محمد فاتي يحلل شيفرة دافنتشي بين الرواية والفيلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد فاتي يحلل شيفرة دافنتشي بين الرواية والفيلم

    محمد فاتي يحلل شيفرة دافنتشي بين الرواية والفيلم




    الصورة السينمائية تضيف بلاغة إلكترونية إلى النص الأدبي

    لا يزال اقتباس عمل روائي أو تحويله إلى فيلم سينمائي مهمة صعبة تخضع للكثير من الضوابط، حيث تختلف شروط ومكونات كل منتج فني، فالكتابة لا تشبه التصوير الفيلمي ولا تخضع للقواعد نفسها ولا تعتمد المؤثرات ذاتها للتأثير في القراء. هذا ما يحاول الكاتب محمد فاتي توضيحه انطلاقا من مقارنته “شيفرة دافنتشي” بين الرواية والفيلم.

    استلهمت السينما منذ ميلادها الكثير من الأعمال الأدبية، خصوصا منها الرواية، فما أكثر الأعمال الأدبية العالمية والعربية من كل العصور التي تم اقتباسها لتحويلها إلى أعمال سينمائية، مع قدر من الوفاء يزيد أو ينقص، أو عن طريق الاقتباس الحر، دون أن يسيء في شيء إلى العمل الأصيل ولا إلى نظيره. وقد كان من أمر هذا الزواج الناجح بين شكلين من التمثيل، يختلفان في بنيتهما الفنية لكنهما يلتقيان في أكثر من جانب، أن أمتعنا بأفلام لا تحصى ولا تنسى.

    وهذا الكتاب “شيفرة دافنتشي بين الرواية والسينما” للناقد د.محمد فاتي يقارن بين خصوصيات رواية “شيفرة دافنتشي” للكاتب الأميركي دان براون ومكوناتها السردية ذات المنحى الللغوي من جهة، والفيلم الذي حمل عنوان الرواية “شيفرة دافنتشي” وصدر عام 2006 للمخرج رون هاوراد، بمكوناته الفنية بتقنياتها المتنوعة، البصرية، الصوتية، السيميائية، من جهة ثانية، هادفا إلى ترسيم الحدود بين المجالين الإبداعيين الروائي والسينمائي، وتحديد عناصر تماثلهما وتميزهما، ائتلافهما واختلافهما، تشابهما وتعارضهما.
    تأثير وتأثر



    نقل رواية إلى السينما يلزم على المخرج التسلح برؤى فنية مغايرة لرؤى الأديب، لكونه يقوم بقراءة جديدة للعمل


    يقول فاتي في كتابه الصادر عن دار خطوط وظلال إن براون “وليد البيئة السينمائية الأميركية، متشبع بقيمها وأفكارها ومعايش لتطور مضامينها وأساليبها وتقنياتها، ولا غرو أن تأتي روايته في صبغة حكائية مؤفلمة ومعدة مسبقا للتصيوير الفيلمي، وهذا ما لاحظناه في المسار السردي لحبكة الرواية الذي يتصاعد ويتنامى بطريقة متحركة ومشوقة ومحفزة للقارئ، على شاكلة التطور الديناميكي للوقائع السينمائية. فالرواية من النمط البوليسي، الذي راج سابقا عند كتاب كثر مثل أغاثا كريستي، وهذا النمط يقتضي تضافر منوعات سردية ترتبط بالجريمة والبحث والمطاردة والشك والغموض والصراع والكشف عن الدلائل والقرائن والحقائق”.

    ويوضح أن “هذه التيمات المذكورة هي أكثر التقنيات الأدبية تشابها وتماثلا مع السينما، كونها سهلة التحويل والاقتباس من الأحداث الروائية إلى الوقائع السينمائية. وفي ضوء هذه الرؤية كان اختيار هذا العمل الروائي كنص تطبيقي فاعل في عملية المقارنة الدينامية، طالما أن الرواية التقليدية لم تواكب عصر السينما، بينما لا تستجيب الرواية التجريبية المعاصرة للخاصية الدينامية التي اخترناها كموضوع لبحثنا، حيث يغلب عليها النفس البطيء والتوغل في الذاكرة والأعماق النفسية، ورتابة الزمن، ومحدودية المكان، وهيمنة الأفكار على الأفعال عند الشخصيات”.

