مصر تحاصر محتوى تيك توك غير الأخلاقي بالتشهير بجرائم مشاهيره
أحمد جمال
الأربعاء، 16 أكتوبر، 2024
أفكار تخاطب عقول الشباب
تسلط السلطات المصرية الضوء على جرائم مشاهير تيك توك كوسيلة وعظ وتوعية بمخاطر المحتوى غير الأخلاقي والمسيء، بدلا من حظر التطبيق الذي يحظى بمتابعة متزايدة في أوساط الشباب المتلهفين على جني الأرباح المادية.
القاهرة - كثفت السلطات المصرية تحركاتها لضبط عدد من مشاهير منصة تيك توك مؤخرا، ما جعل عددا من مقدمي المحتوى يتصدرون ترندات مواقع التواصل الاجتماعي ليس بسبب ما يقدمونه من محتويات، وإنما بفعل التعرف على الجرائم التي تورطوا فيها وقادت إلى إلقاء القبض على بعضهم، ما يشي بأن جهات حكومية تستهدف تصويب المحتوى غير الأخلاقي الذي ينتشر في منصة يتزايد متابعوها بشكل كبير.
وكشفت الأجهزة الأمنية بمحافظة الإسماعيلية (شمال شرق) عن ضبط البلوغر الشهيرة، وتُدعى “أم يوسف”، وزوجها بعد أن عثرت بحوزتهما على كميات من مخدر الهيروين، تزامنا مع إلقاء الجهات الأمنية بالقاهرة القبض على “التيك توكر” أحمد علي الشهير باسم “كروان مشاكل” بعد رفض الاستئناف على حبسه ثلاثة أشهر بتهمة حيازة سلاح أبيض، ويواجه اتهامات من المتوقع التحقيق فيها خلال الفترة المقبلة. وتكررت مثل هذه الوقائع مؤخرا وكل يوم يتم الإعلان عن سقوط أحد مشاهير تيك توك بتهم أغلبها يتمحور حول السب والقذف والتحريض على العري والفجور وحيازة مواد مخدرة، والتحايل على المشاهدين.
وتُبرز وسائل إعلام مصرية عديدة تفاصيل الجرائم التي يتورط فيها هؤلاء المشاهير، لخلق صورة ذهنية سيئة لدى جمهور مواقع التواصل، وتعول جهات حكومية على أن يكون ذلك دافعا إلى حصار ما يتم تقديمه عبر استخدام القوانين الجنائية، مع صعوبة ضبط المحتويات الرقمية بوجه عام، وأن إجراءاتها لا تستهدف حرية الرأي أو التعبير وإنما تتعلق بالتورط في جرائم جنائية لها علاقات بسلوكيات هؤلاء.
محمد عبدالرحمن: الحكومة المصرية تلجأ إلى الحلول القانونية لأنها الأسلم
ورغم أن الحكومة المصرية بدأت مبكراً بكشف جرائم مشاهير تيك توك قبل أربع سنوات، لم ينعكس ذلك على طبيعة المحتويات المعروضة، وتبقى “لايفات التيك توك” هي الأكثر جذبا لعدة فئات من المراهقين والمشاهير، بحثا عن تحقيق أرباح مادية، ما يشير إلى أن تطبيق القانون في الجرائم الجنائية التي يرتكبها هؤلاء ليس له تأثير على تحسين المحتوى أو تغيير اتجاهات المشاهير نحو تقديم محتوى تراه جهات رسمية مضرا بصورة الدولة ويعبر عن تدهور في السلوك.
ويتوقع أن يصل عدد مستخدمي التطبيق في مصر إلى نحو 34.2 مليون مستخدم خلال العام الجاري، ويأتي أغلبهم من الفئة العمرية 18 – 24 عاما، وفقا لموقع “براندريا” المتخصص في البيانات والإحصاءات، ووصل حجم الإعلانات الخاصة بالتطبيق إلى 34.3 في المئة من البالغين بمصر ممن تتجاوز أعمارهم 18 عاما في بداية عام 2023.
وانطلقت دعوات لحظر التطبيق مؤخرا بسبب الاستخدام الخاطئ له، حيث يقدم محتوى يهدف إلى تحقيق الربح المالي فقط، ويتهم البعض التطبيق بالتأثير سلباً على القيم الأخلاقية لكن دون وضع تعريف واضح لهذه القيم، ما يُصعب مهمة وضع قوانين قادرة على مواجهة تلك المحتويات دون أن يشكل ذلك اعتداء على حرية الرأي.
