"أنترفيو".. دراما مصرية عن تطبيق إلكتروني لتسهيل اختيار شريك الحياة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أنترفيو".. دراما مصرية عن تطبيق إلكتروني لتسهيل اختيار شريك الحياة

    "أنترفيو".. دراما مصرية عن تطبيق إلكتروني لتسهيل اختيار شريك الحياة


    هل يجوز التجسس على الناس بغرض إسعادهم.
    الجمعة 2024/10/25
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    شباب يبحثون عن الشريك المناسب

    من صلب اهتمام المجتمع بموضوعي الزواج والتكنولوجيا جاءت فكرة مسلسل “أنترفيو” الذي يدور حول توظيف التطبيقات الإلكترونية لإتاحة فرصة للشباب لاختيار الشريك المناسب، لكنه يهتم أيضا بكشف ما يمكن أن يفعله الفضول بالبشر حيث تتحول التطبيقات إلى وسيلة للتجسس وإن كانت الغاية منه إيجابية.

    القاهرة - يتعامل البعض من النقاد والمشاهدين مع الفن أحيانا بمنطق الاختبارات المدرسية، فينظرون إلى العمل الفني برؤية أحادية، تقيّمه هل نجح أم رسب، وقد يتم إعلان النتائج بعد إذاعة حلقة أو حلقتين فقط من المسلسل، مع أن النقد الجاد ليس هكذا، والاتجاهات الحديثة فيه لا تجنح إلى إصدار حكم بالجودة أم السوء، إنما تحلل وتكشف وتفسر وتترك الأحكام على تنوعها واختلافها وربما تناقضها لذائقة المشاهد الفردية.

    عرض منذ فترة قصيرة مسلسل “إنترفيو” المكون من 8 حلقات على منصة “واتش إت” المصرية، وبينما اتجهت بعض الآراء إلى مهاجمة المسلسل بشكل مبكر منذ حلقاته الأولى، إلا أنه حظي بنسبة مشاهدة مرتفعة.

    “إنترفيو” من بطولة رنا رئيس، والسوري خالد شباط، وحازم إيهاب، وسارة نور، وديانا هشام، ونور بدر، وخالد جواد، ومحمود فايز، مع ظهور خاص لمحمد عادل، ومحمد سليمان، ويوسف عثمان، والفنانة الكبيرة إسعاد يونس كضيف شرف، قصة وسيناريو وحوار أمينة مصطفى، وإخراج أحمد خالد أمين، ومن إنتاج شركة إنترو ميديا.
    تطبيقات المواعدة


    تدور القصة حول نادين محللة البيانات التي تسعى إلى الالتحاق بالعمل في شركة تملك تطبيقا إلكترونيا يتخصص في تسهيل عملية اختيار شريك الحياة، عبر ترتيب لقاءات في أماكن عامة بين الجنسين من راغبي الزواج بعد الحصول على بياناتهم وتحليلها بدقة لترشيح الشريك المناسب لكل منهم، ثم متابعة علاقة الطرفين لتنجح وتتوّج بالزواج أو يرسل التطبيق إلى أحدهما رسالة تفيد باعتذار الطرف الآخر عن مواصلة اللقاءات.

    تبدو القصة غربية الطابع تماما دون شك، فهناك في الخارج ما يعرف بتطبيقات المواعدة التي يتعارف من خلالها الراغبون في إقامة علاقات مع الجنس الآخر، دون ارتباط ذلك بمسألة الزواج بالطبع، ما لا يعد غريبا أو متنافرا مع ثقافة المجتمعات الغربية في الأغلب.
    ◙ أغلب الأعمال الدرامية المصرية صار غريبا عن المجتمع ومشاكله الحقيقية رغم أن بعضها يكون مصنوعا جيدا

    أما في منطقتنا العربية، فلا علم لنا بوجود مثل هذه التطبيقات التي تلعب دور “الخاطبة” بتعريف راغبي الزواج ببعضهم البعض، كما أشار المسلسل، وإن وُجدت فلا نظن أنها واسعة الانتشار، فضلا عمّا يمكن أن تثيره من جدل أو تؤدي إليه من مشاكل عبر استغلالها بشكل منحرف.

