قصيدة النثر أكثر الأجناس الأدبية قدرة على كشف ممكنات الشاعر الفنية
نادية هناوي تلاحق قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر التونسي منصف الوهايبي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
منصف الوهايبي يبني مطولاته بدقة
هيمنت قصيدة النثر بشكل جلي على المشهد الشعري العربي، ولكن الاختبار الحقيقي لهذه القصيدة ربما يكون أكثر في المطولات، وقدرتها على التجاور مع أنماط شعرية أخرى. وتفكيكا لبناء المطولات الشعرية والعبور الأجناسي فيها تدرس الناقدة والأكاديمية العراقية نادية هناوي بعض النماذج من شعر التونسي منصف الوهايبي في كتابها الجديد.
بغداد - ترى الناقدة والأكاديمية العراقية نادية هناوي في كتابها “قصيدة النثر العابرة.. دراسة في مطولات منصف الوهايبي وقصائد أخرى” أن الاستمرارية في الثبوت الأجناسي هي أهم مؤشر على ما للجنس الأدبي من تجذر نوعي يجعله متميزا بالوحدة والترابط والخصوصية التي بها يتفاوت الجنس ويختلف اختلافا تاما عن أيّ أجناس أدبية أخرى.
وتضرب مثلا على الاستمرارية في التطور مع بقاء الوحدة الإطارية كما هي، المطولات الشعرية وتصفها بالقول “قصائد لها شكل ملحمي يتألف من عشرات أو مئات السطور الشعرية، وتستعمل فيها تنويعات النظم العمودية والتفعيلية والنثرية، وتوظف فيها مختلف الضمائر السردية والتقانات الفنية. وقد تبدو كتابة المطولات الشعرية قليلة كونها مقصورة في الغالب على الشعراء الكبار مثل ت. س. اليوت في ‘الأرض اليباب‘ ورامبو في ‘فصل في الجحيم‘، ومن الشعراء العرب المحدثين والمعاصرين الذين كتبوا المطولات الجواهري في ‘مرحبا أيها الأرق‘ وشفيق معلوف في ‘بساط الريح‘ ونازك الملائكة في ‘مأساة الحياة‘ التي بدأت بكتابتها عام 1945 وانتهت منها عام 1965 وسمّتها مطولة شعرية، وكتب السياب ‘بين الروح والجسد‘ عام 1946 وسماها رواية شعرية ونشر صفاء الحيدري قصيدة ‘أوكار الليل‘ عام 1947 وسماها ملحمة”.
أهمية قصيدة النثر
ما تؤكده المؤلفة في كتابها، الصادر مؤخرا عن دار غيداء الأردنية، أن المطولة الشعرية اشتغالات فنية وصفية وليست تصنيفية وهي تكتب لأجل أن تلبّي حاجات نفسية تتعلق بالبوح والإفضاء والاسترسال في التفريع والتفصيل. وهي أيضا لا تُكتب إلا على خلفية همّ نفسي أو موضوعي فيه الشاعر مفكر، أي صاحب قضية فكرية يستغرق في تأملها ويغوص في أبعادها بحثا عن تجليات أو رؤى تحقق له مراميه وتبلغه مقاصده. ولهذا لا يقدر عليها إلا من أوتي قدرة على إطالة النفس في نظم الشعر.
وعن أهمية قصيدة النثر تقول “إنها أكثر الأجناس الأدبية قدرة على كشف ممكنات الشاعر الفنية وقدراته الفكرية في التعبير عن خلجات روحه وكوامن وعيه الممكن والقائم بسبب ما فيها من المرونة في تطبيق قوانين الشعر وقواعده وتضفي حيوية على شروط الشعر البنائية، متحررة دلاليا ومنعتقة عروضيا بحثا عمّا في اللغة من جديد، به يتمكن الشاعر من القبض على بعض فكره فيها. وهو ما أتقن منصف الوهايبي استعماله، مستأنسا في هذا كله بريلكه وسعدي يوسف ومحمد بنيس”.