    ويشرح أن “فكرة موضوعنا هذا، تبحث في أوجه التأثير والتأثر التي تربط المجالين الروائي والسينمائي، خاصة وأن كلا من هذين المجالين يؤثر في الآخر بأساليبه وتقنياته وخصائصه الفنية، فيتبادلان بذلك الاستفادة من بعضهما البعض. لهذا كان لزاما علينا اختيار موضوع روائي قريب من السينما في بنيته وحبكته وأسلوبه وخطته السردية، وهذا ما ألفينا في رواية دان براون التي كتبت وهي محاصرة بتأثيرات سينمائية متعددة، مستمدة من طبيعة السياق الأميركي العاشق لهوليوود وللسينما بصفة عامة”.

    ويرى محمد فاتي أن “نقل أي رواية إلى السينما يلزم على المخرج السينمائي التسلح برؤى فنية مغايرة عن الأديب، لكونه يقوم بقراءة جديدة للعمل الإبداعي مختلفة كل الاختلال عن قراءة الروائي. فقد يحدث أن يكون تأويله للموضوع تفقيريا وتهميشيا يسيء لمقاصد الرواية ويشوه شخصياتها وينقص من مضمونها ويقتطع من حمولتها الفكرية، وقد يحدث أن يكون تأويله مغنيا للموضوع، يثري القصة ويعضد الحبكة ويوسع من مدارات النقاش والتفكير والتواصل بين المبدع والمتلقي”.

    ويشدد على أن “اقتباس عمل روائي هو بمثابة تحقق له وانتقال به من حالة الوجود بالقوة إلى حالة ملموسة من ضمن الحالات المحتملة لوجوده بالفعل. هكذا يظهر أن العلاقة التفاعلية بين الرواية والسينما، بالرغم من تجذرها وترابط خيوطها الإبداعية، إلا أن هذا لا يلغي الجانب المستقل في الطرفين، كونهما يتفردان بأدواتهما الجمالية، كل بتقنياته وأساليبه، وتبعا للحقل الذي يصدران منه، وانطلاقا من نوعية الجاذبية وطبيعة الانفعال الذي يربطهما بالمتلقي”.

    ويشرح الكاتب أن “الرواية ينبوعها اللغة، تستلهم وسائل تعبيرية مقروءة/ مكتوبة، وتنتج صورا فنية/بلاغية قوامها اللغة والأسلوب، ويدركها المتلقي انطلاقا من ملكاته التخييلية بعد أن يستقبلها بحسه القرائي القائم على التتابع الخطي للمتواليات اللسانية في النص الروائي. أما السينما فمادتها الخام هي الصورة المتحركة ومرفقاتها السمعية والبصرية، تنتج صورا فنية انطلاقا من وصل لقطاتها وتمازج تقنياتها وترابط مؤثراتها التكنولوجية. ويتلقاها المشاهد عن طريق العرض التسجيلي في قاعة السينما، بالاعتماد على حاسة البصر في الاستقبال وذكاء العقل في التحليل والتأويل طالما أن الموضوع مجسد، ملموس ومؤطر”.

    ويوضح فاتي أن “الصورة الفنية هي نتاج طبيعي للأرضية الفنية والجنس الإبداعي الذي تصدر منه، كما أن لوازمها وعناصر تشكيلها مستقاة من خصوصية المجال ونوعية الحامل المعرفي الذي تنبع منه. فالصورة الفنية في الرواية لغوية المصدر، ذهنية التشكيل، خيالية العوالم، يتفاعل معها المتلقي انطلاقا من تفعيل مدركاته الحسية والوجدانية بعد أن يستسيغها في مخيلته وفكره. وذلك لأن الرواية فعل إبداعي ينتجه روائي يترجم المادة التي استمدها من الواقع أو من الخيال إلى لغة مكتوبة بتشكيلات تعبيرية، بلاغية وأسلوبية. ويتلقاها القارئ الذي يستقبل النص كاملا مشغلا طاقاته المتنوعة في القراءة والفهم والتصور والتحليل والتركيب”.

