موفق أحمد ومقارباته اللونية لقصائد ملاي الجزيري
قصائد تشكيلية ينسجم فيها اللون مع الكلمة.
الجمعة 2024/10/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
اللوحة قصيدة من لون
من قصائد الشاعر الكردي ملاي الجزيري، ببعدها الصوفي الروحاني، يرسم موفق أحمد لوحاته واضعا مقاربات فنية ولونية تعيد استنطاق الأشعار لتخلقها على سطوح لوحاته، فتصبح أعمالا روحانية مشبعة بالمشاعر ومترجمة للصور الشعرية العميقة.
العلاقة ما بين الكلمة واللون، بين الأدب والتشكيل هي علاقة عشق بنكهة قوس قزح، وبطعم أبجدية مشبعة بالأحاسيس والوقائع، مشبعة بالسحر والخيال والجمال، وممتدة إلى معالم لا نهاية لها، فكيف إذا كانت الكلمة لشاعرنا الأكبر أحمد ملاي الجزيري (1570 – 1640) أحد أشهر شعراء الكرد قاطبة، والذي تعتبر نصوصه قصائد تشكيلية بكل مفرداتها وصورها، واللون هو الفنان موفق أحمد، الذي وفق بحق حين استلهم بعض لوحاته من قصائد ملاي الجزيري، أو حين ترجم قصائد الجزيري التشكيلية إلى مشاهد بصرية.
المحاكاة التي أجراها موفق بين ألوانه وقصائد الجزيري هي محاكاة اللون مع الخيال، بالاعتماد على الحركة والفضاء غير المغلق، فنكون أمام حركة فنية فيها من التحولات ما يجعل موفق ممسكا بتقاليد العلاقة على نحو ما يرى من افتنان بتلك القيم التعبيرية التي تلد من معالجاته اللونية بالقصيدة، فهو هنا يجعل من رؤيته الحدسية ترتبط بذهول ما تعكسه الأطر العامة لتكويناته، وما يتجلى في إضاءاته وإشراقاته، فما يلف عمله من أشكال تعبيرية يضاعف من قوة مشهده البصري، وبالتالي من تجربته في توزيع قصائد الجزيري بألوانه على سطوحه، وداخل صيغه، معبرا عن العشق الغريب والغني بآفاق خيالية، وذي الحس الصوفي الذي يقترب إلى أقصى حدود اللاوصول.
ومن خلال مساحة لونية مزخرفة بقصائد العشق الجزيري، يجسد موفق قيما بصرية متلاصقة لروح الناظر قبل عينه، فنتوءات النور وعلى اختلاف اختراقها تتألق كمرآة على أشيائه، لا كاستطرادات متفرقة لارتكاز بعض سردياته، بل لإبراز مجالات فيها يلوح بمصادر إلهامه، وقد يوحي له ذلك بتصورات واسعة لعالم لا متناه، ينسجها وينسج علاقاتها بوحداته التعبيرية التي يفترض بها حاملة لمجل تناظره من وجهها الاستدلالي.
موفق يلتهم قصائد الجزري، ويتأمل ما وراءها كظاهرة عشق، وبتعبير أدق كروحانيات تجذب المتلقي دون تعقيد بل وبالتسامي في الإنشاد معه، أي القيام معه بفعل الانتقال من الواقع إلى الكمال، فهي مدلولات فنية ذات مضامين جمالية، تتفرد ببعدها الصوفي الروحاني عن سائر مجايليه، ومن هذه الأوجه حيث الغرام في أشده، والعشق الروحي منجذب للرب في رؤيا لا تكتفي بتاتا بالتعرف بل بالتواصل.
