كاتب مصري يكشف: المقامات بدأت من عُمان وانتهت فيها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كاتب مصري يكشف: المقامات بدأت من عُمان وانتهت فيها

    كاتب مصري يكشف: المقامات بدأت من عُمان وانتهت فيها


    هاشم مصطفى: الأدب العُماني أدب بكر يجب اكتشافه ووضعه في مكانته.
    الثلاثاء 2024/10/01
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الوطن معادل موضوعي للإنسان في الأدب العماني

    تتميز سلطنة عمان بمشهد ثقافي محافظ نوعا ما على خصوصياته، إذ مازالت سلطة المكان والمجتمع والتاريخ مؤثرة في الكتاب العمانيين، دون أن تسلبهم حريتهم، بل يجدون أنفسهم أمام مهمة التحديث من جهة والحفاظ على البصمة والخصوصية الثقافية من جهة أخرى. فيما يلي حوار مع الكاتب المصري هاشم مصطفى الذي خبر الأدب العماني بشكل كبير.
    خميس الصلتي


    مسقط - يرى الكاتب والشاعر المصري هاشم مصطفى، الذي كان ولا يزال قريبا من المشهد الثقافي في سلطنة عمان، من خلال أعماله الشعرية والنقدية، أن الهوية الثقافية هي في أبسط تعبير لها مجموعة القيم من الروافد المختلفة والارتباط والتعبير عن شبكة العلاقات في إطار الفهم الحضاري للوجود.

    ويضيف مصطفى، الذي صدرت له عدة مؤلفات من بينها “فصل أخير من كتاب الغربة” عن الجمعية العمانية للكُتّاب والأدباء و”سعيد الصقلاوي شاعر بحجم الألم” “وفي أروقة الحداثة – بين متاهات الفهم ومحاولات الوصول” و”في حضرة العشق”، أن هذه القيم هي التي تشكل الوجدان والعقل الجمعي لمجتمع ما.
    خصوصية أدبية


    النص الأدبي العُماني يعبر تعبيرا دقيقا عن هويته الثقافية ويعتز بها أيما اعتزاز ويتمسك بها تمسكه بوطنه

    في سياق حديثه عن الهوية الثقافية وأسس تكونها في القصيدة العمانية الفصيحة والشعبية، يقول هاشم مصطفى “إن الأدب عموما والشعر خصوصا مازالا يمثلان المعبر الرسمي والتقليدي لهذا الجانب، وأكثر ما يُخاف منه أن ينزلق الأدب والشعر بعيدا عن تشكيل هويتهما وهذا يصعب على الفن الشعري لأن الشاعر في حالة تجادلية دائما بين المفاهيم والتقاليد والقيم والقصيدة العربية بشقيها الفصيح والشعبي، يعكس التمسك العُماني بكل ما يتعلق بهويته، بل تجد من المدهش أن الرقيب الحقيقي والواضع لحدود التمرد في النص الأدبي العُماني، الهوية والانتماء، فلا تجد التمرد في النص العُماني ظاهرا بتوحش بل بعقلنته، بحيث لا يتعدى الحدود المجتمعية، فالتاريخ والدين والقيم والعادات والتقاليد ظاهرة بوضوح كبير في النصوص حتى المتمرد منها على مجتمعه”.

    ويرى أن النص الشعري العُماني عادة ما يعبر عن خصوصية الهوية الثقافية، وعن مجتمعه. وخير شاهد على ذلك المقطع الشعري لسيف الرحبي الذي يظهر فيه التمسك بروح مطرح ورفض التطوير المقيت للحداثة التي يخشى الشاعر توغلها بهذا التعبير الراقي “الدنيا ذهبت بنا بعيدا وأنتِ ما زلتِ تتسلقين أسواركِ القديمة”، كما يظهر في نصوص الشاعر المهندس سعيد الصقلاوي تمسّكه بملامح التاريخ البحري، فيذكر مفرداته ويشدد عليها والاعتزاز والاحتفاء بالقرى والمدن العُمانية، ويبدو الوطن معادلا موضوعيا للإنسان في مختلف النصوص الشعرية بتعدّد مشاربها واختلاف توجهاتها. فنستطيع القول باطمئنان إن النص العُماني يعبر تعبيرا دقيقا عن هويته الثقافية ويعتز بها أيما اعتزاز ويتمسك بها تمسكه بوطنه.

    وحول رؤيته لواقع الأدب العُماني في المجمل حديثا وقديما يقول الكاتب هشام مصطفى “إذا أردنا أن نقف أمام المشهد الأدبي والشعري الآني في عمان فلا يجب أن نغفل جذوره الممتدة في تاريخ الأدب العربي؛ فعُمان جزء أصيل من هذا المشهد، إلا أنه يمكن وصفه بالمشهد الغائب الحاضر الذي لا يعرف مبرّر لغيابه رغم الحضور الطاغي سواء أكان على مستوى النثر والخطابة أم على مستوى الشعر والنقد، فثمة إخفاء تسبب في غياب السردية التاريخية الأدبية من تاريخ الأدب العربي؛ بحيث يجد أي دارس لهذا الأدب في تحصيل المصادر صعوبات جمة، لتكوين رؤية أعمق له”.



    ويضيف “ومثال ذلك الذي لا تخطئه العين أن تغيب حقيقة المقامات حيث إن الواقع والتحليل العلمي الرصين يخرجان بنتيجة حاسمة؛ أنها بدأت من عُمان وانتهت فيها، وقد تكون هذه الحقيقة صادمة للمبدع العُماني ذاته، إلا أنه في دراسة لهدى حمد نشرت في مجلة ‘نزوى’ بعنوان ‘الفكر في عُمان بين التاريخ والتأريخ’ ركزت على هذه الحقيقة، وهذا غيَّر الكثير من آراء النقاد العرب قديما إلا أن ذلك لم يشفع لكتاب تاريخ الأدب أن يتناولوا هذا الأدب بالدراسة والتحليل إلا في بعض النواحي وعلى مستوى التجارب الفردية سواء للناقد أو للشاعر محل الدراسة، وهذه تحديدا كانت عائقا كبيرا لبيان قيمة وحجم المنتوج الأدبي العماني”.

    ويشدد الكاتب على أن الأدب العُماني قديما وحديثا أدب بكر ويجب اكتشافه ووضعه في مكانته، مضيفا “هذا ما يجب على كل المثقفين فعله بمجموعات بحثية، سواء أكانت أكاديمية أم فردية مجتمعية، وإن ظهرت بواكيره في مجال التاريخ فإننا ننتظر أن يقفز إلى الأدب أيضا”.

    ويشير إلى أن ثمة تطويعا للتخييل والمفردات النابعة من سلطة المكان والمجتمع على المبدع والنص معا في عمان مقارنة بباقي الأدب في الوطن العربي، فمعظمه استطاع أن يتفلّت من المجتمع بل يصبح متمردا عليه إلا في عُمان، إذ مازال المجتمع له هيمنته على معظم المبدعين والنصوص، وهنا يكمن الفرق والمغايرة لهذا الأدب، وبالتالي فروح القصيدة العُمانية يمكن أن تلحظها من تعدّد روافدها ما يجعلها متفردة عن الأخريات بوضوح على كافة الأصعدة.

    وفي حديثه عن النقد في سلطنة عُمان، ما له وما عليه، يقول مصطفى “إن أي باحث مطّلع على مسيرة النقد في سلطنة عُمان يدرك المأزق الذي يعانيه، ولكن بابتعادنا خطوة إلى الخلف يمكننا أن نرى المشهد الكلي لهذا الواقع، علينا أولا أن نقر بأن هذا المأزق لا يخص النقد في عُمان دون غيرها؛ فتراجع الأعمال النقدية مقابل الإنتاج الغزير للإبداع ليس مشكلة في عُمان فحسب بل مشكلة عالمية، وعليه يجب أن نأخذ الأمر ليس بالتحامل على الساحة النقدية في سلطنة عُمان بداية، إلّا أن ثمة إشكالات نابعة من النقد ذاته تضاف إلى الحقيقة السابقة”.



    ويتابع “ما المقصود بالنقد؟ هل هو النظرة التقليدية له بصفتها سلطة مهيمنة عليه وضابطة تعنى بالحكم لا القراءة وذلك بتعدد مناهجها الانطباعية أو النقد التاريخي أو النفسي أم النقد الذي يقوم على كشف النقاب عن البناء وجدليته، فوسط هذا يغيب عن ذهن المبدع أن النقد في حقيقته الآن هو النص الموازي والإبداع الثاني لنصه، ولكن بصورة أكثر تأسيسا لهذا الإبداع الثاني والنص الموازي، فليس المبدع مطالبا بتأسيس رؤيته أو أيديولوجيته أو معتقده، بل يظهر ذلك من خلال بنية النص أو الفن عموما، لكن مع النقد الأمر مختلف تماما والعملية الإبداعية بتعدد أوجهها لا تستغرق وقتا مثلما يستغرقه النقد لذات العمل”.

    ويؤكد على أنه من جهة أخرى إن تجاوزنا مفهوم النقد علينا أن نعرف جيدا أن ثمة فرقا بين النقد الأكاديمي الذي يسكن ساحات الجامعات وأروقتها وبين النقد التطبيقي الذي يتولاه فريق من النقاد وليس بالضرورة أن يكون منتسبا لجامعة أو كلية ما، فالأول معني بالمنهج وإجراءاته أكثر من النتائج لهذه الإجراءات لذلك تجد أن متابعة مثل هذه النوعيات لا تكون إلا لمتخصص أو للنقد التطبيقي، فهؤلاء هم جمهوره ومستهدفه، أما الناقد التطبيقي فالمستهدف لديه هو القارئ بتعدد مستوياته الثقافية، لذا فاللغة هنا غير اللغة هناك والتوظيف هنا غير التوظيف هناك.

    ويضيف أيضا أنه حاليّا يُعدُّ كتابا نقديّا عن الشاعر يحيى السماوي، فالفصل الأول التأسيسي استغرق قرابة العام، مشددا على أنه لا يجب أبدا خلط الأوراق بين المقال النقدي أو البحث المصغر في قصيدة قد تكون انطباعية تحمل رؤية شخصية أنها نقد؛ فالنقد، كما يقول، عمل شاق يجب أن يؤسس له ومن ثم يمارس المنهج والتركيز على النتائج، ولهذا لا يجب أن نجلد الذات باتهام النقاد أو العملية النقدية بالتراجع أو التراخي أو الغياب دون البحث وراء العلل.

    ويضيف “هل تساءل أحد عمّا يجب على المجتمع بمؤسساته المدنية من دعم للناقد حتى يمكن له أن يقدم عملا معتبرا جديرا بالطباعة، فلا نقول الدعم مثل التيار الاشتراكي وهو الأيديولوجيا بل الدعم في الطباعة والترويج، نعم هناك مؤسسات مثل الجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء أو مجلة ‘نزوى’، ولكن هل طاقتهما تكفي لتغطية كامل العملية النقدية ومحفزة لها وهل لهما طاقة ترويج تسمح بالوصول إلى المستهدف وهو القارئ؟ هناك مشاكل كثيرة تواجه النقد في عُمان وبالفعل ينطبق عليهما قوله تعالى (اذهب أنت وربك فقاتلا) فيجب أن تتضافر الجهود، وكذلك يأتي السؤال المهم أين دور المراكز البحثية النقدية في الجامعات من هؤلاء النقاد التطبيقيين أو مختبرات اللغة والنقد والسرديات؟ هناك من العمل الكثير الذي يجب القيام به ومن ثم يمكن لنا أن نقيم العملية النقدية في عُمان”.
    الفصحى والعامية


    القصيدة واحدة سواء أكانت باللغة الفصيحة أم بالمفردة العامية الشعبية لأن البنية واحدة والوزن متقارب

    عن التماس ما بين قصيدة الشعر الفصيح والقصيدة الشعبية وملامح التقاطع معها يقول مصطفى إن “القصيدة في أبسط تعريفها ضرب من الأدب وقوامها البنيوي من الوزن الخليلي أو التفعيلة، وتعتمد على لغة المجاز، غير أن تواجد قصيدة النثر غير المعادلة وجعل اللغة المجازية هي العمود الفقري لأن تحسب العمل الفني قصيدة أو تخرج عنها إلى السرديات”.

    ويضيف “القصيدة واحدة سواء أكانت باللغة الفصيحة أو بالمفردة العامية الشعبية لأن البنية واحدة والوزن متقارب وإن شئت تحديدا فالموسيقى متواجدة ما يعني أن ثمة تطابقا بين النوعين يكاد يكون تاما إلا في المفردة الملتقطة، وقد يكون الخلط ناتجا عن فكرة أن العرب قديما كانوا يتحدثون الفصيح فقط وعليه تكون الشعبية دخيلة أو لأنها باللغة المحكية أو لغة الأسواق تسقط شرعيتها، فالفرق بين القصيدة الفصيحة والأخرى الشعبية هو الالتزام بالضبط للغة لا أكثر ولا أقل”.

    ويشير إلى أن لغة القصيدة الشعبية هي لغة ملحونة في رأي اللغويين قديما وكانت تطلق عليها لغة الأسواق، والدليل هو الكم الهائل من التراث المحكي الشعبي الذي بدأ توثيقه أخيرا، وحسب الدكتور عبدالعلي الودغيري، صاحب قاموس “العربيات المغتربات” فإن عددا من اللهجات العربية القديمة، سواء ما أدمج في الفصحى المشتركة المختارة من لهجات العرب، أو التي لم تدمج، ظلّت “قائمة ومستعملة على هامش الفُصحى” ولأن القصيدة الفصيحة وجدت شرعيتها من الاعتراف بها خلال ما قام به النقاد قديما وحديثا للتأسيس لها وتتبع تطورها، ولم تجد القصيدة الشعبية نفس الاهتمام، بل على العكس وجدت الإهمال على اعتبارها قصيدة العامة والأخرى قصيدة (عكس العامة).

    ويضيف “بناء عليه فقد تكون القصيدة الشعبية في فترات كثيرة هي الأكثر تعبيرا عن آمال المجتمع وآلامه وتعبيرا عن الإنسان البسيط وأحلامه البسيطة، حيث درس عددا من القصائد الشعبية محاولا التأسيس لها من خلال القراءات المعمقة بالمناهج النقدية الحديثة خلال نشر هذه الدراسات في ملحق مجلس الشعر الشعبي الذي تولى إخراجه الشاعر مسعود الحمداني، لهذا فما ينقص القصيدة الشعبية التأسيس لها وأعتقد أن هذا الاتجاه بدأ في الآونة الأخيرة”.

    ويواصل “جدير بالذكر أن القصيدة الشعبية أخذت منحى الحداثة فهما واستخداما ولغة وإن حافظت على الإيقاع والموسيقى وأعتقد أن الشاعر محفوظ الفارسي يقوم بهذه التجارب الشعرية الإبداعية الجديدة وألحظ من خلال قربي للمجتمع الإبداعي الشعبي أن شعراءه أكثر نشاطا في تجميع أنفسهم وتكوين البرزات والمجالس الخاصة بهم وبروزهم من خلال مؤسسات المجتمع المدني والأهلي مثل النوادي، وإتاحة الفرصة لأصواتهم للوصول إلى ساحة أكثر اتساعا من الجمهور خاصة وأن الشعب العُماني محبّ للشعر ومتذوق له بل وناقد بالسليقة نقدا حدسيا عميقا يجعل أي مبدع حريصا ولا يغامر بالوقوف أمامه إلا متسلحا بنص يحترم هذه الذائقة ولهذا نجد لفرسان القصيدة الشعبية حضورا بارزا في الساحات الإقليمية بل وهناك من وصل إلى أهم المسابقات الشعرية”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X