فهد الحسن لـ"العرب": أدواتي التعبيرية مرتبطة بالأفكار المعنية بقضايا الإنسان
رصد دؤوب للأسئلة الأزلية وتعبير عن مكنونات النفس.
الاثنين 2024/10/07
ShareWhatsAppTwitterFacebook
وعي مبكر بأهمية الفن
إيمانا منه بأن أجمل ما في الفنون هو الغموض الذي يكتنف عناصرها، سعى الفنان السوري فهد الحسن لأن يخلق توازنا محكما في تجربته التشكيلية، بين الأداء والفكرة، وتراوحت بين الواقعية الجديدة والسريالية. وفي هذا الحوار مع "العرب" يعود إلى بداياته مع الرسم وأهم الأفكار التي يحاول إيصالها والتعبير عنها.
تشكل وعي الفنان التشكيلي السوري فهد الحسن ابن الفرات في سن مبكرة جدا، واهتمامه بالرسم لم يكن يذهب إلى الولع بالأساليب التزيينية أو الكلاسيكية بل تخطى ذلك إلى حالة ربط فيها امتلاك الأدوات التعبيرية بالأفكار التي تعنى بقضايا الإنسان والوجود والأحداث التي تدور من حوله، لتقديم لوحات فيها توجه فكري تعنيه القضايا الكبرى بعيدا عن نظرية الفن للفن التي كانت قد سادت في حقب سابقة، وكرست مفاهيم محنطة عن الفن وتوجهاته وتأثيره في الذائقة الفنية، أما ما يعني قضية البيئة من منظور تسجيلي أو سياحي مباشر فلم تستهويه، بل تناولها من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكر وعدم تقييدها بالمناطقية والجغرافيا المحددة.
الفنان الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين ربيعاً في الدوحة، يعرف في حواره مع “العرب” عن نفسه وبداياته في هذا المشوار، بالقول “أنا مجرد كائن بشري تفتحت حواسي ورؤاي مبكرا نحو ما يحيط بي فأراد أن يترك بصمة ما في هذه الحياة عبر الرسم والحرف، وتدوين انطباعاته الخاصة عنها بكثير من الصدق والعفوية والتلقائية التي تلتقي بالضرورة مع جوهر الطفولة وقدسية ميولها وبراءتها ونمط تفكيرها”.
ويشير إلى أن “البدايات الأولى كانت مع الشغف والعفوية والميول الجاذبة في الطفولة لعوالم خفية وغامضة تمس جوهر الفن ومحرابه الخاص الذي يقوم على التفاصيل الصغيرة التي ربما لا تلفت نظر الآخرين أو تستهويهم”.
تشكل الوعي
والحسن ممن يؤمنون بأن “للطبيعة دور هام للغاية؛ لأنها تعمل على تفتح حواسنا على أقانيم الجمال فيها، والتي تصبح تدريجيا بمثابة الجسر الذي نعبره لاستكشاف كنهها وتنوع عناصرها التي تصبح المرجعية الأولى في أية عملية إبداعية ناضجة لاحقاً”.
أما عن المدارس الفنية التي طالما اهتم بها ولفتت نظره، فيقول “إذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء… إلى البدايات، فإن الذائقة البصرية تغوص في شتى التيارات والمدارس الفنية الشائعة، وتتأثر بها وتحاول مجاراتها ما أمكنها ذلك، وبعد ذلك تبدأ خيوط ملامح خصوصية التجربة بالتشكل، والموهبة الحقيقية هي التي تستطيع فيما بعد رسم ملامح تلك التجربة واصطفاء ما يميزها من عناصر وتقنيات، وبناء تشكيلي متميز لا تكون حاضرة فيه ظلال التجارب الأخرى”.