    ويستدرك “أما الصورة الفنية في السينما فهي بصرية من حيث المادة الفنية، تقنية من حيث التكوين، مجسدة من حيث الهيئة، يستقبلها المتلقي بتوظيف الحواس الرئيسية: البصر والسمع، ثم يحول هذه الصور الملموسة إلى تمثلات ذهنية في الفكر والخيال. فالسينما هي فن مرئي يتكفل بإنجازه المخرج بالاستعانة بمجموعة من الأطقم والتقنيات المساعدة في بناء العمل الفيلمي، حيث يخلق السيناريست النص الفيلمي أو يقتبسه، ثم يحوله المخرج إلى فيلم سينمائي قائم على وسائل ومؤثرات سمعية وبصرية وجمالية، وأخيرا ينفعل بأثره المشاهد الذي يترجم عواطفه الجياشة المرتبطة بالقصة السينمائية، ويحاول أن يستنبط قصدها ودلالتها ورسائلها، ثم يتوقع مسارا آخر للوقائع وينتقي ما يعجبه من أحداث عبر صور أخرى في الذهن والخيال”.

    فيلم "شيفرة دافنتشي" نموذج مميز يستقصي خصوصية الثنائية العلائقية بين مكونات النص الأدبي والنص الفيلمي

    ويلفت إلى أن “الناقد الحديث تجاوز، في تعامله مع النص الروائي، القواعد البلاغية الكلاسيكية القائمة على التشبيه والمجاز والاستعارة، لينفتح على آفاق أسلوبية ولغوية رحبة مستمدة من طبيعة المجال الأدبي، فأصبحنا أمام صنف متنوع من الصور أغنت المكونات البلاغية القديمة، وأضافت إليها صيغا تعبيرية رحبة وفسيحة منتمية إلى المكونات الحكائية التي تميز الأشكال السردية الحديثة، وبهذا صرنا نصادف أنواعا أخرى من الصور: صورة الحدث، صورة المكان، صورة الزمن، صورة الشخصيات، صورة السمات النصية، صورة اللغة..”.

    ويتابع أن “الشيء نفسه ينطبق على الصورة السينمائية التي تنتمي إلى حقل تقني استفاد من الثورة التكنولوجية التي عرفها العصر الحديث في مجال الصوتيات والمرئيات. استثمرت الصورة السينمائية القيم البصرية الأساسية المتعلقة بالصورة ومرفقاتها، واللقطة وأحجامها، والعدسة وزواياها، والصوت ومؤثراته، والإنارة وظلالها، واللون وزخارفه، والملابس والمكياج وسحرهما.. وهكذا أصبحنا أمام بلاغة إلكترونية تشغل مختلف الأدوات الفنية والسيميولوجية والجمالية من أجل دراسة الصورة السينمائية، ومقاصدها المتنوعة، وأبعادها العميقة المرتبطة بالواقع والمجتمع والفكر والثقافة. وكما أن الصورة الروائية تخضع للمقومات الفنية لجنس الرواية، فإن الصورة السينمائية تشكل، هي الأخرى، انطلاقا من تفاعل كل المكونات السينمائية، سواء منها الحكائية أو التقنية”.

    ويوضح أن “السينما تستلهم كل الصيغ الحكائية الحاضرة في أنواع الحكي الأخرى، مثل الأحداث والشخصيات والفضاء والزمن، وتضيف إليها لمستها التقنية الزاخرة بالمؤثرات المرئية والصوتية التي تساهم في خلق الصور المتحركة. ويلعب السيناريو دور الوسيط الذي بواسطته تنقل المادة الحكائية من طابعها اللغوي التخييلي المخطط فوق الورق، إلى عالم من الصور المجسدة والمشخصة في الشاشة السينمائية. وتبعا لتطابق محتوى الصورة الفنية مع مصادرها الإبداعية ونوعها الفني، فقد انضافت للسينما – بجانب الصور السردية المشتركة مع صنوف الحكي الأخرى – صور فنية أخرى لها علاقة بحرف السينما وأدواتها الآلية مثلا صورة السيناريو، صورة اللقطة، صورة المشهد، صورة الصوت، صورة الإنارة، صورة اللون، صورة الملابس”.
    نموذج مميز




    يؤكد محمد فاتي أن فيلم “شيفرة دافنتشي” المقتبس من رواية دان براون “نموذج مميز يستقصي خصوصية هذه الثنائية العلائقية، ويحاول أن يبحث عن عناصر التناسق والانسجام بين مكونات النص الأدبي والنص الفيلمي من جهة، وعناصر الاختلال والتعارض بينهما من جهة ثانية. فالاقتباس السينمائي للنصوص الأدبية يلزم المخرج باتباع منحى إبداعي جديد، ذي طبيعة ملازمة لنوعية المجال السينمائي، ومغايرة بالضرورة لجوانب الإبداعي الأدبي”.

