محمد أمين عبدو والبحث المتواصل عن الكينونة المغيبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد أمين عبدو والبحث المتواصل عن الكينونة المغيبة

    محمد أمين عبدو والبحث المتواصل عن الكينونة المغيبة


    رؤية فنية شمولية تعيد تصور الريف والمدينة بين الماضي والحاضر.
    الجمعة 2024/10/04
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    فنان له اكتشافات جمالية ذات خصائص نوعية

    من واقعه الكردي السوري وما يحمله من تراث شعبي ثري، انطلق الفنان التشكيلي محمد أمين عبدو ليؤسس لنفسه منظومة جمالية فريدة بشخوص كردية الهوية، منظومة تعيد تمثل الواقع واكتشافه بأبعاده المتداخلة، كاشفا أمام المتلقي تساؤلات لطالما راودته فصورها على أسطح لوحاته.

    منذ أكثر من أربعين عاما والفنان التشكيلي محمد أمين عبدو يتنفس اللون، فمنذ عام 1975 وهو يعارك اللوحة بفاعلية مؤكدة تبقيه على الجذر الإنساني، وهذا ما يجعله يؤكد وبثقة العارف بعمران المكان أن عمليات الإزاحة التي يقوم بها للوصول إلى نتيجة لماحة تحدد له وجهته لاستيعاب الممكن مع الكشف عن ثمرات تراثية ستكون كنوزا لنا في مرحلة ما.

    ورغم أن فناننا محمد أمين انقطع فترة طويلة نسبيا عن ممارسة الفن، إلا أنها قد تكون أشبه باستراحة المحارب، ليقلع من جديد وبطاقة أعلى وأقوى، وهو من الجيل الذي أرسى دعائم الفن التشكيلي في الجزيرة السورية، إلى جانب كل من عمر حمدي وعمر حسيب ويوسف عبدلكي والعديد من الفنانين الآخرين.


    ابتكار لعالم متخيل


    ومع ذلك ما زال الفنان محمد أمين عبدو يجري عبر منظومة فنية خاصة قائمة على الموروث الشعبي للكشف عن تلك الملامح المتواشجة بالاستناد إلى التجريب باعتباره مركز الثقل، وهذا ما دفعه إلى إثارة تأملات ترتبط بخارطة تلك التحولات ضمن ديناميكية الخلق ذاتها بفرادة على المستوى الذي تمثل له، وله اكتشافات جمالية ذات خصائص نوعية، كاكتشافه مستوى التعبير الذي به يتجاوز نطاق المألوف ضمن شبكة من تفاعلات حقيقية، وفي مقدمتها ذلك التناغم بين الأعمال التي ينتجها والتي فيها يمارس نسج العمل الفني، من خلال نسجه للتقاليد وللتراث وللفولكلور الكردي. لهذا يتعين علينا عدم الاكتفاء بطرق جانب أحادي في أعماله، فهو يبتكر عوالم متخيلة جديدة، إلى جانب رصده لتراثه الجميل، وكذلك رصده لتلك الوجوه المحيطة فيه والغارقة في شقاء الزمن المتداخل بدوائر كثيرة مع تمثيليات الواقع بأبعاده التاريخية حينا، والاجتماعية في أكثر الأحيان.

    وليس غريبا أن نلاحظ أن محمد أمين عبدو قد شرع بعد أربعين عاما في تحريك إستراتيجيته الإبداعية في اتجاهات عديدة، ففي العودة إلى بداياته سنرى أن الواقعية كانت طاغية في جل أعماله مثله مثل كل مجايليه، عمر حمدي وعمر حسيب وخليل عبدالقادر، وغيرهم. ولكن في عودته الأخيرة أضاف تعبيرية غير هجينة للحاضر المتلاشي، على عكس الآخرين الذين ينظرون إلى الوراء أكثر من النظر إلى الأمام، وبالمماحكة بينه وبين مجايليه سنرى أنه يوظف الفرح والمتعة والصمت في هذا الزمن الصاخب الذي بات كل ما يرن فيه هامشا.

    لهذا محمد أمين يحتفي بالزمن حين يخرجه من طوفانه المشتغل عليه منذ عقود، وبذلك يخطو خطوة قد تكون جوهرية بالنسبة إليه، وذلك بمد جسور وطيدة لمناطق الارتياد غير المعتادة دون خلق أي إشكالية معلنة كانت أم مضمرة، ولهذا حين يبلغ مرحلة الإنجاز تبقى هناك باقة من التساؤلات تطرح نفسها في انتظار أن يجيب عنها المتلقي، عبر قراءات مختلفة ومغايرة تختلف وتتغير من متلق إلى آخر مع التركيز والتشديد على الحاجة الدائمة للقيمة الرمزية الجمالية للعمل المنتج، وبذلك يعزز محمد أمين مناخه الذي يتنفسه ويعيش فيه، المناخ الذي خلقه لنفسه، فضلا عن بحثه المتواصل عن الكينونة المتغيبة، وإن كانت متراكمة عبر زمن لا يسير إلى النماء بل إلى العتمة، إلى زمن يدركه بريشته التي بها يدخله بوصفها خصوصية ثقافية جمالية، لا بوصفها حالة تاريخية يغلب عليها الصوت الواحد.


    واقعية مفرطة


    كما يدرك تماما أنه لو أن شيئا ما يمكن أن يدوم لما تعاقبت الفصول، ولهذا نرى أن محمد أمين يجاور تجارب مجايليه بالانطلاق إلى الريف فيحمل تعب الوجوه وقساوة الحياة والغبار الذي يغسل كل شيء ويفرشها على بياضه عبر تشكيلات حزينة هي بمنزلة الأنموذج عن واقعية عمله، هذه الواقعية المفرطة بتفاصيلها والتي اشتغل عليها كل من حمل الريشة من أبناء هذا المكان.

    وما زال لهذه الواقعية تأثيرها الصارخ على أعمال محمد أمين، وإن كان يكثفها في بعض الأحيان بتعبيرية جميلة، إلا أن تمثلها في الشمول الكلي في الرؤيا يجعله ينكمش بالحدس على طي الزمن، خاصة حين ينتقل بين الريف والمدينة، بين الماضي والحاضر، بين التراث والمعاصرة، بإيقاع صارم وبانضباط ملفت في أكثر الأحيان.

    ومن المفيد أن نذكر أن محمد أمين بقي مخلصا لهمه الكردي الجزراوي وبالتالي لهمه السوري من معطيين: الأول أنه مازال يعيش ويتنفس ذلك الهم بكل أوجاعه وتفاصيله، ولهذا لم تؤثر فيه كل المقولات الفنية القادمة من خلف الأسوار، والثاني قدرته الفائقة على التفاعل مع عمله إلى درجة الغوص فيه وعدم القدرة على الخروج منه؛ فهو يتحول إلى أحد مكونات العمل وبالتالي إلى جزء مهم من حكاية اللوحة. لهذا ينبغي التوكيد على عدم النظر إلى العمل وقراءته بمعزل عنه، أقصد عن الفنان ذاته.

    إن الواقع الحكائي والتراثي والشعبي الكردي مدون في جل أعمال محمد أمين عبدو حتى تكاد تتحول إلى مرجعية لذلك الواقع وإن بمحورية مخالفة ولتكن افتراضية لكنها ليست خارج النص، أقصد خارج العمل.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    غريب ملا زلال
    كاتب سوري
يعمل...
X