كتاب يدرس خصائص المسرح الشعري العماني ومراحل تطوره
"المسرح الشعري العماني المعاصر" يرصد تطور الحركة المسرحية في عمان من خلال بعض الأعمال والمقاربات.
المسرح العماني تطور بشكل لافت
عمان - يتناول الباحث والأكاديمي سعيد بن هديب الوهيبي في كتابه “المسرح الشعري العماني المعاصر” تاريخ المسرح الشعري العماني، وموضوعاته، وإرهاصاته التجريبية، مستعرضا العوامل المؤثرة فيه، مثل الأحوال الثقافية، ودور المعلمين العرب وغير العرب في إثراء المشهد المسرحي، وأثر المسرح الشعري الغربي فيه.
ويفرد الوهيبي في كتابه، الصادر مؤخرا عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، فصلا لأبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية من خلال عدد من النماذج. وتكشف فصول الكتاب الذي يمثل دراسة وصفية تحليلية فنية، إلى أي مدى جاء المسرح انعكاسا للواقع، فوفقا للباحث، “صور المسرح الشعري العماني صورة حقيقية للبيئة الاجتماعية العمانية حينما حمل في جعبته الكثير من الملامح التراثية والمعاصرة”.
إذ تعد الهوية الثقافية أحد العوامل الأساسية التي تشكل ركائز التعبير المسرحي في سلطنة عمان، ومن روافد هذه الهوية الشعر الذي رافق العمانيين منذ القدم وصار جزءا لا يتجزأ من موروثهم الثقافي. وفي هذا الإطار اتجه العديد من المسرحيين العمانيين إلى الاشتغال على المسرح الشعري، وهو نمط مسرحي ظهر عربيا في عصر ازدهار الكلاسيكية الجديدة في الشعر.
ويعتبر المسرح الشعري ملاذ الفنانين العمانيين الذين يخلقون منه الدراما والحوارات ويؤسسون لأعمال لها جمالياتها الخاصة ورؤاها الفكرية والفلسفية والثقافية المرتبطة بشكل وثيق بالبيئة العمانية.
وسعى الكتاب إلى الكشف عن أهم تطلعات المسرح الشعري العماني، وتأكيد أنه انعكاس لبيئة صانعيه، فهو لا ينفصل عن الأحداث الاجتماعية الدائرة، وهذا ما يؤكده الوهيبي بقوله “إن توالد المسرح نتيجة للتلاقي والتبادل بين الناس، ذلك أن وظيفة المسرحية الكشف للمشاهد عن طبيعته الإنسانية حتى يستطيع التآلف مع الآخرين”.
ويرى الوهيبي أن القيم الجمالية التي يبعثها المشهد المسرحي في نفوس المشاهدين من الممكن أن تتحول بعد التفاعل معها إلى “قوة فاعلة في صفوف المجتمع، أو على أقل تقدير بين أفراد الجماعة”.
جاء الكتاب في خمسة فصول، ومقدمة وخاتمة، ويعد الفصل الأول دراسة تمهيدية، وتناول الفصل الثاني مفهوم المسرح الشعري وعناصره وأغراضه وأنواعه، أما الفصل الثالث فاستعرض مراحل نشأة المسرح الشعري العماني وتطوره، وتحدث الفصل الرابع عن العوامل المؤثرة في هذا المسرح، وبحث الفصل الخامس أبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية.
ومثل المؤلف للظواهر المسرحية بعدد من المسرحيات؛ فدرس البناء الفني لمسرحية “أرجمند ملحمة الحب والخلود” لمؤلفها صالح الفهدي، وأورد على لسان مؤلفها “الموروث الإنساني ملْك للإنسانية، وأينما يجد المرء ما يلفته فيه يقبل عليه، معيدا النظر أو مقلبا الفكر، تعلما أو تأملا”.
المسرح الشعري يعتبر ملاذ الفنانين العمانيين الذين يخلقون منه الدراما والحوارات ويؤسسون لأعمال لها جمالياتها الخاصة
كما تناول الأبعاد الفنية لبناء مسرحية “كأسك يا سقراط”، ومؤلف هذه المسرحية هو الشاعر والكاتب المسرحي عبدالرزاق الربيعي، ويقول عنها الوهيبي “تتكون هذه المسرحية الشعرية من خمسة مشاهد، وتستلهم أحداثها من حياة الفيلسوف سقراط وصراعاته مع قوى الظلام والجهل في عصره، ودعوته إلى التفكير الحر ومعرفة النفس، وتوعية الشباب، وتحرير عقولهم”.
