى مبدعي العالم في ثقافة الصورة الفوتوغرافية.
أفكار الفن الفوتوغرافي لا تتوقف
تحول التصوير الفوتوغرافي من وسيلة أرشفة وتأريخ إلى فن مستقل ومتداخل في آن مع الفنون الأخرى. ولفهم هذا الفن يجب الاطلاع على نشأته وتاريخ تطوره حتى وصلْنا إلى أن كل فرد له الكاميرا الخاصة به في هاتفه، لكن لا مناص من فهم تاريخ الصورة لفهم طرق التصوير اليوم بأشكال مختلفة، وهو ما يجب أن يصدر لا عن المهارة فحسب بل وعن الوعي أيضا.
كيف يرى المصورون والمثقفون والرسامون والروائيون والشعراء والمفكرون والمصممون والفنانون والمخرجون السينائيون والممثلون؛ كيف يرى هؤلاء المبدعون على اختلاف نوع وجنس إبداعاتهم الصورة الفوتوغرافية؛ دلالاتها وانعكاساتها كعمق فني زماني ومكاني وإنساني؟ وهل من تأثيرات ألقت بظلالها على رؤاهم وأفكارهم ومخيلاتهم؟
هذا التساؤل يعبر عن مضمون كتاب الشاعر والناقد التشكيلي شاكر لعيبي “ثقافة الصورة الفوتوغرافية.. استشهادات وأفكار ونماذج فوتوغرافية”، حيث يقدم بانوراما متكاملة لرؤى ما يزيد عن 200 مبدع مصور وشاعر وروائي ومفكر ومخرج وفنان تشكيلي ومصمم أزياء..إلخ، ومئات النماذج الفوتوغرافية لمئات المصورين، تتعلق بالتصوير الفوتوغرافي من مختلف فترات الزمن الحديث التالي لاختراع الفوتوغرافيا.
تاريخ الفوتوغراقيا
الكتاب يقدم بانوراما لرؤى ما يزيد عن 200 مبدع مصور وشاعر وروائي ومفكر ومخرج وفنان تشكيلي للتصوير
جمع لعيبي شذرات هؤلاء المبدعين الذين يمثلون العالم شرقه وغربه، مترجمة عن الفرنسية والإنجليزية، واختار صورها من أجل تكوين صورة متعددة الأبعاد لهذا الفن، ومواقف المعنيين من طبيعته وإشكالياته وجمالياته، مستهدفا من هذه الشذرات تبيان رحابة المدى الذي حازه الفوتوغراف عالميا، عمق ترسيخ ثقافة الصورة وأبجديتها، وكلها تدعو القارئ العربي إلى تكوين ثقافة فوتوغرافية موازية، شخصية وعامة.
يقول لعيبي في مقدمة كتابه، الصادر حديثا عن دار خطوط وظلال الأردنية، “ولدت مفردة ‘التصوير الفوتوغرافي’ على يد جون هيرشل، وهو عالم فلك بريطاني يعتبر أحد رواد التصوير الفوتوغرافي. السجال مزمن بين الفرنسيين والبريطانيين عن اختراع هذا التصوير وبداياته. كلمة التصوير الفوتوغرافي من أصل يوناني: البادئة: صورة ‘الضوء، الوضوح’: الذي ينطلق من الضوء أو الذي يستخدم الضوء، أما اللاحقة غرافي فتشير يونانيا إلى الرسم، الكتابة: فيصير المعنى ‘ما يكتب بالضوء’، و’الذي يؤدي إلى رسم صورة'”.
ويرى المؤلف أن التصوير الفوتوغرافي يتيح إمكانية خلق صور بفعل الضوء. تشير التقنية إلى الصورة التي يتم الحصول عليها، الصورة الضوئية، الصورة السلبية أو الإيجابية المرئية للعين والمستقرة على حامل بعد تعرّضها لطبقة حسّاسة ومعالجتها. التصوير الفوتوغرافي هو نتيجة تقنيات علمية عديدة تطورت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد.
