الروايات تختار شخوصها من الواقع لتلهم القراء
الكاتبة السورية عفراء علي مخلوف لـ"العرب": رسالة "بنت القمر" ثورة على الموروث.
الكتابة عندي هي الهاجس الوحيد
رغم ما فيها من انفعال وذاتية يخلقان لها جماليات خاصة، فإن الكتابة فعل إبداعي يشترط الوعي بشكل أساسي، إذ لا يمكن للكاتب الاكتفاء بمشاعره وتقلباتها وحركيتها في نحت تجربة أدبية تتطور باستمرار. الوعي كان السمة البارزة للكاتبة السورية عفراء علي مخلوف. حول تجربتها كان لـ“العرب” معها هذا الحوار.
الروائية السورية عفراء علي مخلوف ابنة القمح المجبول بالحب والحزن، نشأت في مدينة ساحلية وعملت في مجال التربية والتعليم، شبهت اللاذقية بملامحها البسيطة، قلبها كالبحر في تقلباته، وكالجبل بثباته وعنفوانه، حالمة هي، تحمل أمنياتها زادا، ومداد قلمها تجاربها وخبراتها، ولا تبحث لتكون مثالية على الإطلاق.
حول نشأة نشا شغفها بالكتابة، تقول عفراء علي مخلوف لـ”العرب” إن “العادات اليومية التي نمارسها على بساطتها هي التي تحدد ملامح شخصيتنا وأهم عاداتي كانت القراءة، إضافة لتحديد دائرة معارفي. ما وفر لي وقتا لتراكم تفاصيل الحكايات من الكتب فاتسعت بالقراءة دائرة معارفي، وزادت معلوماتي. بعدها تفتق ذهني عن رغبة في تفريغ أقبية الذاكرة، كل تلك الأمور خلقت موهبتي، لكنني لم أتقصد يوما أن أكون روائية، بل في البدء حاولت تدوين مذكراتي فقط، حتى صارت الكتابة طقسا محببا امارسه، أما من اكتشف موهبتي فهو العالم الأزرق، وتفاعل الأصدقاء، وإعجابهم بطريقة عرض أفكاري، مما حفزني للنشر، وعزز ثقتي بما أكتب”.
ثورة على الماضي
لتجارب الكاتب الشخصية، إضافة إلى الخيال وجموحه، أثر كبير في رسم شخصيات روائية تشبه واقعنا إلى حد كبير
نسأل مخلوف عن الذي ألهمها لكتابة رواية “بنت القمر”، وهل كانت هناك تجربة شخصية أثرت على محتوى الرواية؟ لتجيبنا “تبدأ الرواية داخل الكاتب، كالبذرة تنبت في روحه ويسقيها شغفه فيدون ما يدور في ذهنه تدفعه إليها شرارات معينة، هناك كتاب يبحثون عن الشرارة طويلا مثل كولن ويلسون الذي دار طويلا بسيارته مع زوجته بحثا عن فكرة رواية، وقد تناول ذلك بطريقة مبدعة في كتابه عن الشعر والصوفية، أما عن ولادة رواية ‘بنت القمر‘ كانت شرارتها حالة صحية تعرضت لها، وأثرها المؤلم خلق في نفسي ‘عليا‘ بطلة الرواية، أقول للتجارب الشخصية إضافة إلى الخيال وجموحه أثر كبير في رسم شخصيات تشبه إلى حد كبير واقعنا، لكنها ليس من الضروري أن تتطابق معه”.
رواية “بنت القمر” تحمل طابعا دراميا ثقيلا يظهر الجوانب المظلمة والمعاناة في حياة الشخصية الرئيسية، هذا النوع من الأدب يعكس غالبا تجارب وصراعات الحياة الواقعية، مما يجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات ويشعر بعمق معاناتها، نسألها لماذا كل هذا التشاؤم؟
تقول الكاتبة “بنت القمر هي قصة من الواقع، لكن ظروفها خاصة، وعموما الرواية هي وعاء المجتمع تنضح بالواقعية، تُسرد بأسلوب يخفف من غلواء هذا الواقع المؤلم حاملة حلما، يصيب الكاتب هدفه عندما يلتزم بقضايا مجتمعه ويحمل أعماله رسائل إصلاحية وطروحات تُبدل مر الواقع، وتحاول تأريخ حقبة ما بشكل جذاب. عملت على أن تكون روايتي ثورة مليئة بالتغيير، وبحلم المستقبل، لا تقف عند حدود التشاؤم المضني، بل تتجاوز المحن لتخلق واقعا جديدا لعله يتحقق. وربما كان هذا الالتصاق بالواقع ومعالجته بالخيال هو ما جلب التعاطف، فرض التشاؤم نفسه من خلال أمور وظروف متعددة أهمها واقعنا الحالي”.
