ناطق عزيز ...حُلم العالم ...
وجنون الوعي التحليلي ......
د. صلاح هادي بشن
ناقد وفنان تشكيلي
يتدفق الشكل الغرائبي لدى الفنان ( ناطق عزيز ) بنصوص تشكيلية تثير الجدل, لتطرح اشكالية الذات وهي تفتح الحوار مجدداً نحو العالم أنها ثنائية متلازمة أي ( الذات / العالم) في تكوينات مقنّعة حيث تُشكلها لغة رمزية من طراز خاص , فالتكثيف الحاصل في تكويناته برمزيته يحاول به الفنان الخروج بمعنى ما , فالصراع بين ذاته وذات المرئي الذي أمامنا, يشكل خطاب بصري يُسرد بأن هناك وعي مفصول عن أشكاله وظواهره وأنماط ظهوره فكلية أشكاله وظواهره ليست دون شك دائمة الحضور في هذا الوعي , فهو صراع في ( جوف المخيلة ) فالوعي حاضر بجنون بتحليل تصوراته ورؤية العالم كما يراه .
على الرغم من كل تلك الالوان وتكثيف ايقوناته ونجدها مزدحمة لكن يغلب عليها مفهوم عميق وهو ( الصمت ) فهو ينشر سلطته داخل فضاء الرؤية الخالصة , من خلال حرصه على أن يأخذ المسار الوني المبهج والمدهش في تحرير عقليته من الانماط السابقة . وبإدخال موضوعات حُلمية استقاها بجنون وعيه التحليلي من تكثيفه الرمزي في خافيته. (الخافية) التي اشار لها يونغ بأنها جميع المحتويات ذات طبيعة شخصية بمقدار ماهي مكتسبة في أثناء حياة الانسان , فهي تجمع وتعيد جمع محتوياتها, لتُظهر تلك التركيبات السحرية التي تصورها والتي واجهها الفنان ( ناطق عزيز ) أثناء حياته .فتصوراته نحو الاشياء هي التي تمنح تلك الاشياء وجوداً لها سمات خاصة في تكويناته داخل العمل الفني .
إذ يرى الفنان بأنه على علاقة مباشرة مع الحقيقة في عالم الأفكار والمُثل( حُلم العالم ) تلك التصورات تضيع منه من خلال توليدية الاشكال وكثافتها والتي تشكل قيمة مضافة الى وعيه باعتبارها تصوراً يضفي على الاشياء صفاتها, والتي تتحقق عند الاحتكاك في العالم المادي. باعتبارها جزء من الحقائق التي احتك بها سابقًا في عوالمه. فهناك استيهامات ومظاهر خالصة تعنى بسردية تراث البلد والفهم الاسطوري في تناول موضوعاته التي اعتمدت ايقاعاتها بتسيّد الفكرة اضافة الى الثراء اللوني مهاداً لانطلاقته السحرية في التأثير على مكوناته الاساسي للبناء والتكوينات الممتعة والتي قدمها بشكل جريء معتمداً الغرائبية باعتبارها الخيمة الكبرى التي تحتضن اجوائه واستذكاراته القديمة .
وهناك أيضاً جانب اخباري في أعماله بأن عوالم الحُلم واقعية وان هناك ستار شفاف ورقيق بين الحقيقة والوهم , فهو ينفتح الى عمق لا قرار له , وهنا ينقلنا الفنان الى الجانب الذهني من تصوراته مما يجعل اشكاله وموضوعاته , بأن تكون توليدية في الاشكال والمواضيع , وان تكون آنية اللحظة الحُلمية .
