على صفحة فنون لصحيفة الاتحاد الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين .
الفنانة التشكيلية العراقية عفيفة لعيبي
تمارس حريتها من خلال الفن
تعد تجربة الفنانة التشكيلية العراقية/ الهولندية عفيفة لعيبي من التجارب المهمة على الصعيدين الانساني والفني على حد سواء ، وهي تجربة لافتة باعتبارها قصة كفاح بطولي لامرأة شابة تمكنت من تحدي مختلف الضغوطات الحياتية في سبيل فنها ومعيشتها في بلد وزمن لم يمنحاها سوى خيارات قليلة وقليلة جدا ، لكنها رغم ذلك قبلت التحدي وخاضت فيه لتنجح في عبور محنتها التي تمت بخيارها باعتبارها إمرأة واعية وقادرة على المضي قدما في مشروعها الفني الجمالي ، كيف لا ؟ وهي إمرأة عراقية ، ويعرف الجميع سيل المحن التي مرت على النساء العراقيات وقمن بتخطيها بصمود اسطوري ، تقول الفنانة عفيفة لعيبي عن ذلك في حوار مع محطة الان :
_ من المهم ان يدافع الفنان عن فكرته وخياره ، مررت بفترة لا استطيع ان اشتري بها مواد الرسم ، اضطررت للعمل كمساعدة لفنانين ايطاليين وانا ام منفصلة مع طفل صغير ودون وثائق رسمية ، وكنت ارسم في الوقت القصير المتبقي لي من يومي ، نعم انا اعيش اليوم ولكنني لا أعرف ماذا سيحدث غدا ، لكن الفرصة لابد أن تأتي .
بحسب جبران خليل جبران فان :
_ الحياة لا تبدأ بالولادة بل بالوعي ، ولا تنتهي بالموت بل بانطفاء الروح .
ووفقا لهذا القول فان المبدع المتصدي للعملية الابداعية مهما كان نوعها لا يمكن أن تتشكل أو تتميز تجربته الا من خلال الوعي وذلك ما يتضح عبر اعداد لا تحصى من التجارب التي عرفتها البشرية على مدى تاريخها الطويل والممتد والذي سيتواصل الى ما لا نهاية ، فتبقى روحه وهاجة وعصية على الانطفاء في أحلك ضروف حياته ، سواء طالت تلك الحياة أو قصرت ، فلا يحدد خياراتنا ومساراتها سوى الوعي ، على اعتبار ان الوعي هو لحظة الإدراك الاولى لما نحياه كافراد في جماعات تحمل هويات تختلف من جماعة الى اخرى ، وما اعنيه بالهوية هو مجموعة خيارات العيش التي تحددها مسارب وعينا ، وعليه فان وعي اللحظة هو نقطة الشروع الاولى باتجاه حياة تشكل خيارنا حتى النهاية ، وهو الخيار الذي تدعمه قدراتنا الذاتية التي تمنحنا المطاولة في شتى مجالات الحياة ، وهو اثبات لوجودنا ككائنات حية تساهم في حركة التاريخ ، ووعينا ليس مستقلا بذاته مع انه يحدد خياراتنا كما قلت بل هو جزء من وعي جمعي تحدد لنا في لحظة انتماء لمنظومة اجتماعية سواء اكانت كبيرة أو صغيرة ، وكما صرح كارل ماركس في قوله الشهير :
_ ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم .
من هنا فان وجودنا الاجتماعي هو الذي يحدد وعينا ، وهو الوعي الذي يساهم في تحديد خياراتنا كما قلت وتاسيسا على ما تقدم فان وعي الفنانة تشكل في لحظة فهم متقدم لمسار العائلة التي ساهمت في تنامي وعيها ابتداءا حتى وصولها لما هي عليه الآن وهي تعتلي قمة المجد بما انجزته حياتيا وفنيا .
ولدت الفنانة التشكيلية الكبيرة وعيا وانجازا عفيفة لعيبي في العام ١٩٥٢ وسط عائلة يسارية قبل ان تكون فنية ، في مدينة البصرة تلك الولادة التي حددت مسارات حياتها المستقبلية منذ اللحظة الاولى لتشكل وعيها داخل العائلة وكما تقول :
_ إن توفر الكتاب في محيط العائلة كان المؤثر الاول فيها في عملية الفهم والاكتشاف .