♣ الرسام يلتهم قصائد الجزيري ويتأمل ما وراءها كظاهرة عشق وبتعبير أدق كروحانيات تجذب المتلقي دون تعقيد
هنا ينكشف لموفق ما كان محجوبا من تفاصيل ورغبات، فبلوغ الحقيقة التي سعى إليها الجزيري والتي كانت غايته يسعى إليها أيضا موفق، ويتعاطى مع الحالة بنقاء لوني وروحي وستبدو له مقارباته مع النص الجزري عبارة عن تفاعلات الحالة بحالة أخرى متخيلة، عبارة عن تفاعلات اللون بالكلام فنحتار أحيانا أيهما حامل للآخر وفاعل فيه؟ أم أن الموضوع هو خيار آخر يمكن للعين الحالمة أن تردد إيقاعها بصمت ملائكي وعلى ضوء شموع الروح وهي تشق نورها كمعادلات فنية في تقييم العلاج الداخلي بينهما.
وهنا يشرع موفق بتعبيريته المائلة للتجريد في رسم حدائقه بسماع النغمات الصامتة على نحو إزاحة الستار عن مشهد اللقاء بين عشق اللون للكلمة أو عشق الكلمة للون والسماح لهما بالاحتفال معا في حمام اللوحة، وهذا ما يجعل موفق يترفع داخل اللوحة على الأقل عن سرد الإغراء بينهما، أو عن تلك الغواية التي يعومان في حكايتها، فأجواء اللوحة عنده حكاية عشق بلغة أو بأخرى، بين عصافير الجزري وعصافيره هو، وتجانسهما جعلا العمل داخل السرب الضمني يعلن علاماته المستنبطة من تصنيفاته المعرفية على نحو امتدادات جديدة لرؤية جديدة يتعاطاها موفق في تخوم صياغاته، في تخوم الالتقاء ما بين حقل الجزري وحيزه وحقل الانفعال الذي يدفعه إلى الإمساك بخيوط تجربته هذه.
ومع التداخل المنسجم ما بين اللون والكلمة مع وجود تلك الشبكة العلائقية بينهما يذهب موفق نحو بناء نمط ما من سلسلة إحالات تحمل نسقها من العلامات والرموز وفق سيرورة تجربته التي تقوده إلى التجريد في جانبه التعبيري، فموفق يوزع بهدوء رذاذات من روحانيات الجزيري مع سنابل دفء شرقي من أمطار يقظته على بؤر سطوحه تاركا الحواف تنتحر في بياضها، فالحركة التي يرمي بها موفق من الوهلة الأولى في حقله مشبعة بالحس والعشق، وترافقه سكينة واسعة من مساحات حيويته، دون أي إفراط في اللون، فاللوحة محاطة بفراغ مفتوح فيه يعوم الجزيري بعشقه الحامل لبوصلته نحو الحقيقة المطلقة، وموفق بغيومه الحاملة لأمطاره نحو المسافات الممتدة في اللازمن، ليعزفا معا نشيد القصيدة التشكيلية، ونشيد اللوحة الشعرية.
وموفق أحمد ولد في بغداد عام 1957، أكمل دراسة الفن في جامعة بغداد، بأكاديمية الفنون الجميلة قسم الفنون التشكيلية عام 1981، حاز على درجة الماجستير في علم النفس من جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء عام 1997. عمل مدرسا في أكاديمية الفنون الجميلة منذ العام 1986 وإلى غاية 1994، كما عمل مدرسا للفن في جامعة صنعاء في الفترة من عام 1994 إلى 1998. عمل مدرسا لعلم النفس في جامعة درنة بليبيا من عام 1998 إلى عام 2000، عمل مدرسا للفن وعلم النفس في جامعة فيلادلفيا – الأردن من عام 2000 إلى عام 2005، وعمل مدرسا في جامعة السليمانية لعلم النفس عام 2005.
وملاي الجزيري هو أحمد الجزري (1570 – 1640) كان من أشهر الكتّاب الكرد بالإضافة إلى كونه شاعرا وصوفيا، ولد في جزيرة بوطان. اشتهر بين الكرد من خلال شعره الوجداني والإنساني المفعم بالأحاسيس المرهفة وعمل على تأسيس المدرسة الغزلية في الأدب الكردي وهو أول من أدخل الأصول والقواعد التقليدية الشعرية العربية والفارسية إلى الشعر الكردي. استطاع أن يسمو بالشعر الكردي إلى مستوى فني رفيع، ليضعه وباقتدار في مصاف روائع الأدب العالمي.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال
كاتب سوري
قصائد تشكيلية ينسجم فيها اللون مع الكلمة.
