السعودية والإمارات تجربتان رائدتان في دعم أدب الطفل
أدب الطفل الخليجي قوالب ثقافية واعية تشكل عقول الأجيال.
الأربعاء 2024/10/02
ShareWhatsAppTwitterFacebook
أدب الطفل يحتاج إلى اهتمام نوعي
كانت دول الخليج من الدول العربية الرائدة في اهتمامها بأدب الطفل، الذي عرف العرب اهتماما متأخرا به رغم أهميته البالغة، وهذا ما تنبهت له دولتان هما الإمارات والسعودية، فخصصت كل منهما مساحة هامة لدعم أدب الطفل الذي يعد وسيلة بناء الأجيال الأولى، وهو ما نجحتا فيها دون إغفال الحاجة المستمرة إلى النقد والتطوير.
يعد أدب الأطفال واليافعين، من تلك الأجناس الأدبية الوليدة في دول الخليج التي لم تعط حقها من الاهتمام والدراسة والبحث الجديين إلا مؤخرا، وتحديدا خلال العقود الأربعة الماضية. فقد كان ينظر في الماضي للكتابة للطفل بأنها تعد منقصة من قيمة الأديب. وكان هذا الرأي الشائع لدى العديد من الكتاب الخليجيين من الأسباب الرئيسية في تأخر بلورة وتشكيل نتاجات أدبية نوعية وواعدة توجه بالكلية للأطفال وتسهم في تشكيل معرفتهم وتثقيفهم والترفيه عنهم في ذات الوقت.
هذا ما يؤكد عليه الناقد حسن مشهور في كتابه “أدب الطفل الخليجي النظرية النقدية وتعالقاتها مع أدب الأطفال واليافعين”، الصادر أخيرا عن مؤسسة أروقة، ويضيف “لاحقا ومع زيادة الوعي النوعي حول أهمية التوجه للناشئة والعمل على صقل مواهبهم وضمان تنشئتهم تنشئة تربوية قويمة وكذلك زيادة رصيدهم المعرفي والعمل على إشغالهم بكل ما هو علمي مفيد وإبداعي خلاق؛ فقد بدأنا نلحظ توجه ثلة من الرواد في منطقة الخليج وتحديدا منها دولتا الإمارات والسعودية للتعاطي الكتابي مع أدب الطفل، ليزداد لاحقا هذا التوجه وليتمخض في قوالب تشكيلية تناولت مختلف تكوينات التعبير الإبداعي، التي وجهت بالكلية للطفل الخليجي”.
تشجيع أدب الطفل
مشهور يرى أن مجلة "ماجد" أحدثت أثرا معرفيا وتثقيفيا وقبل ذلك تربويا في أجيال بعينها
يرى مشهور أن المشهد الأدبي الخليجي شهد نتاجات في فن القصص والأناشيد وروايات الخيال العلمي والمجلات المتخصصة كذلك التي يوجه محتواها لعقل الطفل الخليجي ويعمل لضمان زيادة رصيده المعرفي، ولقد صاحب ذلك اهتمام نوعي من لدن المؤسسات الرسمية التي تعنى بالثقافة في حكومتي البلدين – الإمارات والسعودية – فتم على إثر ذلك رصد الجوائز التشجيعية للمبدعين في الكتابة للطفل وعقد المعارض الأدبية التي يستطيعون من خلالها المشاركة وتحقيق حضورهم في المشهد الأدبي في كلا البلدين. وهو الأمر الذي أدّى إلى تحقيق ثورية في أدب الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها المملكة العربية السعودية، وأسهم بشكل دراماتيكي في جعل هذا الضرب من الفن يحتل مكانته السامقة ويغدو ذا حضور مؤثر في الواقعية الأدبية في منطقة الخليج والمنطقة العربية أيضا.
ويتابع “لقد صاحب هذا الحضور النتاجي الإبداعي، حضور من نوع آخر يرتبط بالدرس النقدي الذي عمل جاهدا لإبراز المحتوى البنيوي لأدب الطفل وأعمل فيه مبضعه في سعي جادٍ منه لتنميته والعمل على تجويد محتواه. وفي مبحثي هذا، أسعى لرصد مجمل ذلك وبكل تجرد. لضمان تقييم أداء النقد لرسالته الأدبية النوعية، وتبين ما تحقق منها وفق ما يفترض أن يكون”.