توقف الفنان السوري في حواره مع “العرب” عند بداية تشكل الوعي لديه في ممارسة الفن التشكيلي، بالقول إن “الحقيقة ومنذ الصغر تشكل وعيي في هذا الإطار، ولم يكن اهتمامي بالرسم يذهب إلى الولع بالأساليب التزيينية أو الكلاسيكية في الفن، بل تخطى ذلك إلى حالة ربطت فيها امتلاك الأدوات التعبيرية بالأفكار التي تُعنى بقضايا الإنسان والوجود والأحداث التي تدور فيه من حولي، لتقديم لوحة فيها توجه فكري تعنيه القضايا الكبرى بعيداً عن نظرية الفن للفن التي كانت قد سادت في حقب سابقة، وكرّست مفاهيم محنطة عن الفن وتوجهاته وتأثيره في الذائقة الفنية. أما قضية البيئة من منظور تسجيلي أو سياحي مباشر فلم تستهوني، بل تناولتها من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكرة وعدم تقييدها بالمناطقية والجغرافيا المحددة”.
ويشرح “عرفت قيم العناصر وقدرتها على إظهار ملامح الأشياء، وخصوصية كل منها على حدة، وبدأت بالقلم الرصاص ثم بأقلام الفلوماستر والشمع والفحم. بعدها امتلكت ناصية الجرأة في استخدام الألوان المائية، فأقلام الحبر الجاف والحبر، وصولا إلى الألوان الزيتية ذات الخصوصية التي تتفرد بها عن باقي العناصر الأخرى”.
ويتذكر الفنان أنه أقام أول معرض له وهو في سن الرابعة عشر من عمره. ويقول إن “ذلك كان باكورة عطائي التشكيلي، والذي استطعت عبر التمكن من أدواته تدريجيا، من أن أوظّفه لاحقا لخدمة ما اكتنزته من أفكار ورؤى حياتية، كانت تتبلور مع الأيام، وكان يحكمها وعيٌ مبكرٌ لحقائق الوجود، وحوادثه المتنوّعة. وقد لازم ذلك قناعتي الراسخة، بتوظيف القدرات الفنية لخدمة أفكار تتصل وتتوكأ على إرث ثقافي متنوع، استطعت تحصيله بالمواظبة على القراءة، في شتى صنوف المعرفة، ما ساعدني على تجسيد قيم الحرية والعدالة، ومفاهيم البحث عن عالم نقي، يسوده حق الإنسان في حياة كريمة تليق بإنسانيّته وآدميته”.
ويوضح “استطعت بهذا المعنى، أن أنتج في سنّ مبكرة، لوحات كثيرة ضمن هذا التوجه، الذي– بطبيعة الحال – لازم أعمالي كلها لاحقا، مستندا إلى طابع فكري، يوظف البعد الفني لترجمة الأفكار وبلورتها، لكي تكوّن إجابة عن كثير من الأسئلة المتعلقة بهموم الناس والبشرية جمعاء، وأنّ تجربتي التشكيلية سعت إلى خلق توازن محكم بين الأداة والفكرة”.
أما عن طقوسه الخاصة في ممارسة هوايته، فيقول “بالنسبة لطقوس الفنان الخاصة وميوله ونمط تفكيره، فإن القاعدة العامة تؤكد حاجته إلى التأمل العميق المصاحب لقراءته الدؤوبة للوجود من حوله ورصده للأسئلة الأزلية الكبرى في الحياة، والتي تكون دوما الدافع والمحرض الأساسي في ولادة العمل الفني الذي يقدم رؤى الفنان الرحيبة لاستقصاء ما يمكن أن يفيد منه في إنجاز اللوحة التي تمثله وتعبر عن مكنوناته النفسية والفكرية”.