وهذا الحال دفع بـالفنان ( ناطق عزيز) إلى التعويل على البحث عن قيم أخرى جديدة لماهيّة الفن وصورة العمل الفني في غرائبيته باستعانته بالقانون الفيزيائي بوصفه ممارسة شمولية لها خواصها المميزة في تناول وبناء موضوعاته والتي يستطيع من خلاله بناء أبجديات جديدة بالفن لها قيمها الرمزية والتعبيرية الخاصة بأسلوبية الفنان والتي تنفتح فيها وبها الوشائج والخصائص المطمورة في اعماق الفنان الباطنة إلى الحد الذي يجعلها أكثر شمولية وأوسع فهماً في سياق اتكاله على التوظيف الاسطوري والغرائبي لوحداته الشكلية واللونية ، ولاسيما بأن هناك فارق فعلي بين حالة الرؤية المتنوعة للإظهار التصميمي لبنى موضوعاته وبين التعبير عن القيم التقنية ومعالجاته الاسلوبية للسطح .
الا ان وعيه التحليلي يبرز فرقاً صارخاً يكمن في كون تجنيس ذاته تكون ملزمة باتخاذ التماهي يحاكي من خلالها جانباً سيكولوجياً وقصصه الغرائبية , مرة ونراه يحاكي ارثه الحضاري المتمثل في بيئته الموصلية عين العراق وجماله الانثوي ، وليتحول بشكل كلي أو جزئي من خلال نماذج منجزه الفني الذي يقدمه ذلك الحُلم او أرثه الحضاري . ويحدث ذلك عن طريق سلسلة من التقمصات التي يؤسَس عليها أو يُحدَد من خلالها اسلوبه الفني المتميز برغم تنوع موضوعاته الرمزية والشكلية منها التي تأخذ جانب البناء التصميمي.
لذا لا نجد غرابة ان نرى الفنان ناطق عزيز وهو يجلس أمام مسند اللوحة في الاستديو الخاص به ليلتقط بقدرته الذهنية تلك المشاهد التي طالما مارست انوجادها في وعيه التحليلي لتأخذ يداه الفرشاة وتقبع البياض بألوانه الغامقة , لإيجاد ابجديات غير محدودة التنوّع والتغيير في الصفات التعبيرية والمظهرية للأشكال المتراصّة .من هنا كانت القيمة اللونية الغامقة لديه تشد المتلقي إلى السطح التصويري ، والتي أسهمت في حصول عملية جذب بصري ، لتسرد افكاره بشكل صور الاتصال المتراكب لخصوصيات الدال والمدلول والمنفتحة دون تحديد معين ، ومحاولة منه لتشييد أُطر أكثر انفتاحاً على بنية اللوحة ، وهي تحفل بقيم أكثر تعبيرية ضمن المفهوم الواسع لطبيعة الفن .فهو يحاول ان يرى ما لا يراه الآخرون .فهناك هوس بالمكان وارتباطاته الوجدانية من بناءات قديمة شبابيك , وقباب , ونخيل , مقاهي ونساء , وسجاد وزخارف تحيط بالمكان لذا نجد اعماله قد كثفت المشهد الى صراع بين عوائل لونية حيث يكون الضوء حاداً والظل معتماً فالازرق وتدرجاته غالباً ما يتناغم مع البني النقيض والشذري تلوثه سحنه عائمة من الرصاصي ويمزج بشدة ليجعل من حركتي الظل والضوء يتداخلان تحت مخمل شفاف من الالوان الحارة والباردة.
فقد أصر الفنان على إعطاء المتلقي و الناظر إلى لوحته انطباعاً صادقاً بأن هناك منطقاً غريباً ومرعباً تحكّم في رسمها ،هذا بخصوص الموضوعات الغرائبية . منطقاً أُخضع له تخطيط كل شيء ، وبهذا فهو يُعلن نفسه حليفاً حقيقياً من خلال تشابه طرائقه ، فتقوم فكرة اللامعقول / حُلم العالم عنده وإن كل شيء في الوجود معقول ، ولكن علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة . فهو يلاحق العدم في حركيته , فكل شيء زائل متحرك نحو العدم, وهذا ماجعل الفنان أن يوثق في أعماله فكرة الزمان الهائم , ووهم المكان ، كونه زائلاً بفعل حركية الزمان وعدميته ، ليشّكل عالم له حُلم نرجسي له سمة الامتداد مع الذات .