    يقرر المشاهد التغاضي عن مسألة اغتراب القصة، ويتابع المسلسل بشغف، ليعرف إلى أين ستمضي الحكاية، لاسيما أن أغلب الأعمال الدرامية المصرية صار غريبا عن المجتمع ومشاكله الحقيقية، دون أن ينفي هذا أن بعض هذه الأعمال يكون مصنوعا جيدا من الناحية الفنية.

    ويشير واقع الدراما في مصر إلى انحصار أغلب المسلسلات في عوالم طبقتين اجتماعيتين فقط لا غير، هما، أولا: طبقة ما يُسمى في العامية المصرية بـ”الكِريمة”، بكسر الكاف، أي تلك الطبقة المرفهة شديدة الثراء التي تسكن “كومباوندات” (أحياء سكنية) بعينها وتستقل من السيارات أغلاها. وحجم هذه الطبقة في المجتمع لا يزيد عن خمسة في المئة.

    أما الطبقة الأخرى التي تتناولها الدراما المصرية وإن يكن بكثافة أقل فهي طبقة البلطجية والمدمنين والمهمشين، إذ تدور قصص المسلسلات في عوالم الشريحة الدنيا أخلاقيا وقيميا، بلا مناقشة حقيقية لواقعها أو تشريح اجتماعي لها، إنما للاستفادة فحسب من قدر الجذب المتحقق عبر الجرائم والمشاجرات والخيانة والإثارة واللكنة العجيبة.

    وكأن الطبقة الوسطى في المجتمع المصري، كما غابت كثيرا عن اهتمام صناع القرار السياسي، كان قدرها أن تغيب أيضا عن الدراما ولا تجد مكانا لها على الشاشة برغم ما دفعته لسنوات وما زالت تدفعه كل يوم من أثمان باهظة.

    وهكذا، لم يكن غريبا إذًا أن ينجذب المشاهدون إلى متابعة حكاية كحكاية مسلسل “إنترفيو”، لأسباب عدة، يأتي على رأسها بالطبع الفنانة الشابة رنا رئيس، وأداؤها المتميز الذي يعتمد على قدرتها على التلون للتعبير عن الشخصيات التي تؤديها، ما ظهر في المسلسل من خلال إجادتها أداء ثلاثة شخصيات متباينة.

    وبينما يعد مسلسل “إنترفيو” أول دور بطولة مطلقة لرنا رئيس إلا أن هناك خطوات مهمة سبقته لعل أبرزها مسلسل “موضوع عائلي” وحقق نجاحا كبيرا بعد عرضه على منصة “شاهد” التي أعلنت مؤخرا عن بدء تصوير الجزء الثالث منه، وفيه أظهرت رنا قدراتها كممثلة حقيقية يمكن أن تدفع الكوميديا في العمل إلى الأمام بتعبيرات تلقائية بسيطة، كما تقدر على إسالة الدموع في مشاهد ذروة الصراع أو الغرق في محبة الأب.

    ولعل القائمة الكبيرة من النجوم، على رأسها ماجد الكدواني، منحت الطمأنينة للممثلة الشابة بأنها ليست وحدها برغم قيامها بدور بطولة حقيقية آنذاك، لكن في “إنترفيو” بدت كمن تحمل العمل على كاهلها.

    ولا يعد هذا تقليلا من دور الممثل السوري خالد شباط بطل المسلسل الذي لعب شخصية رامي مدير الشركة مالكة التطبيق الإلكتروني، وبدت الشخصية غامضة مركبة، لما تحمله من عُقد الطفولة بسبب فشل زواج والديه وافتقاده الحب والاهتمام، ولهذا فكّر في إنشاء تطبيق يساعد على إجادة اختيار شريك الحياة.
    لا حسابات بالورقة والقلم


    المشكلة الوحيدة في أداء خالد شباط في رأينا هي حاجز اللهجة المصرية الذي ما زال يحاول جاهدا أن يعبره، ما يؤثر على تركيزه في التمثيل، فيبدو كمن يمثل وهو قلق من أن يخطئ في النطق، برغم أنه في الأساس ممثل جيد للغاية لفت الأنظار من خلال أدواره في مسلسلات لبنانية – سورية مثل “كريستال” و”الخائن” وكلاهما تمت إذاعته على منصة شاهد في 2023، حتى شارك مع الفنان الكبير يحيى الفخراني في مسلسل “عتبات البهجة” في شهر رمضان الماضي، فظهر عائق اللهجة بوضوح، لكنه قادر على تخطيه، والاستفادة منه مستقبلا في الدراما المصرية.

