"صيف غزة" صور ترفع مرايا تاركوفسكي لترينا الحياة من ثقوب الموت
إبراهيم عصام نواجحة يصور أطفال غزة ويوهمنا عميقا بالأمل.
الأحد 2024/10/27
من يرى الأطفال يلعبون سيظن أنها صور اعتيادية
أعيننا ومن خلفها عقولنا ومشاعرنا وانفعالاتنا، كلها مليئة بصور وفيديوهات ما يحدث في غزة، مشاهد موحشة ثقيلة على القلب واللسان، حتى أنها تعطّل عندنا الكلام أو التعبير أو التفسير العقلاني، وتخلق عندنا نوعا من الصدمة التي صرنا متعايشين معها. لكن تلك الصور لا تمثل الحقيقة كاملة، أو هي لا تسرد بأمانة كل ما يحدث. وهنا دور الفن في أن يكشف لنا حياة أخرى تدب بين الأنقاض المحترقة وروائح الموت.
"صيف غزة" فجوات للجمال، معرض فني يقدّم مجموعة صور فتوغرافية للمصور والمخرج الفلسطيني إبراهيم عصام نواجحة، حاول من خلالها رصد الحياة ما بعد العدوان والتعايش مع المكان بأمل مشتهى وروح صامدة وذلك بقاعة الفنون الفرنسية بالين وسيتواصل المعرض إلى منتصف شهر نوفمبر.
هذه الصور التقطها نواجحة بعد تأمل حسيّ ومعايشة لواقع غزة الذي لم يُستثن بدوره منه بين تهجير وتشريد وتنقّل وخيم بين مخاطرات الموت والتشبّث بالحياة، ظلّ ونقيض لضرورة البقاء والحق في الحياة.
أحقية الحياة
على محمل الألم والتيه
في صوره يبحث نواجحة بفلسفة بصرية صامتة عن مباعث الجمال ورؤاه الماورائية وسط الموت وجحيمه، كما يحاول أن يصف صوره معتبرا أنها تفسّر جماليا كل ذلك وأبعد.
هي فلسفة أخرى تعيد شرح مصطلح الجمال في أبعاده بين بشاعة السوداوية وجماليات اللقطة، فتأخذه على محمل الألم والتيه بتفاؤل مقتلع من سراب الأمل في أمواج بحر غزة ومنفذه الباقي والمفتوح على السماوات هربا من جحيم الأرض وانغلاق الأفق المفتوح على الصمود رغم اليأس الطافح.
وكما يقول المخرج “من يرى الأطفال يلعبون على الشاطئ سيظن أنها صور اعتيادية للبحر في صيف حارق ولكنهم لا يعلمون أن الناس في غزة يقصدون البحر للتنظيف لأن المياه معدومة وأن البحر هو الملاذ الوحيد للاستحمام فالجمال بين ما يُرى وما يُعاش فاصل تأمل بالوعي وما بعده.. إنه الأمل”.
هذا الأمل الثابت على الفكرة نراه في الصور التي ينشرها ويصرّ على عرضها بشكل هادئ رصين وممعن في رسائله التي تطالب بأحقية الحياة وبأن أبناء غزة يعرفون أيضا كيف يتمسكون بحلمهم في هذه الحياة، كما لهم الحق أيضا في الجمال الآخر الذي لا يراه إلا من عبروا بين القذائف وتحمّلوا وجع الرحيل عن بيوتهم عن أحبتهم، تلك الرؤية التي حاول أن يوصلها للمتلقي خارج غزّة هربا من مشاهد الخراب والموت في صور الأطفال بين لهو ومرح وتأمل في عيون طفولية ثابتة على الأرض.
المتمعّن في الصورة يدرك لوهلة متناقضة بين كثافة الصور الإخبارية والتقارير والعدوان والموت أن صمتها يحكي مرايا تاركوفسكي، أو هي انعكاس في عزل فكرة العزلة لدى دوستويفسكي، جريمة لعقاب الصمت بين لغة البصر في الصورة والبصيرة في سوداوية طافحة ترشح بها الكلمات الصارخة من وجع المآسي والفقد والمعاناة واندلاع الهلع في صمت الصورة.
إنها ليست صورا إخبارية أو صحفية، إنها صور جمالية على وقع وإيقاع غزة وبحرها ومخيّماتها الجديدة التي ترتّب فوضى الخوف والسأم والبقاء والهرب، وتمزّق نسيج عناكب تلك الفوضى بالحنين اليقيني لما قبل الأمس من عام الهدوء النسبي في غزة.