وجنون الوعي التحليلي ......
د. صلاح هادي بشن
ناقد وفنان تشكيلي
يتدفق الشكل الغرائبي لدى الفنان ( ناطق عزيز ) بنصوص تشكيلية تثير الجدل, لتطرح اشكالية الذات وهي تفتح الحوار مجدداً نحو العالم أنها ثنائية متلازمة أي ( الذات / العالم) في تكوينات مقنّعة حيث تُشكلها لغة رمزية من طراز خاص , فالتكثيف الحاصل في تكويناته برمزيته يحاول به الفنان الخروج بمعنى ما , فالصراع بين ذاته وذات المرئي الذي أمامنا, يشكل خطاب بصري يُسرد بأن هناك وعي مفصول عن أشكاله وظواهره وأنماط ظهوره فكلية أشكاله وظواهره ليست دون شك دائمة الحضور في هذا الوعي , فهو صراع في ( جوف المخيلة ) فالوعي حاضر بجنون بتحليل تصوراته ورؤية العالم كما يراه .
على الرغم من كل تلك الالوان وتكثيف ايقوناته ونجدها مزدحمة لكن يغلب عليها مفهوم عميق وهو ( الصمت ) فهو ينشر سلطته داخل فضاء الرؤية الخالصة , من خلال حرصه على أن يأخذ المسار الوني المبهج والمدهش في تحرير عقليته من الانماط السابقة . وبإدخال موضوعات حُلمية استقاها بجنون وعيه التحليلي من تكثيفه الرمزي في خافيته. (الخافية) التي اشار لها يونغ بأنها جميع المحتويات ذات طبيعة شخصية بمقدار ماهي مكتسبة في أثناء حياة الانسان , فهي تجمع وتعيد جمع محتوياتها, لتُظهر تلك التركيبات السحرية التي تصورها والتي واجهها الفنان ( ناطق عزيز ) أثناء حياته .فتصوراته نحو الاشياء هي التي تمنح تلك الاشياء وجوداً لها سمات خاصة في تكويناته داخل العمل الفني .
إذ يرى الفنان بأنه على علاقة مباشرة مع الحقيقة في عالم الأفكار والمُثل( حُلم العالم ) تلك التصورات تضيع منه من خلال توليدية الاشكال وكثافتها والتي تشكل قيمة مضافة الى وعيه باعتبارها تصوراً يضفي على الاشياء صفاتها, والتي تتحقق عند الاحتكاك في العالم المادي. باعتبارها جزء من الحقائق التي احتك بها سابقًا في عوالمه. فهناك استيهامات ومظاهر خالصة تعنى بسردية تراث البلد والفهم الاسطوري في تناول موضوعاته التي اعتمدت ايقاعاتها بتسيّد الفكرة اضافة الى الثراء اللوني مهاداً لانطلاقته السحرية في التأثير على مكوناته الاساسي للبناء والتكوينات الممتعة والتي قدمها بشكل جريء معتمداً الغرائبية باعتبارها الخيمة الكبرى التي تحتضن اجوائه واستذكاراته القديمة .
وهناك أيضاً جانب اخباري في أعماله بأن عوالم الحُلم واقعية وان هناك ستار شفاف ورقيق بين الحقيقة والوهم , فهو ينفتح الى عمق لا قرار له , وهنا ينقلنا الفنان الى الجانب الذهني من تصوراته مما يجعل اشكاله وموضوعاته , بأن تكون توليدية في الاشكال والمواضيع , وان تكون آنية اللحظة الحُلمية .