اضافة لكون العائلة تتعاطى مع الثقافة والفن بجميع افرادها ، فكان ان تفتق وعيها مبكرا ، وهو ما دفعها باتجاه الفن ، والفن التشكيلي بالذات ، لتقرر السفر إلى بغداد ، بعد ان كانت قد أكملت تعليمها الاولي في مدينة البصرة ، وتتابع دراستها في معهد الفنون الجميلة على ايدي خيرة اساتذة الفن التشكيلي العراقي المعاصر ، ولتعمل إثناء ذلك كرسامة في الصحافة العراقية ، وفي صحيفة طريق الشعب بالذات ، بعدها غادرت العراق عام 1974 إلى الإتحاد السوفيتي للدراسة والتخصص في الفن الجداري في أكاديمية الفنون الجميلة ( سوريكوف ) في موسكو ، ولم يكن بمقدورها العودة إلى بغداد بسبب هيمنة نظام البعث على كل شيء ، وبداية صعود نجم الدكتاتور المقبور ، فكانت مطالبتة للطلبة الدارسين خارج البلاد بالعودة لتجديد وثائقهم ، هو الفخ الذي نصبته السلطة للطلبة اليساريين بالذات ، فغادرت إلى إيطاليا ، ثم إلى اليمن للعمل كمدرسة في معهد الفنون الجميلة في عدن ، ولتعمل كرسامة في صحافة الأطفال كذلك ، ثم اضطرت لمغادرة اليمن والعودة إلى موسكو ، بعدها سافرت الى إيطاليا ، ثم الى هولندا لتستقر وتعيش فيها وتواصل مشروعها الفني الجمالي الذي قدمت فيه تجارب فنية كبيرة ولافتة اسست من خلالها اسمها الفني الذي وضعها في مصاف الفنانين الكبار .
عفيفة لعيبي الذي يمثل احترافها للفن ونجاحها الكبير فيه واحدة من القصص التي تمثل تحديا كبيرا في عالم فيه الكثير من العوائق التي اجتازتها بقدرات استثنائية نادرة ، ورحلتها الحياتية والفنية تعد من الغرائب أيضا وهي سيرة من الكفاح المستمر في سبيل الحياة والفن ، في عالم بالغ الوحشية بالنسبة للمرأة بالذات ، من هنا بدأت رحلة تحديها لذاتها والعالم مستندة على وعيها وعلى الممكنات البسيطة المتاحة أمامها في اقامة مشروعها على صعيدي الحياة والفن الذي تشكل ممارستها له كنوع من ممارستها لحريتها قبل كل شيء .
شكلت المرأة وقضاياها عنصرا رئيسيا في أعمالها الفنية ، وذلك من واقع تجربتها الحياتية المختلفة والكبيرة في مفاصل متعددة ، اضافة لكونها إمرأة تتماهى مع معاناة النساء عموما ، فتقول عن ذلك في ذات الحوار الذي ذكرناه من فبل مع محطة الان :
_ المرأة تشكل عنصرا اساسيا في أعمالي وذلك لمطاوعتها وقدرتها على التشكل .
ووفقا لما تقدم قد لا يخلو سطحا تصويرا لها من مشخص المرأة في مختلف حالاتها ، فهي تشكلها وفقا
لرؤاها اثناء اشتغالاتها على السطوح معبرة بذلك عن مختلف المواقف والانفعالات التي تمر بها ، فتشكل مع العناصر الاخرى كالخط واللون والضوء ، ادوات تفسيرية لاعمالها إجمالا ، ليتضح للمتلقي ان الفنانة تخضع سطوحها لنظام يتشابه مع النظام الهندسي الصارم الذي لا يترك فيه شيء للمصادفة اطلاقا ، والمرأة في معظم أعمالها هي كائن وحيد تبدو وكانها مكتفية بذاتها ، وهي وان كانت جزء من مشهد متجسد يحتوي على العديد من المفردات المبثوثة بعناية الا انها لا تبدو الا كذلك ، وهي ساهمة ومحايدة على الدوام حتى في لحظات العشق والتجلي ، كما ان تلك النساء الموجودات على السطوح وأن كانت سماتهن تميل باتجاه تأثر الفنانة بالفن الأوربي الا ان ارواحهن تميل باتجاه الشرق حيث ولدت وعاشت وتلقت دهشتها الاولى بالفن ولعل شراء الأمم المتحدة لاحد أعمالها وهو ( ان تكوني امراة ) وتخصيصه كجائزة لمسابقة تحمل اسمها ولمدة عشر سنوات هو خير دليل على نجاحها في تبني قضايا المرأة ، وهو التبني الذي بقي مستمرا في معظم أعمالها اذا لم تكن كلها .
مرة ،
حين كنا معا
شعرك المستفز الكثيف
غابة من زهور
علقتها يدي بارتعاش .
ثمة رابط خفي بين مختلف الفنون ، هذا الرابط الذي يجعل لحظة الشروع في بث الجمال تحمل تطابقات غير مفهومة وتنتمي لعوالم خفية ، لكنها تنتمي اولا واخيرا الى عالم واحد يتعلق بعملية الخلق الفني والابداع ، ويمكننا ان نعزي هذا التطابق الى عالم من الوعي الجمعي الذي يجعل من تطابقت رؤاهم يسعون الى تجسيد الجمال ، والجمال وحده في تلك الفنون المختلفة واعني تحديدا ( الشعر والرسم والموسيقى ) لعل هذا هو الانطباع الاول الذي تبادر الى ذهني وانا اتامل للمرة الاولى سطحا تصويريا يمتلك اسرار دهشته للفنانة ، هذا السطح الذي تطابق بشكل مدهش مع ومضة كتبتها منذ زمن بعيد ، وهو يمثل عاشق يتوج من يحب باكليل من الزهور بطريقة تشتمل على الكثير من السكون ، غير انه يمور بحركة خفية تجسدها لحظة عشق تسيطر على الجو العام للسطح التصويري ببراعة جمعت بين نقيضين هما الحركة والسكون ، سكون اللحظة وحركة العاطفة الحركة التي تجسدها أيديهما معا في خطوط تتوازي في احساس اللحظة ، وهي لحظة معاشة ومستعادة بكل تأكيد ، المرأة في كيان مستسلم كليا للحظة التتويج فيها وان بدت تصلح زينتها شكليا ، غير انها امسكت وردة بيضاء صغيرة مستلة من تاجها الافتراضي ، وهي كما يتضح تنظر بسكون وحيادية في وجه الحبيب عبر المرأة الصغيرة التي تحملها بيدها ، والفنانة هنا تعاملت مع السطح بخيرات فنية كبيرة ومتراكمة عبر الخطوط العامة للسطح التصويري والكتل اللونية التي تساهم في تفسير السطح العام ليبدو الجو العام وكانه يحيل الى لحظة من لحظات الخلق الاولى ، ولعلنا لا تستطيع الالمام بكامل تجربتها التي تمتد لاعوام طويلة وانجازات كبيرة حققتها بالجهد والمثابرة لتصل لما وصلت اليه الان ، وهي ما زالت تواصل عطائها الفني .
أخيرا وفي الوقت الذي تستعد فيه الفنانة لاقامة آخر معارضها في ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو المعرض الذي سيقام في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول القادم ويستمر حتى اليوم العاشر من شهر كانون الأول كما أفادت لنا بذلك ، وهو من تنظيم كاليري ( كريستين هايليكيردة كاليري. ) في لندن والذي تتعامل معه منذ العام 2019 ، كما ولابد لنا بان نذكر بان الفنانة كانت قد أقامت مجموعة من المعارض في هولندا ومن أبرزها معرضها الشخصي الشامل في متحف ( ايكاترينا خاست موزيم ) في مدينة خاودا كما انها كانت تقيم بشكل دوري وثابت معارضها الشخصية على قاعة الكاليري المعروف ( دة تفيي باون ) في مدينة لاهاي والذي توقفت عن التعامل معه منذ العام 2014 ، ولها مساهمات عديدة في معارض أخرى وقاعات أخرى مثل كاليري ( كودا ) في أمستردام وكاليري ( بريما فيستة ) في ماسترخت ، وكذلك تعاملت مع كاليري ( بوشهري كاليري ) في الكويت منذ العام 2010 وحتى العام 2018 ، بالإضافة للعديد من المعارض في مختلف دول العالم ومنها معرضها في القاهرة والذي اقيم في كاليري ( بيكاسو ) المعروف في الزمالك والذي يعد من أقدم الكاليريات في جمهورية مصر العربية .
الفنانة التشكيلية العراقية عفيفة لعيبي
تمارس حريتها من خلال الفن
تعد تجربة الفنانة التشكيلية العراقية/ الهولندية عفيفة لعيبي من التجارب المهمة على الصعيدين الانساني والفني على حد سواء ، وهي تجربة لافتة باعتبارها قصة كفاح بطولي لامرأة شابة تمكنت من تحدي مختلف الضغوطات الحياتية في سبيل فنها ومعيشتها في بلد وزمن لم يمنحاها سوى خيارات قليلة وقليلة جدا ، لكنها رغم ذلك قبلت التحدي وخاضت فيه لتنجح في عبور محنتها التي تمت بخيارها باعتبارها إمرأة واعية وقادرة على المضي قدما في مشروعها الفني الجمالي ، كيف لا ؟ وهي إمرأة عراقية ، ويعرف الجميع سيل المحن التي مرت على النساء العراقيات وقمن بتخطيها بصمود اسطوري ، تقول الفنانة عفيفة لعيبي عن ذلك في حوار مع محطة الان :
_ من المهم ان يدافع الفنان عن فكرته وخياره ، مررت بفترة لا استطيع ان اشتري بها مواد الرسم ، اضطررت للعمل كمساعدة لفنانين ايطاليين وانا ام منفصلة مع طفل صغير ودون وثائق رسمية ، وكنت ارسم في الوقت القصير المتبقي لي من يومي ، نعم انا اعيش اليوم ولكنني لا أعرف ماذا سيحدث غدا ، لكن الفرصة لابد أن تأتي .
بحسب جبران خليل جبران فان :
_ الحياة لا تبدأ بالولادة بل بالوعي ، ولا تنتهي بالموت بل بانطفاء الروح .
ووفقا لهذا القول فان المبدع المتصدي للعملية الابداعية مهما كان نوعها لا يمكن أن تتشكل أو تتميز تجربته الا من خلال الوعي وذلك ما يتضح عبر اعداد لا تحصى من التجارب التي عرفتها البشرية على مدى تاريخها الطويل والممتد والذي سيتواصل الى ما لا نهاية ، فتبقى روحه وهاجة وعصية على الانطفاء في أحلك ضروف حياته ، سواء طالت تلك الحياة أو قصرت ، فلا يحدد خياراتنا ومساراتها سوى الوعي ، على اعتبار ان الوعي هو لحظة الإدراك الاولى لما نحياه كافراد في جماعات تحمل هويات تختلف من جماعة الى اخرى ، وما اعنيه بالهوية هو مجموعة خيارات العيش التي تحددها مسارب وعينا ، وعليه فان وعي اللحظة هو نقطة الشروع الاولى باتجاه حياة تشكل خيارنا حتى النهاية ، وهو الخيار الذي تدعمه قدراتنا الذاتية التي تمنحنا المطاولة في شتى مجالات الحياة ، وهو اثبات لوجودنا ككائنات حية تساهم في حركة التاريخ ، ووعينا ليس مستقلا بذاته مع انه يحدد خياراتنا كما قلت بل هو جزء من وعي جمعي تحدد لنا في لحظة انتماء لمنظومة اجتماعية سواء اكانت كبيرة أو صغيرة ، وكما صرح كارل ماركس في قوله الشهير :
_ ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم .
من هنا فان وجودنا الاجتماعي هو الذي يحدد وعينا ، وهو الوعي الذي يساهم في تحديد خياراتنا كما قلت وتاسيسا على ما تقدم فان وعي الفنانة تشكل في لحظة فهم متقدم لمسار العائلة التي ساهمت في تنامي وعيها ابتداءا حتى وصولها لما هي عليه الآن وهي تعتلي قمة المجد بما انجزته حياتيا وفنيا .
ولدت الفنانة التشكيلية الكبيرة وعيا وانجازا عفيفة لعيبي في العام ١٩٥٢ وسط عائلة يسارية قبل ان تكون فنية ، في مدينة البصرة تلك الولادة التي حددت مسارات حياتها المستقبلية منذ اللحظة الاولى لتشكل وعيها داخل العائلة وكما تقول :
_ إن توفر الكتاب في محيط العائلة كان المؤثر الاول فيها في عملية الفهم والاكتشاف .