لقد أفادت الفوتوغرافيا من العديد من الاختراعات الميكانيكية والبصرية والكيمائية النهضوية خاصة، وكانت تخرج بالأصل من تأملات أرسطو أو عمل أبي البصريات الحديث ابن الهيثم في اختراع الصندوق (الثقب والكاميرا المظلمة). غير أننا في ذلك الوقت، ما زلنا بعيدين عن أحدث كاميراتنا الانعكاسية التي مرت بالعديد من التحولات والأسماء، حتى قام رجل مثل جاك تشارلز في عام 1780 بتثبيت صورة ظلية على ورق مبلل بكلوريد الفضة، أو مثل توماس ويدغوود وتجاربه مع نترات الفضة.
ويضيف لعيبي “لكن جوزيف نيسيفور نيبس يعتبر أبا التصوير الفوتوغرافي، لقد أتقن تقنية تثبيت الصور بألواح مغطاة بمادة البيتومين الذي يتصلب في الضوء. عندما توفى في عام 1833، تولى لويس داغير تحسين أوقات التعرض وتطوير الصورة الكامنة. منذ ذلك الحين واصلت معدات التصوير إدخال تحسينات تكنولوجية جديدة على التصوير الفوتوغرافي، بشكل كبير حتى يومنا الراهن”.
ويشير إلى أنه ما إن رسخت التقنية نفسها في أواسط القرن التاسع عشر، حتى بدأت تتراكم الأفكار والتأملات بشأن هذا الفن الوليد. وكان موضوعا للدرس الجمالي والاجتماعي والنفسي والأنثروبولوجي وفي القرن العشرين صار ممارسة “شعبية” من جهة، ومن جهة أخرى مختبرا بصريا سمح بمختلف التجارب التقنية والموضوعاتية.
صورة متعددة الأبعاد لهذا الفن
في هذا القرن نلاحظ حضورا نسويا لافتا في الكتابة النظرية عن التصوير الفوتوغرافي وفي ممارسته، سوزان سونتاغ، جيزيل فرويند… وفيه ظهرت أعظم المصورات برنايس أبوت، دوروثيا لانج، إيموجين كننغهام، مارغريت بورك – وايت، مارتين فرانك، سابين فايس، ديان أربوس، روث برنارد وين ميلر…
نصف ناضج
يلفت إلى أن منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومرورا بالعشرين، يلاحظ أن القيمة “الوثائقية” والتسجيلية للتصوير الفوتوغرافي قد تراجعت لصالح القيمة الاستيقية: من الوثيقة إلى الفن تراكمت المحاولات البحثية المعمقة والمنهجية، وتزايدت الأفكار بشأنه حقلا لا يختلف بشيء عن حقول الممارسات الإبداعية المعترف بها، بل ظهر منظرون مكرسون للتصوير الفوتوغرافي وحده.
يتساءل لعيبي في بوست له تعليقا على صدور كتابه: هل نفيد شيئا من هذه الثقافة؟ ويقول “اليوم سألت نفسي فيما إذا تعلمتُ شيئا مما ترجمته بشأن ثقافة الصورة الفوتوغرافية، فحملت موبايلي العادي وتذكرت، من بين ما ترجمته، جملة المصور الياباني نوبويوشي أراكي ‘لا يمكن أن يكون المصور إما عديم الخبرة أو ناضجا جدا. يجب أن يكون المصوّر نصف ناضج'”.
وتابع لعيبي “كما تذكرت عبارات أخرى من قبيل أن يحتفظ المرء دوما بروحية الهاوي المغامر وأن لا يضع كاميرته جانبا إلا عند العودة إلى البيت، النتيجة التالية ليوم السابع من يوليو 2023 الساعة الثامنة في لوزان، هذه الصورة البسيطة البعيدة عن جميع المزاعم. وقد صورتها بكاميرا موبايل من مدخل نفق ساحة الشودرون في لوزان، وقد رأيت نفسي فجأة على خلفية حامل دعائي. هنا تمرين عابر عملي ودون مزاعم، على الوعي بالتكوين والأشكال وضرورة نسيان الوعي أثناء التصوير، كما أحسب”.
من الاستشهادات
الفيلسوف والمنطقي والاقتصادي البريطاني جون ستيوارت ميل:
“التصوير الفوتوغرافي هو تواطؤ وجيز بين البصيرة والصدفة”.