    هذا ما يرى الكاتب أنه كان السبب في “جعل المخرج هاوراد يتفنن في نقل أفكار نص شيفرة دافنتشي إلى عرض سينمائي مبهر ومدعم بجوانبه الفنية والتقنية، فاختار بذل طريق التحويل والتحوير والتغيير في بعض الأحداث مع الاحتفاظ بالوقائع الجوهرية في قضية الفيلم. ضف إلى ذلك طرق العرض المختلفة وأساليب التعبير المتنوعة التي يمتاز بها الفن السابع والتي تتيح له إمكانية التصرف في النص الأصلي مع الاحتفاظ بروحه وفكرة الكاتب الأساسية، وكل ذلك بتوظيفات فنية مغايرة عن الأدوات التعبيرية اللغوية المميزة للنص الأدبي”.

    ويوضح فاتي أن “بعقدنا للمقارنة بين الرواية والفيلم نتوصل إلى مجموعة من النتائج الأساسية التي تتيح لنا التمييز بين المكونات الأساسية التي تدخل في صلب تكوين الصورة الروائية، والمادة الخام التي تشكل هيئة الصورة السينمائية مثل: اختيار المخرج طريق التحوير والتغيير في تعامله مع أحداث الرواية ووقائعها، فرغم تقارب الرواية مع المنحى السينمائي من حيث بنائها العام وحبكتها المشوقة وعوالمها الواقعية وفصولها المليئة بالعقد والتحولات، إلا أن البنية الزمنية المحدودة في الفيلم وخاصته الحركية السريعة وطابعه الدينامي المثير أجبرت المخرج على ضرورة وضع بصمته الفنية في الأحداث من خلال ثلاث طرق: إضافة وقائع جديدة غير حاضرة في الرواية، استبدال بعض الأحداث بأحداث أخرى، والاستغناء عن بعض التفاصيل الثانوية في الرواية”.

    الفضاء السينمائي يكتسب قيمته المميزة من خلال مرجعيته الواقعية وطابعه الدينامي، كونه يحتوي على أماكن حقيقية لها صلة بحياتنا الدينية والثقافية والتاريخية

    ويبيّن “بما أن الإبداع السينمائي متفرد بخصائصه الفنية عن الأدب، فقد سار هاوراد على نفس النهج في تعامله مع شخصيات الرواية. فاختار أحيانا طريق التخلص من بعض الشخصيات أو التقليص من بعض خصائصها نظرا لهامشية دورها في البناء الفني للفيلم، في حين اتخذ من التحوير والاستبدال وسيلة في انتقاء بعض الأوصاف التجسيدية المتنافرة مع سمات الشخصية الروائية، وأحيانا أخرى اعتمد طريقة الإضافة والإبتداع لخلق سمات جديدة غابت عن شخصيات النص الروائي”.

    ويعتبر الكاتب أن المخرج هاوراد “قد استفاد من التقنيات التشخيصية التي يتيحها عالم السينما للتلاعب بالشخصيات وتفعيل دورها في أنساق معينة ومخصوصة لكل دور سينمائي. فالمكياج والأزياء والفعل ورد الفعل والحركة… كلها عناصر تضيف لمسة إبداعية للشخصية السينمائية، وتنتقل بها من طور السكون والتواري (في الرواية) إلى طور الحضور والتجلي (في السينما)”.

