ابتكار وتجديد
الذكاء الاصطناعي له تأثير كبير في القطاع الفضائي، حيث يُستخدم في مجالات متعددة لتحسين الكفاءة وزيادة الدقة، ومعالجة كميات هائلة من البيانات التي تُجمع من الأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية، مما يسهل استخراج المعلومات القيمة منها. ويعمل أيضا على تطوير أنظمة تحكم ذاتية للمركبات الفضائية والروبوتات، مما يُمكنها من أداء المهام بشكل مستقل في بيئات فضائية قاسية.
باريس - تُحدث الابتكارات الجديدة المعروضة خلال الأسبوع العالمي للفضاء الذي أقيم مؤخرا في باريس، تغييرا جذريا في القطاع الفضائي، ومنها مثلا محركات قابلة لإعادة الاستخدام ومسارات للأقمار الاصطناعية مُحسَّنة بواسطة أجهزة كمبيوتر كمومية، أو عمليات مراقبة أسهل بفضل الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية يوزيف أشباخر أن “الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية يشكلان ثورة كبيرة”.
وستتيح التقنيات المبنية على مبادئ فيزياء الكم والتي تدرس الأجسام متناهية الصغر، عمليات تواصل ونقل للبيانات بين الفرق في الفضاء وعلى الأرض بشكل فوري تقريبا وآمن بفضل التشفير الذي يجعل عمليات الاختراق شبه مستحيلة.
وستساعد أجهزة الكمبيوتر الكمومية، الأقوى من تلك التقليدية، على تحسين المسارات الفضائية مما يساعد في تحديد المسار الأمثل للرحلات الفضائية، وهو شرط أساسي للمهمات الطويلة وتجنّب حوادث الاصطدام بين الأقمار الاصطناعية والحطام الفضائي.
ويمكن تحسين الجدول الزمني للمهام المختلفة في الرحلات الفضائية، مما يساعد في زيادة كفاءة المهمة وتقليل التكلفة. ويمكن لكمبيوتر الكموم معالجة البيانات التي يتم جمعها من الفضاء بشكل أسرع، مما يساعد العلماء في اكتشاف معلومات جديدة.
التكنولوجيا الكمومية تسمح بتحسين الجدول الزمني للمهام المختلفة في الرحلات الفضائية، وزيادة كفاءة المهمة وتقليل التكلفة والمخاطر
وستعمل التلسكوبات الكمومية على تحسين نوعية الصور، حيث تقنيات مثل التشابك الكمومي لتحسين دقة القياسات، مما يعني إمكانية رؤية تفاصيل دقيقة في الأجرام السماوية.
وبفضل الخصائص الكمومية، يمكن لهذه التلسكوبات تقليل الضوضاء الناتجة عن الإشعاع والتداخلات الأخرى، مما يؤدي إلى صور أكثر وضوحا، كما أن هذه التلسكوبات أكثر حساسية للإشعاعات الخافتة، مما يمكّن العلماء من رصد أجسام بعيدة جدًا أو خافتة.
ويمكن استخدام تقنيات كمومية للتصوير عبر طيف واسع من الأطياف، مما يوفر معلومات أكثر شمولاً عن الأجرام السماوية.
ويشير أشباخر إلى أن التقنيات الكمومية تنطبق أيضا على “الاتصالات، وعمليات الحساب، ورصد الإشارات من الفضاء والتغيرات في الجاذبية، حتى تحت الأرض”.
ومن خلال تحسين جودة التحليلات وتوفير الوقت، يُعدّ الذكاء الاصطناعي مهمّا لعمليات المراقبة أو إدارة الحطام الفضائي وذلك من خلال معالجة كميات هائلة من البيانات المجمعة من الأقمار الاصطناعية والمراقبات الأرضية، مما يساعد في تحديد مواقع الحطام والتنبؤ بحركته.
ويستخدم الذكاء الاصطناعي نماذج رياضية معقدة لتقدير مسارات الحطام الفضائي، مما يسمح بالتنبؤ بالاصطدامات المحتملة مع الأقمار الاصطناعية أو المركبات الفضائية. ويساعد أيضا في اتخاذ قرارات سريعة حول كيفية تعديل مسارات الأقمار الاصطناعية لتفادي الحطام.