    وربما كان ذلك هو ما دفع صناع مسلسل “إنترفيو” إلى اختيار شخصية أم البطل رامي التي انفصلت عن والده المصري بأن تكون سورية الجنسية، لتبرير عدم السلاسة في لهجته المصرية بتأثره بلهجة الأم، لكن ذلك كان إيجابيا أيضا من زاوية أخرى.

    لعبت الممثلة والإعلامية السورية رنا الخطيب دور الأم، وقدمت مشهدا واحدا لكنه جاء مهما ومؤثرا في الدراما، وسبق لرنا أن شاركت في مسلسل “فاتن أمل حربي” بطولة الفنانة نيللي كريم عام 2022 ولفتت وقتها الأنظار، كما شاركت في شهر رمضان في مسلسل “الحشاشين” في مشهد واحد مع الفنان فتحي عبدالوهاب، ما يؤهلها للحصول على فرص أكبر مستقبلا.

    ◙ فيما يعد مسلسل "إنترفيو" أول دور بطولة لرنا رئيس إلا أن هناك خطوات مهمة سبقته أبرزها مسلسل “موضوع عائلي”

    في مشهد المواجهة بين الأم والابن، يتهم رامي والدته بالتخلي عنه بعد طلاقها من أبيه، قائلا إن قرار زواجهما الخاطئ غير المحسوب جيدا قد شكَّل حياته، لكنها ترد بأنه ليس هناك ما يُحسب من الأساس، لأن قرارات الزواج لا يمكن حسابها بالورقة والقلم.

    يجادل رامي بأن كل شيء يمكن حسابه بالورقة والقلم، بشرط أن نعرف كيف نحسبه، فترد الأم بأن القصة لو كانت هكذا سنكون قد أضعنا أهم عنصر في الحياة، وهو المفاجأة، فلو كنا سنعرف ماذا سيحدث لنا مسبقا، فإننا سنشعر عندئذ بأن الحياة لم يعد لها معنى.

    تلك إذا هي الفكرة، والسؤال الكبير، أيمكن حساب كل خطواتنا لضمان نتائجها بدقة؟ رامي مقتنع بهذا، ويرى أن قيام التطبيق بجمع أكبر قدر من المعلومات والبيانات عن طرفي العلاقة وتحليلها سيضمن التوافق بينهما ويقلل احتمالات الفشل إلى أدنى حد، لكن الإغراق في هذه الفكرة يقوده إلى الكارثة، وهو ما تكشف عنه الحلقة الأخيرة، المبهرة، بما فيها من مفاجآت وانعطافات درامية حادة “تويستات” تقلب المعادلة.

    تكتشف نادين التي حلمت بالعمل في الشركة وأحبت رامي في صمت بأنه يستغل التطبيق للتجسس على هواتف المشتركين، ليس بغرض التطفل عليهم أو إيذائهم، إنما اقتناعا بأن الإنسان قد لا يجيد التعبير عن نفسه في ما يقدمه للتطبيق من معلومات حول شخصيته لترشيح شريك حياة له، وأن تلك البيانات الخاصة على هاتفه يمكن تحليلها عبر الذكاء الاصطناعي للوصول إلى أعلى درجة فهم الشخصية، بالتالي مساعدتها في تحديد شريك الحياة الذي يتوافق معها، أي بغرض إسعادهم.

    ولا يبدو رامي ساعيا إلى الشر في فكرته، لكن شريكه شاهين الذي لعب دوره بإتقان الممثل حازم إيهاب يختلف معه ولا يوافق إلا على مضض، بينما تنحاز زميلتهما هند الحائرة بين رامي وشاهين إلى إمكانية قبول مسألة التجسس طالما أنه لا يتم استخدام بيانات الناس في أشياء تؤذيهم، ولعبت دور هند الممثلة سارة نور، التي ينتظر أن تقطع قريبا خطوات فنية ثابتة بأدائها السلس المعبر.

    نادين، أي رنا رئيس، تُصدم بشدة في رامي، وتواجهه، فيسألها بوضوح “لو تم تخيير الناس بين سعادتهم وخصوصيتهم ماذا سيختارون”، لكنها لا تقتنع، وتساهم في فضحه، فتنهار الشركة بعد أن يحذف المشتركون من هواتفهم ذلك التطبيق الذي يتجسس عليهم. المشكلة الأكبر التي تزلزل قناعات رامي حول إمكانية حساب علاقات الحب والتوافق عبر تحليل البيانات بدقة “بالورقة والقلم” هو أنه ذاته يقع في حب نادين رغم أن البيانات لا تعكس توافق شخصيتيهما.

    ويسأل رامي نادين بعد أن انهارت شركته بسببها “عدلتِ الميزان”، لكن المفاجأة أن نادين تطرح عليه خطة لاستعادة مكانة الشركة والتطبيق، عبر إعلان استقالته صوريا ليكون كبش فداء، مع مواصلة العمل بشكل طبيعي في الغرفة السرية للتجسس على البيانات بشرط أن تديرها هي بحرية تامة، لضمان عدم استغلال المعلومات للإضرار بالناس.
    فخ الفضول

    ◙ المشكلة الوحيدة في أداء خالد شباط هي حاجز اللهجة المصرية الذي ما زال يحاول جاهدا أن يعبره

    يوافق رامي، ويسير وراءها، ثم يطلب الاقتراب منها شخصيا بعد أن أحبها، لكنها لا تستجيب، وتخبره بأنها تغيرت وأنه تغير في نظرها أيضا، لكنه يرد بأن الوقت كفيل بأن تفهمه وتقترب منه.

    كل هذه الانعطافات والمفاجآت في الحلقة الأخيرة من المسلسل تقود بسلاسة إلى آخر مشهد فيه، يجري داخل الغرفة السرية للتجسس، إذ تفكر نادين التي بدأت إدارة الغرفة بصوت عال على وقع الموسيقى التصويرية المعبرة لمحمد مدحت.

    تستعيد البطلة كلمات عالم النفس الشهير سيغموند فرويد حول سعي الناس إلى تجنب الألم أكثر من سعيهم إلى إدراك السعادة، كأن لدينا خوفا مرضيا (فوبيا) من الوجع مع أن الوجع جزء من التجربة الإنسانية ولا حياة دونه، ومهما حاولنا الهرب منه سيأتي الوقت الذي نقع فيه في الفخ، لذا لا بد من التصالح مع فكرة أن السعادة ليست في غياب الألم إنما في كيفية تخطيه والتعايش معه وعلاجه.

    هذه بالطبع أفكار مهمة، وربما لا خلاف عليها، لكن البطلة لا تتوقف عند كلمات فرويد إنما يصر السيناريو على مفاجأتنا حتى في آخر جملة حوارية فيه، إذ تستدرك نادين قائلة إن هناك شيئا آخرا أجمع العلماء على أنه لا علاج له، هو الفضول.

    تتردد هذه الكلمات الأخيرة، بينما يظهر أمام البطلة على الشاشة الإلكترونية في الغرفة السرية السؤال التالي “هل تريد الاطلاع على الملفات الشخصية للمستخدمين.. نعم أم لا”. وينزل تتر النهاية للمسلسل، بينما تبتسم نادين ابتسامة خاصة، غامضة، دون أن تختار أيا من الخيارين بعد، وتترك النهاية مفتوحة.

    هل تسقط المديرة الجديدة لغرفة التجسس السرية في فخ الفضول القاتل؟ ربما يجيب جزء ثان من المسلسل عن السؤال، وهو ما ندعو له، لأن فكرة العمل مهمة وعميقة حتى إن ارتدى ثوبا غربيا.

    الفكرة في الحرية، حرية الناس في أن يحبوا ويختاروا، يخطئوا ويصححوا، لأن التنازل عن الحرية لآخرين بهدف إدراك السعادة يظل رهانا على شخوص من تنازلنا لهم، ورهنا بتقلبات نفوسهم وأهوائهم، فالكل بشر، وإذا كان مسلسل “إنترفيو” قد سعى إلى تطبيق هذه الفكرة على علاقات الحب، فما أسهل اعتبارها أيضا إسقاطا على السياسة، وإعادة قراءة المسلسل بالكامل من هذا المنظور، دون تسرع في إصدار أحكام سطحية وساذجة.


    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد شعير
    كاتب مصري
يعمل...
X