ويضيف “في هذه المسرحية، حاولت السلطة إغراء سقراط بالمناصب ليتخلى عن أفكاره، لكنه لم يتراجع، فجاءت نهايته التراجيدية بعد فشل محاولات تدجينه، إذ تجرع كأس السم بعد أن وجهت إليه محكمة أثينا عددا من التهم الباطلة، من بينها إفساد عقول الشباب، لكن محاميا من عصرنا يتقدم بطلب لإعادة محاكمته وإنصافه، لكنه يلقى المصير نفسه، فمحنة المثقف واحدة في كل الأزمان”.
كما تناول الوهيبي البناء الفني في مسرحية “جذيمة والملك” ومؤلفها الشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي، ويعده الوهيبي رائد الشعر المسرحي في عمان، لأنه سبق غيره بتقديم هذه المسرحية التي استقى أحداثها من عصر ما قبل ظهور الإسلام.
يوضح الوهيبي أن هذه المسرحية تروي لنا قصة “جذيمة الأبرش بن مالك”، ثالث ملوك تنوخ وأول ملك في الحيرة، مع الزباء ملكة تدمر، وهي ابنة عمرو بن الضرب الذي كان ملكا للشام، وقد قتله جذيمة، فتولت الزباء الحكم بعده، وأطمعت جذيمة في الزواج منها، حتى اغتر بها، وقدم إليها فقتلته وأخذت بثأر أبيها.
ويلفت الباحث إلى أن الشيخ الخليلي استقى أحداث هذه القصة من عصر ما قبل الإسلام مستغلا معرفته بالسرد القصصي ليوظفها في هذا النتاج، مشيرا إلى أن الشاعر يحتفظ في هذه المسرحية بدور الراوي مع المزج بين الحوار والسرد.
يذكر أن الباحث الدكتور سعيد بن هديب الوهيبي أستاذ محاضر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمحافظة مسقط، حصل على الدكتوراه في فلسفة آداب اللغة العربية من الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية.
"المسرح الشعري العماني المعاصر" يرصد تطور الحركة المسرحية في عمان من خلال بعض الأعمال والمقاربات.
المسرح العماني تطور بشكل لافت
عمان - يتناول الباحث والأكاديمي سعيد بن هديب الوهيبي في كتابه “المسرح الشعري العماني المعاصر” تاريخ المسرح الشعري العماني، وموضوعاته، وإرهاصاته التجريبية، مستعرضا العوامل المؤثرة فيه، مثل الأحوال الثقافية، ودور المعلمين العرب وغير العرب في إثراء المشهد المسرحي، وأثر المسرح الشعري الغربي فيه.
ويفرد الوهيبي في كتابه، الصادر مؤخرا عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، فصلا لأبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية من خلال عدد من النماذج. وتكشف فصول الكتاب الذي يمثل دراسة وصفية تحليلية فنية، إلى أي مدى جاء المسرح انعكاسا للواقع، فوفقا للباحث، “صور المسرح الشعري العماني صورة حقيقية للبيئة الاجتماعية العمانية حينما حمل في جعبته الكثير من الملامح التراثية والمعاصرة”.
إذ تعد الهوية الثقافية أحد العوامل الأساسية التي تشكل ركائز التعبير المسرحي في سلطنة عمان، ومن روافد هذه الهوية الشعر الذي رافق العمانيين منذ القدم وصار جزءا لا يتجزأ من موروثهم الثقافي. وفي هذا الإطار اتجه العديد من المسرحيين العمانيين إلى الاشتغال على المسرح الشعري، وهو نمط مسرحي ظهر عربيا في عصر ازدهار الكلاسيكية الجديدة في الشعر.
ويعتبر المسرح الشعري ملاذ الفنانين العمانيين الذين يخلقون منه الدراما والحوارات ويؤسسون لأعمال لها جمالياتها الخاصة ورؤاها الفكرية والفلسفية والثقافية المرتبطة بشكل وثيق بالبيئة العمانية.
