أيمن الناصر مثقف فراتي أمضى عمره في إعادة تشكيل الأسطورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أيمن الناصر مثقف فراتي أمضى عمره في إعادة تشكيل الأسطورة

    أيمن الناصر مثقف فراتي أمضى عمره في إعادة تشكيل الأسطورة


    مبدع حلم بتجاوز العمل الفني إلى أفق أكثر اتساعا وإقناعا.
    الأربعاء 2024/10/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    مبدع يقتبس لوحاته ومنحوتاته من رموز غرائبية

    أيمن الناصر أحد أبرع الفنانين التشكيليين والنحاتين الذين زينوا ساحات أوطانهم بشواهد حضارية تذكر بالأساطير والحضارات القديمة، تعيد تشكيل البعض من رموزها، لكنها تظل شاهدة بالأساس على إبداعهم وبأنهم مروا بهذه الحياة الدنيا، تدل على مواهبهم ومهاراتهم وتفردهم وكيف كان الفن سبيلهم للتعبير الحر والانفعالي.

    كغيره من أبناء مدينة الرّقة الفراتية، وطوال أكثر من ثلاثين عاما قضاها في ربوع الفن التشكيلي وألوانه المختلفة، محبا وعاشقا له، ومكرما كل وقته له، وخلال تلك المرحلة تمكن الفنان أيمن الناصر من أن يحقق بعضا من رغباته الكثيرة، فاستطاع أن يُجسد كثيرا من الأعمال الفنية المتفرّدة، وبصورة خاصة في مجال النحت، فشغل الكثير من النصب النحتية في مدينته السورية، وكان أغلب ما هو متوافر في الرقة من منحوتات من نتاجه، الأمر الذي حقق له شهرة واسعة لدى أبناء مدينته، فضلا عن غيرها من المدن السورية التي اهتمت بهذا الجانب.

    الفنان أيمن الناصر الذي رحل في سبتمبر الماضي، أقام فترة طويلة في مدينة شانلي أورفا في تركيا منذ سنوات أعقبت الثورة السورية التي دفعت بالكثير من الفنانين الموهوبين المتفردين الأكثر تميزا إلى مغادرة سكناهم، ولجؤوا مضطرين إلى الإقامة بعيدا عن موطنهم، إلى الدول المجاورة الأكثر أمنا، وكان يرأس النادي الثقافي فيها ومتفرغا للفن والكتابة.

    وقبل انتقاله للعيش في تركيا كان يعيش على ضفاف نهر الفرات منذ أكثر من نصف قرن وهو شاهد على حضارات رافدية سادت على شاطئ هذا النهر منذ الآلاف من السنين، وهو يشعر أنه امتداد لهذه الحضارات، ولديه الكثير من الأحلام والآمال التي لم يحققها بعد على صعيد الفن التشكيلي على وجه التحقيق في مجال النحت.
    أحلام تسبب الإحباط


    الفنان يتعامل منذ بداية تكوينه الفكري مع رموز سحرية ويعيد صياغتها كأنها مفردات خاصة به وحده

    في حوار معه قال الفنان أيمن الناصر المهجّر قسريا عن مدينته الرّقة مسقط رأسه “الرّقة تعيش في وجداني منذ الطفولة، ولا أتخيل نفسي أعيش في أي مكان آخر بنفس الحميمية التي كنت أعيشها مع الفرات وأصدقائي والأمكنة. والأمكنة على اتساعها تضيق بالفنان أحيانا. وحتى المدن بكل جمالياتها وتاريخها العظيم يحس المبدع أنّها تشدُّ وثاقه بمفاهيم ضيّقة قد تجاوزها الآخرون منذ عشرات السنين، فيحلق بعيدا يدافع بأعماله عن وجوده، ويمنح حياته معنى وأهمية”.

    وأضاف “أنا بطبعي أميل إلى السفر. قضيت نصف عمري في الترحال بين العواصم العربية. فليس هناك أفضل من عدم الاستقرار لتحريض الفكر”.

