الأسطورة لمصطفى لغتيري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأسطورة لمصطفى لغتيري

    الأسطورة مصطفى لغتيري

    يزخر التراث الإنساني بعدد وافر من الأساطير ،التي كانت وقت كتابتها أجوبة عن أسئلة أنطولوجية ومعرفية وقيمية، شغلت الشعوب التي أنتجت هذه الأساطير،وقد برع مبدعوها أفرادا وجماعات في سبكها بلغة متينة وبسيطة تتوسل الرمز والمجاز لتبلغ رسالتها أو رسائلها إلى المعنيين بالأمر، دون أن تضحي بالعمق الفكري والدلالي الذي جعلها تستمر حية عبر العصور.
    وقد التفت الأدب في مرحلة من مراحله، وخاصة في فترة ما بعد الحداثة إلى الأسطورة باعتبارها رد فعل قوي على طغيان التفكر العقلاني، الذي ساد خلال موجة الحداثة، والذي كانت نتائجه كارثية على البشرية بسبب استعمار البلدان المستضعفة بحجج ” عقلية و منطقية”، وانتهى المطاف بإشعال حروب عالمية لم تبق ولم تذر. فكان أن تقهقر الإنسان المغبون نحو طفولته الأولى المعنوية،التي تعبر عنها الأساطير، وكان هذا الاحتفاء بالأسطوري نوعا من الاعترافات بالثقافة الهامشية للشعوب المستضعفة ،التي اعتبر بعضها متوحشا خلال الفترة “العقلانية” ولا يستحق الحياة أو على الأقل لا يستحق حكم نفسه بنفسه.
    وقد برع الأدباء في التعاطي مع الكم الهائل من الأساطير وتوظيفها في النصوص الأدبية قصة وشعرا ورواية ومسرحية، وكان للأدب العربي نصيب من ذلك حتى وإن جاء ذلك متأخرا.
    ويتميز توظيف الأدب العربي للأسطورة، متمثلا بالخصوص في الشعر ، بمرحلتين مهمتين: المرحلة الاولى تميزت بالتوظيف الخارجي للأسطورة كما نجد عند شعراء النهضة وما بعدها فيتم الإحالة على أسطورة ما ،عربية أو عالمية بشكل مباشر. المرحلة الثانية وتتميز بالتوظيف الداخلي للأسطورة، وأقصد به أن تصبح الأسطورة جزءا من بنية النص، أو أن النص تتلبسه الأسطورة، وكأنه ينتجها اللحظة أمام أبصارنا أو على مسمع من آذاننا.
    مقاطع من قصيدة “رحلة في الليل ” لصلاح عبد الصبور.التي يوظف فيها الشاعر أسطورة السندباد:

    في آخر المساء يمتلي الوساد بالورق
    كوجه فأر ميت طلاسم الخطوط
    وينضح الجبين بالعرق
    ويلتوي الدخان أخطبوط
    في آخر المساء عاد السندباد
    ليرسي السفين
    وفي الصباح يعقد الندمان مجلس الندم
    ليسمعوا حكاية الضياع في بحر العدم
    السندباد:
    (لا تحك للرفيق عن مخاطر الطريق)
    (إن قلت للصاحي انتشيت قال: كيف؟)
    (السندباد كالإعصار إن يهدأ يمت)
    الندامى:
    هذا محال سندباد أن نجوب في البلاد
    إنا هنا نضاجع النساء
    ونغرس الكروم
    ونعصر النبيذ للشتاء
    ونقرأ (الكتاب) في الصباح والمساء
    وحينما تعود نعدو نحو مجلس الندم
    تحكى لنا حكاية الضياع في بحر العدم
    ……………………………..

    في الفجر يا صديقتي تولد نفسي من جديد
    كل صباح أحتفي بعيدها السعيد
    ما زلت حياً! فرحتي! ما زلت والكلام والسباب
    والسعال
    وشاطئ البحار ما يزال يقذف الأصداف واللآل
    والسحب ما تزال
    تسح، والمخاض يلجئ النساء للوساد
    ……………………………………….
    صنعت مركباً من الدخان والمداد والورق
    ربانها أمهر من قاد سفينا في خضم
    وفوق قمة السفين يخفق العلم
    وجه حبيبي خيمة من نور
    وجه حبيبي بيرقي المنشور
    جبت الليالي باحثاً في جوفها عن لؤلؤه
    وعدت في الجراب بضعة من المحار
    وكومة من الحصى، وقبضة من الجمار
    وما وجدت اللؤلؤه
    سيدتي، إليك قلبي، واغفري لي، أبيض كاللؤلؤة
    وطيب كاللؤلؤة
    ولامع كاللؤلؤة
    هدية الفقير
    وقد ترينه يزين عشك الصغير
    …………………………………………..
    هذا زمان السأم
    نفخ الأراجيل سأم
    …..
    هذا زمن الحق الضائع
    لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
    ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
    فتحسس رأسك
    فتحسس رأسك
    ……………………….

    يا شيخنا الملاح..
    ..قلبك الجريء كان ثباتاً فما لـه استطير؟
    أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد..
    ثم قال:
    -هذي جبال الملح والقصدير
    فكل مركب تجيئها تدور
    تحطمها الصخور
    …………..
    ملاح هذا العصر سيد البحار
    لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم
    لأنه يموت قبل أن يصارع التيار
يعمل...
X