اهتمامات أدبية ونقدية
عن اهتماماته الأدبية والنقدية يقول الفنان فهد الحسن “في الواقع إنَّ الأدوات الإبداعية تتنوع وتتوازى مع بعضها البعض، وبالنسبة لي كان الحرف واللغة وعوالمهما الثرية جسراً موازياً مع تجربتي في الرسم منذ البدايات الأولى، وقد ساهم حب المطالعة لدي وشغفي بالكتاب في رفد تجربتي التشكيلية بثراء كبير نتج عنه أعمال كثيرة صقلها الوعي وكانت عوالمها من الرحابة والغنى ما جعلها تلفت النظر، وتجد الإقبال الكبير على تأملها والغوص في تفاصيلها”.
يقال إن الفن التشكيلي غموض وجمال، كيف يمكن لغير الفنان قراءة اللوحات الفنية؟، عن هذا التساؤل يجيب الفنان السوري بالقول “لعلّ أجمل ما في الفنون جميعها، ذلك الغموض الشهي الذي يكتنف عناصرها وتفاصيلها، مما يدفع إلى التأمل واستكشاف كنه التجربة وتأثيراتها المباشرة وصولا إلى المتعة البصرية العارمة التي يسقط أي عمل إبداعي ما لم يتمكن من تحقيقها بعد إنجازه كأثر فني يُمثل صاحبه ويعبّر عنه. أما ما يتعلق بقراءة العمل الفني من قبل المشاهد”.
ويؤكد “يتطلب من الفنان عدّة استحقاقات يتوجّب توافرها لسبر أغوار ذلك العالم المدهش، ومنها الثقافة الفنية والاهتمام والاطلاع على مذاهب الفن التشكيلي المتنوعة، إضافة إلى مواكبة الأنشطة الفنية من معارض ودراسات فنية متعمّقة في هذا الجانب كي تكون مفاتيح الدخول إلى عوالم اللوحة الفنية شاملة ورحبة وقادرة على قراءتها باقتدار ووضوح ودون عناء”.
وعن اهتمامه بفن البورتريه، وماذا يعني بالنسبة له كفنان، يقول “فن البورتريه، تيار خاص في الفن التشكيلي يعكس قدرات الفنان في تجسيد العمق الداخلي للشخص الذي يرسمه، وكذلك البعد النفسي لشخصيته وتأثير ذلك على سلوكه وطبائعه، وفن البورتريه يصقل قدرات الفنان في الرسم، وينقل عبر هذا الاهتمام برسم الوجوه مدى تمكن الرسام من تجسيد قدراته الفنية والذهنية والفكرية في عمل واحد”.
وأضاف “أن العمل الفني وعبر الحقب الفنية المتعددة التي لازمته، كان ممهورا بالاتجاهات والمدارس الفنية المتعددة ومنضويا تحت سماتها ومؤثراتها، والأجدى أن نقول ما هو الاختلاف بين التجريدية كمذهب فني وبين بقية المذاهب الأخرى، ولكي يكون الجواب منطقيا يجب البحث عن نقاط الالتقاء بين كل تلك الاتجاهات للوصول إلى ماهية مشتركة بينها”.
◄ تناولتُ قضية البيئة من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكرة وعدم تقييدها بالجغرافيا
ويضيف “ما نشاهده من أعمال تجريدية جاء خلاصة لتجارب عديدة استعاضت عن كثير من العناصر الفنية المباشرة لتختزلها في البناء المتوازن الذي يعتمد أولا على دلالات اللون الفيزيائية وإشراقته وتناوله عبر بنائية محكّمة تعتمد على اللون كرمزية خاصة تعبّر عن مكنونات الفنان وأفكاره ورؤاه”.
أما ما يخص تجربته التشكيلية الشخصية، فيشير إلى أنها “تنوس بين الواقعية الجديدة والسريالية عبر توليفة خاصة تعتمد إظهار التفاصيل بدقّة لخدمة فكرة العمل الفني في مقاربة تعتمد الحداثة كمنهج بعيدا عن التنميق والتزيين والمباشرة”.
