إذا كنت كاتبا مبتدئا.. احذر أن تقع في شرك "دار دجاجة للنشر"
رواية ساخرة تكشف ما يعانيه الكتّاب العرب من دور النشر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نشر الكتب تحكمه "الحيل التجارية"
يمكن للسخرية أن تكون أداة نقدية هامة للغاية، ومن هذا المنطلق كتب الروائي الجزائري محمد الفاتح حرامي رواية ساخرة عن موضوع غاية في الأهمية اليوم وهو نشر الكتب؛ إذ يعاني قطاع النشر في العالم العربي من ظواهر غريبة أضرت بالأدب والكتاب ومكانته، وسببها الأساسي الناشرون والقطاع الفوضوي الذي تنقده الرواية بدقة.
عمر الخروصي
الجزائر - بعدما انحسر استهلاك الكتاب الورقي، وتضاءلت هوامش الربح في مجال النشر، بارتفاع تكاليف طباعة الكتاب، وتوجه الناس إلى تلقي المعارف عن طريق وسائط أخرى، أبرزها الكتاب الإلكتروني، تضاعفت مأساة قطاع النشر، وراحت الكثير من دور النشر، في خضم معركتها من أجل البقاء، تبحث عن استحداث أساليب لإقناع الكتاب، وخاصة الكتاب الشباب، بعروض نشر، قد لا تكون، في كل الأحوال، في خدمة الكتاب ولا الكاتب، على حد السواء.
في إحدى القصص الطريفة التي نشرها الروائي الجزائري محمد الفاتح حرامي، بعنوان “قصة الصعود السريع والانهيار المريع لدار الدجاجة للنشر والتوزيع”، وصدرت عن منشورات دروملين بالجزائر، يتخذ صاحب الرواية من السخرية أسلوبا لتسليط الضوء على واقع النشر، أو بالأحرى على مشكلات قطاع نشر الكتاب وتوزيعه.
مشاكل النشر
رواية ساخرة
تدور الرواية الساخرة حول كاتبين شابين، يفشلان في إقناع دور النشر بالروايات التي يكتبانها، ويفشلان أيضا في الحصول على أي جائزة، بالرغم من مشاركاتهما الكثيرة، فيقرران، على غرار ما يفعل الكثيرون، تأسيس دار نشر تنشر أعمالهما، وتنشر أيضا لمن أراد ذلك مقابل المال، لكن العبء المادي في تأسيسها يقع على الكاتب رقم 01، ما يجعل الكاتب رقم 02 يشعر بعقدة نقص على الدوام.
وأثناء التفكير في تأسيس الدار يقوم الصديقان برحلة إلى الريف، ويشاهدان دجاجة تحضن البيض، فيقرران تسمية الدار باسم “دار دجاجة للنشر والتوزيع”، وبسبب عدم معرفتهما بأبجديات النشر، وما يجب فعله للترويج للدار، يقرر الكاتبان نشر عمل واحد لكل منهما، لكن الأمر ينتهي بنشر رواية الكاتب رقم 01 الذي يماطل في نشر رواية الكاتب رقم 02.
في هذا العمل الساخر يرمز المؤلف إلى الكتّاب بالأرقام ليعطي الانطباع بأن الكاتب في نظر الكثير من دور النشر مجرد رقم يقوم بدفع أتعاب الناشر، كما أن إطلاق اسم “دار دجاجة للنشر والتوزيع” له أيضا مدلولاته، وكأنه أراد أن يقول بأن مجال النشر صار لا يحتكم إلى معايير مهنية حقيقية، ثقافية وفنية، وأصبح مجرد عملية آلية روتينية، تماما مثل دجاجة تنتج بيضا متشابها في اللون والمذاق.
وعن فكرة هذه الرواية يقول محمد الفاتح حرامي في حديثه معنا “إن هناك فوضى في عالم النشر والتوزيع؛ نتيجة انتشار دور نشر لا تلتزم بقواعد النشاط، باعتباره عملا ثقافيا بالأساس، وكذلك بروز ظاهرة التهافت على الكتابة والتأليف دون مراعاة المعايير المطلوبة؛ نتيجة غياب الرقابة والنقد والتوجيه، وعدم تفعيل لجان القراءة لدى دور النشر، وأحيانا عدم وجودها من الأساس، إلى غير ذلك من العوامل التي تكاد تأتي بالضربة القاضية على مجال نشر الكتاب”.
من جهته، يؤكد الروائي علي هجرسي في تصريح لنا قائلا “هناك بعض دور النشر التي تقوم بتغليط الكاتب الذي يكون بصدد نشر أول عمل، حين ترسل له نماذج أغلفة جميلة مع إعطائه وعودا بالنشر في وقت قياسي، والمشاركة بعمله في معارض دولية، وترجمة العمل من اللغة العربية إلى لغات أخرى، دون الدخول معه في التفاصيل، وحين يطالب الكاتب بتنفيذ وعد الترجمة مثلا، تطالبه دار النشر بدفع تكاليف الترجمة، فيجد نفسه أمام أعباء إضافية كان يعتقد أنها محسوبة ضمن تكاليف الطبع”.
ويشير هجرسي إلى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حين يقول “الكثير من الكتاب، خاصة أولئك الذين يصدرون أول أعمالهم، يصدمون حين صدور العمل محملا بأخطاء في الطباعة والتحرير، نتيجة عدم وجود مدققين لغويين ومحررين يعتنون بمراجعة العمل وإخراجه في أحسن حلة، وتلك هي أصول مهنة النشر المعروفة”.
ويرى هجرسي أن بعض الأخطاء تكون مشتركة بين الناشر والمؤلف، إذ يقول “يجب ألا يتسرع المؤلف في إصدار عمله، وأن يكون ذكيا، وعليه أن يتريث، ولا ينشر العمل بمجرد حصوله على رقم الإيداع الدولي، وأن يقوم بعرض عمله على الأصدقاء والنقاد، حتى ينضج”.
الحيل التجارية
في الرواية الساخرة يرمز المؤلف إلى الكتّاب بالأرقام ليعطي الانطباع بأن الكاتب في نظر دور النشر مجرد رقم
من جهة أخرى يطرح الروائي علي هجرسي مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن المشاكل المذكورة سابقا، وهي مشكلة توزيع الكتاب، فيقول “الكثير من دور النشر تعد المؤلف بتوزيع العمل، لكنها في الواقع لا تقوم بتوزيعه بالشكل المطلوب، وهذا ما يحرم الكاتب من انتشار العمل، ووصوله إلى القارئ”.
ويعتقد هجرسي أن هذه الأساليب تدخل تحت مسمى “الحيل التجارية” التي تلجأ إليها بعض دور النشر، وهي حيل تسعى من ورائها إلى الإيقاع بأكبر عدد من الكتاب للرفع من مداخيلها ومواردها المالية، وعلى الكاتب أن يكون فطنا لئلا يقع فيها، وأن يراهن على نضج العمل عن طريق الاحتكاك بالكتاب والنقاد.
ومع أن هجرسي استفاد من خبرات بعض الأصدقاء الذين سبقوه إلى مجال النشر، إلا أنه وجد نفسه هو الآخر ضحية عند نشر روايته الأولى “زوجة السيدين”، من حيث لم يكن يتوقع، فيقول “على الرغم من أن الكثير من نسخ الرواية بيعت، غداة فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب، إلا أنني وجدت نفسي أمام كم من النسخ المكدسة عندي في البيت، لأن دار النشر أكدت لي بعد إصدار العمل أنها لا تقوم بعملية التوزيع، وهذا ما جعلني أقوم بتوزيع الكتاب بنفسي على الأصدقاء”.
من جهتها ترى الكاتبة زكية علال التي صدر لها العديد من الأعمال، أبرزها “لعنة المنفى” (2005) و”رسائل تتحدى النار والحصار” (2009) و”شرايين عارية” (2014)، أن الكثير من دور النشر لا تنشر وفق المعايير المهنية، فتقول “الكثير من دور النشر تقوم بالطباعة فقط، ولا تقوم بالتدقيق، ولا بالترويج للكتاب، فضلا عن توزيعه، وهذا ما يدفع الكتاب والمؤلفين إلى الوقوع تحت طائلة الصدمة بمجرد صدور أعمالهم، وتكون الصدمة مضاعفة لدى أولئك الكتاب الجدد الذين لم يسبق لهم التعامل مع دور النشر”.
ومع ذلك ترى علال أن خوض تجربة النشر ضرورية، ولا بد للكاتب أن يدخل غمارها ليتعلم من الأخطاء، ويحاول تفاديها في مسيرته الإبداعية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
رواية ساخرة تكشف ما يعانيه الكتّاب العرب من دور النشر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نشر الكتب تحكمه "الحيل التجارية"
يمكن للسخرية أن تكون أداة نقدية هامة للغاية، ومن هذا المنطلق كتب الروائي الجزائري محمد الفاتح حرامي رواية ساخرة عن موضوع غاية في الأهمية اليوم وهو نشر الكتب؛ إذ يعاني قطاع النشر في العالم العربي من ظواهر غريبة أضرت بالأدب والكتاب ومكانته، وسببها الأساسي الناشرون والقطاع الفوضوي الذي تنقده الرواية بدقة.
عمر الخروصي
الجزائر - بعدما انحسر استهلاك الكتاب الورقي، وتضاءلت هوامش الربح في مجال النشر، بارتفاع تكاليف طباعة الكتاب، وتوجه الناس إلى تلقي المعارف عن طريق وسائط أخرى، أبرزها الكتاب الإلكتروني، تضاعفت مأساة قطاع النشر، وراحت الكثير من دور النشر، في خضم معركتها من أجل البقاء، تبحث عن استحداث أساليب لإقناع الكتاب، وخاصة الكتاب الشباب، بعروض نشر، قد لا تكون، في كل الأحوال، في خدمة الكتاب ولا الكاتب، على حد السواء.
في إحدى القصص الطريفة التي نشرها الروائي الجزائري محمد الفاتح حرامي، بعنوان “قصة الصعود السريع والانهيار المريع لدار الدجاجة للنشر والتوزيع”، وصدرت عن منشورات دروملين بالجزائر، يتخذ صاحب الرواية من السخرية أسلوبا لتسليط الضوء على واقع النشر، أو بالأحرى على مشكلات قطاع نشر الكتاب وتوزيعه.
مشاكل النشر
رواية ساخرة
تدور الرواية الساخرة حول كاتبين شابين، يفشلان في إقناع دور النشر بالروايات التي يكتبانها، ويفشلان أيضا في الحصول على أي جائزة، بالرغم من مشاركاتهما الكثيرة، فيقرران، على غرار ما يفعل الكثيرون، تأسيس دار نشر تنشر أعمالهما، وتنشر أيضا لمن أراد ذلك مقابل المال، لكن العبء المادي في تأسيسها يقع على الكاتب رقم 01، ما يجعل الكاتب رقم 02 يشعر بعقدة نقص على الدوام.
وأثناء التفكير في تأسيس الدار يقوم الصديقان برحلة إلى الريف، ويشاهدان دجاجة تحضن البيض، فيقرران تسمية الدار باسم “دار دجاجة للنشر والتوزيع”، وبسبب عدم معرفتهما بأبجديات النشر، وما يجب فعله للترويج للدار، يقرر الكاتبان نشر عمل واحد لكل منهما، لكن الأمر ينتهي بنشر رواية الكاتب رقم 01 الذي يماطل في نشر رواية الكاتب رقم 02.
في هذا العمل الساخر يرمز المؤلف إلى الكتّاب بالأرقام ليعطي الانطباع بأن الكاتب في نظر الكثير من دور النشر مجرد رقم يقوم بدفع أتعاب الناشر، كما أن إطلاق اسم “دار دجاجة للنشر والتوزيع” له أيضا مدلولاته، وكأنه أراد أن يقول بأن مجال النشر صار لا يحتكم إلى معايير مهنية حقيقية، ثقافية وفنية، وأصبح مجرد عملية آلية روتينية، تماما مثل دجاجة تنتج بيضا متشابها في اللون والمذاق.
وعن فكرة هذه الرواية يقول محمد الفاتح حرامي في حديثه معنا “إن هناك فوضى في عالم النشر والتوزيع؛ نتيجة انتشار دور نشر لا تلتزم بقواعد النشاط، باعتباره عملا ثقافيا بالأساس، وكذلك بروز ظاهرة التهافت على الكتابة والتأليف دون مراعاة المعايير المطلوبة؛ نتيجة غياب الرقابة والنقد والتوجيه، وعدم تفعيل لجان القراءة لدى دور النشر، وأحيانا عدم وجودها من الأساس، إلى غير ذلك من العوامل التي تكاد تأتي بالضربة القاضية على مجال نشر الكتاب”.