وسعى الكتاب إلى الكشف عن أهم تطلعات المسرح الشعري العماني، وتأكيد أنه انعكاس لبيئة صانعيه، فهو لا ينفصل عن الأحداث الاجتماعية الدائرة، وهذا ما يؤكده الوهيبي بقوله “إن توالد المسرح نتيجة للتلاقي والتبادل بين الناس، ذلك أن وظيفة المسرحية الكشف للمشاهد عن طبيعته الإنسانية حتى يستطيع التآلف مع الآخرين”.
ويرى الوهيبي أن القيم الجمالية التي يبعثها المشهد المسرحي في نفوس المشاهدين من الممكن أن تتحول بعد التفاعل معها إلى “قوة فاعلة في صفوف المجتمع، أو على أقل تقدير بين أفراد الجماعة”.
جاء الكتاب في خمسة فصول، ومقدمة وخاتمة، ويعد الفصل الأول دراسة تمهيدية، وتناول الفصل الثاني مفهوم المسرح الشعري وعناصره وأغراضه وأنواعه، أما الفصل الثالث فاستعرض مراحل نشأة المسرح الشعري العماني وتطوره، وتحدث الفصل الرابع عن العوامل المؤثرة في هذا المسرح، وبحث الفصل الخامس أبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية.
ومثل المؤلف للظواهر المسرحية بعدد من المسرحيات؛ فدرس البناء الفني لمسرحية “أرجمند ملحمة الحب والخلود” لمؤلفها صالح الفهدي، وأورد على لسان مؤلفها “الموروث الإنساني ملْك للإنسانية، وأينما يجد المرء ما يلفته فيه يقبل عليه، معيدا النظر أو مقلبا الفكر، تعلما أو تأملا”.
المسرح الشعري يعتبر ملاذ الفنانين العمانيين الذين يخلقون منه الدراما والحوارات ويؤسسون لأعمال لها جمالياتها الخاصة
كما تناول الأبعاد الفنية لبناء مسرحية “كأسك يا سقراط”، ومؤلف هذه المسرحية هو الشاعر والكاتب المسرحي عبدالرزاق الربيعي، ويقول عنها الوهيبي “تتكون هذه المسرحية الشعرية من خمسة مشاهد، وتستلهم أحداثها من حياة الفيلسوف سقراط وصراعاته مع قوى الظلام والجهل في عصره، ودعوته إلى التفكير الحر ومعرفة النفس، وتوعية الشباب، وتحرير عقولهم”.
ويضيف “في هذه المسرحية، حاولت السلطة إغراء سقراط بالمناصب ليتخلى عن أفكاره، لكنه لم يتراجع، فجاءت نهايته التراجيدية بعد فشل محاولات تدجينه، إذ تجرع كأس السم بعد أن وجهت إليه محكمة أثينا عددا من التهم الباطلة، من بينها إفساد عقول الشباب، لكن محاميا من عصرنا يتقدم بطلب لإعادة محاكمته وإنصافه، لكنه يلقى المصير نفسه، فمحنة المثقف واحدة في كل الأزمان”.
كما تناول الوهيبي البناء الفني في مسرحية “جذيمة والملك” ومؤلفها الشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي، ويعده الوهيبي رائد الشعر المسرحي في عمان، لأنه سبق غيره بتقديم هذه المسرحية التي استقى أحداثها من عصر ما قبل ظهور الإسلام.
يوضح الوهيبي أن هذه المسرحية تروي لنا قصة “جذيمة الأبرش بن مالك”، ثالث ملوك تنوخ وأول ملك في الحيرة، مع الزباء ملكة تدمر، وهي ابنة عمرو بن الضرب الذي كان ملكا للشام، وقد قتله جذيمة، فتولت الزباء الحكم بعده، وأطمعت جذيمة في الزواج منها، حتى اغتر بها، وقدم إليها فقتلته وأخذت بثأر أبيها.
ويلفت الباحث إلى أن الشيخ الخليلي استقى أحداث هذه القصة من عصر ما قبل الإسلام مستغلا معرفته بالسرد القصصي ليوظفها في هذا النتاج، مشيرا إلى أن الشاعر يحتفظ في هذه المسرحية بدور الراوي مع المزج بين الحوار والسرد.
يذكر أن الباحث الدكتور سعيد بن هديب الوهيبي أستاذ محاضر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمحافظة مسقط، حصل على الدكتوراه في فلسفة آداب اللغة العربية من الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية.