معرض استعادي لغوستاف كايبوت في الذكرى المئة والثلاثين لوفاته
البداية الحقيقية لكايبوت كانت لوحته "كاشطو الأرضية" عام 1875، أي بعد مرور عام على معرض الانطباعيين الأول.
الجمعة 2024/11/01
كاشطو الأرضية
يحتفل متحف أورساي الباريسي بالذكرى المئة والثلاثين لوفاة الفنان الفرنسي غوستاف كايبوت (1848 – 1894) وذلك بعرض حوالي مئة وأربعين قطعة فنية للرسام الذي لطالما ظلم في بلده فرنسا. جلبت اللوحات المعروضة من الولايات المتحدة، البلد الذي اشترى لوحات كايبوت بداية القرن العشرين من الحكومة الفرنسية التي أوصى الفنان بوهبها لها بعد وفاته لكنها رفضتها فجاء الأميركيون ودفعوا فيها أثمانا باهظة وعرضت في متاحفهم.
كانت البداية الحقيقية لكايبوت مع لوحته الشهيرة “كاشطو الأرضية” عام 1875، أي بعد مرور عام واحد على معرض الانطباعيين الأول. تصور اللوحة من زاوية مرتفعة ثلاثة عمال عاريي الصدر يكشطون خشب الأرضية في إحدى غرف منزل الرسام وبجانبهم زجاجة نبيذ وكأس ممتلئة بالنبيذ، وتتميز اللوحة بواقعيتها الشديدة التي تذكرنا بلوحات غوستاف كوربيه وخصوصا لوحته “كسارو الحجارة” التي اعتبرت أول لوحة اشتراكية في التاريخ. ولوحة “كاشطو الأرضية” هي التي أطلقت شهرة كايبوت بالرغم من تعرضه لهجوم حاد من النقاد الفنيين بسببها معتبرين تصويره العمال من زاوية مرتفعة ليس سوى تكبرا منهُ على هؤلاء العمال البسطاء وشعورا بالفوقية نحوهم.
سيعود هذا الاتهام ليلاحق كايبوت الذي ينحدر من عائلة ثرية بسبب لوحات أخرى يصور فيها الشوارع التي تطل على شرفته من زاوية مرتفعة أيضا، وأشهر تلك اللوحات لوحته “شاب عند نافذته” عام 1876، والتي تصور شابا من الخلف يقف عند نافذة غرفته المفتوحة وينظر إلى الشارع المطل عليها وهو يضع يديه في جيوب بنطاله. هذا الشاب ليس سوى الرسام نفسه الذي سيظهر في عدة لوحات أخرى وهو يقف على شرفة منزله ناظرا إلى شوارع باريس.
وبعد أن تم نسبه إلى المدرسة الواقعية بسبب لوحته الأولى “كاشطو الأرضية” سينتقل كايبوت إلى ضفة الانطباعيين بعد لوحاته التأملية هذه لكنه بقي طوال حياته المهنية يراوح بين المدرستين، غير أن اسمه ارتبط بالانطباعيين -الذين شارك في معرضهم الثاني- أكثر وكان يدعمهم كثيرا عبر شراء لوحاتهم وتنظيم المعرض لهم منذ العام 1877 حتى العام 1882.
في العام 1877 رسم كايبوت لوحته الشهيرة “شارع باريس في يوم ماطر”، والتي تصور رجلا وزوجته يسيران على أحد الأرصفة ويحملان المظلة بسبب تساقط الأمطار، وفي خلفية اللوحة عدة أشخاص يحملون المظلات ويعبرون شارع بلي سدي دوبل الشهير عند التقاطع الذي يؤدي إلى محطة غير سان لازار شمالي باريس. وتعد هذه اللوحة إحدى أشهر اللوحات الانطباعية ولاقت إعجابا كبيرا عند عرضها لأول مرة في باريس.
كان كايبوت شغوفا بركوب القوارب وعضوا في دائرة باريس للإبحار، الأمر الذي انعكس على فنه كثيرا فخصص العديد من لوحاته لتلك القوارب وسائقيها، ومن أشهر تلك اللوحات “مجدفو القوارب” عام 1877، وهي عبارة عن منظر متوسط لرجلين وهما يجدفان بالقارب.
وتنوعت لوحات كايبوت فرسم المناظر الطبيعية والناس في شوارع باريس وداخل المنازل لكنه ظلم كثيرا في الأوساط الفنية الفرنسية ولاحقته الاتهامات والشائعات وذلك لأنه ينحدر من عائلة صناعية ثرية جدا، الأمر الذي جلب له صفة التكبر والاستعلاء حسب النقاد، كما اتهم بأنه لا يرسم سوى الرجال في لوحاته خصوصا التي يصور فيها الرجال العراة، واتهم بالمثلية الجنسية وبقي من الأسماء المهمشة فرنسيا رغم وطنيته الكبيرة فقد خدم في الحرس الوطني لنهر السين عام 1870 أيام الحرب الفرنسية – البروسية وتبرع بكامل مقتنياته الفنية ولوحاته للدولة الفرنسية ودعم ماديا أصدقاءه الفنانين كثيرا وخصوصا الانطباعيين، لكنه كرم في الولايات المتحدة وكل لوحاته توجد هناك ويأتي هذا المعرض كنوع من التحية لفنه المميز.