ومن القصائد المطولة التي اتخذتها الدكتورة نادية هناوي عينة تمثيلية لنظريتها في العبور الأجناسي قصيدة “الفينيقيون: رسوم لم يحلم بها بانويل” وتتألف من أربعمئة وثلاثين سطرا. ووجدت فيها أن التدوير هو سمتها الأسلوبية وأن السرد هو الذي منه يتشكل بعدها الموضوعي، وفيها يستمر الشاعر على وتيرة واحدة في البوح بمشاعر الفقد والشكوى وتكثر التساؤلات بنسغ تصاعدي استنكاري، فتتجلى أجناسية قصيدة التفعيلة على حساب القصيدة العمودية، ثم تتراجع أمام قصيدة النثر بما يحصل من عمليات الصهر والضم وما تسفر عنه عملية التجسير من عبور ناجز فيه السمة السردية هي الغالبة.
وتمضي المؤلفة على هذه الشاكلة تحلل قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر الوهايبي ومنها مثلا” ق.ي.ر.و.ا.ن/ سيرة الهلالي الصغير”، و”شارع بول فاليري. سيت. صيف 2011″ و”معلقة تقريظ المكان” و”بدر شاكر السياب ما زال يهطل في قصيدته المطر” و”قيروان: لوحة الأحد الكبيرة” و”الفينيقيون: رسوم لم يحلم بها بانويل” و”فايتون سوري Feuilleton” و”أنا يام بن نوح، إلى محمود درويش في ذكراه”.
وعن اختلاف قصيدة النثر عن الأجناس الأدبية الأخرى، تؤكد المؤلفة أنه على الرغم من سيادة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة بوصفهما جنسين شعريين رفيعين، فإن قصيدة النثر بقيت على المستوى الشعبي تمتح من تاريخ قوتها الميثولوجية الطويلة التي فيها كانت تتخذ شكل طقوس درامية تمارس فيها أقوالا شفاهية ولها طوابع روحية، وهي تنتقل بالوعي الجمعي وتنشد على لسان العامة كتعاويذ وترانيم وأدعية، وقد توظف معها بعض الأراجيز والأزجال والأسجاع وأغلبها موروثة من عصور بعيدة.
وتضيف هناوي أن قصيدة النثر صارت تنافس على المستوى الرسمي مستواها الشعبي الذي كانت عليه عبر عصور خلت. وهذا ما يجعل المستقبل لها بوصفها أكثر تنوعا وتركيبا من سواها من أجناس الشعر وأنواعه التي تنضوي داخلها وتتلون بألوانها، ولأن ما في قصيدة النثر من قوة الاحتواء والاستحواذ ثم العبور، يحفز غيرها على الاستجابة لها ومطاوعتها.
العبور الأجناسي
قصيدة النثر صارت تنافس مستواها الشعبي الذي كانت عليه عبر عصور خلت وهذا ما يجعل المستقبل لها
لأجل تحديد ميزات قصيدة النثر العابرة، قاربت المؤلفة بين مطولتين الأولى “الفصل الخامس” لعبدالرحمن طهمازي والثانية “نيابوليس”نابل”/ لنذبوشة “لمبدوزا” لمنصف الوهايبي. ومما توصلت إليه أنه إذا كان أسلوب التدوير هو الملمح الأكثر جلاء في مطولة “الفصل الخامس” فإن تكثيف النزعة السردية تعبيرا وبوحا هو ما منح هذه المطولة تمددا شعريا فتمكنت قصيدة النثر من اكتساح غيرها من الأنواع والأشكال.
وهذه ميزة أخرى – كما تقول المؤلفة – تتفرد بها مطولات عبدالرحمن طهمازي أي أن عبورها يكون ناجزا بقالب قصيدة النثر مباشرة على عكس مطولات منصف الوهايبي الذي عنده المطولة لا تهيمن إلا بعد أن تتبارى مع قصيدة التفعيلة تباريا مستمرا جيئة وذهابا. وكلما استطال السطر الشعري بدت الغلبة لقصيدة النثر، والسبب قالبها الذي يسمح بالتمدد والتواتر بلا هوادة.
وإذا كانت اللاهوادة تتضح عند الوهايبي على المستوى الشكلي، فإنها تبدو عند الشاعر طهمازي على المستوى الفكري من قبيل التحير في الموت والتضاد في تفسيره وانشغالات أخرى تحسب دلاليا كمتضادات فتظهر مستمرة، ومعها تتعقّد الأفكار ويغدو الطابع السردي واضحا مع المداومة على استعمال أسلوب التدوير، فيتمدد السطر الشعري أكثر فأكثر إلى درجة أننا إذا ما وصلنا بين سطور القصيدة فستتكون لدينا سردية ملحمية بخاطر شعري واحد ومتواتر لا ينقطع. وبهذا كله تَصهر قصيدة النثر العابرة القصة القصيرة جدا وقصيدة التفعيلة وغيرها. وتنتهي وقد صارت مطولة شعرية بقالب محدد الأبعاد واضح الحدود.
