التشكيلية السورية منيرفا مرعي تخترق السطح بحثا عن معاني العمق
بشرى بن فاطمة
مقاطع لونية غارقة في دهشة الحضور
تعامل الفنان التشكيلي مع خاماته وأفكاره يعكس خبرته، لا الفكرية والجسدية فحسب بل والعاطفية والانفعالية أيضا، فللعاطفة ذكاؤها وخبرتها، إذ لا تكتفي بدور الانفعال بل تصوغ الرؤية الفنية للفنان وفق إيقاعها وحسّها. وهذا التوجه نجده ماثلا في تجربة الفنانة السورية منيرفا مرعي.
الرؤية التشكيلية التي تختلج الوجدان وتنبعث في الروح تتكون من خلال فكرة التوافق التعبيري بين الذات والآخر، بين المادة والمشاعر، بين العقل والجسد والروح، بين المجاز والمعنى يعالجها الأسلوب المقتنع بقدرة اللون والحركة على مراقصة الريشة.
فبين خيالات الصورة والواقع تنبعث المشاهد البصرية في صياغات متفردة مشبعة بالذاكرة والأحاسيس مع اختلاطات انفعالية تتراكم لتتركب داخل الصياغة السردية الغارقة في جمالياتها الثنائيات الذاتية في الذوق والجماعية في التذوق.
وفق هذه الأسس ترتب التشكيلية السورية منيرفا مرعي تجربتها على عناصر إنسانية تغوص في الفكرة بأبعادها وموازينها وتوازناتها الحسية التي تذهب بالصورة بعيدا إلى ماورائياتها التي تخترق السطح بحثا عن معاني العمق، حيث التفاعل الحسي يتناغم مع العقل.
مرعي خاضت التجريب والبحث والنبش بعمق نضج في تحولاته بين الأساليب والتقنيات التي استوعبته في جل أعمالها
أعمال منيرفا تعكس خبرتها الفنية واحترافها العمق وجرأتها التي تتسرب نحو الجمال حتى تمنح اللوحة كل مركبات الإبداع في ترتيبها الروحاني، الذي يمزج اللون ويجادل الضوء كتقنية ساطعة باحثة عن حضورها الأنثوي الصارخ بالإحساس المتفجر من عمق العناصر والفكرة الوجودية، التي تلامس الواقع بحيوية وحياة بموسيقى تنفلت من الحركة البصرية عبر المقاطع اللونية الغارقة في دهشة الحضور.
خاضت مرعي التجريب والبحث والنبش بعمق نضج في تحولاته بين الأساليب والتقنيات التي استوعبته في كل من الواقعي إلى التعبيري والتجريدي بحثا عن الذات في مشاعرها المتناقضة، بتطرف الانفعالات من الفرح إلى الحزن خلقت جدلية تجاوزت المرئي لتعالج النفسي من خلال تناقضات الواقع المضمخ بالمشاعر المتفاعلة مع المشاهد بمأساويتها وتوازنها بحثا عن منافذ الروح والنور والسلام.
عملية التنفيذ المتفاعلة مع اللون تساعد منيرفا على الحركة باتجاه الرمز المكتشف في طاقة اللون، حيث تجيد ترتيب فوضاه ليتقبل الفكرة ويتحمل التأويلات والمشاعر التي تجعله قصة بصرية وقصيدة محملة بالحنين وبألحان الذكريات بين التركيبات المتداعية حسا وتقنية وتنفيذا ولونا.
بحثا عن الذات في مشاعرها المتناقضة
بحثا عن الذات في مشاعرها المتناقضة
تقدم منيرفا الحياة للوحتها لتنفلت بحيوية نحو مساحات الذاكرة بتلقائية صبيانية تكشف الحنين الباقي والمخزن في تلك البؤر التي تخلق التواصل بين الفن والطبيعة والإنسان والذات، لتحمل رسائل وإشارات فلسفية عن الحياة والواقع، عن الوجود وعن تداعيات المشاهد التي نخضعها لمحامل الذاكرة والإحساس.
التجريد يجعل المشاهد البصرية أكثر انطلاقا في البحث عن أجوبة تلك التساؤلات بمفردات جمالية وخيالات أكثر إثارة، فالخامات تساعد التقنية والأسلوب على التواصل الحقيقي لبث الجمال المتقن والموغل في الحركة في الخلطة اللونية في الألوان الزيتية والأكريليك، التي معها يبدأ الخلق التشكيلي والرؤى التي تداعب الفكرة وتستمدها من عمق الواقع لتقترب أكثر من الوجود وتساؤلات البقاء.
يتفاعل اللون في المغامرة التجريدية مع عناصر الفعل الفني بين الإيقاع والتناغم والانسجام، رغم التناقضات بمزيج يعكس الطاقة الطاغية للون التي تخترق التعب وتتماهى بإيجابية تحاول النفاذ في قوالب الرتابة لتروضها بالإحساس الطافح بالأمل والوعي بالفعل الجمالي، الذي يحمل الفكرة إلى العوالم البصرية بانعتاق يفجر الإحساس في الابتكارات الجمالية، إنها فلسفة البساطة تبحث عن منافذ الحياة للتماهي مع الفرح والمشاعر رغم تناقضات الواقع المعقدة وجدليات الوجود.
الألوان بدفئها وبرودها تعكس حميمية المشاعر وتدفقها من عمق الذات نحو خصوصيات الواقع بتمازج مع الخيال الذي يفيض بالألوان الممتزجة مع فيض النور والضوء بموسيقى ترقّص المعنى على المقامات النفسية التي تروض الرغبات اللونية في تقسيماتها الحسية والشعورية، ما يخلق روحا في العمل تتحرك بحيوية مع ارتعاشات العناصر التي تسبح بثقة في الذهنيات التي تراوغها بحثا عن البؤر بتوتراتها المشحونة بالفكرة.