سهيل الهنداوي يخط "الحرف الأول" في أعمال ثلاثية ورباعية الأبعاد
النحات العراقي يحاول في أعماله تحقيق توليفة بين الخط العربي الإسلامي الذي يحظى بخصوصية في التشكيل وبين الخط المسماري الموغل في عراقة تاريخ حضارة الرافدين.
الثلاثاء 2024/10/29
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تأثر بالنحت الآشوري
عمان- يقدم الفنان العراقي سهيل الهنداوي في معرضه “الحرف الأول”، تجربته الحروفية التي صاغها ضمن أعمال ثلاثية ورباعية الأبعاد تمزج بين التشكيل والنحت والإنشاء، ويُظهر من خلالها ما يتميز به الحرف العربي من ليونة وقدرة على التشكل عبر الثني والمد والبسط والتدوير والاستطالة، محققا أعمالا تنحو باتجاه المعاصرة والتجديد وتحافظ على قوة التعبير والموروث الحضاري العربي والإسلامي.
يستخدم الهنداوي في أعماله المنفذة على أسطح اللوحات ومنحوتاته ذات المقاييس متعددة الأحجام، المعدنَ بصورة أساسية إلى جانب استخدامه “الفيبرجلاس” والجبص، ضمن تشكيلات إيقاعية، سواء لجهة هندسة الحروف والكلمات، أو لجهة تصويرها كما لو أنها آلات موسيقية أو موجات جامحة أو قوارب منسابة أو جسد أنثوي تحاكي ليونته ليونة الحرف نفسه.
والملفت في المعرض المقام على غاليري الأورفلي ويستمر حتى الرابع من نوفمبر المقبل، هو الطاقة السردية التي تنطوي عليها الأعمال، حيث تروي حكايات من ألف ليلة وليلة، وتتتبع شخصيات أسطورية كان لها حضورها في الميثولوجيا والمخيال الشعبي، وكأنما الفنان بذلك يجمع بين الحروف والكلمات التي تُكتب بها تلك الحكايات، وبين الصور التي تجسد الأحداث، وكل ذلك يتم عبر لغة بصرية متقنة، إذ تتآلف الجداريات والمنحوتات في المعرض معا لتكوّن حالة عامة تحمل المشاهد على الارتياح والعودة بالزمن إلى آلاف السنين.
سهيل الهنداوي المولود في العراق عام 1948، حاصل على البكالوريوس في الفنون والنحت من جامعة بغداد عام 1970، وهو محاضر في كلية الفنون الجميلة، وعضو في جمعية الفنانين العراقيين، بالإضافة إلى عضويته في اتحاد الفنون العالمي. وقد حصل على عدة جوائز تقديرية، وله عدة تصاميم ومنحوتات عبر العالم.
وتتسم أعمال الهنداوي، وفقا للناقد إحسان فتحي، بالتعامل الحثيث مع النحت البارز (الرليف) متأثرا بالنحت الآشوري ورموز أرض الرافدين. ويوضح فتحي أن “النحات بذل جهودا كبيرة لتجسيد ملحمة جلجامش الأسطورية، إذ أنجز ضمن هذا المشروع الذي بدأه في عام 2009 مئات التخطيطات الملحمية، وأكثر من سبعين لوحة مرسومة بدقة لتشخص أبرز أحداث الأسطورة ومكوناتها وشخصياتها، إضافة إلى ما يقارب أربعين عملا نحتيا مصغرا لبعض المقاطع منها. كان الهنداوي قد بدأ تجربته في إنجاز منحوتات صغيرة الحجم، ثم انتقل إلى الأعمال ذات المقاييس الكبيرة التي يصل ارتفاع بعضها إلى عشرة أمتار، وهذا الحجم مثّل تحديا للفنان بأن يوائم بين حجم العمل والدقة في توزيع الكتل وحساب المقاييس”.
ويتوقف إحسان فتحي عند أحد أعمال الهندواي الأخيرة، وهو عبارة عن مسلة برونزية أسماها الفنان “سفر التدوين”، ويبلغ ارتفاعها خمسة أمتار، وهي منفذة بمادة البرونز، وتروي قصة اختراع الإنسان السومري للكتابة المسمارية للمرة الأولى في تاريخ الإنسانية، إضافة إلى أعمال تحمل رموزا ذات دلالة كالماء والشمس.
وبحسب فتحي، يحاول الهنداوي في أعماله تحقيق توليفة بين الخط العربي الإسلامي الذي يحظى بخصوصية في التشكيل وبين الخط المسماري الموغل في عراقة تاريخ حضارة الرافدين.
ويشير الناقد إلى أن النحات بذلك “يحاول ‘مسمرة’ الخط العربي من خلال التجريب التشكيلي وتوظيف الخصائص التصويرية للخط المسماري بنقراته المثلثة وتطويع طاقته التشكيلية بروحية عربية”.
ويرى فتحي أن هذه المحاولة مبتكرة “تحاول دمج عناصر تشكيلية ضمن توليفات موحدة بالرغم من انفصالها زمنيا عن بعضها البعض بأكثر من أربعة آلاف من السنين”، مشيدا بشجاعة الهنداوي الفنية وعدم تردده في “سبر غور المجهول في عالم التشكيل”.