يمكن للذكاء الاصطناعي الكمومي أن يلعب دورًا مبتكرًا في تطوير محركات دفع المركبات الفضائية بطرق متعددة
ويمكن أن يكتشف الذكاء الاصطناعي أنماطًا في البيانات تشير إلى تزايد الحطام أو تحديد مصادر جديدة له، مما يساعد في اتخاذ إجراءات وقائية، كما يمكنه تشغيل أنظمة استجابة تلقائية للتعامل مع الحوادث بشكل أسرع وفعّال.
وتقول لين شاسانيه، رئيسة شركة بلاكسكاي الأميركية المتخصصة في صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة في الوقت الفعلي تقريبا، “يمكننا دمج سنوات من رصد الأجسام في خوارزمية مع معدل ثقة أعلى من 95 في المئة ثم نقل ذلك إلى إنسان لإجراء التحليل بناء على” هذه البيانات. وتضيف، “سنحقق تقدما لناحية الكفاءة والسرعة” في مجال مراقبة الأرض.
وهذا سيجعل من الممكن تحديد أجسام أصغر حجما وتطوير خوارزميات مخصصة للزبائن.
وتتابع “إذا أراد زبون تتبع مركبات مدرعة ودبابات، نعمل على أن نكون قادرين على التمييز بين هذه الأنواع من الأجسام والتي قد تبدو مطابقة لشخص مدني (…) ما يتيح له معرفة مثلا عدد المركبات “التي نُقلت من نقطة أ إلى نقطة ب”.
وبناء على نجاح الرحلة الأولى لصاروخ “أريان 6” في يوليو، يعوّل الرئيس التنفيذي لشركة “أريان سبايس” ستيفان إسرائيل على التطورات في محركات دفع المركبات الفضائية والقدرة على إعادة استخدامها.
ويمكن للذكاء الاصطناعي الكمومي أن يلعب دورًا مبتكرًا في تطوير محركات دفع المركبات الفضائية بطرق متعددة، كما مكن استخدام خوارزميات لتحليل وتصميم أنظمة الدفع بشكل أكثر كفاءة، من خلال محاكاة سلوك المحركات تحت ظروف مختلفة، كما يمكنه التنبؤ بأداء المحركات في سيناريوهات متعددة، مما يساعد في تحسين كفاءة الوقود وموثوقية الأنظمة.
ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي الكمومي أن تتكيف مع الظروف المتغيرة في الفضاء، مما يسمح بتعديلات ديناميكية على أنظمة الدفع لتحسين الأداء، كما مكن استخدام تقنيات الكم لمحاكاة الظروف الفضائية بدقة، مما يساعد في فهم كيفية أداء أنظمة الدفع في بيئات غير مألوفة.
ويقول ستيفان إسرائيل “لدينا اليوم محركات تعمل بالهيدروجين والأكسجين، وقد نكون غدا أمام محركات تعمل بالأكسجين والميثان”، لأن الغاز الأخير أنظف من حرق الهيدروجين فقط.
وسيكون محرك الصاروخ القابل للتكيف مع أنواع مختلفة من بروميثيوس التي ابتكرتها “أريان غروب” قادرا على حرق خليط من الأكسجين والميثان السائل.
ويوضح ستيفان إسرائيل “نعمل على إعادة استخدام هذا المحرك” من خلال شركة “مايا سبايس” التابعة لمجموعة “أريان غروب” والتي تعمل على تطوير مشروع قاذفة خفيفة قابلة لإعادة الاستخدام جزئيا.
وتُعدّ القدرة على إعادة استخدام مركبة مسألة رئيسية للأوروبيين الذين بسبب تقنياتهم باهظة الثمن وذات الاستخدام الواحد، يتخلفون عن شركة “سبايس إكس” التابعة لإيلون ماسك، والتي يمكن استخدام صواريخها “فالكون 9” حتى عشر مرات، ما يقلل من كلفة مهامها.
وعلى عكس الأقمار الاصطناعية التقليدية التي يتم تحديد وظائفها مسبقا بواسطة الأجهزة الموجودة فيها، يمكن للأقمار الاصطناعية “المحددة من خلال برنامج” إعادة تصميم مهامها خلال الرحلة، عبر تحديثات للبرامج.
وبعد وضعها في المدار، يمكن لهذه الأقمار الاصطناعية الانتقال من مهمة إلى أخرى، على سبيل المثال من مهمة مراقبة الأرض إلى الاتصالات.
ويرى رئيس أنظمة الأقمار الاصطناعية التجارية في شركة “بوينغ” راين ريد أنها أكثر تكنولوجيا واعدة حاليا في مجالها.