وتتابع متحدثة عن تطور شخصيات الرواية ومنشئها “شخصيات الرواية عبارة عن مزيج بين واقع معاش لا يمكن التلاعب به، وبين ما أحب أن يكون، لذلك كانت الشخوص عبارة عن عينات شبه حقيقية جعلت منها شخصيات ناضجة، أنضجتها المحن، ليصبح مصدر قوتهم قلوب تنبض بالمحبة والعطاء كفادي وشمس، أما رسالة بنت القمر فكانت الثورة على الموروث والدعوة للمحبة التي هي أساس التعايش”.
كما تطرقت إلى دور الاهتمام في الانتصار حتى على المرض العضال، محاولة أن يرى القارئ ما يبحث عنه في الرواية، ويقرأ نفسه، كل قارئ يثمن العمل الأدبي حسب سعة أفقه ونضج مداركه، وأغلب الروايات تختار شخوصها من الواقع لكن مع سيرورة الرواية وخيال الكاتب يغيران من تصرفاتهم فتقول الشخصيات ما يعتمل في فكر الراوي ويلبي طموحاته، بمعنى أن المثقف يتكلم في الرواية غير ما يتكلم به الفلاح البسيط، وهذا أمر غالبا ما يمارسه الكاتب لذلك يأتي اختيار الشخوص حسب هدف الرواية، ففي روايتي كانت الشخوص مختارة من الواقع لكن تم توجيههم واختيار حركتهم بحيث حققت ما أريد إيصاله للقارئ. أكيد للخلفيات الثقافية والتاريخية أثر في بلورة الشخوص بما يخدم الهدف.
عفراء علي مخلوف: الرواية هي وعاء المجتمع تنضح بالواقعية، تُسرد بأسلوب يخفف من غلواء هذا الواقع المؤلم حاملة حلما،
وعن الرسالة التي أرادتِ الكاتبة إيصالها من خلال “بنت القمر”؟ تقول مخلوف “رواية ‘بنت القمر‘ اجتماعية، تحدد السبيل لبناء أسرة نموذجية ومجتمع معافى، تتضمن رسائل عديدة، أهمها الثورة على الأوضاع القاسية المقدسة عند الغالبية، وعلى التراث والعادات والتقاليد التي تقيد المجتمع وتمنع تطوره. أعتقد أن الكثير من القراء بل الغالبية قد التقطت ما كنت أريده من الرواية بدليل الرسائل التي تلقيتها، ورأي العديد من النقاد الذين اعتبروها ثورة لأجل مستقبل أفضل”.
هاجس الكتابة
تسأل “العرب” مخلوف عن الفرق بين النصوص والشعر العامودي من وجهة نظرها، علما وأن لديها كتابان “نور وقمر” و“موائد ليلكية” هما عبارة عن نصوص نثرية وخواطر، تقول الكاتبة “جاءت النصوص في هذين الكتابين كومضات أدبية، يسميها أحد الأصدقاء بـ ‘ومضات شاعرية، لكي يفرق بينها وبين الشعر الموزون المقفى العمودي وبين الشعر الموزون شعر التفعيلة‘”.
وتضيف “هي نصوص بمثابة خواطر يومية، ولا تخضع لقواعد الشعر سواء من حيث الوزن لوحده أو الوزن والقافية معا، بل تختلف عنه كثيرا. يرى أدونيس أن هناك نوعا واحدا من الشعر والنثر وغيره هو الكتابة، وربما تندرج كتاباتي خارج الرواية تحت هذا المسمى، فكل الكتب تُلهم القارئ، وتجعله يعيش حيوات عديدة وتحثه على تخطي التسمية لتبقى الكتابة عندي هي الهاجس الوحيد”.
وحول سؤال هل هناك كتاب أو أعمال أدبية معينة ألهمتها في مسيرتها الكتابية، تقول عفراء علي مخلوف “بالطبع هناك الكثير من الكتب تجاوزت عتبة الكتابة بسببها إذ تُحفزني للكتابة، أهمها كتب أميركا اللاتينية وما يسطره رواد الكتابة في شتى البقاع التي نضجت مشاعر كتابها على نار المحبة والألم، لا أكتفي باسم كتاب فأنا أقرأ للكاتب كل ما يصدر له مثل باولو كويلهو، إيزابيل الليندي، همنغواي وغيرهم”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عمر شريقي
إعلامي سوري
الكاتبة السورية عفراء علي مخلوف لـ"العرب": رسالة "بنت القمر" ثورة على الموروث.