هذا ويتضمن الكتاب ثلاثة فصول مع مقدمة وخاتمة وملحق وجاء على غلاف الكتاب “العبور الأجناسي مفهوم نقدي يصف دلالة الوضع المزدوج أو متعدد الميكانيزمات ومتنوع الأنساق في ما تشتمل عليه قصيدة النثر من مواصفات وامتيازات، تجعلها الجنس الشعري الوحيد الذي يتمتع بالقابلية على عبور أجناس الشعر وأنواعه وأشكاله الأخرى الموزونة منها وغير الموزونة”.
وتضيف هناوي أن ذلك “يبدأ أولا بالقابلية على الجمع والاحتواء وينتهي آخرا بالاستجابة الطوعية للاستحواذ بقوة ما في قصيدة النثر من صفات وقدرات، ورصانة ما في قالبها من امتيازات. فالعبور عملية انتقالية وليست تشاركية أو تبادلية، إذ أن فيها عابرا/غالبا، ومعبورا عليه/مغلوبا. وكل ذلك يجري بصورة طبيعية أي من دون أيّ انتهاك أو تدخل طرف أو أطراف، وإنما هو تجريب يمارسه المبدع في إطار القالب التجنيسي، العمودي أو التفعيلي، وغايته اكتشاف ما في هذا القالب من متاحات التمثيل وإمكانيات التطوير، فيُمعن النظر في التقانات والأساليب والكيفيات، ويحاول توظيفها لا بقصد إثبات العبور، وإنما بقصد الوقوع على طريقة ناجزة أو سلوك مذهب ناجع في التعبير الأمثل عن مكنونات وعيه ومقتضيات شعوره الذاتي”.
نادية هناوي تلاحق قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر التونسي منصف الوهايبي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
منصف الوهايبي يبني مطولاته بدقة
هيمنت قصيدة النثر بشكل جلي على المشهد الشعري العربي، ولكن الاختبار الحقيقي لهذه القصيدة ربما يكون أكثر في المطولات، وقدرتها على التجاور مع أنماط شعرية أخرى. وتفكيكا لبناء المطولات الشعرية والعبور الأجناسي فيها تدرس الناقدة والأكاديمية العراقية نادية هناوي بعض النماذج من شعر التونسي منصف الوهايبي في كتابها الجديد.
بغداد - ترى الناقدة والأكاديمية العراقية نادية هناوي في كتابها “قصيدة النثر العابرة.. دراسة في مطولات منصف الوهايبي وقصائد أخرى” أن الاستمرارية في الثبوت الأجناسي هي أهم مؤشر على ما للجنس الأدبي من تجذر نوعي يجعله متميزا بالوحدة والترابط والخصوصية التي بها يتفاوت الجنس ويختلف اختلافا تاما عن أيّ أجناس أدبية أخرى.
وتضرب مثلا على الاستمرارية في التطور مع بقاء الوحدة الإطارية كما هي، المطولات الشعرية وتصفها بالقول “قصائد لها شكل ملحمي يتألف من عشرات أو مئات السطور الشعرية، وتستعمل فيها تنويعات النظم العمودية والتفعيلية والنثرية، وتوظف فيها مختلف الضمائر السردية والتقانات الفنية. وقد تبدو كتابة المطولات الشعرية قليلة كونها مقصورة في الغالب على الشعراء الكبار مثل ت. س. اليوت في ‘الأرض اليباب‘ ورامبو في ‘فصل في الجحيم‘، ومن الشعراء العرب المحدثين والمعاصرين الذين كتبوا المطولات الجواهري في ‘مرحبا أيها الأرق‘ وشفيق معلوف في ‘بساط الريح‘ ونازك الملائكة في ‘مأساة الحياة‘ التي بدأت بكتابتها عام 1945 وانتهت منها عام 1965 وسمّتها مطولة شعرية، وكتب السياب ‘بين الروح والجسد‘ عام 1946 وسماها رواية شعرية ونشر صفاء الحيدري قصيدة ‘أوكار الليل‘ عام 1947 وسماها ملحمة”.
