الحداثة والإصلاح الديني
هناك شيء آخر أفهمتني إياه تجربة أوروبا مع الحداثة والتقدم وهو أن الإصلاح الديني يسبق الإصلاح السياسي بالضرورة ويحتضنه ويفتح له الطريق . ولذلك فإن دعوة بعض المثقفين العرب إلى إجراء إصلاحات سياسية بدون مواجهة الحركات الأصولية الارتكاسية على أرضيتها بالذات وتحقيق التنوير الديني لن يؤدي إلى أي نتيجة تُذكر .
فما دام الفقه القديم مسيطراً على العقول ، فلا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية في أي بلد من البلدان العربية ذات التعددية الطائفية أو المذهبية . بل وحتى البلدان ذات الانسجام الديني أو المذهبي ( على فرض أنها موجودة ) سوف تنقسم تحت ضغط الحداثة العالمية إلى قسمين : قسم تقليدي محافظ ، وقسم تنويري يفهم الدين بشكل آخر مختلف : أي بشكل أقل إكراهاً وقمعاً . وبالتالي ففي كل الأحوال ، فإن مسألة التنوير سوف تطرح نفسها على العرب والمسلمين ولا يمكن الإفلات منها كما يحاول بعض المثقفين الديماغوجيين أو السطحيين أكثر من اللزوم . وهم عادة مثقفون يتحلون بقشرة رقيقة جداً من الحداثة ولكنها تخبئ تحتها كل الرواسب الطائفية المتراكمة على مدار القرون . هؤلاء بالطبع لا خير يُرجى منهم لأنه لا مصلحة لهم في تفكيك القديم الموروث والمتحنّط . على العكس فإنهم يدافعون عنه بكل قوة باعتبار أنه من ثوابت الأمة ! ثم يزعمون في ذات الوقت أنهم يدافعون عن الحداثة ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ... ولكن من يستطيع أن يصدقهم ؟ إن لعبتهم الازدواجية مكشوفة وليست بحاجة إلى تعرية . ففي الغرب لهم كلام وفي العالم العربي لهم كلام آخر . إنهم يريدون التوصل إلى الحداثة بدون أن يدفعوا ثمنها : أي الإبقاء على العفن القديم كما هو .
هَاشِم صَالح : كتاب مدخل إلى التنوير الأوروبي . منشورات دار الطليعة . الطبعة الأولى 2005 . ص 10 - 11 .
مصطفى الغتيري
هناك شيء آخر أفهمتني إياه تجربة أوروبا مع الحداثة والتقدم وهو أن الإصلاح الديني يسبق الإصلاح السياسي بالضرورة ويحتضنه ويفتح له الطريق . ولذلك فإن دعوة بعض المثقفين العرب إلى إجراء إصلاحات سياسية بدون مواجهة الحركات الأصولية الارتكاسية على أرضيتها بالذات وتحقيق التنوير الديني لن يؤدي إلى أي نتيجة تُذكر .
فما دام الفقه القديم مسيطراً على العقول ، فلا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية في أي بلد من البلدان العربية ذات التعددية الطائفية أو المذهبية . بل وحتى البلدان ذات الانسجام الديني أو المذهبي ( على فرض أنها موجودة ) سوف تنقسم تحت ضغط الحداثة العالمية إلى قسمين : قسم تقليدي محافظ ، وقسم تنويري يفهم الدين بشكل آخر مختلف : أي بشكل أقل إكراهاً وقمعاً . وبالتالي ففي كل الأحوال ، فإن مسألة التنوير سوف تطرح نفسها على العرب والمسلمين ولا يمكن الإفلات منها كما يحاول بعض المثقفين الديماغوجيين أو السطحيين أكثر من اللزوم . وهم عادة مثقفون يتحلون بقشرة رقيقة جداً من الحداثة ولكنها تخبئ تحتها كل الرواسب الطائفية المتراكمة على مدار القرون . هؤلاء بالطبع لا خير يُرجى منهم لأنه لا مصلحة لهم في تفكيك القديم الموروث والمتحنّط . على العكس فإنهم يدافعون عنه بكل قوة باعتبار أنه من ثوابت الأمة ! ثم يزعمون في ذات الوقت أنهم يدافعون عن الحداثة ، والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ... ولكن من يستطيع أن يصدقهم ؟ إن لعبتهم الازدواجية مكشوفة وليست بحاجة إلى تعرية . ففي الغرب لهم كلام وفي العالم العربي لهم كلام آخر . إنهم يريدون التوصل إلى الحداثة بدون أن يدفعوا ثمنها : أي الإبقاء على العفن القديم كما هو .
هَاشِم صَالح : كتاب مدخل إلى التنوير الأوروبي . منشورات دار الطليعة . الطبعة الأولى 2005 . ص 10 - 11 .
مصطفى الغتيري