"حجيج البحر".. حكاية عيادة غريبة يخوض فيها المرضى صراعاتهم
الرواية تتابع مجموعة من المرضى الذين يفقدون أبصارهم ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والموت وما بينهما.
السبت 2024/10/19
ShareWhatsAppTwitterFacebook
البحر كائن رمزي في الرواية (لوحة للفنان عادل داوود)
لندن- رواية “حجيج البحر” للكاتب الكردي السوري ريدي مشو، هي عمل أدبي جديد يتناول فيه الكاتب قضايا الوجود الإنساني والمعاناة الفردية في مواجهة مشاعر العجز والاغتراب.
الرواية تأخذ القارئ في رحلة متخيلة يتداخل فيها الواقع مع الخيال، حيث يتمحور السرد حول مجموعة من المرضى الذين يفقدون بصرهم، ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والموت وما بينهما. من خلال هذه الشخصيات التي تبحث عن الأمل في عالم مليء بالألم، ينسج مشو عالما متخيلا مليئا بالتفاصيل النفسية والفلسفية، يثير تساؤلات حول مصير الإنسان وعلاقته بالمجهول.
تتمركز الرواية، الصادرة حديثا عن منشورات رامينا في لندن، حول البحر كرمز رئيسي يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة.
البحر مركز رئيسي في الرواية يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة
في “حجيج البحر” لا يقتصر البحر على كونه جسدا مائيا، بل يتحول إلى رمز للأمل والشفاء من جهة، ووسيلة للهروب من الواقع القاسي من جهة أخرى. الأمواج التي تتراكم في مخيلة الأبطال ترمز إلى الحيرة الداخلية التي يشعرون بها، إذ يسعون إلى البحر بوصفه الملاذ الأخير والوجهة النهائية التي تطمح إليها أرواحهم المنهكة.
يضع الكاتبُ قارئه في مواجهة عيادة غريبة تجمع الشخصيات الرئيسة، حيث تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتصبح تلك العيادة رمزا لميناء الأرواح التائهة التي تبحث عن خلاصها. تتيح هذه العيادة المجال للشخصيات لكي تعيش في عالم متداخل بين الحقيقة والخيال، ما يخلق فضاء من الغموض والانفتاح على احتمالات متعددة.
يسعى الكاتب من خلال هذا البناء السردي إلى طرح أسئلة عميقة عن جدوى الحياة، وعن المصير الذي ينتظر الإنسان بعد مواجهته لأقصى درجات الألم الجسدي والنفسي.
الرواية تتسم بتداخل الأزمنة والأماكن، حيث يخلق مشو عالما يخرج فيه المرضى عن واقعهم التقليدي ويخوضون رحلات تأملية داخلية بحثا عن إجابات حول الحياة والموت. تتداخل قصص المرضى وأحلامهم المعلقة لتصبح الرواية بمثابة مرآة تعكس الصراعات النفسية التي يعيشونها.
يبرز مشو كذلك الصراع الداخلي في نفوس الشخصيات، مستخدما البحر كعنصر رمزي يتكرر في السرد ليعبّر عن أحلامهم وآمالهم المحطمة. هذا البحر هو بمثابة امتداد لآلامهم وآمالهم الضائعة، مما يجعل الأمواج تتجسد كصوت داخلي يعكس حالة التوتر والخوف التي يعيشونها.
في كل مشهد من مشاهد الرواية، تتجلى معاني العزلة والأمل. الشخصيات تجد نفسها في مواجهة مع أسئلة حول معنى الرحلة الإنسانية وما إذا كان الشفاء من الممكن تحقيقه أم أن البحر ليس سوى دوامة لا تنتهي من الهروب. كل موجة في البحر تمثل جزءا من حيرة الشخصيات التي تبحث عن مخرج أو جواب لما تواجهه من تساؤلات وجودية. الكتابة العميقة التي يتبناها مشو تأخذ القارئ في رحلة فلسفية مفعمة بالتأمل في جدوى الحياة البشرية.