الجمعة 2024/10/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
اللوحة قصيدة من لون
من قصائد الشاعر الكردي ملاي الجزيري، ببعدها الصوفي الروحاني، يرسم موفق أحمد لوحاته واضعا مقاربات فنية ولونية تعيد استنطاق الأشعار لتخلقها على سطوح لوحاته، فتصبح أعمالا روحانية مشبعة بالمشاعر ومترجمة للصور الشعرية العميقة.
العلاقة ما بين الكلمة واللون، بين الأدب والتشكيل هي علاقة عشق بنكهة قوس قزح، وبطعم أبجدية مشبعة بالأحاسيس والوقائع، مشبعة بالسحر والخيال والجمال، وممتدة إلى معالم لا نهاية لها، فكيف إذا كانت الكلمة لشاعرنا الأكبر أحمد ملاي الجزيري (1570 – 1640) أحد أشهر شعراء الكرد قاطبة، والذي تعتبر نصوصه قصائد تشكيلية بكل مفرداتها وصورها، واللون هو الفنان موفق أحمد، الذي وفق بحق حين استلهم بعض لوحاته من قصائد ملاي الجزيري، أو حين ترجم قصائد الجزيري التشكيلية إلى مشاهد بصرية.
المحاكاة التي أجراها موفق بين ألوانه وقصائد الجزيري هي محاكاة اللون مع الخيال، بالاعتماد على الحركة والفضاء غير المغلق، فنكون أمام حركة فنية فيها من التحولات ما يجعل موفق ممسكا بتقاليد العلاقة على نحو ما يرى من افتنان بتلك القيم التعبيرية التي تلد من معالجاته اللونية بالقصيدة، فهو هنا يجعل من رؤيته الحدسية ترتبط بذهول ما تعكسه الأطر العامة لتكويناته، وما يتجلى في إضاءاته وإشراقاته، فما يلف عمله من أشكال تعبيرية يضاعف من قوة مشهده البصري، وبالتالي من تجربته في توزيع قصائد الجزيري بألوانه على سطوحه، وداخل صيغه، معبرا عن العشق الغريب والغني بآفاق خيالية، وذي الحس الصوفي الذي يقترب إلى أقصى حدود اللاوصول.
ومن خلال مساحة لونية مزخرفة بقصائد العشق الجزيري، يجسد موفق قيما بصرية متلاصقة لروح الناظر قبل عينه، فنتوءات النور وعلى اختلاف اختراقها تتألق كمرآة على أشيائه، لا كاستطرادات متفرقة لارتكاز بعض سردياته، بل لإبراز مجالات فيها يلوح بمصادر إلهامه، وقد يوحي له ذلك بتصورات واسعة لعالم لا متناه، ينسجها وينسج علاقاتها بوحداته التعبيرية التي يفترض بها حاملة لمجل تناظره من وجهها الاستدلالي.
موفق يلتهم قصائد الجزري، ويتأمل ما وراءها كظاهرة عشق، وبتعبير أدق كروحانيات تجذب المتلقي دون تعقيد بل وبالتسامي في الإنشاد معه، أي القيام معه بفعل الانتقال من الواقع إلى الكمال، فهي مدلولات فنية ذات مضامين جمالية، تتفرد ببعدها الصوفي الروحاني عن سائر مجايليه، ومن هذه الأوجه حيث الغرام في أشده، والعشق الروحي منجذب للرب في رؤيا لا تكتفي بتاتا بالتعرف بل بالتواصل.
♣ الرسام يلتهم قصائد الجزيري ويتأمل ما وراءها كظاهرة عشق وبتعبير أدق كروحانيات تجذب المتلقي دون تعقيد
هنا ينكشف لموفق ما كان محجوبا من تفاصيل ورغبات، فبلوغ الحقيقة التي سعى إليها الجزيري والتي كانت غايته يسعى إليها أيضا موفق، ويتعاطى مع الحالة بنقاء لوني وروحي وستبدو له مقارباته مع النص الجزري عبارة عن تفاعلات الحالة بحالة أخرى متخيلة، عبارة عن تفاعلات اللون بالكلام فنحتار أحيانا أيهما حامل للآخر وفاعل فيه؟ أم أن الموضوع هو خيار آخر يمكن للعين الحالمة أن تردد إيقاعها بصمت ملائكي وعلى ضوء شموع الروح وهي تشق نورها كمعادلات فنية في تقييم العلاج الداخلي بينهما.