آنا وينتور صحافية بريطانية أميركية:
“إذا نظرت إلى صورة أزياء رائعة خارج سياقها، فسوف تخبرك كثيرا بما يحدث في العالم مثل عنوان رئيسي من صحيفة نيويورك تايمز”.
المصور الألماني أوغست ساندر:
“في التصوير الفوتوغرافي، لا توجد ظلال لا يمكن إضاءتها”
الفيلسوف الفرنسي والناقد الأدبي والسيميائي رولان بارت:
“ما ينتجه التصوير الفوتوغرافي إلى ما لا نهاية، يحدث مرة واحدة فقط” “في الأساس، التصوير الفوتوغرافي تخريبي، ليس عندما يخيف أو يثور أو حتى يصم بسمعة سيئة ولكن عندما يكون عميق التفكير” “لأن التصوير الفوتوغرافي هو مجيء الذات كآخر: (فهو) انفصال مخادع عن وعي الهوية” “المهم هو أن للصورة قوة الإثبات وأن هذه القوة غير محمولة على الشيء بل على الوقت”.
الكاتب الفرنسي ميشيل تورنييه:
“يرفع التصوير الفوتوغرافي الواقع إلى مستوى الحلم، فهو يحول الشيء الحقيقي إلى أسطورة خاصة به. الهدف هو الباب الضيق الذي تدخل سرا النخب الشهيرة التي ستصير آلهة وأبطالا ممسوسين، إلى مجمع أربابه الداخلي”.
فيليب لابارث المعروف باسم يليب رسام كاريكاتير ورسام سريالي:
“نحن دائما أكبر سنا مما في الصورة الفوتوغرافية”
الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو:
“من يا ترى يرى الشكل البشري بشكل صحيح؟ المصور الفوتوغرافي أم المرآة أم الرسام؟”
المصور الفوتوغرافي وعالم البيئة الأميركي أنسل آدمز إيستون:
“أنت لا تلتقط صورة، أنت تصنعها” “لا يتعلق الأمر بنقل رؤية، ولكن بالتأثير في الناس من خلال الصورة” “لن أعتذر أبدا عن تصوير الصخور. يمكن أن تكون الصخور جميلة جدا. سألني الناس لماذا لا أضع الناس في صور الطبيعة التي ألتقطها.
أجيب: هناك دائما شخصان في كل صورة: المصور والمشاهد”. “التصوير الفوتوغرافي هو شعر الواقع المتقشف والملتهب”.
المصور الياباني إيكوه هوسو:
“بالنسبة لي، يمكن أن يكون التصوير الفوتوغرافي في آن واحد سجلا ومرآة ونافذة للتعبير عن الذات، يفترض عموما أن الكاميرا غير قادرة على تصوير ما هو غير مرئي للعين، ومع ذلك يمكن للمصور الذي يستخدم الكاميرا جيدا أن يمثل غير المرئي (الحاضر) في ذاكرته”.
“عندما تلتقط صورة بسرعة 1/1000 من الثانية، يمكن أن تصبح اللحظة العابرة حقيقة أبدية، لحظة أبدية. إذن لدينا مشكلة فلسفية تتعلق بالموضوعية والذاتية”.
الروائي الفرنسي مارسيل بروست:
“يكتسب التصوير الفوتوغرافي بعض العزة التي يفتقر إليها عندما يتوقف عن إعادة إنتاج الواقع ويظهر لنا أشياء لم تعد موجودة”. “التصوير الفوتوغرافي هو فن إظهار اللحظات العابرة التي تتكون منها الحياة”. الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: “نحن موجودون فقط إذا تم تصويرنا”.
الروائية الأميركية سوزان سونتاغ:
“اليوم، كل شيء موجود يقود إلى صورة”. “الصور الفوتوغرافية هي وسيلة لسجن الواقع.. لا يمكن امتلاك الواقع، يمكن امتلاك الصور، لا يمكنك امتلاك الحاضر، ولكن يمكن امتلاك الماضي”. “الرسام يبني، المصور الفوتوغرافي يبدي للعيان ‘يفشي'”.