أهمية قصيدة النثر
ما تؤكده المؤلفة في كتابها، الصادر مؤخرا عن دار غيداء الأردنية، أن المطولة الشعرية اشتغالات فنية وصفية وليست تصنيفية وهي تكتب لأجل أن تلبّي حاجات نفسية تتعلق بالبوح والإفضاء والاسترسال في التفريع والتفصيل. وهي أيضا لا تُكتب إلا على خلفية همّ نفسي أو موضوعي فيه الشاعر مفكر، أي صاحب قضية فكرية يستغرق في تأملها ويغوص في أبعادها بحثا عن تجليات أو رؤى تحقق له مراميه وتبلغه مقاصده. ولهذا لا يقدر عليها إلا من أوتي قدرة على إطالة النفس في نظم الشعر.
وعن أهمية قصيدة النثر تقول “إنها أكثر الأجناس الأدبية قدرة على كشف ممكنات الشاعر الفنية وقدراته الفكرية في التعبير عن خلجات روحه وكوامن وعيه الممكن والقائم بسبب ما فيها من المرونة في تطبيق قوانين الشعر وقواعده وتضفي حيوية على شروط الشعر البنائية، متحررة دلاليا ومنعتقة عروضيا بحثا عمّا في اللغة من جديد، به يتمكن الشاعر من القبض على بعض فكره فيها. وهو ما أتقن منصف الوهايبي استعماله، مستأنسا في هذا كله بريلكه وسعدي يوسف ومحمد بنيس”.
ومن القصائد المطولة التي اتخذتها الدكتورة نادية هناوي عينة تمثيلية لنظريتها في العبور الأجناسي قصيدة “الفينيقيون: رسوم لم يحلم بها بانويل” وتتألف من أربعمئة وثلاثين سطرا. ووجدت فيها أن التدوير هو سمتها الأسلوبية وأن السرد هو الذي منه يتشكل بعدها الموضوعي، وفيها يستمر الشاعر على وتيرة واحدة في البوح بمشاعر الفقد والشكوى وتكثر التساؤلات بنسغ تصاعدي استنكاري، فتتجلى أجناسية قصيدة التفعيلة على حساب القصيدة العمودية، ثم تتراجع أمام قصيدة النثر بما يحصل من عمليات الصهر والضم وما تسفر عنه عملية التجسير من عبور ناجز فيه السمة السردية هي الغالبة.
المطولة الشعرية اشتغالات فنية وصفية وليست تصنيفية وهي تكتب لأجل أن تلبي حاجات نفسية وفكرية للبوح والإفضاء
وتمضي المؤلفة على هذه الشاكلة تحلل قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر الوهايبي ومنها مثلا” ق.ي.ر.و.ا.ن/ سيرة الهلالي الصغير”، و”شارع بول فاليري. سيت. صيف 2011″ و”معلقة تقريظ المكان” و”بدر شاكر السياب ما زال يهطل في قصيدته المطر” و”قيروان: لوحة الأحد الكبيرة” و”الفينيقيون: رسوم لم يحلم بها بانويل” و”فايتون سوري Feuilleton” و”أنا يام بن نوح، إلى محمود درويش في ذكراه”.
وعن اختلاف قصيدة النثر عن الأجناس الأدبية الأخرى، تؤكد المؤلفة أنه على الرغم من سيادة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة بوصفهما جنسين شعريين رفيعين، فإن قصيدة النثر بقيت على المستوى الشعبي تمتح من تاريخ قوتها الميثولوجية الطويلة التي فيها كانت تتخذ شكل طقوس درامية تمارس فيها أقوالا شفاهية ولها طوابع روحية، وهي تنتقل بالوعي الجمعي وتنشد على لسان العامة كتعاويذ وترانيم وأدعية، وقد توظف معها بعض الأراجيز والأزجال والأسجاع وأغلبها موروثة من عصور بعيدة.