اضافة لكون العائلة تتعاطى مع الثقافة والفن بجميع افرادها ، فكان ان تفتق وعيها مبكرا ، وهو ما دفعها باتجاه الفن ، والفن التشكيلي بالذات ، لتقرر السفر إلى بغداد ، بعد ان كانت قد أكملت تعليمها الاولي في مدينة البصرة ، وتتابع دراستها في معهد الفنون الجميلة على ايدي خيرة اساتذة الفن التشكيلي العراقي المعاصر ، ولتعمل إثناء ذلك كرسامة في الصحافة العراقية ، وفي صحيفة طريق الشعب بالذات ، بعدها غادرت العراق عام 1974 إلى الإتحاد السوفيتي للدراسة والتخصص في الفن الجداري في أكاديمية الفنون الجميلة ( سوريكوف ) في موسكو ، ولم يكن بمقدورها العودة إلى بغداد بسبب هيمنة نظام البعث على كل شيء ، وبداية صعود نجم الدكتاتور المقبور ، فكانت مطالبتة للطلبة الدارسين خارج البلاد بالعودة لتجديد وثائقهم ، هو الفخ الذي نصبته السلطة للطلبة اليساريين بالذات ، فغادرت إلى إيطاليا ، ثم إلى اليمن للعمل كمدرسة في معهد الفنون الجميلة في عدن ، ولتعمل كرسامة في صحافة الأطفال كذلك ، ثم اضطرت لمغادرة اليمن والعودة إلى موسكو ، بعدها سافرت الى إيطاليا ، ثم الى هولندا لتستقر وتعيش فيها وتواصل مشروعها الفني الجمالي الذي قدمت فيه تجارب فنية كبيرة ولافتة اسست من خلالها اسمها الفني الذي وضعها في مصاف الفنانين الكبار .
عفيفة لعيبي الذي يمثل احترافها للفن ونجاحها الكبير فيه واحدة من القصص التي تمثل تحديا كبيرا في عالم فيه الكثير من العوائق التي اجتازتها بقدرات استثنائية نادرة ، ورحلتها الحياتية والفنية تعد من الغرائب أيضا وهي سيرة من الكفاح المستمر في سبيل الحياة والفن ، في عالم بالغ الوحشية بالنسبة للمرأة بالذات ، من هنا بدأت رحلة تحديها لذاتها والعالم مستندة على وعيها وعلى الممكنات البسيطة المتاحة أمامها في اقامة مشروعها على صعيدي الحياة والفن الذي تشكل ممارستها له كنوع من ممارستها لحريتها قبل كل شيء .
شكلت المرأة وقضاياها عنصرا رئيسيا في أعمالها الفنية ، وذلك من واقع تجربتها الحياتية المختلفة والكبيرة في مفاصل متعددة ، اضافة لكونها إمرأة تتماهى مع معاناة النساء عموما ، فتقول عن ذلك في ذات الحوار الذي ذكرناه من فبل مع محطة الان :
_ المرأة تشكل عنصرا اساسيا في أعمالي وذلك لمطاوعتها وقدرتها على التشكل .
ووفقا لما تقدم قد لا يخلو سطحا تصويرا لها من مشخص المرأة في مختلف حالاتها ، فهي تشكلها وفقا
لرؤاها اثناء اشتغالاتها على السطوح معبرة بذلك عن مختلف المواقف والانفعالات التي تمر بها ، فتشكل مع العناصر الاخرى كالخط واللون والضوء ، ادوات تفسيرية لاعمالها إجمالا ، ليتضح للمتلقي ان الفنانة تخضع سطوحها لنظام يتشابه مع النظام الهندسي الصارم الذي لا يترك فيه شيء للمصادفة اطلاقا ، والمرأة في معظم أعمالها هي كائن وحيد تبدو وكانها مكتفية بذاتها ، وهي وان كانت جزء من مشهد متجسد يحتوي على العديد من المفردات المبثوثة بعناية الا انها لا تبدو الا كذلك ، وهي ساهمة ومحايدة على الدوام حتى في لحظات العشق والتجلي ، كما ان تلك النساء الموجودات على السطوح وأن كانت سماتهن تميل باتجاه تأثر الفنانة بالفن الأوربي الا ان ارواحهن تميل باتجاه الشرق حيث ولدت وعاشت وتلقت دهشتها الاولى بالفن ولعل شراء الأمم المتحدة لاحد أعمالها وهو ( ان تكوني امراة ) وتخصيصه كجائزة لمسابقة تحمل اسمها ولمدة عشر سنوات هو خير دليل على نجاحها في تبني قضايا المرأة ، وهو التبني الذي بقي مستمرا في معظم أعمالها اذا لم تكن كلها .
مرة ،
حين كنا معا
شعرك المستفز الكثيف
غابة من زهور
علقتها يدي بارتعاش .
ثمة رابط خفي بين مختلف الفنون ، هذا الرابط الذي يجعل لحظة الشروع في بث الجمال تحمل تطابقات غير مفهومة وتنتمي لعوالم خفية ، لكنها تنتمي اولا واخيرا الى عالم واحد يتعلق بعملية الخلق الفني والابداع ، ويمكننا ان نعزي هذا التطابق الى عالم من الوعي الجمعي الذي يجعل من تطابقت رؤاهم يسعون الى تجسيد الجمال ، والجمال وحده في تلك الفنون المختلفة واعني تحديدا ( الشعر والرسم والموسيقى ) لعل هذا هو الانطباع الاول الذي تبادر الى ذهني وانا اتامل للمرة الاولى سطحا تصويريا يمتلك اسرار دهشته للفنانة ، هذا السطح الذي تطابق بشكل مدهش مع ومضة كتبتها منذ زمن بعيد ، وهو يمثل عاشق يتوج من يحب باكليل من الزهور بطريقة تشتمل على الكثير من السكون ، غير انه يمور بحركة خفية تجسدها لحظة عشق تسيطر على الجو العام للسطح التصويري ببراعة جمعت بين نقيضين هما الحركة والسكون ، سكون اللحظة وحركة العاطفة الحركة التي تجسدها أيديهما معا في خطوط تتوازي في احساس اللحظة ، وهي لحظة معاشة ومستعادة بكل تأكيد ، المرأة في كيان مستسلم كليا للحظة التتويج فيها وان بدت تصلح زينتها شكليا ، غير انها امسكت وردة بيضاء صغيرة مستلة من تاجها الافتراضي ، وهي كما يتضح تنظر بسكون وحيادية في وجه الحبيب عبر المرأة الصغيرة التي تحملها بيدها ، والفنانة هنا تعاملت مع السطح بخيرات فنية كبيرة ومتراكمة عبر الخطوط العامة للسطح التصويري والكتل اللونية التي تساهم في تفسير السطح العام ليبدو الجو العام وكانه يحيل الى لحظة من لحظات الخلق الاولى ، ولعلنا لا تستطيع الالمام بكامل تجربتها التي تمتد لاعوام طويلة وانجازات كبيرة حققتها بالجهد والمثابرة لتصل لما وصلت اليه الان ، وهي ما زالت تواصل عطائها الفني .
أخيرا وفي الوقت الذي تستعد فيه الفنانة لاقامة آخر معارضها في ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو المعرض الذي سيقام في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول القادم ويستمر حتى اليوم العاشر من شهر كانون الأول كما أفادت لنا بذلك ، وهو من تنظيم كاليري ( كريستين هايليكيردة كاليري. ) في لندن والذي تتعامل معه منذ العام 2019 ، كما ولابد لنا بان نذكر بان الفنانة كانت قد أقامت مجموعة من المعارض في هولندا ومن أبرزها معرضها الشخصي الشامل في متحف ( ايكاترينا خاست موزيم ) في مدينة خاودا كما انها كانت تقيم بشكل دوري وثابت معارضها الشخصية على قاعة الكاليري المعروف ( دة تفيي باون ) في مدينة لاهاي والذي توقفت عن التعامل معه منذ العام 2014 ، ولها مساهمات عديدة في معارض أخرى وقاعات أخرى مثل كاليري ( كودا ) في أمستردام وكاليري ( بريما فيستة ) في ماسترخت ، وكذلك تعاملت مع كاليري ( بوشهري كاليري ) في الكويت منذ العام 2010 وحتى العام 2018 ، بالإضافة للعديد من المعارض في مختلف دول العالم ومنها معرضها في القاهرة والذي اقيم في كاليري ( بيكاسو ) المعروف في الزمالك والذي يعد من أقدم الكاليريات في جمهورية مصر العربية .