ووفق ما جاء في كلمة الناشر “يغوص ريدي مشو في روايته في أعماق النفس البشرية ليكشف عن تساؤلاتها وخيباتها، إذ تتحول كل صفحة من الرواية إلى باب جديد يفتح أمام القارئ للوصول إلى حقائق متوارية خلف سطور الحياة اليومية”.
رواية “حجيج البحر” إذن رحلة للبحث عن الذات ومعنى الوجود، وتجربة أدبية فريدة تستدعي التفاعل مع المجهول والمغامرة في اكتشاف المدى الذي يمكن للإنسان أن يصل إليه في بحثه عن الشفاء والخلاص.
وتؤكد رواية مشو التوجهات المعاصرة للرواية العربية اليوم، وهي التي لم تعد مجرد حكاية درامية أخلاقية مباشرة ونمطية في تقنياتها على مستوى الشخوص والفضاء العام، بل حققت قطيعة معرفية وفنية مع رواية البدايات، الحافلة بالمباشرة والوقائعية والعبر، وأصبحت اليوم مغامرة وتجريبا، ومستودعا للأفكار والتأملات الوجودية والرؤى العميقة في الواقع والإنسان وصراعاته الداخلية والخارجية، واتكأت شكلا ومضمونا على الفلسفة، وصنعت منها الفلسفة ومن وجودها في الرواية ما يسمى الرواية الذهنية، وإن لم تكن “حجيج البحر” رواية ذهنية كاملة الأركان فإنها تأخذ من الأسلوب الذهني الكثير لتضعنا أمام أسئلتها الحارقة عبر شخصياتها الغريبة.
وجدير بالذكر أن ريدي مشو كاتب وروائي وموسيقي كردي من سوريا، ولد في القامشلي (1980). حاصل على شهادة الصيدلة من جامعة حلب (2005)، وقد تميز بكتاباته الشعرية باللغتين العربية والكردية. تشكل الموسيقى ركنا أساسيا في حياته الإبداعية، سواء كعازف، مستمع، أو ملحن. في (2020)، أطلق روايته الأولى “حبوكر”، تلتها روايته الثانية “لعنة المعري”، التي صدرت عن منشورات رامينا في لندن (2023).
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الرواية تتابع مجموعة من المرضى الذين يفقدون أبصارهم ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والموت وما بينهما.
السبت 2024/10/19
ShareWhatsAppTwitterFacebook
البحر كائن رمزي في الرواية (لوحة للفنان عادل داوود)
لندن- رواية “حجيج البحر” للكاتب الكردي السوري ريدي مشو، هي عمل أدبي جديد يتناول فيه الكاتب قضايا الوجود الإنساني والمعاناة الفردية في مواجهة مشاعر العجز والاغتراب.
الرواية تأخذ القارئ في رحلة متخيلة يتداخل فيها الواقع مع الخيال، حيث يتمحور السرد حول مجموعة من المرضى الذين يفقدون بصرهم، ويخوضون تأملات عميقة حول الحياة والموت وما بينهما. من خلال هذه الشخصيات التي تبحث عن الأمل في عالم مليء بالألم، ينسج مشو عالما متخيلا مليئا بالتفاصيل النفسية والفلسفية، يثير تساؤلات حول مصير الإنسان وعلاقته بالمجهول.
تتمركز الرواية، الصادرة حديثا عن منشورات رامينا في لندن، حول البحر كرمز رئيسي يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة.
البحر مركز رئيسي في الرواية يحمل في طياته العديد من الدلالات المتناقضة
في “حجيج البحر” لا يقتصر البحر على كونه جسدا مائيا، بل يتحول إلى رمز للأمل والشفاء من جهة، ووسيلة للهروب من الواقع القاسي من جهة أخرى. الأمواج التي تتراكم في مخيلة الأبطال ترمز إلى الحيرة الداخلية التي يشعرون بها، إذ يسعون إلى البحر بوصفه الملاذ الأخير والوجهة النهائية التي تطمح إليها أرواحهم المنهكة.
يضع الكاتبُ قارئه في مواجهة عيادة غريبة تجمع الشخصيات الرئيسة، حيث تتلاشى حدود الزمان والمكان، وتصبح تلك العيادة رمزا لميناء الأرواح التائهة التي تبحث عن خلاصها. تتيح هذه العيادة المجال للشخصيات لكي تعيش في عالم متداخل بين الحقيقة والخيال، ما يخلق فضاء من الغموض والانفتاح على احتمالات متعددة.