كيف يمكن اكتشاف موهبة الرسم عند الصغار؟ يجيب الحسن “ميول الطفل نحو العناصر والمؤثرات المحيطة به تتوضح لديه في سنوات عمره الأولى، ولذلك يتوجب على الأهل والمختصين أن يسبروا أغوار ومكامن ذلك الشغف وصقله بالاهتمام تدريجيا بأساليب ناجعة تساهم في بلورة بذور الموهبة والعمل على ارتقائها ومواكبتها للوصول إلى جني ثمارها في المستقبل”.
وسألناه عن مدى إيمانه بالقراءات الفنية للمعارض واللوحات من قبل نقاد الفن التشكيلي؟ وهل تضفي أي فائدة للفنان؟، يجيب الحسن بأن “النقد الفني التشكيلي هو خط موازٍ لتجربة أي فنان؛ لأنه يضيء تجربته الفنية، ويتناول تطورها وما تعكسه أفكار اللوحة أو الأثر الفني، وبناء عليه يتوجب على الباحث والناقد الفني أن يكون موضوعيا في طروحاته وذو ثقافة فنية موسوعية لكي يحيط بما يستنبطه من مرتكزات العمل الفني وصولاً إلى الجدية التي تفي الإبداع والمبدعين حقهم في النقد، وتكون عاملاً بناءً في رصد أعمالهم وتجاربهم”.
أما عن دور الألوان، ومعانيها ودلالاتها النفسية بالنسبة له، فيقول “الألوان في تجربتي الفنية تناوبت عليها عدة خيارات تبعا للتأثير الذي كنت أنشده مع المشاهد، وكذلك تبعا للأداة التي كنت أستخدمها في تجسيد أعمالي الفنية، وفي العموم لقد استخدمت كافة المؤثرات اللونية في أعمالي بدءا من اقتصاد اللون كالقلم الرصاص والرماديات والغرافيك، وانتهاء بثراء التونات وتنوعها عبر الألوان الزيتية والمائية والأكريليك”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالكريم البليخ
صحفي سوري
رصد دؤوب للأسئلة الأزلية وتعبير عن مكنونات النفس.
الاثنين 2024/10/07
ShareWhatsAppTwitterFacebook
وعي مبكر بأهمية الفن
إيمانا منه بأن أجمل ما في الفنون هو الغموض الذي يكتنف عناصرها، سعى الفنان السوري فهد الحسن لأن يخلق توازنا محكما في تجربته التشكيلية، بين الأداء والفكرة، وتراوحت بين الواقعية الجديدة والسريالية. وفي هذا الحوار مع "العرب" يعود إلى بداياته مع الرسم وأهم الأفكار التي يحاول إيصالها والتعبير عنها.
تشكل وعي الفنان التشكيلي السوري فهد الحسن ابن الفرات في سن مبكرة جدا، واهتمامه بالرسم لم يكن يذهب إلى الولع بالأساليب التزيينية أو الكلاسيكية بل تخطى ذلك إلى حالة ربط فيها امتلاك الأدوات التعبيرية بالأفكار التي تعنى بقضايا الإنسان والوجود والأحداث التي تدور من حوله، لتقديم لوحات فيها توجه فكري تعنيه القضايا الكبرى بعيدا عن نظرية الفن للفن التي كانت قد سادت في حقب سابقة، وكرست مفاهيم محنطة عن الفن وتوجهاته وتأثيره في الذائقة الفنية، أما ما يعني قضية البيئة من منظور تسجيلي أو سياحي مباشر فلم تستهويه، بل تناولها من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكر وعدم تقييدها بالمناطقية والجغرافيا المحددة.
الفنان الذي يقيم منذ أكثر من ثلاثين ربيعاً في الدوحة، يعرف في حواره مع “العرب” عن نفسه وبداياته في هذا المشوار، بالقول “أنا مجرد كائن بشري تفتحت حواسي ورؤاي مبكرا نحو ما يحيط بي فأراد أن يترك بصمة ما في هذه الحياة عبر الرسم والحرف، وتدوين انطباعاته الخاصة عنها بكثير من الصدق والعفوية والتلقائية التي تلتقي بالضرورة مع جوهر الطفولة وقدسية ميولها وبراءتها ونمط تفكيرها”.