وهذا الحال دفع بـالفنان ( ناطق عزيز) إلى التعويل على البحث عن قيم أخرى جديدة لماهيّة الفن وصورة العمل الفني في غرائبيته باستعانته بالقانون الفيزيائي بوصفه ممارسة شمولية لها خواصها المميزة في تناول وبناء موضوعاته والتي يستطيع من خلاله بناء أبجديات جديدة بالفن لها قيمها الرمزية والتعبيرية الخاصة بأسلوبية الفنان والتي تنفتح فيها وبها الوشائج والخصائص المطمورة في اعماق الفنان الباطنة إلى الحد الذي يجعلها أكثر شمولية وأوسع فهماً في سياق اتكاله على التوظيف الاسطوري والغرائبي لوحداته الشكلية واللونية ، ولاسيما بأن هناك فارق فعلي بين حالة الرؤية المتنوعة للإظهار التصميمي لبنى موضوعاته وبين التعبير عن القيم التقنية ومعالجاته الاسلوبية للسطح .
الا ان وعيه التحليلي يبرز فرقاً صارخاً يكمن في كون تجنيس ذاته تكون ملزمة باتخاذ التماهي يحاكي من خلالها جانباً سيكولوجياً وقصصه الغرائبية , مرة ونراه يحاكي ارثه الحضاري المتمثل في بيئته الموصلية عين العراق وجماله الانثوي ، وليتحول بشكل كلي أو جزئي من خلال نماذج منجزه الفني الذي يقدمه ذلك الحُلم او أرثه الحضاري . ويحدث ذلك عن طريق سلسلة من التقمصات التي يؤسَس عليها أو يُحدَد من خلالها اسلوبه الفني المتميز برغم تنوع موضوعاته الرمزية والشكلية منها التي تأخذ جانب البناء التصميمي.
لذا لا نجد غرابة ان نرى الفنان ناطق عزيز وهو يجلس أمام مسند اللوحة في الاستديو الخاص به ليلتقط بقدرته الذهنية تلك المشاهد التي طالما مارست انوجادها في وعيه التحليلي لتأخذ يداه الفرشاة وتقبع البياض بألوانه الغامقة , لإيجاد ابجديات غير محدودة التنوّع والتغيير في الصفات التعبيرية والمظهرية للأشكال المتراصّة .من هنا كانت القيمة اللونية الغامقة لديه تشد المتلقي إلى السطح التصويري ، والتي أسهمت في حصول عملية جذب بصري ، لتسرد افكاره بشكل صور الاتصال المتراكب لخصوصيات الدال والمدلول والمنفتحة دون تحديد معين ، ومحاولة منه لتشييد أُطر أكثر انفتاحاً على بنية اللوحة ، وهي تحفل بقيم أكثر تعبيرية ضمن المفهوم الواسع لطبيعة الفن .فهو يحاول ان يرى ما لا يراه الآخرون .فهناك هوس بالمكان وارتباطاته الوجدانية من بناءات قديمة شبابيك , وقباب , ونخيل , مقاهي ونساء , وسجاد وزخارف تحيط بالمكان لذا نجد اعماله قد كثفت المشهد الى صراع بين عوائل لونية حيث يكون الضوء حاداً والظل معتماً فالازرق وتدرجاته غالباً ما يتناغم مع البني النقيض والشذري تلوثه سحنه عائمة من الرصاصي ويمزج بشدة ليجعل من حركتي الظل والضوء يتداخلان تحت مخمل شفاف من الالوان الحارة والباردة.
فقد أصر الفنان على إعطاء المتلقي و الناظر إلى لوحته انطباعاً صادقاً بأن هناك منطقاً غريباً ومرعباً تحكّم في رسمها ،هذا بخصوص الموضوعات الغرائبية . منطقاً أُخضع له تخطيط كل شيء ، وبهذا فهو يُعلن نفسه حليفاً حقيقياً من خلال تشابه طرائقه ، فتقوم فكرة اللامعقول / حُلم العالم عنده وإن كل شيء في الوجود معقول ، ولكن علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة . فهو يلاحق العدم في حركيته , فكل شيء زائل متحرك نحو العدم, وهذا ماجعل الفنان أن يوثق في أعماله فكرة الزمان الهائم , ووهم المكان ، كونه زائلاً بفعل حركية الزمان وعدميته ، ليشّكل عالم له حُلم نرجسي له سمة الامتداد مع الذات .