وهنا يشرع موفق بتعبيريته المائلة للتجريد في رسم حدائقه بسماع النغمات الصامتة على نحو إزاحة الستار عن مشهد اللقاء بين عشق اللون للكلمة أو عشق الكلمة للون والسماح لهما بالاحتفال معا في حمام اللوحة، وهذا ما يجعل موفق يترفع داخل اللوحة على الأقل عن سرد الإغراء بينهما، أو عن تلك الغواية التي يعومان في حكايتها، فأجواء اللوحة عنده حكاية عشق بلغة أو بأخرى، بين عصافير الجزري وعصافيره هو، وتجانسهما جعلا العمل داخل السرب الضمني يعلن علاماته المستنبطة من تصنيفاته المعرفية على نحو امتدادات جديدة لرؤية جديدة يتعاطاها موفق في تخوم صياغاته، في تخوم الالتقاء ما بين حقل الجزري وحيزه وحقل الانفعال الذي يدفعه إلى الإمساك بخيوط تجربته هذه.
ومع التداخل المنسجم ما بين اللون والكلمة مع وجود تلك الشبكة العلائقية بينهما يذهب موفق نحو بناء نمط ما من سلسلة إحالات تحمل نسقها من العلامات والرموز وفق سيرورة تجربته التي تقوده إلى التجريد في جانبه التعبيري، فموفق يوزع بهدوء رذاذات من روحانيات الجزيري مع سنابل دفء شرقي من أمطار يقظته على بؤر سطوحه تاركا الحواف تنتحر في بياضها، فالحركة التي يرمي بها موفق من الوهلة الأولى في حقله مشبعة بالحس والعشق، وترافقه سكينة واسعة من مساحات حيويته، دون أي إفراط في اللون، فاللوحة محاطة بفراغ مفتوح فيه يعوم الجزيري بعشقه الحامل لبوصلته نحو الحقيقة المطلقة، وموفق بغيومه الحاملة لأمطاره نحو المسافات الممتدة في اللازمن، ليعزفا معا نشيد القصيدة التشكيلية، ونشيد اللوحة الشعرية.
وموفق أحمد ولد في بغداد عام 1957، أكمل دراسة الفن في جامعة بغداد، بأكاديمية الفنون الجميلة قسم الفنون التشكيلية عام 1981، حاز على درجة الماجستير في علم النفس من جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء عام 1997. عمل مدرسا في أكاديمية الفنون الجميلة منذ العام 1986 وإلى غاية 1994، كما عمل مدرسا للفن في جامعة صنعاء في الفترة من عام 1994 إلى 1998. عمل مدرسا لعلم النفس في جامعة درنة بليبيا من عام 1998 إلى عام 2000، عمل مدرسا للفن وعلم النفس في جامعة فيلادلفيا – الأردن من عام 2000 إلى عام 2005، وعمل مدرسا في جامعة السليمانية لعلم النفس عام 2005.
وملاي الجزيري هو أحمد الجزري (1570 – 1640) كان من أشهر الكتّاب الكرد بالإضافة إلى كونه شاعرا وصوفيا، ولد في جزيرة بوطان. اشتهر بين الكرد من خلال شعره الوجداني والإنساني المفعم بالأحاسيس المرهفة وعمل على تأسيس المدرسة الغزلية في الأدب الكردي وهو أول من أدخل الأصول والقواعد التقليدية الشعرية العربية والفارسية إلى الشعر الكردي. استطاع أن يسمو بالشعر الكردي إلى مستوى فني رفيع، ليضعه وباقتدار في مصاف روائع الأدب العالمي.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
غريب ملا زلال
كاتب سوري