    ويشير فاتي إلى أن “الفضاء السينمائي يكتسب قيمته المميزة من خلال مرجعيته الواقعية وطابعه الدينامي، كونه يحتوي على أماكن حقيقية لها صلة بحياتنا الدينية والثقافية والتاريخية. فباريس وصخبها المثير ومعمارها الأصيل ومتاحفها العريقة كانت متجسدة بشكل بارز في الفيلم، ناهيك عن الحواضر الأخرى مثل لندن وروما، والتي احتضنت أحداث الفيلم وأحالت إلى أصوله الواقعية. وقد عزز المخرج من خصوصية الفضاء السينمائي واستقلاله عن الفضاء الروائي من خلال الاعتماد على ‘ديكورات’ سينمائية أجلت المكان وجسدته بصريا عبر موضعة العدسة في حقل التصوير وتركيزها على الموضوع ومرفقاته من عناصر الديكور التي تتنوع بتنوع المصادر التي تنبع منها: ديكورات طبيعية، ديكورات فنية وثقافية، ديكورات دينية وتاريخية، ديكورات حضارية عامة، ديكورات منزلية. بينما مثّل عنصر الفضاء في الرواية عن طريق اللغة، والوصف المستدعي لملكة الخيال وشبكة الذهن لدى المتلقي، وهو يعيد تركيب مكونات المكان في العوالم الداخلية ويشارك بحسه ومشاعره في تأثيث جوانبه وأبعاده المختلفة، خلافا لمتلقي الفضاء السينمائي والذي يقدم له المنتوج الفني جاهزا والفضاء مؤطرا وملموسا عبر حاسة البصر”.

    ويلاحظ الكاتب محمد فاتي أن “الإيقاع الزمني يساهم في إبراز دينامية الأحداث عبر وتيرة متولدة ومتدافعة من الوقائع ذات النمط الحركي السيريع. وبالرغم من كون المساحة الزمنية الشاملة في الفيلم هي مساحة محدودة وقصيرة لم تتعد اليوم، فإن المخرج تلاعب في هذه المدة باحترافية فنية جعلته يبسط ويمد ويوسع في المشهد أحيانا عبر تقنيات متعددة: الحوار، الاسترجاع، الزمن النفسي. ويختصر ويسرع من إيقاع اللقطات أحيانا أخرى عبر طرق فنية أخرى مثل الحذف والتلخيص والقطع والاستباق”.


    ويرى أن هاوراد “اتخذ من المونتاج وسيلة أساسية للتصرف في زمن الفيلم وتوجيهه بحسب رؤيته الفنية ومقاصده الجمالية، وذلك من خلال استثمار الآليات التقنية التي يتيحها هذا المكون الفيلمي في التلاعب بمسار الأحداث وإيهام المشاهد بواقعية الوقائع، عبر حلقة زمنية مستمرة ومتواصلة تترك تأثيرها النفسي والدرامي على وعي المتلقي الغارق في المتابعة والتقصي، والمسحور بجاذبية الصورة والصوت، والمبهور بتطور التفاصيل وتقلبها المفاجئ. أما في ما يخص الزمن الروائي فقد جسده لغويا عبر تقنيات سردية متعددة حاولت التحكم في إيقاعه وسيرورته الخطية إما بإبطائه أو بتسريعه أو بالانتقال في ثنايا فصول الرواية، عبر مراحل متفرقة ومحطات تتنقل من فضاء إلى آخر، ومن شخصيات إلى أخرى، ولكن مع احترام تام للمنطق الزمني لتسلسل الأحداث وترابطها وانتظام مسارها”.

    ويتابع فاتي أن رواية “شيفرة دافنتشي” توسلت “بأدوات لغوية وتعبيرية قوامها اللفظ والتركيب والجملة والنص وأسلوبها السرد والوصف والحوار: السرد لتسريع وتيرة الأحداث، والوصف والحوار لتمطيط وإبطاء زمن الوقائع، بينما عالج المخرج النص السينمائي انطلاقا من التقنيات السمعية والبصيرية التي أتاحتها الثورة التكنولوجية لمجال الفن السابع. فلغة الصورة تفترض حضورا أساسيا لعالم التقنية الذي يحول النص المكتوب إلى سيناريو أولي مجهز للعرض، ثم إلى فيلم سينمائي خاضع لقواعد متتعدة تتنوع بتنوع المجالات التي يستند عليها العمل الفني. فينهل الفيلم من الصوتيات عوالمه السمعية (الموسيقى والأصوات والحوار) ومن الصورة عوالم البصرية (اللقطة والمشهد وزوايا التصوير وحركة الكاميرا) ومن المؤثرات الفنية عوالمه التشكيلية (الإنارة والأزياء والألوان والمؤثرات التقنية)”.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X