يبين المؤلف أنه قد بدأ يتولد في الساحة الأدبية السعودية – وتحديدا بعد العام 1398هـ – نوع آخر من الاهتمام بأدب الطفل يمكن أن يوصف بأنه “عمل مؤسساتي”، أسهمت في تشكله إلى حد بعيد المؤسسة التعليمية، حيث قامت بدور كبير يشار إليه بالبنان. وتمثل ذلك في قيام الجامعات السعودية الرسمية والمؤسسات الثقافية السعودية الأخرى بالعناية بكل ما له صلة بثقافة الطفل، وتم تحقيق ذلك عبر تبني جملة من الأساليب المختلفة، التي كان من أبرزها: أولا إصدار سلاسل ثقافية للطفل وعن الطفل. وهذه السلاسل التثقيفية قد كانت من الأهمية بمكان، إذ قد كان من أبرز سماتها أنها قد أعدت بمهنية عالية وحُرّر محتواها وفق أحدث الأساليب التربوية والتثقيفية التي توجه للطفل عموما في باقي أصقاع المعمورة. ثانيا تسجيل عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في هذا المجال. وقد أسهمت هذه الدراسات الأكاديمية في نقل أدب الكتابة للأطفال إلى أبعاد وجودية أخرى، مما أدى إلى تغيير العديد من معادلات التعاطي مع الكتابة للأطفال. ثالثا عقد ندوات وحلقات علمية متخصصة. وهذه الندوات إلى جانب حلقات النقاش المتخصصة، قد أسهمت بشكل جدي في لفت الأنظار لهذا الضرب الوليد من الأدب في الساحة الثقافية السعودية.
إلى جانب ذلك يقر مشهور بدور تشجيع العديد من المهتمين بالكتابة، للاتجاه صوب الكتابة للناشئة وتناول بعض قضاياهم الحياتية وسبل تثقيفهم في طرح هؤلاء الكتاب وغيرهم من مثقفي المجتمع. رابعا إنشاء أقسام لرياض الأطفال. وهذا الأمر يمثل مفصلية هامة في تاريخ التطور الثقافي لأدب الطفل في الداخل السعودي. إذ من خلال هذه الأقسام ذات البعدين التربوي والتعليمي الجادين، التي يوجه محتواها القائم على التخطيط التربوي والتعليمي للأطفال دون غيرهم من الدارسين، الدور المهم في تشكيل بنية تعليمية ومعرفية تحتية، تقوم عليها عملية التثقيف المرحلي المجتمعي السعودي التي تمتد خلال فترات النمو العمري المختلفة للشبيبة من أبناء المملكة العربية السعودية.
ويضيف أنه كان لوعي حكومة السعودية بأهمية تثقيف وتعليم وتربية الطفل السعودي، وضرورة الاهتمام بتشكيل شخصيته وقبل ذلك فكره، أن دعت المؤسسة الرسمية لرفد تحقق هذا التوجه عبر توظيف أدوات الإعلام الرسمي الحديثة التي بدأت تحتل مساحة من اهتمام ومتابعة شرائح مختلفة من أبناء الشعب السعودي. ويعني بذلك؛ “تلفزيون السعودية”، و”إذاعة المملكة العربية السعودية”.
المشهد الأدبي الخليجي شهد نتاجات هامة في فن القصص والأناشيد وروايات الخيال العلمي والمجلات المتخصصة الموجهة للطفل
ويشير إلى أن التلفزيون وعبر قناته الأولى قد خصص برامج بعينها تتناول في محتواها القصة الهادفة والأنشودة الموجهة، من ذلك برنامج “ربوع بلادي”، وبرنامج “برنامج الأطفال”، وبرنامج “أهلا بالأطفال”، إضافة إلى برنامج “دنيا الأطفال”. هذا بالإضافة إلى بعض البرامج التي تحقق جانبي “التوجيه والترفيه”، والتي يعد من أشهرها برنامج “بابا فرحان”، وهو من تأليف خالد الحربي ومن إنتاج مؤسسة المكتب (هاني السعدي)، ويقع في ثلاثة عشر جزءا، ويعد هذا البرنامج من أشهر مسلسلات الأطفال في الخليج العربي، وكان لشخصيات بابا فرحان كذلك عدد كبير من المسرحيات التي تنقلت لتقدم عروضها المسرحية في جميع أنحاء مناطق المملكة.
وكذلك العديد من أفلام الكرتون المدبلجة التي كانت تتناول في جنباتها مواضيع تدور في فلك الفضائل وتشجيع الصغار على التحلي بها أسوة بأبطال البرامج الترفيهية هذه. إلى جانب تلك البرامج التوعوية التي يشرف على إنتاجها التلفزيون السعودي بالشراكة مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي ويتولى عرضها عبر قناته، والتي يعد من أشهرها برنامج الأطفال التعليمي؛ “افتح يا سمسم”، والبرنامج التوعوي والتثقيفي “سلامتك”.
كما أن الإذاعة السعودية كانت قد تخصص كذلك جزءا من بثها لبرامج تهدف إلى تثقيف الطفل السعودي وتوسيع مداركه المعرفية إلى جانب تحقيق جانب الإمتاع لديه، ويعد برنامج “ماما أسماء”، هو الأقدم والأشهر، حيث كانت تقدمه الإعلامية أسماء زعزوع التي تعد أول مذيعة سعودية تقدم برامج الأطفال عبر الإذاعة، وأول امرأة سعودية أيضا قد لامس صوتها أذن المستمع السعودي وقد اشتهرت محليا بلقبها “ماما أسماء”.
الحضور الإبداعي لأدب الطفل يجب أن يصاحبه حضور من نوع آخر يرتبط بالدرس النقدي لإبراز المحتوى البنيوي لهذا الأدب
يلفت مشهور إلى أنه بمراجعة الواقعية الوجودية لأدب الطفل في فضاءات الأدب الخليجي، سواء منها؛ السردية أو الشعرية فإنه سيظهر لنا بوضوح أن دولة الإمارات، قد كان لها قصب السبق في ريادة أدب الطفل في الداخل الخليجي على امتداد وجوديته التاريخية الماثلة الآن للعيان. وهو أمر يحسب في الواقع للأدب الإماراتي وللإمارات كدولة وإنسان في إعطاء الاهتمام الكافي لبناة الغد وأجيال المستقبل.
ويضيف “أستطيع أن أقول بتجرد إن مجلة أطفال واحدة، كمجلة ‘ماجد‘ التي كانت تصدر أسبوعيا عن شركة أبوظبي للإعلام كل يوم أربعاء منذ أول يوم أصدر فيه العدد الأول في 28 فبراير من عام 1979، وحتى نهاية العام 2019، وتحول إصدارها إلى مجلة شهرية منذ بداية العام 2020 حتى الآن. إذ قد أحدثت أثرا معرفيا وتثقيفيا وقبل ذلك تربويا في أجيال بعينها، بحيث مكنت لذواتهم أن تتحقق ولعقولهم الفاعلة أن تتشكل وفق قوالب ثقافية واعية ومنتجة وكذلك خلاقة”.
ويرى أنه بمطالعة الخطاب الثقافي بأنواعه المختلفة التي وجهت بالكلية للطفل الإماراتي وتحديدا في الأنواع القصصية، سنجد بأن هناك أربعة أنواع من هذه الخطابات التعبيرية التي اشتملت في واقعها على: خطاب القيم، خطاب الشاعرية، خطاب المغامرة، خطاب الخوارق .
ويتابع أن جملة هذه الخطابات قد تحققت في واقعيتها التعبيرية عبر ثلاثة وسائط رئيسية، قد كانت هي التي شكلت القوالب التعبيرية المادية التي تحقق من خلالها الثراء المعرفي والفعل التعريفي لعقل ووجدان الطفل الإماراتي. إذ قد وصل أدب الطفل لأبناء الإمارات من صغار السن والمراهقين من الجنسين عبر: رواية القصة، والكتاب، ومجلة الأطفال. وعند إعمال العقل في البدايات التي شكلت المنطلق الأول لأدب الطفل في الداخل الإماراتي، فسنجد بأنها تتشابه إلى حد بعيد مع مثيلاتها سواء في دول الخليج أو باقي الدول العربية.
ويؤكد مشهور أن البداية كانت من الموروث الشعبي، ممثلا بحكايا الجدات، “من الخراريف” والتي تُسْتحضر من التقاليد والعادات، من التراث الشعبي، من القيم التي يغرسها الآباء والأجداد في نفس الطفل، وغالبا ما تغرس هذه القيم بحكاية على لسان إنسان أو حيوان أو مخلوق خرافي، بحيث لا تخلو من الإثارة، من أجل أن تحقق الحكاية غايتها المتمثلة في تعليم الطفل حكمة معينة أو غرس قيمة تعزز الاحتفاظ بالعادات والتقاليد. وهو ما يقودنا إلى فهم بعينه يتمثل في حقيقة أن أدب الطفل في بداياته في الداخل الإماراتي قد كان يعيش البساطة، يحاكي البيئة التي يتواجد فيها الإنسان، وينبثق من واقعية الحياة اليومية، التي كانت تتسم آنذاك بالبساطة، بحيث تلامس رمل الصحراء وماء البحر المالح، وقمم الجبال والألعاب الشعبية.
ضرورة الاعتناء بالنقد
يقول “لكي يتطور نقد أدب الطفل الخليجي ويحقق حضورية مشهدية تتسم بالتكثيف؛ فنحن في حاجة إلى إجراء ممارسة نقدية ذاتية، ولا يعني بذلك الذهاب لجلد الذات واجترار الإخفاقات في الممارسة النقدية الإماراتية والسعودية المتسمة في طابعها الشمولي بالانطباعية لكون ذلك مما سيكرس لدينا الشعور بالتقزم الأدبي، ولكن ما أهدف إليه هو أن نتبنى ‘ميكانزما‘ إجرائيا تفكيكيا أو ما يسمى بـ‘نقد النقد‘، كي نتمكن من تحديد جوانب الإقواء في بنية الفعل النقدي السعودي ومن ثم اقتراح المعالجة وصولا إلى تحقيق الحل المنشود”.
ويخلص مشهور إلى أنه يمكن رسم مسارات الرفد تلك التي تساعدنا في تحقيق آلية نقد إنتاجي واعد في تعاطينا مع أدب الطفل في الإمارات والسعودية على السواء، عبر تبني سلسلة التوصيات التالية التي تهدف إلى تحقيق هذه المعادلة على الوجه الأكمل.
ويرى أنه من المطلوب أولا أن تعيد المؤسسة التعليمية الرسمية ممثلة في أقسام الأدب والنقد في جامعات الداخل السعودي النظر في مقرراتها الدراسية، خاصة تلك المواد التي تتناول النقد الأدبي، بحيث يتم التدريب بشكل عملي ومن ثم تمهير الدارسين على مهارة توظيف وإسقاط المنهج العلمي النقدي على النص الأدبي.
ثانيا ينبغي أن تكرس المؤسسة الثقافية الرسمية جزءا من دورها الأدائي في العمل على عقد العديد من المؤتمرات والملتقيات النقدية على أن يخصص محتواها لتناول الأطروحات والدراسات النقدية والبحثية التي تعنى بأدب الكتابة للطفل، لكون نتائجها وتوصياتها ستسهم بشكل جدي في تحقيق ممارسة نقدية تتسم بالتكثيف والحضور في حقل الدراسات النقدية التي تتناول أدب الطفل وتعمل على إثرائه.
كما يقر بأن دور المؤسسة الثقافية الرسمية، ينبغي أن يتجاوز تنظيم المؤتمرات النقدية المتخصصة في أدب الطفل، ليطال مساحات نقدية واعدة تتسم بالتجديد والرحابة. ويعني بذلك تنظيم المزيد من الملتقيات والمؤتمرات التي تتبنى منهجية “نقد النقد”، باعتبار أن هذا الحقل المتجدد من النقد هو مما يعد رافدا تحسينيا للأداءات النقدية المشهدية الحقة.
ويضيف “ثالثا من الجيد أن تعلن المؤسسة الثقافية ـ وزارة الثقافة أو عبر مؤسساتها الثقافية الصغرى – عن تخصيص جائزة للدراسات النقدية المنهجية التي تعنى بأدب الطفل من مختلف جوانبه وتفريعاته، الأمر الذي سيسهم في رفع درجة الاهتمام بالدراسات النقدية التي تعنى بأدب الطفولة”.
أما رابع التوصيات التي يقترحها مشهور فهي أنه لا بد أن تسعى المؤسسة التعليمية لتحقيق أطروحة “الإصلاح اللغوي”، عبر إجراء مراجعة دورية لمناهجها التعليمية سعيا لتحسين مهارات أبنائنا وبناتنا الطلاب في تعلم اللغة العربية الأم، لكونها ستكون القالب الكتابي الذي سيصب فيه الموهوبون منهم في مجال كتابة أدب الطفل ونقده إبداعاتهم المستقبلية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري
أدب الطفل الخليجي قوالب ثقافية واعية تشكل عقول الأجيال.
الأربعاء 2024/10/02
ShareWhatsAppTwitterFacebook
أدب الطفل يحتاج إلى اهتمام نوعي
كانت دول الخليج من الدول العربية الرائدة في اهتمامها بأدب الطفل، الذي عرف العرب اهتماما متأخرا به رغم أهميته البالغة، وهذا ما تنبهت له دولتان هما الإمارات والسعودية، فخصصت كل منهما مساحة هامة لدعم أدب الطفل الذي يعد وسيلة بناء الأجيال الأولى، وهو ما نجحتا فيها دون إغفال الحاجة المستمرة إلى النقد والتطوير.
يعد أدب الأطفال واليافعين، من تلك الأجناس الأدبية الوليدة في دول الخليج التي لم تعط حقها من الاهتمام والدراسة والبحث الجديين إلا مؤخرا، وتحديدا خلال العقود الأربعة الماضية. فقد كان ينظر في الماضي للكتابة للطفل بأنها تعد منقصة من قيمة الأديب. وكان هذا الرأي الشائع لدى العديد من الكتاب الخليجيين من الأسباب الرئيسية في تأخر بلورة وتشكيل نتاجات أدبية نوعية وواعدة توجه بالكلية للأطفال وتسهم في تشكيل معرفتهم وتثقيفهم والترفيه عنهم في ذات الوقت.
هذا ما يؤكد عليه الناقد حسن مشهور في كتابه “أدب الطفل الخليجي النظرية النقدية وتعالقاتها مع أدب الأطفال واليافعين”، الصادر أخيرا عن مؤسسة أروقة، ويضيف “لاحقا ومع زيادة الوعي النوعي حول أهمية التوجه للناشئة والعمل على صقل مواهبهم وضمان تنشئتهم تنشئة تربوية قويمة وكذلك زيادة رصيدهم المعرفي والعمل على إشغالهم بكل ما هو علمي مفيد وإبداعي خلاق؛ فقد بدأنا نلحظ توجه ثلة من الرواد في منطقة الخليج وتحديدا منها دولتا الإمارات والسعودية للتعاطي الكتابي مع أدب الطفل، ليزداد لاحقا هذا التوجه وليتمخض في قوالب تشكيلية تناولت مختلف تكوينات التعبير الإبداعي، التي وجهت بالكلية للطفل الخليجي”.
تشجيع أدب الطفل
مشهور يرى أن مجلة "ماجد" أحدثت أثرا معرفيا وتثقيفيا وقبل ذلك تربويا في أجيال بعينها
يرى مشهور أن المشهد الأدبي الخليجي شهد نتاجات في فن القصص والأناشيد وروايات الخيال العلمي والمجلات المتخصصة كذلك التي يوجه محتواها لعقل الطفل الخليجي ويعمل لضمان زيادة رصيده المعرفي، ولقد صاحب ذلك اهتمام نوعي من لدن المؤسسات الرسمية التي تعنى بالثقافة في حكومتي البلدين – الإمارات والسعودية – فتم على إثر ذلك رصد الجوائز التشجيعية للمبدعين في الكتابة للطفل وعقد المعارض الأدبية التي يستطيعون من خلالها المشاركة وتحقيق حضورهم في المشهد الأدبي في كلا البلدين. وهو الأمر الذي أدّى إلى تحقيق ثورية في أدب الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة وشقيقتها المملكة العربية السعودية، وأسهم بشكل دراماتيكي في جعل هذا الضرب من الفن يحتل مكانته السامقة ويغدو ذا حضور مؤثر في الواقعية الأدبية في منطقة الخليج والمنطقة العربية أيضا.
ويتابع “لقد صاحب هذا الحضور النتاجي الإبداعي، حضور من نوع آخر يرتبط بالدرس النقدي الذي عمل جاهدا لإبراز المحتوى البنيوي لأدب الطفل وأعمل فيه مبضعه في سعي جادٍ منه لتنميته والعمل على تجويد محتواه. وفي مبحثي هذا، أسعى لرصد مجمل ذلك وبكل تجرد. لضمان تقييم أداء النقد لرسالته الأدبية النوعية، وتبين ما تحقق منها وفق ما يفترض أن يكون”.
يبين المؤلف أنه قد بدأ يتولد في الساحة الأدبية السعودية – وتحديدا بعد العام 1398هـ – نوع آخر من الاهتمام بأدب الطفل يمكن أن يوصف بأنه “عمل مؤسساتي”، أسهمت في تشكله إلى حد بعيد المؤسسة التعليمية، حيث قامت بدور كبير يشار إليه بالبنان. وتمثل ذلك في قيام الجامعات السعودية الرسمية والمؤسسات الثقافية السعودية الأخرى بالعناية بكل ما له صلة بثقافة الطفل، وتم تحقيق ذلك عبر تبني جملة من الأساليب المختلفة، التي كان من أبرزها: أولا إصدار سلاسل ثقافية للطفل وعن الطفل. وهذه السلاسل التثقيفية قد كانت من الأهمية بمكان، إذ قد كان من أبرز سماتها أنها قد أعدت بمهنية عالية وحُرّر محتواها وفق أحدث الأساليب التربوية والتثقيفية التي توجه للطفل عموما في باقي أصقاع المعمورة. ثانيا تسجيل عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في هذا المجال. وقد أسهمت هذه الدراسات الأكاديمية في نقل أدب الكتابة للأطفال إلى أبعاد وجودية أخرى، مما أدى إلى تغيير العديد من معادلات التعاطي مع الكتابة للأطفال. ثالثا عقد ندوات وحلقات علمية متخصصة. وهذه الندوات إلى جانب حلقات النقاش المتخصصة، قد أسهمت بشكل جدي في لفت الأنظار لهذا الضرب الوليد من الأدب في الساحة الثقافية السعودية.
إلى جانب ذلك يقر مشهور بدور تشجيع العديد من المهتمين بالكتابة، للاتجاه صوب الكتابة للناشئة وتناول بعض قضاياهم الحياتية وسبل تثقيفهم في طرح هؤلاء الكتاب وغيرهم من مثقفي المجتمع. رابعا إنشاء أقسام لرياض الأطفال. وهذا الأمر يمثل مفصلية هامة في تاريخ التطور الثقافي لأدب الطفل في الداخل السعودي. إذ من خلال هذه الأقسام ذات البعدين التربوي والتعليمي الجادين، التي يوجه محتواها القائم على التخطيط التربوي والتعليمي للأطفال دون غيرهم من الدارسين، الدور المهم في تشكيل بنية تعليمية ومعرفية تحتية، تقوم عليها عملية التثقيف المرحلي المجتمعي السعودي التي تمتد خلال فترات النمو العمري المختلفة للشبيبة من أبناء المملكة العربية السعودية.
ويضيف أنه كان لوعي حكومة السعودية بأهمية تثقيف وتعليم وتربية الطفل السعودي، وضرورة الاهتمام بتشكيل شخصيته وقبل ذلك فكره، أن دعت المؤسسة الرسمية لرفد تحقق هذا التوجه عبر توظيف أدوات الإعلام الرسمي الحديثة التي بدأت تحتل مساحة من اهتمام ومتابعة شرائح مختلفة من أبناء الشعب السعودي. ويعني بذلك؛ “تلفزيون السعودية”، و”إذاعة المملكة العربية السعودية”.
المشهد الأدبي الخليجي شهد نتاجات هامة في فن القصص والأناشيد وروايات الخيال العلمي والمجلات المتخصصة الموجهة للطفل
ويشير إلى أن التلفزيون وعبر قناته الأولى قد خصص برامج بعينها تتناول في محتواها القصة الهادفة والأنشودة الموجهة، من ذلك برنامج “ربوع بلادي”، وبرنامج “برنامج الأطفال”، وبرنامج “أهلا بالأطفال”، إضافة إلى برنامج “دنيا الأطفال”. هذا بالإضافة إلى بعض البرامج التي تحقق جانبي “التوجيه والترفيه”، والتي يعد من أشهرها برنامج “بابا فرحان”، وهو من تأليف خالد الحربي ومن إنتاج مؤسسة المكتب (هاني السعدي)، ويقع في ثلاثة عشر جزءا، ويعد هذا البرنامج من أشهر مسلسلات الأطفال في الخليج العربي، وكان لشخصيات بابا فرحان كذلك عدد كبير من المسرحيات التي تنقلت لتقدم عروضها المسرحية في جميع أنحاء مناطق المملكة.
وكذلك العديد من أفلام الكرتون المدبلجة التي كانت تتناول في جنباتها مواضيع تدور في فلك الفضائل وتشجيع الصغار على التحلي بها أسوة بأبطال البرامج الترفيهية هذه. إلى جانب تلك البرامج التوعوية التي يشرف على إنتاجها التلفزيون السعودي بالشراكة مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي ويتولى عرضها عبر قناته، والتي يعد من أشهرها برنامج الأطفال التعليمي؛ “افتح يا سمسم”، والبرنامج التوعوي والتثقيفي “سلامتك”.
كما أن الإذاعة السعودية كانت قد تخصص كذلك جزءا من بثها لبرامج تهدف إلى تثقيف الطفل السعودي وتوسيع مداركه المعرفية إلى جانب تحقيق جانب الإمتاع لديه، ويعد برنامج “ماما أسماء”، هو الأقدم والأشهر، حيث كانت تقدمه الإعلامية أسماء زعزوع التي تعد أول مذيعة سعودية تقدم برامج الأطفال عبر الإذاعة، وأول امرأة سعودية أيضا قد لامس صوتها أذن المستمع السعودي وقد اشتهرت محليا بلقبها “ماما أسماء”.
الحضور الإبداعي لأدب الطفل يجب أن يصاحبه حضور من نوع آخر يرتبط بالدرس النقدي لإبراز المحتوى البنيوي لهذا الأدب
يلفت مشهور إلى أنه بمراجعة الواقعية الوجودية لأدب الطفل في فضاءات الأدب الخليجي، سواء منها؛ السردية أو الشعرية فإنه سيظهر لنا بوضوح أن دولة الإمارات، قد كان لها قصب السبق في ريادة أدب الطفل في الداخل الخليجي على امتداد وجوديته التاريخية الماثلة الآن للعيان. وهو أمر يحسب في الواقع للأدب الإماراتي وللإمارات كدولة وإنسان في إعطاء الاهتمام الكافي لبناة الغد وأجيال المستقبل.
ويضيف “أستطيع أن أقول بتجرد إن مجلة أطفال واحدة، كمجلة ‘ماجد‘ التي كانت تصدر أسبوعيا عن شركة أبوظبي للإعلام كل يوم أربعاء منذ أول يوم أصدر فيه العدد الأول في 28 فبراير من عام 1979، وحتى نهاية العام 2019، وتحول إصدارها إلى مجلة شهرية منذ بداية العام 2020 حتى الآن. إذ قد أحدثت أثرا معرفيا وتثقيفيا وقبل ذلك تربويا في أجيال بعينها، بحيث مكنت لذواتهم أن تتحقق ولعقولهم الفاعلة أن تتشكل وفق قوالب ثقافية واعية ومنتجة وكذلك خلاقة”.
ويرى أنه بمطالعة الخطاب الثقافي بأنواعه المختلفة التي وجهت بالكلية للطفل الإماراتي وتحديدا في الأنواع القصصية، سنجد بأن هناك أربعة أنواع من هذه الخطابات التعبيرية التي اشتملت في واقعها على: خطاب القيم، خطاب الشاعرية، خطاب المغامرة، خطاب الخوارق .
ويتابع أن جملة هذه الخطابات قد تحققت في واقعيتها التعبيرية عبر ثلاثة وسائط رئيسية، قد كانت هي التي شكلت القوالب التعبيرية المادية التي تحقق من خلالها الثراء المعرفي والفعل التعريفي لعقل ووجدان الطفل الإماراتي. إذ قد وصل أدب الطفل لأبناء الإمارات من صغار السن والمراهقين من الجنسين عبر: رواية القصة، والكتاب، ومجلة الأطفال. وعند إعمال العقل في البدايات التي شكلت المنطلق الأول لأدب الطفل في الداخل الإماراتي، فسنجد بأنها تتشابه إلى حد بعيد مع مثيلاتها سواء في دول الخليج أو باقي الدول العربية.
ويؤكد مشهور أن البداية كانت من الموروث الشعبي، ممثلا بحكايا الجدات، “من الخراريف” والتي تُسْتحضر من التقاليد والعادات، من التراث الشعبي، من القيم التي يغرسها الآباء والأجداد في نفس الطفل، وغالبا ما تغرس هذه القيم بحكاية على لسان إنسان أو حيوان أو مخلوق خرافي، بحيث لا تخلو من الإثارة، من أجل أن تحقق الحكاية غايتها المتمثلة في تعليم الطفل حكمة معينة أو غرس قيمة تعزز الاحتفاظ بالعادات والتقاليد. وهو ما يقودنا إلى فهم بعينه يتمثل في حقيقة أن أدب الطفل في بداياته في الداخل الإماراتي قد كان يعيش البساطة، يحاكي البيئة التي يتواجد فيها الإنسان، وينبثق من واقعية الحياة اليومية، التي كانت تتسم آنذاك بالبساطة، بحيث تلامس رمل الصحراء وماء البحر المالح، وقمم الجبال والألعاب الشعبية.
ضرورة الاعتناء بالنقد
يقول “لكي يتطور نقد أدب الطفل الخليجي ويحقق حضورية مشهدية تتسم بالتكثيف؛ فنحن في حاجة إلى إجراء ممارسة نقدية ذاتية، ولا يعني بذلك الذهاب لجلد الذات واجترار الإخفاقات في الممارسة النقدية الإماراتية والسعودية المتسمة في طابعها الشمولي بالانطباعية لكون ذلك مما سيكرس لدينا الشعور بالتقزم الأدبي، ولكن ما أهدف إليه هو أن نتبنى ‘ميكانزما‘ إجرائيا تفكيكيا أو ما يسمى بـ‘نقد النقد‘، كي نتمكن من تحديد جوانب الإقواء في بنية الفعل النقدي السعودي ومن ثم اقتراح المعالجة وصولا إلى تحقيق الحل المنشود”.
ويخلص مشهور إلى أنه يمكن رسم مسارات الرفد تلك التي تساعدنا في تحقيق آلية نقد إنتاجي واعد في تعاطينا مع أدب الطفل في الإمارات والسعودية على السواء، عبر تبني سلسلة التوصيات التالية التي تهدف إلى تحقيق هذه المعادلة على الوجه الأكمل.
ويرى أنه من المطلوب أولا أن تعيد المؤسسة التعليمية الرسمية ممثلة في أقسام الأدب والنقد في جامعات الداخل السعودي النظر في مقرراتها الدراسية، خاصة تلك المواد التي تتناول النقد الأدبي، بحيث يتم التدريب بشكل عملي ومن ثم تمهير الدارسين على مهارة توظيف وإسقاط المنهج العلمي النقدي على النص الأدبي.
ثانيا ينبغي أن تكرس المؤسسة الثقافية الرسمية جزءا من دورها الأدائي في العمل على عقد العديد من المؤتمرات والملتقيات النقدية على أن يخصص محتواها لتناول الأطروحات والدراسات النقدية والبحثية التي تعنى بأدب الكتابة للطفل، لكون نتائجها وتوصياتها ستسهم بشكل جدي في تحقيق ممارسة نقدية تتسم بالتكثيف والحضور في حقل الدراسات النقدية التي تتناول أدب الطفل وتعمل على إثرائه.
كما يقر بأن دور المؤسسة الثقافية الرسمية، ينبغي أن يتجاوز تنظيم المؤتمرات النقدية المتخصصة في أدب الطفل، ليطال مساحات نقدية واعدة تتسم بالتجديد والرحابة. ويعني بذلك تنظيم المزيد من الملتقيات والمؤتمرات التي تتبنى منهجية “نقد النقد”، باعتبار أن هذا الحقل المتجدد من النقد هو مما يعد رافدا تحسينيا للأداءات النقدية المشهدية الحقة.
ويضيف “ثالثا من الجيد أن تعلن المؤسسة الثقافية ـ وزارة الثقافة أو عبر مؤسساتها الثقافية الصغرى – عن تخصيص جائزة للدراسات النقدية المنهجية التي تعنى بأدب الطفل من مختلف جوانبه وتفريعاته، الأمر الذي سيسهم في رفع درجة الاهتمام بالدراسات النقدية التي تعنى بأدب الطفولة”.
أما رابع التوصيات التي يقترحها مشهور فهي أنه لا بد أن تسعى المؤسسة التعليمية لتحقيق أطروحة “الإصلاح اللغوي”، عبر إجراء مراجعة دورية لمناهجها التعليمية سعيا لتحسين مهارات أبنائنا وبناتنا الطلاب في تعلم اللغة العربية الأم، لكونها ستكون القالب الكتابي الذي سيصب فيه الموهوبون منهم في مجال كتابة أدب الطفل ونقده إبداعاتهم المستقبلية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمد الحمامصي
كاتب مصري