الكتابة عندي هي الهاجس الوحيد
رغم ما فيها من انفعال وذاتية يخلقان لها جماليات خاصة، فإن الكتابة فعل إبداعي يشترط الوعي بشكل أساسي، إذ لا يمكن للكاتب الاكتفاء بمشاعره وتقلباتها وحركيتها في نحت تجربة أدبية تتطور باستمرار. الوعي كان السمة البارزة للكاتبة السورية عفراء علي مخلوف. حول تجربتها كان لـ“العرب” معها هذا الحوار.
الروائية السورية عفراء علي مخلوف ابنة القمح المجبول بالحب والحزن، نشأت في مدينة ساحلية وعملت في مجال التربية والتعليم، شبهت اللاذقية بملامحها البسيطة، قلبها كالبحر في تقلباته، وكالجبل بثباته وعنفوانه، حالمة هي، تحمل أمنياتها زادا، ومداد قلمها تجاربها وخبراتها، ولا تبحث لتكون مثالية على الإطلاق.
حول نشأة نشا شغفها بالكتابة، تقول عفراء علي مخلوف لـ”العرب” إن “العادات اليومية التي نمارسها على بساطتها هي التي تحدد ملامح شخصيتنا وأهم عاداتي كانت القراءة، إضافة لتحديد دائرة معارفي. ما وفر لي وقتا لتراكم تفاصيل الحكايات من الكتب فاتسعت بالقراءة دائرة معارفي، وزادت معلوماتي. بعدها تفتق ذهني عن رغبة في تفريغ أقبية الذاكرة، كل تلك الأمور خلقت موهبتي، لكنني لم أتقصد يوما أن أكون روائية، بل في البدء حاولت تدوين مذكراتي فقط، حتى صارت الكتابة طقسا محببا امارسه، أما من اكتشف موهبتي فهو العالم الأزرق، وتفاعل الأصدقاء، وإعجابهم بطريقة عرض أفكاري، مما حفزني للنشر، وعزز ثقتي بما أكتب”.
ثورة على الماضي
لتجارب الكاتب الشخصية، إضافة إلى الخيال وجموحه، أثر كبير في رسم شخصيات روائية تشبه واقعنا إلى حد كبير
نسأل مخلوف عن الذي ألهمها لكتابة رواية “بنت القمر”، وهل كانت هناك تجربة شخصية أثرت على محتوى الرواية؟ لتجيبنا “تبدأ الرواية داخل الكاتب، كالبذرة تنبت في روحه ويسقيها شغفه فيدون ما يدور في ذهنه تدفعه إليها شرارات معينة، هناك كتاب يبحثون عن الشرارة طويلا مثل كولن ويلسون الذي دار طويلا بسيارته مع زوجته بحثا عن فكرة رواية، وقد تناول ذلك بطريقة مبدعة في كتابه عن الشعر والصوفية، أما عن ولادة رواية ‘بنت القمر‘ كانت شرارتها حالة صحية تعرضت لها، وأثرها المؤلم خلق في نفسي ‘عليا‘ بطلة الرواية، أقول للتجارب الشخصية إضافة إلى الخيال وجموحه أثر كبير في رسم شخصيات تشبه إلى حد كبير واقعنا، لكنها ليس من الضروري أن تتطابق معه”.
رواية “بنت القمر” تحمل طابعا دراميا ثقيلا يظهر الجوانب المظلمة والمعاناة في حياة الشخصية الرئيسية، هذا النوع من الأدب يعكس غالبا تجارب وصراعات الحياة الواقعية، مما يجعل القارئ يتعاطف مع الشخصيات ويشعر بعمق معاناتها، نسألها لماذا كل هذا التشاؤم؟
تقول الكاتبة “بنت القمر هي قصة من الواقع، لكن ظروفها خاصة، وعموما الرواية هي وعاء المجتمع تنضح بالواقعية، تُسرد بأسلوب يخفف من غلواء هذا الواقع المؤلم حاملة حلما، يصيب الكاتب هدفه عندما يلتزم بقضايا مجتمعه ويحمل أعماله رسائل إصلاحية وطروحات تُبدل مر الواقع، وتحاول تأريخ حقبة ما بشكل جذاب. عملت على أن تكون روايتي ثورة مليئة بالتغيير، وبحلم المستقبل، لا تقف عند حدود التشاؤم المضني، بل تتجاوز المحن لتخلق واقعا جديدا لعله يتحقق. وربما كان هذا الالتصاق بالواقع ومعالجته بالخيال هو ما جلب التعاطف، فرض التشاؤم نفسه من خلال أمور وظروف متعددة أهمها واقعنا الحالي”.