المخرج والمنتج وكاتب سيناريو والمصور الفرنسي كلود لولوش:
“في السينما، يكون الطقس السيئ مناسبا للتصوير ‘فوتوجينيك’ بشكل رهيب، لأنه خطير”
الممثل والكاتب الفرنسي جورج بيروس:
“يقدم فن التصوير الفوتوغرافي رمزا جميلا، نحن ‘نلتق’ المشهد أو الظاهرة أو الوجه ونطورها ولكن ما نحتاجه الضوء، يمكنه فقط الاستسلام في الظلام”.
ديان أربوس، واسمها الحقيقي ديان نيميروف رائدة فن التصوير الفوتوغرافي:
“بالنسبة لي، موضوع الصورة أكثر أهمية دائما من الصورة”. “الصورة الفوتوغرافية هي سر يتعلق بسر. كلما أخبرتك أكثر، قل ما عرفت فحواه”. “التقاط صورة يشبه إلى حد ما التسلل إلى المطبخ في وقت متأخر من الليل على رؤوس الأصابع، وسرقة قطعة من سمك بحري مفلطح”.
المخرج وكاتب السيناريو والحوار جان لوك غودار:
“التصوير هو الحقيقة، والسينما هي الحقيقة أربع وعشرون مرة في الثانية” “عندما تصور وجها، فإنك تصور الروح من ورائه”.
المهندس والمعماري والمصور الياباني هيروشي سوجيموتو:
“تعمل الأحفورات تقريبا بنفس طريقة التصوير كسجل للتاريخ. يصبح تراكم الوقت والتاريخ سلبيا للصورة. وهذا السالب يؤتي ثماره، والحفرية هي الضلع الموجب. هذا هو نفس عمل التصوير الفوتوغرافي”. “كان الناس يقرأون التصوير الفوتوغرافي باعتباره وثائق حقيقية، وفي نفس الوقت أصبحوا الآن معرضين للشبهة. أنا شخص نزيه في الأساس، لذلك تركت الكاميرا تلتقط كل ما تلتقطه سواء أكنت تصدق ذلك أم لا؛ إنها ليست مسوؤليتي، إلقاء اللوم على الكاميرا الخاصة بي، وليس أنا”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري
شاكر لعيبي يجمع رؤى مبدعي العالم في ثقافة الصورة الفوتوغرافية.
أفكار الفن الفوتوغرافي لا تتوقف
تحول التصوير الفوتوغرافي من وسيلة أرشفة وتأريخ إلى فن مستقل ومتداخل في آن مع الفنون الأخرى. ولفهم هذا الفن يجب الاطلاع على نشأته وتاريخ تطوره حتى وصلْنا إلى أن كل فرد له الكاميرا الخاصة به في هاتفه، لكن لا مناص من فهم تاريخ الصورة لفهم طرق التصوير اليوم بأشكال مختلفة، وهو ما يجب أن يصدر لا عن المهارة فحسب بل وعن الوعي أيضا.
كيف يرى المصورون والمثقفون والرسامون والروائيون والشعراء والمفكرون والمصممون والفنانون والمخرجون السينائيون والممثلون؛ كيف يرى هؤلاء المبدعون على اختلاف نوع وجنس إبداعاتهم الصورة الفوتوغرافية؛ دلالاتها وانعكاساتها كعمق فني زماني ومكاني وإنساني؟ وهل من تأثيرات ألقت بظلالها على رؤاهم وأفكارهم ومخيلاتهم؟
هذا التساؤل يعبر عن مضمون كتاب الشاعر والناقد التشكيلي شاكر لعيبي “ثقافة الصورة الفوتوغرافية.. استشهادات وأفكار ونماذج فوتوغرافية”، حيث يقدم بانوراما متكاملة لرؤى ما يزيد عن 200 مبدع مصور وشاعر وروائي ومفكر ومخرج وفنان تشكيلي ومصمم أزياء..إلخ، ومئات النماذج الفوتوغرافية لمئات المصورين، تتعلق بالتصوير الفوتوغرافي من مختلف فترات الزمن الحديث التالي لاختراع الفوتوغرافيا.