ويشير إلى أن “البدايات الأولى كانت مع الشغف والعفوية والميول الجاذبة في الطفولة لعوالم خفية وغامضة تمس جوهر الفن ومحرابه الخاص الذي يقوم على التفاصيل الصغيرة التي ربما لا تلفت نظر الآخرين أو تستهويهم”.
تشكل الوعي
والحسن ممن يؤمنون بأن “للطبيعة دور هام للغاية؛ لأنها تعمل على تفتح حواسنا على أقانيم الجمال فيها، والتي تصبح تدريجيا بمثابة الجسر الذي نعبره لاستكشاف كنهها وتنوع عناصرها التي تصبح المرجعية الأولى في أية عملية إبداعية ناضجة لاحقاً”.
أما عن المدارس الفنية التي طالما اهتم بها ولفتت نظره، فيقول “إذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء… إلى البدايات، فإن الذائقة البصرية تغوص في شتى التيارات والمدارس الفنية الشائعة، وتتأثر بها وتحاول مجاراتها ما أمكنها ذلك، وبعد ذلك تبدأ خيوط ملامح خصوصية التجربة بالتشكل، والموهبة الحقيقية هي التي تستطيع فيما بعد رسم ملامح تلك التجربة واصطفاء ما يميزها من عناصر وتقنيات، وبناء تشكيلي متميز لا تكون حاضرة فيه ظلال التجارب الأخرى”.
توقف الفنان السوري في حواره مع “العرب” عند بداية تشكل الوعي لديه في ممارسة الفن التشكيلي، بالقول إن “الحقيقة ومنذ الصغر تشكل وعيي في هذا الإطار، ولم يكن اهتمامي بالرسم يذهب إلى الولع بالأساليب التزيينية أو الكلاسيكية في الفن، بل تخطى ذلك إلى حالة ربطت فيها امتلاك الأدوات التعبيرية بالأفكار التي تُعنى بقضايا الإنسان والوجود والأحداث التي تدور فيه من حولي، لتقديم لوحة فيها توجه فكري تعنيه القضايا الكبرى بعيداً عن نظرية الفن للفن التي كانت قد سادت في حقب سابقة، وكرّست مفاهيم محنطة عن الفن وتوجهاته وتأثيره في الذائقة الفنية. أما قضية البيئة من منظور تسجيلي أو سياحي مباشر فلم تستهوني، بل تناولتها من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكرة وعدم تقييدها بالمناطقية والجغرافيا المحددة”.
ويشرح “عرفت قيم العناصر وقدرتها على إظهار ملامح الأشياء، وخصوصية كل منها على حدة، وبدأت بالقلم الرصاص ثم بأقلام الفلوماستر والشمع والفحم. بعدها امتلكت ناصية الجرأة في استخدام الألوان المائية، فأقلام الحبر الجاف والحبر، وصولا إلى الألوان الزيتية ذات الخصوصية التي تتفرد بها عن باقي العناصر الأخرى”.
ويتذكر الفنان أنه أقام أول معرض له وهو في سن الرابعة عشر من عمره. ويقول إن “ذلك كان باكورة عطائي التشكيلي، والذي استطعت عبر التمكن من أدواته تدريجيا، من أن أوظّفه لاحقا لخدمة ما اكتنزته من أفكار ورؤى حياتية، كانت تتبلور مع الأيام، وكان يحكمها وعيٌ مبكرٌ لحقائق الوجود، وحوادثه المتنوّعة. وقد لازم ذلك قناعتي الراسخة، بتوظيف القدرات الفنية لخدمة أفكار تتصل وتتوكأ على إرث ثقافي متنوع، استطعت تحصيله بالمواظبة على القراءة، في شتى صنوف المعرفة، ما ساعدني على تجسيد قيم الحرية والعدالة، ومفاهيم البحث عن عالم نقي، يسوده حق الإنسان في حياة كريمة تليق بإنسانيّته وآدميته”.