وتتابع متحدثة عن تطور شخصيات الرواية ومنشئها “شخصيات الرواية عبارة عن مزيج بين واقع معاش لا يمكن التلاعب به، وبين ما أحب أن يكون، لذلك كانت الشخوص عبارة عن عينات شبه حقيقية جعلت منها شخصيات ناضجة، أنضجتها المحن، ليصبح مصدر قوتهم قلوب تنبض بالمحبة والعطاء كفادي وشمس، أما رسالة بنت القمر فكانت الثورة على الموروث والدعوة للمحبة التي هي أساس التعايش”.
كما تطرقت إلى دور الاهتمام في الانتصار حتى على المرض العضال، محاولة أن يرى القارئ ما يبحث عنه في الرواية، ويقرأ نفسه، كل قارئ يثمن العمل الأدبي حسب سعة أفقه ونضج مداركه، وأغلب الروايات تختار شخوصها من الواقع لكن مع سيرورة الرواية وخيال الكاتب يغيران من تصرفاتهم فتقول الشخصيات ما يعتمل في فكر الراوي ويلبي طموحاته، بمعنى أن المثقف يتكلم في الرواية غير ما يتكلم به الفلاح البسيط، وهذا أمر غالبا ما يمارسه الكاتب لذلك يأتي اختيار الشخوص حسب هدف الرواية، ففي روايتي كانت الشخوص مختارة من الواقع لكن تم توجيههم واختيار حركتهم بحيث حققت ما أريد إيصاله للقارئ. أكيد للخلفيات الثقافية والتاريخية أثر في بلورة الشخوص بما يخدم الهدف.
عفراء علي مخلوف: الرواية هي وعاء المجتمع تنضح بالواقعية، تُسرد بأسلوب يخفف من غلواء هذا الواقع المؤلم حاملة حلما،
وعن الرسالة التي أرادتِ الكاتبة إيصالها من خلال “بنت القمر”؟ تقول مخلوف “رواية ‘بنت القمر‘ اجتماعية، تحدد السبيل لبناء أسرة نموذجية ومجتمع معافى، تتضمن رسائل عديدة، أهمها الثورة على الأوضاع القاسية المقدسة عند الغالبية، وعلى التراث والعادات والتقاليد التي تقيد المجتمع وتمنع تطوره. أعتقد أن الكثير من القراء بل الغالبية قد التقطت ما كنت أريده من الرواية بدليل الرسائل التي تلقيتها، ورأي العديد من النقاد الذين اعتبروها ثورة لأجل مستقبل أفضل”.
هاجس الكتابة
تسأل “العرب” مخلوف عن الفرق بين النصوص والشعر العامودي من وجهة نظرها، علما وأن لديها كتابان “نور وقمر” و“موائد ليلكية” هما عبارة عن نصوص نثرية وخواطر، تقول الكاتبة “جاءت النصوص في هذين الكتابين كومضات أدبية، يسميها أحد الأصدقاء بـ ‘ومضات شاعرية، لكي يفرق بينها وبين الشعر الموزون المقفى العمودي وبين الشعر الموزون شعر التفعيلة‘”.
وتضيف “هي نصوص بمثابة خواطر يومية، ولا تخضع لقواعد الشعر سواء من حيث الوزن لوحده أو الوزن والقافية معا، بل تختلف عنه كثيرا. يرى أدونيس أن هناك نوعا واحدا من الشعر والنثر وغيره هو الكتابة، وربما تندرج كتاباتي خارج الرواية تحت هذا المسمى، فكل الكتب تُلهم القارئ، وتجعله يعيش حيوات عديدة وتحثه على تخطي التسمية لتبقى الكتابة عندي هي الهاجس الوحيد”.
وحول سؤال هل هناك كتاب أو أعمال أدبية معينة ألهمتها في مسيرتها الكتابية، تقول عفراء علي مخلوف “بالطبع هناك الكثير من الكتب تجاوزت عتبة الكتابة بسببها إذ تُحفزني للكتابة، أهمها كتب أميركا اللاتينية وما يسطره رواد الكتابة في شتى البقاع التي نضجت مشاعر كتابها على نار المحبة والألم، لا أكتفي باسم كتاب فأنا أقرأ للكاتب كل ما يصدر له مثل باولو كويلهو، إيزابيل الليندي، همنغواي وغيرهم”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عمر شريقي
إعلامي سوري