تاريخ الفوتوغراقيا
الكتاب يقدم بانوراما لرؤى ما يزيد عن 200 مبدع مصور وشاعر وروائي ومفكر ومخرج وفنان تشكيلي للتصوير
جمع لعيبي شذرات هؤلاء المبدعين الذين يمثلون العالم شرقه وغربه، مترجمة عن الفرنسية والإنجليزية، واختار صورها من أجل تكوين صورة متعددة الأبعاد لهذا الفن، ومواقف المعنيين من طبيعته وإشكالياته وجمالياته، مستهدفا من هذه الشذرات تبيان رحابة المدى الذي حازه الفوتوغراف عالميا، عمق ترسيخ ثقافة الصورة وأبجديتها، وكلها تدعو القارئ العربي إلى تكوين ثقافة فوتوغرافية موازية، شخصية وعامة.
يقول لعيبي في مقدمة كتابه، الصادر حديثا عن دار خطوط وظلال الأردنية، “ولدت مفردة ‘التصوير الفوتوغرافي’ على يد جون هيرشل، وهو عالم فلك بريطاني يعتبر أحد رواد التصوير الفوتوغرافي. السجال مزمن بين الفرنسيين والبريطانيين عن اختراع هذا التصوير وبداياته. كلمة التصوير الفوتوغرافي من أصل يوناني: البادئة: صورة ‘الضوء، الوضوح’: الذي ينطلق من الضوء أو الذي يستخدم الضوء، أما اللاحقة غرافي فتشير يونانيا إلى الرسم، الكتابة: فيصير المعنى ‘ما يكتب بالضوء’، و’الذي يؤدي إلى رسم صورة'”.
ويرى المؤلف أن التصوير الفوتوغرافي يتيح إمكانية خلق صور بفعل الضوء. تشير التقنية إلى الصورة التي يتم الحصول عليها، الصورة الضوئية، الصورة السلبية أو الإيجابية المرئية للعين والمستقرة على حامل بعد تعرّضها لطبقة حسّاسة ومعالجتها. التصوير الفوتوغرافي هو نتيجة تقنيات علمية عديدة تطورت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد.
لقد أفادت الفوتوغرافيا من العديد من الاختراعات الميكانيكية والبصرية والكيمائية النهضوية خاصة، وكانت تخرج بالأصل من تأملات أرسطو أو عمل أبي البصريات الحديث ابن الهيثم في اختراع الصندوق (الثقب والكاميرا المظلمة). غير أننا في ذلك الوقت، ما زلنا بعيدين عن أحدث كاميراتنا الانعكاسية التي مرت بالعديد من التحولات والأسماء، حتى قام رجل مثل جاك تشارلز في عام 1780 بتثبيت صورة ظلية على ورق مبلل بكلوريد الفضة، أو مثل توماس ويدغوود وتجاربه مع نترات الفضة.
ويضيف لعيبي “لكن جوزيف نيسيفور نيبس يعتبر أبا التصوير الفوتوغرافي، لقد أتقن تقنية تثبيت الصور بألواح مغطاة بمادة البيتومين الذي يتصلب في الضوء. عندما توفى في عام 1833، تولى لويس داغير تحسين أوقات التعرض وتطوير الصورة الكامنة. منذ ذلك الحين واصلت معدات التصوير إدخال تحسينات تكنولوجية جديدة على التصوير الفوتوغرافي، بشكل كبير حتى يومنا الراهن”.
ويشير إلى أنه ما إن رسخت التقنية نفسها في أواسط القرن التاسع عشر، حتى بدأت تتراكم الأفكار والتأملات بشأن هذا الفن الوليد. وكان موضوعا للدرس الجمالي والاجتماعي والنفسي والأنثروبولوجي وفي القرن العشرين صار ممارسة “شعبية” من جهة، ومن جهة أخرى مختبرا بصريا سمح بمختلف التجارب التقنية والموضوعاتية.