ويوضح “استطعت بهذا المعنى، أن أنتج في سنّ مبكرة، لوحات كثيرة ضمن هذا التوجه، الذي– بطبيعة الحال – لازم أعمالي كلها لاحقا، مستندا إلى طابع فكري، يوظف البعد الفني لترجمة الأفكار وبلورتها، لكي تكوّن إجابة عن كثير من الأسئلة المتعلقة بهموم الناس والبشرية جمعاء، وأنّ تجربتي التشكيلية سعت إلى خلق توازن محكم بين الأداة والفكرة”.
أما عن طقوسه الخاصة في ممارسة هوايته، فيقول “بالنسبة لطقوس الفنان الخاصة وميوله ونمط تفكيره، فإن القاعدة العامة تؤكد حاجته إلى التأمل العميق المصاحب لقراءته الدؤوبة للوجود من حوله ورصده للأسئلة الأزلية الكبرى في الحياة، والتي تكون دوما الدافع والمحرض الأساسي في ولادة العمل الفني الذي يقدم رؤى الفنان الرحيبة لاستقصاء ما يمكن أن يفيد منه في إنجاز اللوحة التي تمثله وتعبر عن مكنوناته النفسية والفكرية”.
اهتمامات أدبية ونقدية
عن اهتماماته الأدبية والنقدية يقول الفنان فهد الحسن “في الواقع إنَّ الأدوات الإبداعية تتنوع وتتوازى مع بعضها البعض، وبالنسبة لي كان الحرف واللغة وعوالمهما الثرية جسراً موازياً مع تجربتي في الرسم منذ البدايات الأولى، وقد ساهم حب المطالعة لدي وشغفي بالكتاب في رفد تجربتي التشكيلية بثراء كبير نتج عنه أعمال كثيرة صقلها الوعي وكانت عوالمها من الرحابة والغنى ما جعلها تلفت النظر، وتجد الإقبال الكبير على تأملها والغوص في تفاصيلها”.
يقال إن الفن التشكيلي غموض وجمال، كيف يمكن لغير الفنان قراءة اللوحات الفنية؟، عن هذا التساؤل يجيب الفنان السوري بالقول “لعلّ أجمل ما في الفنون جميعها، ذلك الغموض الشهي الذي يكتنف عناصرها وتفاصيلها، مما يدفع إلى التأمل واستكشاف كنه التجربة وتأثيراتها المباشرة وصولا إلى المتعة البصرية العارمة التي يسقط أي عمل إبداعي ما لم يتمكن من تحقيقها بعد إنجازه كأثر فني يُمثل صاحبه ويعبّر عنه. أما ما يتعلق بقراءة العمل الفني من قبل المشاهد”.
ويؤكد “يتطلب من الفنان عدّة استحقاقات يتوجّب توافرها لسبر أغوار ذلك العالم المدهش، ومنها الثقافة الفنية والاهتمام والاطلاع على مذاهب الفن التشكيلي المتنوعة، إضافة إلى مواكبة الأنشطة الفنية من معارض ودراسات فنية متعمّقة في هذا الجانب كي تكون مفاتيح الدخول إلى عوالم اللوحة الفنية شاملة ورحبة وقادرة على قراءتها باقتدار ووضوح ودون عناء”.
وعن اهتمامه بفن البورتريه، وماذا يعني بالنسبة له كفنان، يقول “فن البورتريه، تيار خاص في الفن التشكيلي يعكس قدرات الفنان في تجسيد العمق الداخلي للشخص الذي يرسمه، وكذلك البعد النفسي لشخصيته وتأثير ذلك على سلوكه وطبائعه، وفن البورتريه يصقل قدرات الفنان في الرسم، وينقل عبر هذا الاهتمام برسم الوجوه مدى تمكن الرسام من تجسيد قدراته الفنية والذهنية والفكرية في عمل واحد”.