وتضيف هناوي أن قصيدة النثر صارت تنافس على المستوى الرسمي مستواها الشعبي الذي كانت عليه عبر عصور خلت. وهذا ما يجعل المستقبل لها بوصفها أكثر تنوعا وتركيبا من سواها من أجناس الشعر وأنواعه التي تنضوي داخلها وتتلون بألوانها، ولأن ما في قصيدة النثر من قوة الاحتواء والاستحواذ ثم العبور، يحفز غيرها على الاستجابة لها ومطاوعتها.
العبور الأجناسي
قصيدة النثر صارت تنافس مستواها الشعبي الذي كانت عليه عبر عصور خلت وهذا ما يجعل المستقبل لها
لأجل تحديد ميزات قصيدة النثر العابرة، قاربت المؤلفة بين مطولتين الأولى “الفصل الخامس” لعبدالرحمن طهمازي والثانية “نيابوليس”نابل”/ لنذبوشة “لمبدوزا” لمنصف الوهايبي. ومما توصلت إليه أنه إذا كان أسلوب التدوير هو الملمح الأكثر جلاء في مطولة “الفصل الخامس” فإن تكثيف النزعة السردية تعبيرا وبوحا هو ما منح هذه المطولة تمددا شعريا فتمكنت قصيدة النثر من اكتساح غيرها من الأنواع والأشكال.
وهذه ميزة أخرى – كما تقول المؤلفة – تتفرد بها مطولات عبدالرحمن طهمازي أي أن عبورها يكون ناجزا بقالب قصيدة النثر مباشرة على عكس مطولات منصف الوهايبي الذي عنده المطولة لا تهيمن إلا بعد أن تتبارى مع قصيدة التفعيلة تباريا مستمرا جيئة وذهابا. وكلما استطال السطر الشعري بدت الغلبة لقصيدة النثر، والسبب قالبها الذي يسمح بالتمدد والتواتر بلا هوادة.
وإذا كانت اللاهوادة تتضح عند الوهايبي على المستوى الشكلي، فإنها تبدو عند الشاعر طهمازي على المستوى الفكري من قبيل التحير في الموت والتضاد في تفسيره وانشغالات أخرى تحسب دلاليا كمتضادات فتظهر مستمرة، ومعها تتعقّد الأفكار ويغدو الطابع السردي واضحا مع المداومة على استعمال أسلوب التدوير، فيتمدد السطر الشعري أكثر فأكثر إلى درجة أننا إذا ما وصلنا بين سطور القصيدة فستتكون لدينا سردية ملحمية بخاطر شعري واحد ومتواتر لا ينقطع. وبهذا كله تَصهر قصيدة النثر العابرة القصة القصيرة جدا وقصيدة التفعيلة وغيرها. وتنتهي وقد صارت مطولة شعرية بقالب محدد الأبعاد واضح الحدود.
هذا ويتضمن الكتاب ثلاثة فصول مع مقدمة وخاتمة وملحق وجاء على غلاف الكتاب “العبور الأجناسي مفهوم نقدي يصف دلالة الوضع المزدوج أو متعدد الميكانيزمات ومتنوع الأنساق في ما تشتمل عليه قصيدة النثر من مواصفات وامتيازات، تجعلها الجنس الشعري الوحيد الذي يتمتع بالقابلية على عبور أجناس الشعر وأنواعه وأشكاله الأخرى الموزونة منها وغير الموزونة”.
وتضيف هناوي أن ذلك “يبدأ أولا بالقابلية على الجمع والاحتواء وينتهي آخرا بالاستجابة الطوعية للاستحواذ بقوة ما في قصيدة النثر من صفات وقدرات، ورصانة ما في قالبها من امتيازات. فالعبور عملية انتقالية وليست تشاركية أو تبادلية، إذ أن فيها عابرا/غالبا، ومعبورا عليه/مغلوبا. وكل ذلك يجري بصورة طبيعية أي من دون أيّ انتهاك أو تدخل طرف أو أطراف، وإنما هو تجريب يمارسه المبدع في إطار القالب التجنيسي، العمودي أو التفعيلي، وغايته اكتشاف ما في هذا القالب من متاحات التمثيل وإمكانيات التطوير، فيُمعن النظر في التقانات والأساليب والكيفيات، ويحاول توظيفها لا بقصد إثبات العبور، وإنما بقصد الوقوع على طريقة ناجزة أو سلوك مذهب ناجع في التعبير الأمثل عن مكنونات وعيه ومقتضيات شعوره الذاتي”.