صورة متعددة الأبعاد لهذا الفن
في هذا القرن نلاحظ حضورا نسويا لافتا في الكتابة النظرية عن التصوير الفوتوغرافي وفي ممارسته، سوزان سونتاغ، جيزيل فرويند… وفيه ظهرت أعظم المصورات برنايس أبوت، دوروثيا لانج، إيموجين كننغهام، مارغريت بورك – وايت، مارتين فرانك، سابين فايس، ديان أربوس، روث برنارد وين ميلر…
نصف ناضج
يلفت إلى أن منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومرورا بالعشرين، يلاحظ أن القيمة “الوثائقية” والتسجيلية للتصوير الفوتوغرافي قد تراجعت لصالح القيمة الاستيقية: من الوثيقة إلى الفن تراكمت المحاولات البحثية المعمقة والمنهجية، وتزايدت الأفكار بشأنه حقلا لا يختلف بشيء عن حقول الممارسات الإبداعية المعترف بها، بل ظهر منظرون مكرسون للتصوير الفوتوغرافي وحده.
يتساءل لعيبي في بوست له تعليقا على صدور كتابه: هل نفيد شيئا من هذه الثقافة؟ ويقول “اليوم سألت نفسي فيما إذا تعلمتُ شيئا مما ترجمته بشأن ثقافة الصورة الفوتوغرافية، فحملت موبايلي العادي وتذكرت، من بين ما ترجمته، جملة المصور الياباني نوبويوشي أراكي ‘لا يمكن أن يكون المصور إما عديم الخبرة أو ناضجا جدا. يجب أن يكون المصوّر نصف ناضج'”.
وتابع لعيبي “كما تذكرت عبارات أخرى من قبيل أن يحتفظ المرء دوما بروحية الهاوي المغامر وأن لا يضع كاميرته جانبا إلا عند العودة إلى البيت، النتيجة التالية ليوم السابع من يوليو 2023 الساعة الثامنة في لوزان، هذه الصورة البسيطة البعيدة عن جميع المزاعم. وقد صورتها بكاميرا موبايل من مدخل نفق ساحة الشودرون في لوزان، وقد رأيت نفسي فجأة على خلفية حامل دعائي. هنا تمرين عابر عملي ودون مزاعم، على الوعي بالتكوين والأشكال وضرورة نسيان الوعي أثناء التصوير، كما أحسب”.
من الاستشهادات
الفيلسوف والمنطقي والاقتصادي البريطاني جون ستيوارت ميل:
“التصوير الفوتوغرافي هو تواطؤ وجيز بين البصيرة والصدفة”.
آنا وينتور صحافية بريطانية أميركية:
“إذا نظرت إلى صورة أزياء رائعة خارج سياقها، فسوف تخبرك كثيرا بما يحدث في العالم مثل عنوان رئيسي من صحيفة نيويورك تايمز”.
المصور الألماني أوغست ساندر:
“في التصوير الفوتوغرافي، لا توجد ظلال لا يمكن إضاءتها”
الفيلسوف الفرنسي والناقد الأدبي والسيميائي رولان بارت:
“ما ينتجه التصوير الفوتوغرافي إلى ما لا نهاية، يحدث مرة واحدة فقط” “في الأساس، التصوير الفوتوغرافي تخريبي، ليس عندما يخيف أو يثور أو حتى يصم بسمعة سيئة ولكن عندما يكون عميق التفكير” “لأن التصوير الفوتوغرافي هو مجيء الذات كآخر: (فهو) انفصال مخادع عن وعي الهوية” “المهم هو أن للصورة قوة الإثبات وأن هذه القوة غير محمولة على الشيء بل على الوقت”.
الكاتب الفرنسي ميشيل تورنييه:
“يرفع التصوير الفوتوغرافي الواقع إلى مستوى الحلم، فهو يحول الشيء الحقيقي إلى أسطورة خاصة به. الهدف هو الباب الضيق الذي تدخل سرا النخب الشهيرة التي ستصير آلهة وأبطالا ممسوسين، إلى مجمع أربابه الداخلي”.
فيليب لابارث المعروف باسم يليب رسام كاريكاتير ورسام سريالي:
“نحن دائما أكبر سنا مما في الصورة الفوتوغرافية”
الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو:
“من يا ترى يرى الشكل البشري بشكل صحيح؟ المصور الفوتوغرافي أم المرآة أم الرسام؟”
المصور الفوتوغرافي وعالم البيئة الأميركي أنسل آدمز إيستون:
“أنت لا تلتقط صورة، أنت تصنعها” “لا يتعلق الأمر بنقل رؤية، ولكن بالتأثير في الناس من خلال الصورة” “لن أعتذر أبدا عن تصوير الصخور. يمكن أن تكون الصخور جميلة جدا. سألني الناس لماذا لا أضع الناس في صور الطبيعة التي ألتقطها.