وأضاف “أن العمل الفني وعبر الحقب الفنية المتعددة التي لازمته، كان ممهورا بالاتجاهات والمدارس الفنية المتعددة ومنضويا تحت سماتها ومؤثراتها، والأجدى أن نقول ما هو الاختلاف بين التجريدية كمذهب فني وبين بقية المذاهب الأخرى، ولكي يكون الجواب منطقيا يجب البحث عن نقاط الالتقاء بين كل تلك الاتجاهات للوصول إلى ماهية مشتركة بينها”.
◄ تناولتُ قضية البيئة من خلال رصد معاناة الإنسان وقضاياه وبيئته الشاملة عبر رحابة الفكرة وعدم تقييدها بالجغرافيا
ويضيف “ما نشاهده من أعمال تجريدية جاء خلاصة لتجارب عديدة استعاضت عن كثير من العناصر الفنية المباشرة لتختزلها في البناء المتوازن الذي يعتمد أولا على دلالات اللون الفيزيائية وإشراقته وتناوله عبر بنائية محكّمة تعتمد على اللون كرمزية خاصة تعبّر عن مكنونات الفنان وأفكاره ورؤاه”.
أما ما يخص تجربته التشكيلية الشخصية، فيشير إلى أنها “تنوس بين الواقعية الجديدة والسريالية عبر توليفة خاصة تعتمد إظهار التفاصيل بدقّة لخدمة فكرة العمل الفني في مقاربة تعتمد الحداثة كمنهج بعيدا عن التنميق والتزيين والمباشرة”.
كيف يمكن اكتشاف موهبة الرسم عند الصغار؟ يجيب الحسن “ميول الطفل نحو العناصر والمؤثرات المحيطة به تتوضح لديه في سنوات عمره الأولى، ولذلك يتوجب على الأهل والمختصين أن يسبروا أغوار ومكامن ذلك الشغف وصقله بالاهتمام تدريجيا بأساليب ناجعة تساهم في بلورة بذور الموهبة والعمل على ارتقائها ومواكبتها للوصول إلى جني ثمارها في المستقبل”.
وسألناه عن مدى إيمانه بالقراءات الفنية للمعارض واللوحات من قبل نقاد الفن التشكيلي؟ وهل تضفي أي فائدة للفنان؟، يجيب الحسن بأن “النقد الفني التشكيلي هو خط موازٍ لتجربة أي فنان؛ لأنه يضيء تجربته الفنية، ويتناول تطورها وما تعكسه أفكار اللوحة أو الأثر الفني، وبناء عليه يتوجب على الباحث والناقد الفني أن يكون موضوعيا في طروحاته وذو ثقافة فنية موسوعية لكي يحيط بما يستنبطه من مرتكزات العمل الفني وصولاً إلى الجدية التي تفي الإبداع والمبدعين حقهم في النقد، وتكون عاملاً بناءً في رصد أعمالهم وتجاربهم”.
أما عن دور الألوان، ومعانيها ودلالاتها النفسية بالنسبة له، فيقول “الألوان في تجربتي الفنية تناوبت عليها عدة خيارات تبعا للتأثير الذي كنت أنشده مع المشاهد، وكذلك تبعا للأداة التي كنت أستخدمها في تجسيد أعمالي الفنية، وفي العموم لقد استخدمت كافة المؤثرات اللونية في أعمالي بدءا من اقتصاد اللون كالقلم الرصاص والرماديات والغرافيك، وانتهاء بثراء التونات وتنوعها عبر الألوان الزيتية والمائية والأكريليك”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالكريم البليخ
صحفي سوري