    وعن تعامل المثقف الفراتي برموز المنطقة سواء لجهة الأرض والنهر والأوابد التاريخية قال “المثقف الفراتي، إن جاز التعبير، بشكل عام، يتعامل منذ بداية تكوينه الفكري في هذه المنطقة مع الأرض والنهر والأوابد وكل الموجودات، على أنها رموز سحرية كانت في يوم ما تتنفس روح الأسطورة، وهو حين يعيد صياغتها رسما أو نحتا أو كتابة، يعيدها وكأنها مفردات خاصة به وحده، فهو يعشقها ويتوحّد مع حدود قدسيتها المباحة له، يرسمها بشفافية امرأة تغرق في الندى، تطل كوجه عشتار على عتبات معابدها، تتأكد من ربات الحب يمارسن طقوس عشقهن كأجمل ما يكون العشق، هكذا يكون أحيانا عشق الفراتي لبلده وتراثه”.

    وعن أحلامه أوضح “أنا لا أحلم بالمعنى الحقيقي للحلم، لأنه يظل حلما، وتظل الرغبة فيه دفينة الوسادة والليل وضوء القمر، والأحلام عادة تسبب الإحباط، ولكن ثمة أمنيات تتوالد بعد كل عمل أنجزه، في أن أتجاوز هذا العمل إلى أفق أكثر اتساعا وأكثر إقناعا”.
    غياب الملامح النحتية




    عن أسباب غياب الملامح النحتية، والنصب التي تخلّد رجالات الفكر والأدب، وأبطال قاوموا الاستعمار من أبناء المدينة، قال الناصر إن “الفنان والنحات بالذات من أكثر المعنيين بتخليد ذكرى هؤلاء الرجال، لكنه في النهاية لا يملك القرار بزرع الساحات والحدائق بالشواهد الحضارية، والنصب الإبداعية دون موافقات، أو دون رعاية من الجهات الرسمية، وقد طرحنا ذلك أكثر من مرة على الجهات المعنية والثقافية المسؤولة دون جدوى، وما نراه من أعمال نحتية في الساحات العامة للمدينة، هو غيض من فيض يضجّ به الصدر، وتضيق به الذاكرة، من رجالات لم ينفذ لهم نُصب تذكارية تبقى في الذاكرة، ومن هؤلاء: البتّاني، وربيعة الرّقي، وثابت ابن قرّة الحراني، وصولا إلى المجاهد الكبير رمضان الشلاش، والمعاصرين أمثال الأستاذ النائب حامد الخوجة، والشاعر فيصل بليبل، والمؤرخ الشاعر مصطفى الحسّون، والأديب الكبير عبدالسلام العجيلي وآخرين كثر أنجبتهم محافظة الرّقة. هؤلاء غيض بسيط ينتظر فقط التفاتة بسيطة ممن يمتلكون القرار”.

    وفي دفاعه عن وجوده الفني، كنحات ترك بصماته في مدينته وبعض المدن السورية الأخرى، وكيفية دفاعه عن المنحوتة بعد أن تفلت من يديه، قال “يستطيع النحّات أن يدافع عن وجوده الفني، إن هو عمل بصدق وشفافية دون زيف أو محاباة أو تجيير أو تحجير لأفكاره ومشاعره، كما أن منحوتته ستكون أيضا قادرة على الدفاع عن حياتها إن لم تمسسها يد الغدر والهمجية، وإلا فما معنى خلود الأوابد والأعمال العظيمة بأسماء مبدعيها عبر مئات السنين، كالأعمال الإغريقية والرومانية والأعمال الفرعونية والآشورية والعمورية من قبلها”.

    وأضاف “إن العمل الفني كائن حي ومستقل كباقي الكائنات، فهو يتجدد وينمو بحرارة الاهتمام، ويتغير لونه، ويتألق بأنفاس متلقيه، ويتشقق ويتآكل ويتقلص برياح الإهمال والتخلف وأمطار التهميش”.
    شواهد من تجربته



    النحات بالذات من أكثر المعنيين بتخليد رجالات الأدب والفن لكنه لا يملك القرار بزرع الساحات والحدائق بالشواهد الحضارية