وقالت الخبيرة الإعلامية نشوى اللواتي إن التعامل بالقانون مع جرائم مشاهير تيك توك إجراء حتمي، لكنه بحاجة إلى إجراءات تكميلية للحد من انتشار المحتويات غير الأخلاقية، في مقدمتها وضع ميثاق شرف قابل للتطبيق ويتعامل مع تطورات الإعلام الرقمي الحديث ولا يقف عند جمود الكثير من الأبحاث الأكاديمية التي فاتتها تطورات طبيعة سوق عمل مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن باقي الإجراءات يجب أن تتعلق بحماية المجتمع وتطوير البيئة التي يخرج منها المراهقون، بجانب استخدام مواقع التواصل في إبراز الجوانب السلبية التي تعرض لها مشاهير تيك توك جراء تورطهم في جرائم مختلفة مع تحقيقهم لأرباح باهظة، وهو أمر بحاجة إلى أفكار تخاطب عقول الشباب بعيدا عن أساليب النصح والإرشاد المباشرة التي لا تحقق الغرض منها.
ويتفق العديد من خبراء الإعلام الرقمي على أن الاتجاه إلى الأساليب الأسهل، التي تتمثل في ضبط صانعي المحتوى من المتورطين في جرائم مختلفة أو عبر تصاعد دعوات البرلمان المصري لحجب المنصة، لن يقود إلى تحسين جودة المحتوى المنشور على مواقع التواصل. وفي تلك الحالة سوف يلجأ المستخدمون إلى وسائل أخرى للوصول إلى التطبيق أو استخدام تطبيقات مشابهة، خاصة أن تيك توك أصبح جزءا من حياة الشباب في مصر، حيث يستخدمه ملايين الأشخاص يوميا، ويتمتع بشعبية واسعة، وقد يسبب حظره استياء كبيرا بين الفئات العمرية الأصغر.
◙ الحكومة المصرية تلجأ إلى الحلول القانونية لأنها الأسلم والأكثر قابلية للتطبيق والمنصات الرقمية لا تتدخل عادة في الحد من هذه الجرائم
وتضطر جهات حكومية إلى التوسع في إبراز جرائم المشاهير، إذ أن التعامل وفقا لإجراءات الحجب والمنع يؤثر سلبا على الاقتصاد الرقمي في مصر مع اعتماد العديد من المشروعات والشركات الصغيرة على التطبيق للترويج لمنتجاتها، وفي الوقت ذاته تجد الجهات الإعلامية ووزارة الاتصالات صعوبات جمة في التعامل مع المحتويات المقدمة التي تُبث من خارج البلاد، بالتالي تمضي في أساليب الترهيب أملاً في التأثير على اتجاهات المواطنين.
وبلغت نسبة وصول إعلانات تيك توك نحو 29.4 في المئة من مستخدمي الإنترنت في مصر، وأظهرت الإحصاءات أن 39.4 في المئة من جمهور الإعلانات كانوا من الإناث، بينما كان 60.6 في المئة من الذكور، وفقاً لموقع “داتا ريبورتال”. وأثارت قضية البلوغر “سوزي الأردنية” جدلا واسعا في مصر بعد أن قضت محكمة جنح المطرية (شرق القاهرة)، مطلع أكتوبر الجاري، بمعاقبتها بالحبس سنتين وغرامة 300 ألف جنيه (الدولار = 48 جنيهاً)، على خلفية اتهامها بسب والدها بألفاظ خارجة على الهواء قبل أن تلقى قضيتها تفاعلا من مواطنين طالبوا بإطلاق سراحها.
وأشار خبير الإعلام الرقمي محمد عبدالرحمن إلى أن الحكومة المصرية تلجأ إلى الحلول القانونية، لأنها الأسلم والأكثر قابلية للتطبيق، وأن المنصات الرقمية لا تتدخل عادة في الحد من هذه الجرائم، ومن الصعب مراقبة كل هذا الكم من المستخدمين، كما أنها منصات بث فردي، ويتحمل كل فرد مسؤولية ما يبثه عبر تيك توك أو غيره.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن المنصات الرقمية قد تقلل قدرات الوصول إلى حسابات متعددي المخالفات، إذ منهم من يخرج من المشكلة القانونية ويعود إلى الممارسات نفسها، لافتا إلى أن زيادة وتيرة القبض على المشاهير ترجع إلى أن الفئة التي انتشرت من خلال تيك توك تتسم بغياب الثقافة القانونية وانتشار الأمية، بالتالي يدخل أفرادها من خلال هواتفهم المحمولة على تطبيق ربما لا يعرفون من أي بلد انطلق، ويقومون بتصوير فيديوهات تدر عليهم عائدات مادية غير متوقعة، ما يجعلهم يزيدون محاولات جذب الانتباه بأي طريقة دون حساب العواقب. وشدد على أن المسؤولية مشتركة، والتوسع في المحتويات غير الأخلاقية بحاجة إلى حملات توعوية ترعاها الدولة والمجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة، لأنه حتى لو تمت معاقبة البعض فهناك أجيال أخرى تدخل وتبدأ الأمر بلا تعلم من الدروس.
أحمد جمال
صحافي مصري