إلياس حموي
كاتب سوري
البداية الحقيقية لكايبوت كانت لوحته "كاشطو الأرضية" عام 1875، أي بعد مرور عام على معرض الانطباعيين الأول.
الجمعة 2024/11/01
كاشطو الأرضية
يحتفل متحف أورساي الباريسي بالذكرى المئة والثلاثين لوفاة الفنان الفرنسي غوستاف كايبوت (1848 – 1894) وذلك بعرض حوالي مئة وأربعين قطعة فنية للرسام الذي لطالما ظلم في بلده فرنسا. جلبت اللوحات المعروضة من الولايات المتحدة، البلد الذي اشترى لوحات كايبوت بداية القرن العشرين من الحكومة الفرنسية التي أوصى الفنان بوهبها لها بعد وفاته لكنها رفضتها فجاء الأميركيون ودفعوا فيها أثمانا باهظة وعرضت في متاحفهم.
كانت البداية الحقيقية لكايبوت مع لوحته الشهيرة “كاشطو الأرضية” عام 1875، أي بعد مرور عام واحد على معرض الانطباعيين الأول. تصور اللوحة من زاوية مرتفعة ثلاثة عمال عاريي الصدر يكشطون خشب الأرضية في إحدى غرف منزل الرسام وبجانبهم زجاجة نبيذ وكأس ممتلئة بالنبيذ، وتتميز اللوحة بواقعيتها الشديدة التي تذكرنا بلوحات غوستاف كوربيه وخصوصا لوحته “كسارو الحجارة” التي اعتبرت أول لوحة اشتراكية في التاريخ. ولوحة “كاشطو الأرضية” هي التي أطلقت شهرة كايبوت بالرغم من تعرضه لهجوم حاد من النقاد الفنيين بسببها معتبرين تصويره العمال من زاوية مرتفعة ليس سوى تكبرا منهُ على هؤلاء العمال البسطاء وشعورا بالفوقية نحوهم.
سيعود هذا الاتهام ليلاحق كايبوت الذي ينحدر من عائلة ثرية بسبب لوحات أخرى يصور فيها الشوارع التي تطل على شرفته من زاوية مرتفعة أيضا، وأشهر تلك اللوحات لوحته “شاب عند نافذته” عام 1876، والتي تصور شابا من الخلف يقف عند نافذة غرفته المفتوحة وينظر إلى الشارع المطل عليها وهو يضع يديه في جيوب بنطاله. هذا الشاب ليس سوى الرسام نفسه الذي سيظهر في عدة لوحات أخرى وهو يقف على شرفة منزله ناظرا إلى شوارع باريس.
كايبوت كان شغوفا بركوب القوارب وعضوا في دائرة باريس للإبحار، الأمر الذي انعكس على فنه كثيرا فخصص العديد من لوحاته لتلك القوارب وسائقيها
وبعد أن تم نسبه إلى المدرسة الواقعية بسبب لوحته الأولى “كاشطو الأرضية” سينتقل كايبوت إلى ضفة الانطباعيين بعد لوحاته التأملية هذه لكنه بقي طوال حياته المهنية يراوح بين المدرستين، غير أن اسمه ارتبط بالانطباعيين -الذين شارك في معرضهم الثاني- أكثر وكان يدعمهم كثيرا عبر شراء لوحاتهم وتنظيم المعرض لهم منذ العام 1877 حتى العام 1882.
في العام 1877 رسم كايبوت لوحته الشهيرة “شارع باريس في يوم ماطر”، والتي تصور رجلا وزوجته يسيران على أحد الأرصفة ويحملان المظلة بسبب تساقط الأمطار، وفي خلفية اللوحة عدة أشخاص يحملون المظلات ويعبرون شارع بلي سدي دوبل الشهير عند التقاطع الذي يؤدي إلى محطة غير سان لازار شمالي باريس. وتعد هذه اللوحة إحدى أشهر اللوحات الانطباعية ولاقت إعجابا كبيرا عند عرضها لأول مرة في باريس.
كان كايبوت شغوفا بركوب القوارب وعضوا في دائرة باريس للإبحار، الأمر الذي انعكس على فنه كثيرا فخصص العديد من لوحاته لتلك القوارب وسائقيها، ومن أشهر تلك اللوحات “مجدفو القوارب” عام 1877، وهي عبارة عن منظر متوسط لرجلين وهما يجدفان بالقارب.
وتنوعت لوحات كايبوت فرسم المناظر الطبيعية والناس في شوارع باريس وداخل المنازل لكنه ظلم كثيرا في الأوساط الفنية الفرنسية ولاحقته الاتهامات والشائعات وذلك لأنه ينحدر من عائلة صناعية ثرية جدا، الأمر الذي جلب له صفة التكبر والاستعلاء حسب النقاد، كما اتهم بأنه لا يرسم سوى الرجال في لوحاته خصوصا التي يصور فيها الرجال العراة، واتهم بالمثلية الجنسية وبقي من الأسماء المهمشة فرنسيا رغم وطنيته الكبيرة فقد خدم في الحرس الوطني لنهر السين عام 1870 أيام الحرب الفرنسية – البروسية وتبرع بكامل مقتنياته الفنية ولوحاته للدولة الفرنسية ودعم ماديا أصدقاءه الفنانين كثيرا وخصوصا الانطباعيين، لكنه كرم في الولايات المتحدة وكل لوحاته توجد هناك ويأتي هذا المعرض كنوع من التحية لفنه المميز.
إلياس حموي
كاتب سوري