يسعى الكاتب من خلال هذا البناء السردي إلى طرح أسئلة عميقة عن جدوى الحياة، وعن المصير الذي ينتظر الإنسان بعد مواجهته لأقصى درجات الألم الجسدي والنفسي.
الرواية تتسم بتداخل الأزمنة والأماكن، حيث يخلق مشو عالما يخرج فيه المرضى عن واقعهم التقليدي ويخوضون رحلات تأملية داخلية بحثا عن إجابات حول الحياة والموت. تتداخل قصص المرضى وأحلامهم المعلقة لتصبح الرواية بمثابة مرآة تعكس الصراعات النفسية التي يعيشونها.
يبرز مشو كذلك الصراع الداخلي في نفوس الشخصيات، مستخدما البحر كعنصر رمزي يتكرر في السرد ليعبّر عن أحلامهم وآمالهم المحطمة. هذا البحر هو بمثابة امتداد لآلامهم وآمالهم الضائعة، مما يجعل الأمواج تتجسد كصوت داخلي يعكس حالة التوتر والخوف التي يعيشونها.
في كل مشهد من مشاهد الرواية، تتجلى معاني العزلة والأمل. الشخصيات تجد نفسها في مواجهة مع أسئلة حول معنى الرحلة الإنسانية وما إذا كان الشفاء من الممكن تحقيقه أم أن البحر ليس سوى دوامة لا تنتهي من الهروب. كل موجة في البحر تمثل جزءا من حيرة الشخصيات التي تبحث عن مخرج أو جواب لما تواجهه من تساؤلات وجودية. الكتابة العميقة التي يتبناها مشو تأخذ القارئ في رحلة فلسفية مفعمة بالتأمل في جدوى الحياة البشرية.
ووفق ما جاء في كلمة الناشر “يغوص ريدي مشو في روايته في أعماق النفس البشرية ليكشف عن تساؤلاتها وخيباتها، إذ تتحول كل صفحة من الرواية إلى باب جديد يفتح أمام القارئ للوصول إلى حقائق متوارية خلف سطور الحياة اليومية”.
رواية “حجيج البحر” إذن رحلة للبحث عن الذات ومعنى الوجود، وتجربة أدبية فريدة تستدعي التفاعل مع المجهول والمغامرة في اكتشاف المدى الذي يمكن للإنسان أن يصل إليه في بحثه عن الشفاء والخلاص.
وتؤكد رواية مشو التوجهات المعاصرة للرواية العربية اليوم، وهي التي لم تعد مجرد حكاية درامية أخلاقية مباشرة ونمطية في تقنياتها على مستوى الشخوص والفضاء العام، بل حققت قطيعة معرفية وفنية مع رواية البدايات، الحافلة بالمباشرة والوقائعية والعبر، وأصبحت اليوم مغامرة وتجريبا، ومستودعا للأفكار والتأملات الوجودية والرؤى العميقة في الواقع والإنسان وصراعاته الداخلية والخارجية، واتكأت شكلا ومضمونا على الفلسفة، وصنعت منها الفلسفة ومن وجودها في الرواية ما يسمى الرواية الذهنية، وإن لم تكن “حجيج البحر” رواية ذهنية كاملة الأركان فإنها تأخذ من الأسلوب الذهني الكثير لتضعنا أمام أسئلتها الحارقة عبر شخصياتها الغريبة.
وجدير بالذكر أن ريدي مشو كاتب وروائي وموسيقي كردي من سوريا، ولد في القامشلي (1980). حاصل على شهادة الصيدلة من جامعة حلب (2005)، وقد تميز بكتاباته الشعرية باللغتين العربية والكردية. تشكل الموسيقى ركنا أساسيا في حياته الإبداعية، سواء كعازف، مستمع، أو ملحن. في (2020)، أطلق روايته الأولى “حبوكر”، تلتها روايته الثانية “لعنة المعري”، التي صدرت عن منشورات رامينا في لندن (2023).
ShareWhatsAppTwitterFacebook