    ومن شواهد تجربته كفنان، أوضح أن “الشواهد من تجربتي فهي متواضعة، أذكر منها النصب التذكاري لهارون الرشيد، الذي ظل راسخا في مدخل حديقة الرشيد في المدينة، يدافع عن وجوده بمادته الخام الحجر الصناعي، حتى حطّمته أيدي أصحاب الرايات السود، وأذكر مجموعة أعمال بالحجم الطبيعي تعود للعهد الآشوري في متحف دير الزور، وأعمال أخرى في متحف التقاليد الشعبية، ونصب بنت البلد على رصيف منتزه الرشيد، ونصب لأبي العلاء المعري، في مدخل الثانوية التي تحمل اسمه في الرّقة، ونصب للشهيدة حميدة الطاهر في باحة الثانوية التي تحمل اسمها، ونصب الفروسية، ونصب تذكاري لابن خلدون في مدخل الثانوية التي تحمل اسمه، ولوحات جدارية لدى بعض وزارات ودوائر الدولة”.

    الأديب والنحات أيمن الناصر ولد في مدينة الرَّقة عام 1958، وفي عام 1981 انتسب إلى نقابة الفنون الجميلة في سوريا، وحصل على دبلوم فنون تشكيلية عام 1978، وعين في العام ذاته مدرسا للنحت في مركز الفنون في الرّقة ومدرسا للفنون في معاهد وثانويات مدينته لأكثر من ثلاثين عاما، وانضم إلى تجمّع فنّانيها منذ 1978، ثم تولى أمانة سرّ فرع نقابة الفنون الجميلة فيها منذ عام 1996، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب منذ عام 1983، أضف إلى كونه عضوا مؤسسا لجمعية ماري للثقافة والفنون عام 2006.

    درس اللغة العربية في جامعة حلب بين عامي 1993 و1996 وله عدد من الأعمال الأدبية، إضافة إلى اهتمامه بالفن التشكيلي والنحت، ومنها رواية “اللحاف” الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام 2019، ورواية “روجين” الصادرة عن دار شامل في فلسطين عام 2019، ناهيك عن مجموعة قصصية صادرة عن دار لمي الأزرق للنشر والتوزيع بتركيا عام 2020، بالإضافة إلى الكثير من القصص والمقالات المنشورة في بعض الصحف والدوريات السورية والعربية.

    حصل على جائزة ثابت بن قرة الحرّاني في القصة القصيرة بسوريا عام 2008، وكان عضوا في جمعية شآم للفنون التشكيلية بالرّقة منذ عام 2018، وعضوا في جمعية صنّاع السعادة في أورفا منذ عام 2019، ورئيس مكتب اتحاد الفنانين التشكيليين بالرّقة في الفترة بين 2010 و2013، وهو مؤسس ورئيس فرع ملتقى الأدباء والكتاب السوريين في أورفا في الفترة من 2016 إلى 2020.

    ولأيمن الناصر عدد كبير من المعارض، أخبرنا عنها بقوله “أقمت الكثير من المعارض الفنية، منها معرض فردي في صالة المركز الثقافي العربي في اللاذقية عام 1977، معرض فردي في صالة المركز الثقافي العربي مصياف عام 1994، معرض فردي في صالة نقابة الفنون الجميلة في حلب عام 1997، معرض فردي في صالة المركز الثقافي الروسي في دمشق عام 1998، معرض الندوة الدولية لتاريخ الرّقة عام 1981، وفي أغلب معارض تجمّع فناني الرّقة، ومعارض وزارة الثقافة السنوية، ومشارك دائم في معارض متحف طه الطه منذ تأسيسه”.

    كما شارك بالعديد من المعارض الجماعية داخل سوريا وخارجها مع فنانين عرب وأجانب، يذكر منها معرض مهرجان البادية الأول والثاني عامي 1987 و1988، ومهرجان الفرات للتراث والثقافة في الرّقة في عامي 1998 و1999، معرض مع الفنانة النمساوية أندريا تيرني عام 2006، معرض تحية للدكتور عبدالسلام العجيلي في صالة المعارض في دار الثقافة بالرّقة عام 2006 ومعرض الخريف لفناني القطر في دمشق عام 2007.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالكريم البليخ
    صحافي سوري
يعمل...
X