من جهته، يؤكد الروائي علي هجرسي في تصريح لنا قائلا “هناك بعض دور النشر التي تقوم بتغليط الكاتب الذي يكون بصدد نشر أول عمل، حين ترسل له نماذج أغلفة جميلة مع إعطائه وعودا بالنشر في وقت قياسي، والمشاركة بعمله في معارض دولية، وترجمة العمل من اللغة العربية إلى لغات أخرى، دون الدخول معه في التفاصيل، وحين يطالب الكاتب بتنفيذ وعد الترجمة مثلا، تطالبه دار النشر بدفع تكاليف الترجمة، فيجد نفسه أمام أعباء إضافية كان يعتقد أنها محسوبة ضمن تكاليف الطبع”.
ويشير هجرسي إلى أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حين يقول “الكثير من الكتاب، خاصة أولئك الذين يصدرون أول أعمالهم، يصدمون حين صدور العمل محملا بأخطاء في الطباعة والتحرير، نتيجة عدم وجود مدققين لغويين ومحررين يعتنون بمراجعة العمل وإخراجه في أحسن حلة، وتلك هي أصول مهنة النشر المعروفة”.
ويرى هجرسي أن بعض الأخطاء تكون مشتركة بين الناشر والمؤلف، إذ يقول “يجب ألا يتسرع المؤلف في إصدار عمله، وأن يكون ذكيا، وعليه أن يتريث، ولا ينشر العمل بمجرد حصوله على رقم الإيداع الدولي، وأن يقوم بعرض عمله على الأصدقاء والنقاد، حتى ينضج”.
الحيل التجارية
في الرواية الساخرة يرمز المؤلف إلى الكتّاب بالأرقام ليعطي الانطباع بأن الكاتب في نظر دور النشر مجرد رقم
من جهة أخرى يطرح الروائي علي هجرسي مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن المشاكل المذكورة سابقا، وهي مشكلة توزيع الكتاب، فيقول “الكثير من دور النشر تعد المؤلف بتوزيع العمل، لكنها في الواقع لا تقوم بتوزيعه بالشكل المطلوب، وهذا ما يحرم الكاتب من انتشار العمل، ووصوله إلى القارئ”.
ويعتقد هجرسي أن هذه الأساليب تدخل تحت مسمى “الحيل التجارية” التي تلجأ إليها بعض دور النشر، وهي حيل تسعى من ورائها إلى الإيقاع بأكبر عدد من الكتاب للرفع من مداخيلها ومواردها المالية، وعلى الكاتب أن يكون فطنا لئلا يقع فيها، وأن يراهن على نضج العمل عن طريق الاحتكاك بالكتاب والنقاد.
ومع أن هجرسي استفاد من خبرات بعض الأصدقاء الذين سبقوه إلى مجال النشر، إلا أنه وجد نفسه هو الآخر ضحية عند نشر روايته الأولى “زوجة السيدين”، من حيث لم يكن يتوقع، فيقول “على الرغم من أن الكثير من نسخ الرواية بيعت، غداة فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب، إلا أنني وجدت نفسي أمام كم من النسخ المكدسة عندي في البيت، لأن دار النشر أكدت لي بعد إصدار العمل أنها لا تقوم بعملية التوزيع، وهذا ما جعلني أقوم بتوزيع الكتاب بنفسي على الأصدقاء”.
من جهتها ترى الكاتبة زكية علال التي صدر لها العديد من الأعمال، أبرزها “لعنة المنفى” (2005) و”رسائل تتحدى النار والحصار” (2009) و”شرايين عارية” (2014)، أن الكثير من دور النشر لا تنشر وفق المعايير المهنية، فتقول “الكثير من دور النشر تقوم بالطباعة فقط، ولا تقوم بالتدقيق، ولا بالترويج للكتاب، فضلا عن توزيعه، وهذا ما يدفع الكتاب والمؤلفين إلى الوقوع تحت طائلة الصدمة بمجرد صدور أعمالهم، وتكون الصدمة مضاعفة لدى أولئك الكتاب الجدد الذين لم يسبق لهم التعامل مع دور النشر”.
ومع ذلك ترى علال أن خوض تجربة النشر ضرورية، ولا بد للكاتب أن يدخل غمارها ليتعلم من الأخطاء، ويحاول تفاديها في مسيرته الإبداعية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook