"ليس في وسعنا أن نقدر القيمة التي يملكها عمل فني في ذاته إلا إذا أدركناه بطريقة استطيقية. أما إذا كان اهتمامنا بالعمل لا يرجع إلى كونه أداة لتحقيق هدف آخر معين؛ فأنا لا نستطيع أن نتذوقه بوصفه مجرد قصة أو لوحة. فعندما نتحدث عن تذوق الفن أو "الاستمتاع" به. فإن ما نعنيه هو القيمة الكامنة أو الاستطيقية للفن. ولن يكون في وسعنا أن نفهم هذه القيمة، التي هي أهم أنواع القيم في الفن، إلا حين نفهم الإدراك الاستطيقى، الذى يطلعنا عليها. وعندما يتم لنا ذلك، يصبح في إمكاننا أن نتجنب الخلط بين قيمة موضوع فني عندما يستمتع به في ذاته وبين القيمة التى قد تكون له لأغراض أخرى، وأنه لما يدعو إلى الدهشة أن نرى إلى أي مدى يخلط الناس بين الاثنين فهم في كثير من الأحيان يقولون إن العمل "جيد" أو "جميل" لمجرد كونه يزيد الناس تقوى أو يدعم العقيدة الدينية، غير أن من الممكن أن تكون للعمل نتائج كهذه ويظل مع ذلك ضئيل الشأن في ذاته إلى أبعد حد.. ففى وقت الحرب، نجد أن الأناشيد أو اللافتات (البوسترات) ذات الفعالية في إثارة روح الولاء للوطن كثيرا ما يتضح أنها أدنى قيمة عندما ينظر إليـهـا علـى أنـهـا موسيقى أو تصوير. وبالمثل فمن الجائز أنك تعرف أناسا يعلنون إعجابهم الصريح بأعمال فنية لمجرد كونهم معجبين بحياة الفنان كانت له مغامرة حب انتهت بمأساة، أو كان يعانى مرضا معينا، أو فر هاربا من وطنه الأصلي، ولكن من الممكن قطعا أن تكون حياة الفنان مثيرة ويكون إنتاجه الفنى سقيما إلى أبعد حد؛ فإذن ان أمثال هؤلاء الناس يمتدحون الفن لأسباب غير صحيحة، والأهم من ذلك أن هذه المسائل الأخرى تستحوذ عليهم إلى حد أنهم لا يدركون العمل ذاته أبدا. فهم يعجزون عن تذوق ما فيه من متعة كامنة" (جيروم سينوليتز، النقد الفني دراسة جمالية).
جيروم سينوليتز، النقد الفني دراسة جمالية
تقليص