الواقعية الثملة
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
إبراهيم عصام نواجحة يصور أطفال غزة ويوهمنا عميقا بالأمل.
الأحد 2024/10/27
من يرى الأطفال يلعبون سيظن أنها صور اعتيادية
أعيننا ومن خلفها عقولنا ومشاعرنا وانفعالاتنا، كلها مليئة بصور وفيديوهات ما يحدث في غزة، مشاهد موحشة ثقيلة على القلب واللسان، حتى أنها تعطّل عندنا الكلام أو التعبير أو التفسير العقلاني، وتخلق عندنا نوعا من الصدمة التي صرنا متعايشين معها. لكن تلك الصور لا تمثل الحقيقة كاملة، أو هي لا تسرد بأمانة كل ما يحدث. وهنا دور الفن في أن يكشف لنا حياة أخرى تدب بين الأنقاض المحترقة وروائح الموت.
"صيف غزة" فجوات للجمال، معرض فني يقدّم مجموعة صور فتوغرافية للمصور والمخرج الفلسطيني إبراهيم عصام نواجحة، حاول من خلالها رصد الحياة ما بعد العدوان والتعايش مع المكان بأمل مشتهى وروح صامدة وذلك بقاعة الفنون الفرنسية بالين وسيتواصل المعرض إلى منتصف شهر نوفمبر.
هذه الصور التقطها نواجحة بعد تأمل حسيّ ومعايشة لواقع غزة الذي لم يُستثن بدوره منه بين تهجير وتشريد وتنقّل وخيم بين مخاطرات الموت والتشبّث بالحياة، ظلّ ونقيض لضرورة البقاء والحق في الحياة.
أحقية الحياة
على محمل الألم والتيه
في صوره يبحث نواجحة بفلسفة بصرية صامتة عن مباعث الجمال ورؤاه الماورائية وسط الموت وجحيمه، كما يحاول أن يصف صوره معتبرا أنها تفسّر جماليا كل ذلك وأبعد.
هي فلسفة أخرى تعيد شرح مصطلح الجمال في أبعاده بين بشاعة السوداوية وجماليات اللقطة، فتأخذه على محمل الألم والتيه بتفاؤل مقتلع من سراب الأمل في أمواج بحر غزة ومنفذه الباقي والمفتوح على السماوات هربا من جحيم الأرض وانغلاق الأفق المفتوح على الصمود رغم اليأس الطافح.
وكما يقول المخرج “من يرى الأطفال يلعبون على الشاطئ سيظن أنها صور اعتيادية للبحر في صيف حارق ولكنهم لا يعلمون أن الناس في غزة يقصدون البحر للتنظيف لأن المياه معدومة وأن البحر هو الملاذ الوحيد للاستحمام فالجمال بين ما يُرى وما يُعاش فاصل تأمل بالوعي وما بعده.. إنه الأمل”.
الصور تأمل حسيّ ومعايشة لواقع غزة بين تهجير وتشريد وتنقّل وخيام ومخاطرات الموت والتشبّث بالحياة
هذا الأمل الثابت على الفكرة نراه في الصور التي ينشرها ويصرّ على عرضها بشكل هادئ رصين وممعن في رسائله التي تطالب بأحقية الحياة وبأن أبناء غزة يعرفون أيضا كيف يتمسكون بحلمهم في هذه الحياة، كما لهم الحق أيضا في الجمال الآخر الذي لا يراه إلا من عبروا بين القذائف وتحمّلوا وجع الرحيل عن بيوتهم عن أحبتهم، تلك الرؤية التي حاول أن يوصلها للمتلقي خارج غزّة هربا من مشاهد الخراب والموت في صور الأطفال بين لهو ومرح وتأمل في عيون طفولية ثابتة على الأرض.
المتمعّن في الصورة يدرك لوهلة متناقضة بين كثافة الصور الإخبارية والتقارير والعدوان والموت أن صمتها يحكي مرايا تاركوفسكي، أو هي انعكاس في عزل فكرة العزلة لدى دوستويفسكي، جريمة لعقاب الصمت بين لغة البصر في الصورة والبصيرة في سوداوية طافحة ترشح بها الكلمات الصارخة من وجع المآسي والفقد والمعاناة واندلاع الهلع في صمت الصورة.
إنها ليست صورا إخبارية أو صحفية، إنها صور جمالية على وقع وإيقاع غزة وبحرها ومخيّماتها الجديدة التي ترتّب فوضى الخوف والسأم والبقاء والهرب، وتمزّق نسيج عناكب تلك الفوضى بالحنين اليقيني لما قبل الأمس من عام الهدوء النسبي في غزة.
الواقعية الثملة
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية