هل في مستوصف الأدب ودولته روشتة خاصة بصنع الشعر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل في مستوصف الأدب ودولته روشتة خاصة بصنع الشعر

    هل في مستوصف الأدب ودولته روشتة خاصة بصنع الشعر


    نحن في أمسّ الحاجة إلى التجديد في شعر النثر كي لا نقع في المآزق السابقة.
    الأربعاء 2024/10/02
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    القصيدة تبدأ من الطبيعة الخاصة (لوحة للفنان فؤاد أبوسعد)

    ادعت ما يسميها الكثيرون في الشعرية العربية بقصيدة النثر هدم الحواجز والتحرر من النمطية والذهاب أكثر إلى الأصيل والجديد والهامشي وهلم جرا من شعارات، لكن أغلب ما يكتب فيها بات مكرورا ومجترا ويفتقر إلى الفكرة والخيال والبحث والانفعال، جمل عادية تتشابك مع واقع تظنه عاديا أو استعاديا من الماضي. فما الحل للخروج من تلك التكرارات؟

    جدائل الفتيات تلك الخصل المحروثة بعناية تامة تتفرع من خلالها دروب رفيعة، يتمنى كل سيّار أن يزرع على تلك الجدائل التي تنسدل من خلف الأذن ظلا، أو أن يسحب بجديلة من شعر حبيبته سفينة المستقبل. ولكم عانت فتيات من مذلة حين أذن لضفيرة حلوة بالظهور. متى كان الشعر قادرا أن يكون جميلا ملفتا كتلك الجدائل ومتى حمل كل تلك الحالات متجاوزا الأعراف والتقاليد القديمة سينطلق نحو المجد دون لجام. يختصر تلك التسريحات والجدائل حتى الفوضوية منها.
    قصيدة الطبيعة


    لماذا نكتب الشعر؟ سؤال مكرور جدا ولكن للجواب عنه يجب التفكير بأجوبة إيحائية وذلك مرتبط بماهية الشعر كونه تأويل غير محدود الإجابات. ربما ننظم الشعر كي نحمي أنفسنا ونؤمن البديل عن الموت والخلاص، فما الشعر إلا حيلة عقلية نحو كشف الروح. لنحمي أنفسنا ونقهر المخاوف التي تشل الحياة كي نتخطى خطوط الحياة اليومية التافهة. ولنسحب من خلاله المطر بهودج الغيم نحو أشجار يائسة. وربما كي نلفت انتباهَ العالم إلى غصن مكسور مهمل في غابة كبيرة أو كي يتوقف الموج ونفتح نافذة إلى البحر بسحّاب فستان الحسناء.

    اسمع معي أغنية “يا نار فؤادي” لأسمهان، وتأمّل صوتها، إذ يبدأ غناؤها خافتا كالنار في البداية ثم تعلو طبقات صوتها رويدا رويدا وكأن النار تتأجج. تعلو ثم تنخفض تدريجيا إلى أن تنطفئ.

    ◙ الكتابة الإيقاعية التي تتخذ من الطبيعة أنماطها، ستتفادى رتابة ما حصل للشعرية حين سادت الرتابة دون تجارب مبتكرة

    هل انتهيت من سماعها. الأغنية مضى عليها ما يقارب القرن ولكنها مازالت تحتفظ برونقها والجواب على ذلك في فطريتها وعفويتها من ناحية الأداء والكلمات. تماما كما كانت قصائد الشعراء الأولين، بالمقابل اختلف الوضع الآن أصبحت النسخ مشوّهة ومكرورة من الشعر العمودي أو التفعيلة، خالية من الصورة الشعرية المختلفة والصادمة والمبتكرة ولعل الزمن كفيل بأن يحل محل الشاعر العمودي والتفعيلة شاعر الذكاء الاصطناعي.

    وبالنتيجة نحن بأمس الحاجة حاليا إلى التجديد في شعر النثر كي لا نقع في مأزق التجارب السابقة. فلماذا لا نستثمر الطبيعة في قصائدنا وأعني أن شعر النثر أكثر ما يكون قربا من العفوية والطبيعة لا تحده قواعد جامدة، كم من النصوص كمثل الشجرة وارفة الأغصان ولكن ثمرها لا يؤكل، والبعض مثل شجرة الرمان قصيرة القامة لكن ثمارها شهية، وتفسيرا لذلك، لماذا لا تكون هناك قصيدة تشبه النار وتتأرجح مثلها، وأعني تبدأ بنفس بطيء ثم تعلو بسرعة ثم تعود بريح مشرّدة تقوى وأخيرا تخفت، وأعني السطر الأخير الذي ستأكل فيه النار كل شيء وتحرق كل الصور السابقة؟

    قصيدة البحر: عبارة عن مد وجزر تبدأ بسطر جارف ومن ثم إجابة وانسحاب خافت ومن ثم تغرق كل شيء، أو أن تكون هادئة جدا في مطلعها ثم يزداد عمقها من خلال الصور المتتابعة إلى أن تنتهي بصورة تغرق كل سابقها، قصيدة الهواء تبدأ بهبوب عاصف تشعل نارا ومن ثم تعود كل الأمور إلى طبيعتها إلا إذا كان في أحد أسطرها إعصارا. قصيدة الغابة غامضة جدا فيها أشجار باسقة وأعشاب ضارة ووحوش ضارية وتنتهي بغصن مكسور. قصيدة الغيم خيالية كل صورها خيال ثم تأخذ شكل الواقعية المطر لتحيي ما كان ميتا ودواليك.
    تجديد الشعر


    هذه الكتابة الإيقاعية التي تتخذ من الطبيعة أنماطها، ستتفادى رتابة ما حصل لحركة “غريب” الشعرية حين سادت الرتابة دون تجارب مبتكرة حيث بات مقياس الشعر البساطة والعادية، وملأت النسخ العادية لتيار غريب صفحات المجلات قصائد تشبه الطرف تفتقر للانفعال والروح واللون وكل قوتها تنحصر في عدة أشطر مدسوسة في القصيدة، وكلها تتشابه بشكل مخيف تكاد تكون قد محيت شخصيات الشعراء ولولا التوقيع لما عُرفت لأي شاعر.

    ◙ الشعر حيلة عقلية نحو كشف الروح لنحمي أنفسنا ونقهر المخاوف التي تشل الحياة ونتخطى خطوط الحياة اليومية التافهة

    الشاعر الذي لا تتفتق مسام التجديد بين أصابعه ولا يغير جلده كي يكون مؤثرا، بطريقة يستطيع أن يوقظ تلك الجفون الوسنى، ويدغدغ حمى المراهقة ويحيي براءة الطفولة بحكمة الكبار، ويخرج الأقلام من عزلتها، سيقع فريسة الكتابة السائدة والنموذج الرتيب، ولن يقدم جديدا، يُلبس للشعر حدودا ثابتة والتي تناقض طبيعته مثل الآفاق تأبى أي حد.

    هل في مستوصف الأدب ودولته روشتة خاصة بصنع الشعر؟ وإن كان الشعر صناعة تحدها الأنماط والأقفاص، فهل سنرى الذكاء الاصطناعي شاعرا كبعض شعراء العمود الذين استبدلوا بعض الكلمات بأخرى وحققوا جماهيرية المنبر؟ أم نستطيع إنقاذه عبر الغوص أكثر في الطبيعة والذاكرة والصورة البعيدة عن المتناول. صور جديدة بأصابع كسكاكين أليفة تبقى قريبة منّا في وحدتنا عبر هذا السفر الطويل كمُضيفة جميلة ذي جديلتين جميلتين وبابتسامة مراوغة توزع علينا عصير البرتقال في القطار كي نراوغ الحزن.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    نوزاد جعدان
    صحافي سوري
يعمل...
X