أجيب: هناك دائما شخصان في كل صورة: المصور والمشاهد”. “التصوير الفوتوغرافي هو شعر الواقع المتقشف والملتهب”.
المصور الياباني إيكوه هوسو:
“بالنسبة لي، يمكن أن يكون التصوير الفوتوغرافي في آن واحد سجلا ومرآة ونافذة للتعبير عن الذات، يفترض عموما أن الكاميرا غير قادرة على تصوير ما هو غير مرئي للعين، ومع ذلك يمكن للمصور الذي يستخدم الكاميرا جيدا أن يمثل غير المرئي (الحاضر) في ذاكرته”.
“عندما تلتقط صورة بسرعة 1/1000 من الثانية، يمكن أن تصبح اللحظة العابرة حقيقة أبدية، لحظة أبدية. إذن لدينا مشكلة فلسفية تتعلق بالموضوعية والذاتية”.
الروائي الفرنسي مارسيل بروست:
“يكتسب التصوير الفوتوغرافي بعض العزة التي يفتقر إليها عندما يتوقف عن إعادة إنتاج الواقع ويظهر لنا أشياء لم تعد موجودة”. “التصوير الفوتوغرافي هو فن إظهار اللحظات العابرة التي تتكون منها الحياة”. الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: “نحن موجودون فقط إذا تم تصويرنا”.
الروائية الأميركية سوزان سونتاغ:
“اليوم، كل شيء موجود يقود إلى صورة”. “الصور الفوتوغرافية هي وسيلة لسجن الواقع.. لا يمكن امتلاك الواقع، يمكن امتلاك الصور، لا يمكنك امتلاك الحاضر، ولكن يمكن امتلاك الماضي”. “الرسام يبني، المصور الفوتوغرافي يبدي للعيان ‘يفشي'”.
المخرج والمنتج وكاتب سيناريو والمصور الفرنسي كلود لولوش:
“في السينما، يكون الطقس السيئ مناسبا للتصوير ‘فوتوجينيك’ بشكل رهيب، لأنه خطير”
الممثل والكاتب الفرنسي جورج بيروس:
“يقدم فن التصوير الفوتوغرافي رمزا جميلا، نحن ‘نلتق’ المشهد أو الظاهرة أو الوجه ونطورها ولكن ما نحتاجه الضوء، يمكنه فقط الاستسلام في الظلام”.
ديان أربوس، واسمها الحقيقي ديان نيميروف رائدة فن التصوير الفوتوغرافي:
“بالنسبة لي، موضوع الصورة أكثر أهمية دائما من الصورة”. “الصورة الفوتوغرافية هي سر يتعلق بسر. كلما أخبرتك أكثر، قل ما عرفت فحواه”. “التقاط صورة يشبه إلى حد ما التسلل إلى المطبخ في وقت متأخر من الليل على رؤوس الأصابع، وسرقة قطعة من سمك بحري مفلطح”.
المخرج وكاتب السيناريو والحوار جان لوك غودار:
“التصوير هو الحقيقة، والسينما هي الحقيقة أربع وعشرون مرة في الثانية” “عندما تصور وجها، فإنك تصور الروح من ورائه”.
المهندس والمعماري والمصور الياباني هيروشي سوجيموتو:
“تعمل الأحفورات تقريبا بنفس طريقة التصوير كسجل للتاريخ. يصبح تراكم الوقت والتاريخ سلبيا للصورة. وهذا السالب يؤتي ثماره، والحفرية هي الضلع الموجب. هذا هو نفس عمل التصوير الفوتوغرافي”. “كان الناس يقرأون التصوير الفوتوغرافي باعتباره وثائق حقيقية، وفي نفس الوقت أصبحوا الآن معرضين للشبهة. أنا شخص نزيه في الأساس، لذلك تركت الكاميرا تلتقط كل ما تلتقطه سواء أكنت تصدق ذلك أم لا؛ إنها ليست مسوؤليتي، إلقاء اللوم على الكاميرا الخاصة بي، وليس أنا”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري