بروين حبيب
الكتابة النسوية: إبداع ظلمته الجوائز
29 - سبتمبر - 2024م
ما بين ردّ الشاعر الأموي الفرزدق وقد قيل له إن فلانة تقول الشعر، فأجاب بغطرسةِ منطقِ الفحولة «إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها» وإعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية، التي ضمّت خمس روائيات وروائيا واحدا، مسافة ثلاثة عشر قرنا بحسابات الزمن وتاريخ كامل من الهيمنة الذكورية.
نضال طويل امتد قرونا خاضته الكاتبات لافتكاك اعتراف السلطة البطريركية بأنهن يكتبن مثل الرجل ويتفوقن عليهم في أحيان كثيرة، وحتى الموقع الرسمي لجائزة البوكر سجل هذا الإنجاز النسوي في واجهة صفحته الرسمية، فكُتب فيها: «لأول مرة في تاريخ جائزة البوكر الممتد لخمسة وخمسين عاماً، تضم القائمة القصيرة خمس نساء – ورجلا واحدا فقط. في العام الماضي، كانت هناك امرأتان في القائمة القصيرة، وكانت آخر مرة فازت فيها امرأة بجائزة البوكر في عام 2019، وقد فازت الكاتبات بالجائزة عشرين مرة منذ إنشائها عام 1969» وهذا يمثل 37% من مجمل الفائزين. كما لم تُخْفِ الروائية سارة كولينز غبطتها واندهاشها بهذه النتيجة، فعلقت «كانت مفاجأة حقيقية بالنسبة لنا. لقد وضعنا القائمة القصيرة، وجلسنا ونظرنا إليها وقال أحدهم: ها، هناك خمس نساء فيها» ولم تُغفِل أن تختصر بكلمات قليلة تاريخا من معاناة الكاتبات مع التحيز الذكوري ضدهن، منطلقة من معانتها هي الروائية الأنثى السمراء في مواجهة الروائي الرجل الأبيض فكتبت، «تجربتي ككاتبة هي أن النشر تهيمن عليه النساء على بعض المستويات، لكن التقدير الأدبي لا يزال يبدو أنّه محجوز للرجال».
ولأن لغة الأرقام لا تكذب، أحاول أن أقدم بعض المؤشرات التي لا تقبل التأويل عن الغبن الواقع على الكاتبات، وأهم مثال على ذلك أشهر جائزة عالمية أدبية (نوبل) فمنذ تأسيسها سنة 1901 لم تحصل عليها سوى 17 امرأة في مقابل مئة رجل، بل على امتداد تسعين سنة من عمر هذه الجائزة لم تنلها سوى ست نساء. دون حاجة إلى تمييز من نوع آخر يتمثل في عدم وجود ضمن السبع عشرة فائزة أي امرأة عربية أو افريقية أو آسيوية سوى الجنوب افريقية نادين غوديمر وهي بالمناسبة من أصول أوروبية.
وإذا ما رجعنا إلى أشهر الجوائز الفرنكفونية «الغونكور» الفرنسية التي منحت أول مرة بعد نوبل بسنتين فقط، نجد أن تقدير المرأة الكاتبة كان أسوأ مما أوردته عن جائزة نوبل، ففي 121 مرة مُنحت فيها الجائزة لم تنلها سوى ثلاث عشرة كاتبة، والأغرب من هذا أنه منذ إنشاء جائزة الغونكور وطيلة أربعين سنة كاملة لم تمنح إلا للكتّاب الذكور إلى أن حازتها لأول مرة إلزا تريولي سنة 1944، وإلزا هي زوجة شاعر فرنسا الكبير لويس أراغون التي كتب عنها أشهر دواوينه «عيون إلزا».
هذا حال المرأة الكاتبة مع الجوائز العالمية، في البلدان التي رفعت شعار المساواة وحرية المرأة، أما في عالمنا العربي فنكتفي بمثال واحد يغنينا عن التفصيل، إذ منذ تأسيس الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2008 فاز بها سبعة عشر روائيا، لا نجد من بينهم سوى روائيتين فقط، وكلتاهما لم يمر فوزها دون وجود ما ينغصه، ففي المرة الأولى فازت بها الروائية السعودية رجاء العالم سنة 2011 عن روايتها «طوق الحمام» وكأنه كان لا بد من وجود مَحرَم معها في سفَر النجاح فتقاسمها معها الروائي المغربي محمد الأشعري، وهذا لم يحدث لا مع الفائزين الرجال قبلها ولا بعدها، أما في المرة الثانية التي فازت بها الروائية اللبنانية هدى بركات سنة 2019 عن روايتها «بريد الليل» فقد عكّر صفو الفوز بها ما أثير من لغط عن تسريب اسم الفائزة قبل الإعلان الرسمي، وتشكيك بعض الكتاب في جدارة الرواية بالفوز، ونظرة بسيطة إلى عناوين مقالات صدرت آنذاك مثل: «بوكر العربية: جائزة أدبيَّة في خَطَر» أو «جوائز البوكر.. تهين المثقّف العربي» تكفي لإعطاء فكرة عمّا صاحب هذا الفوز من منغّصات.
لأجل هذا التاريخ من الإقصاء والتمييز الجندري، كان وصول خمس روائيات إلى القائمة القصيرة السداسية للبوكر إنجازا للكتابة النسوية، لا يضاهيه إلا ما حدث قبل ذلك بسنتين، حيث كانت سنة 2022 قمة ما وصل إليه المنجز الإبداعي النسوي، فحصدت الكاتبات أهم الجوائز الأدبية العالمية ابتداءً بالروائية الفرنسية آني إرنو، التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب مرورا بمواطنتها بريجيت جيرو التي حصدت جائزة الغونكور ومواطنتهما الأخرى كلوديا هنزيغر، التي نالت جائزة فيمينا، بل حتى إن القائمة القصيرة للبوكر في تلك السنة كادت تضاهي نتيجة هذه السنة حين وصلت إليها أربع روائيات مقابل روائيين اثنين. والجميل أنها كانت سنة إنجاز أيضا للكاتبات العربيات، فحازت المصرية فاطمة قنديل جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية، كما نالت الإماراتية ميسون صقر جائزة الشيخ زايد للكِتاب فرع الآداب.
هذه الإنجازات التي توّجت أيضا وأيضا قبل شهرين بتصدّر رواية «صديقتي المذهلة» للإيطالية إيلينا فيرانتي قائمة «نيويورك تايمز» لأفضل مئة كتاب في القرن الواحد والعشرين، كان وراءها نضال نسوي كبير، كانت الكاتبات يشعرن دائما فيه بالغبن، إلى درجة أنهن أنشأن جوائز تنصف الإبداع النسوي في مواجهة الانحياز الذكوري، فجائزة فيمينا (التي يحمل اسمها معنى التأنيث) أنشئت بعد سنة واحدة فقط من إنشاء الغونكور كردة فعل على تحيز هذه الأخيرة التي كان يهيمن عليها الرجال بشكل كبير، بدءا بلجنة تحكيمها التي ليس فيها امرأة واحدة، فكانت لجنة تحكيم فيمينا على النقيض من ذلك تماما إذ اقتصرت عضوية لجنة تحكيمها على عشرين امرأة، لكنها لم تكن جائزة تُمنح للكاتبات فقط، بل منذ إنشائها إلى يومنا هذا لم يحصل عليها سوى أقل من أربعين في المئة من الكاتبات. فمن المستغرب أن بلدا مثل فرنسا كان سبّاقا للديمقراطية ويرفع منذ أكثر من قرنين شعار «حرية، مساواة، أخوة» بقي لقرون «لا يميز في لغته بين كاتب وكاتبة ومؤلف ومؤلفة، فيُقال: الكاتب فلانة، إلى أن قرّرت الأكاديميّة الفرنسيّة في 2019، بعد مناقشاتٍ طويلة، أنّ عبارة (الكاتبة فلانة) لا تخدش السمع» كما ذكر ذلك المترجم السوري الفرنسي فاروق مردم بك. وردّة الفعل هذه ضدّ هذه التفرقة الجندرية في منح الجوائز شهدتها بريطانيا أيضا، حيث اجتمعت مجموعة فاعلة من النقاد والصحافيين معترضين على خلو القائمة القصيرة للبوكر سنة 1991 من أي صوت نسائي، ونتيجة هذا الاعتراض ولدت سنة 1996 «جائزة المرأة للرواية» التي تُمنح سنوياً لكاتبة من أي جنسية، عن عمل روائي مكتوب باللغة الإنكليزية، وصادر في بريطانيا. ورغم أن هذه الجائزة وأمثالها التي اقتصرت على المشاركة النسوية فقط، ساهمت في الإضاءة على أسماء إبداعية جديدة وكرّست أخرى وازنة، لكن كعب أخيل هذه الجوائز أنها فصلت بين الإبداع الرجالي والإبداع النسوي وكأنها تُقِرُّ بأن كتابة المرأة لا تستطيع منافسة كتابة الرجل، أشبه ما يكون بمسابقات رياضية مخصصة للرجال وأخرى للنساء للاختلاف المورفولوجي بينهما. فالغاية جيدة لتعويض الظلم الواقع على الكتابة النسوية، لكنها ليست الوسيلة المثلى، وهذا شبيه أيضا لفضح هذه الممارسات العنصرية تجاه المرأة المبدعة، بما فعلته بعض الروائيات مثل الإسبانية أليسيا خمينيس بارتليت الفائزة بجائزة «بلانيتا» وقبلها الروائية أندريه كورتيس الفائزة بفيمينا، اللتين استعارتا أسماء رجالية ضمنت لهما الفوز. والجوائز الأدبية النسوية تلقى معارضة حتى من الكاتبات أنفسهن فقد كتبت مارتا جيل في صحيفة «الغارديان» قبل فترة مقالا بعنوان «لا تحتاج الروائيات إلى جوائز خاصة بهن.. فلنلغها» جاء فيها: «من المحبط أن تحقق شيئا على أساس هويتك لا على أساس جدارتك».
ما يحدث الآن من فوز نساء بجوائز أدبية كبيرة، وحضور واضح في قوائمها القصيرة، مع أنه لم يبلغ درجة الإنصاف الكامل للإبداع النسوي، لكن من المؤكد أنه اعتراف حقيقي بالكتابة النسوية، كان وليد مثابرة آلاف النساء على ممارسة حقهن في التعبير عن أنفسهن كتابة، وأن يَصِحْنَ صياح الديك متى شئن دون أن يَخشَيْن الذبح.
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
الكتابة النسوية: إبداع ظلمته الجوائز
29 - سبتمبر - 2024م
ما بين ردّ الشاعر الأموي الفرزدق وقد قيل له إن فلانة تقول الشعر، فأجاب بغطرسةِ منطقِ الفحولة «إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها» وإعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية، التي ضمّت خمس روائيات وروائيا واحدا، مسافة ثلاثة عشر قرنا بحسابات الزمن وتاريخ كامل من الهيمنة الذكورية.
نضال طويل امتد قرونا خاضته الكاتبات لافتكاك اعتراف السلطة البطريركية بأنهن يكتبن مثل الرجل ويتفوقن عليهم في أحيان كثيرة، وحتى الموقع الرسمي لجائزة البوكر سجل هذا الإنجاز النسوي في واجهة صفحته الرسمية، فكُتب فيها: «لأول مرة في تاريخ جائزة البوكر الممتد لخمسة وخمسين عاماً، تضم القائمة القصيرة خمس نساء – ورجلا واحدا فقط. في العام الماضي، كانت هناك امرأتان في القائمة القصيرة، وكانت آخر مرة فازت فيها امرأة بجائزة البوكر في عام 2019، وقد فازت الكاتبات بالجائزة عشرين مرة منذ إنشائها عام 1969» وهذا يمثل 37% من مجمل الفائزين. كما لم تُخْفِ الروائية سارة كولينز غبطتها واندهاشها بهذه النتيجة، فعلقت «كانت مفاجأة حقيقية بالنسبة لنا. لقد وضعنا القائمة القصيرة، وجلسنا ونظرنا إليها وقال أحدهم: ها، هناك خمس نساء فيها» ولم تُغفِل أن تختصر بكلمات قليلة تاريخا من معاناة الكاتبات مع التحيز الذكوري ضدهن، منطلقة من معانتها هي الروائية الأنثى السمراء في مواجهة الروائي الرجل الأبيض فكتبت، «تجربتي ككاتبة هي أن النشر تهيمن عليه النساء على بعض المستويات، لكن التقدير الأدبي لا يزال يبدو أنّه محجوز للرجال».
ولأن لغة الأرقام لا تكذب، أحاول أن أقدم بعض المؤشرات التي لا تقبل التأويل عن الغبن الواقع على الكاتبات، وأهم مثال على ذلك أشهر جائزة عالمية أدبية (نوبل) فمنذ تأسيسها سنة 1901 لم تحصل عليها سوى 17 امرأة في مقابل مئة رجل، بل على امتداد تسعين سنة من عمر هذه الجائزة لم تنلها سوى ست نساء. دون حاجة إلى تمييز من نوع آخر يتمثل في عدم وجود ضمن السبع عشرة فائزة أي امرأة عربية أو افريقية أو آسيوية سوى الجنوب افريقية نادين غوديمر وهي بالمناسبة من أصول أوروبية.
وإذا ما رجعنا إلى أشهر الجوائز الفرنكفونية «الغونكور» الفرنسية التي منحت أول مرة بعد نوبل بسنتين فقط، نجد أن تقدير المرأة الكاتبة كان أسوأ مما أوردته عن جائزة نوبل، ففي 121 مرة مُنحت فيها الجائزة لم تنلها سوى ثلاث عشرة كاتبة، والأغرب من هذا أنه منذ إنشاء جائزة الغونكور وطيلة أربعين سنة كاملة لم تمنح إلا للكتّاب الذكور إلى أن حازتها لأول مرة إلزا تريولي سنة 1944، وإلزا هي زوجة شاعر فرنسا الكبير لويس أراغون التي كتب عنها أشهر دواوينه «عيون إلزا».
هذا حال المرأة الكاتبة مع الجوائز العالمية، في البلدان التي رفعت شعار المساواة وحرية المرأة، أما في عالمنا العربي فنكتفي بمثال واحد يغنينا عن التفصيل، إذ منذ تأسيس الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2008 فاز بها سبعة عشر روائيا، لا نجد من بينهم سوى روائيتين فقط، وكلتاهما لم يمر فوزها دون وجود ما ينغصه، ففي المرة الأولى فازت بها الروائية السعودية رجاء العالم سنة 2011 عن روايتها «طوق الحمام» وكأنه كان لا بد من وجود مَحرَم معها في سفَر النجاح فتقاسمها معها الروائي المغربي محمد الأشعري، وهذا لم يحدث لا مع الفائزين الرجال قبلها ولا بعدها، أما في المرة الثانية التي فازت بها الروائية اللبنانية هدى بركات سنة 2019 عن روايتها «بريد الليل» فقد عكّر صفو الفوز بها ما أثير من لغط عن تسريب اسم الفائزة قبل الإعلان الرسمي، وتشكيك بعض الكتاب في جدارة الرواية بالفوز، ونظرة بسيطة إلى عناوين مقالات صدرت آنذاك مثل: «بوكر العربية: جائزة أدبيَّة في خَطَر» أو «جوائز البوكر.. تهين المثقّف العربي» تكفي لإعطاء فكرة عمّا صاحب هذا الفوز من منغّصات.
لأجل هذا التاريخ من الإقصاء والتمييز الجندري، كان وصول خمس روائيات إلى القائمة القصيرة السداسية للبوكر إنجازا للكتابة النسوية، لا يضاهيه إلا ما حدث قبل ذلك بسنتين، حيث كانت سنة 2022 قمة ما وصل إليه المنجز الإبداعي النسوي، فحصدت الكاتبات أهم الجوائز الأدبية العالمية ابتداءً بالروائية الفرنسية آني إرنو، التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب مرورا بمواطنتها بريجيت جيرو التي حصدت جائزة الغونكور ومواطنتهما الأخرى كلوديا هنزيغر، التي نالت جائزة فيمينا، بل حتى إن القائمة القصيرة للبوكر في تلك السنة كادت تضاهي نتيجة هذه السنة حين وصلت إليها أربع روائيات مقابل روائيين اثنين. والجميل أنها كانت سنة إنجاز أيضا للكاتبات العربيات، فحازت المصرية فاطمة قنديل جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية، كما نالت الإماراتية ميسون صقر جائزة الشيخ زايد للكِتاب فرع الآداب.
هذه الإنجازات التي توّجت أيضا وأيضا قبل شهرين بتصدّر رواية «صديقتي المذهلة» للإيطالية إيلينا فيرانتي قائمة «نيويورك تايمز» لأفضل مئة كتاب في القرن الواحد والعشرين، كان وراءها نضال نسوي كبير، كانت الكاتبات يشعرن دائما فيه بالغبن، إلى درجة أنهن أنشأن جوائز تنصف الإبداع النسوي في مواجهة الانحياز الذكوري، فجائزة فيمينا (التي يحمل اسمها معنى التأنيث) أنشئت بعد سنة واحدة فقط من إنشاء الغونكور كردة فعل على تحيز هذه الأخيرة التي كان يهيمن عليها الرجال بشكل كبير، بدءا بلجنة تحكيمها التي ليس فيها امرأة واحدة، فكانت لجنة تحكيم فيمينا على النقيض من ذلك تماما إذ اقتصرت عضوية لجنة تحكيمها على عشرين امرأة، لكنها لم تكن جائزة تُمنح للكاتبات فقط، بل منذ إنشائها إلى يومنا هذا لم يحصل عليها سوى أقل من أربعين في المئة من الكاتبات. فمن المستغرب أن بلدا مثل فرنسا كان سبّاقا للديمقراطية ويرفع منذ أكثر من قرنين شعار «حرية، مساواة، أخوة» بقي لقرون «لا يميز في لغته بين كاتب وكاتبة ومؤلف ومؤلفة، فيُقال: الكاتب فلانة، إلى أن قرّرت الأكاديميّة الفرنسيّة في 2019، بعد مناقشاتٍ طويلة، أنّ عبارة (الكاتبة فلانة) لا تخدش السمع» كما ذكر ذلك المترجم السوري الفرنسي فاروق مردم بك. وردّة الفعل هذه ضدّ هذه التفرقة الجندرية في منح الجوائز شهدتها بريطانيا أيضا، حيث اجتمعت مجموعة فاعلة من النقاد والصحافيين معترضين على خلو القائمة القصيرة للبوكر سنة 1991 من أي صوت نسائي، ونتيجة هذا الاعتراض ولدت سنة 1996 «جائزة المرأة للرواية» التي تُمنح سنوياً لكاتبة من أي جنسية، عن عمل روائي مكتوب باللغة الإنكليزية، وصادر في بريطانيا. ورغم أن هذه الجائزة وأمثالها التي اقتصرت على المشاركة النسوية فقط، ساهمت في الإضاءة على أسماء إبداعية جديدة وكرّست أخرى وازنة، لكن كعب أخيل هذه الجوائز أنها فصلت بين الإبداع الرجالي والإبداع النسوي وكأنها تُقِرُّ بأن كتابة المرأة لا تستطيع منافسة كتابة الرجل، أشبه ما يكون بمسابقات رياضية مخصصة للرجال وأخرى للنساء للاختلاف المورفولوجي بينهما. فالغاية جيدة لتعويض الظلم الواقع على الكتابة النسوية، لكنها ليست الوسيلة المثلى، وهذا شبيه أيضا لفضح هذه الممارسات العنصرية تجاه المرأة المبدعة، بما فعلته بعض الروائيات مثل الإسبانية أليسيا خمينيس بارتليت الفائزة بجائزة «بلانيتا» وقبلها الروائية أندريه كورتيس الفائزة بفيمينا، اللتين استعارتا أسماء رجالية ضمنت لهما الفوز. والجوائز الأدبية النسوية تلقى معارضة حتى من الكاتبات أنفسهن فقد كتبت مارتا جيل في صحيفة «الغارديان» قبل فترة مقالا بعنوان «لا تحتاج الروائيات إلى جوائز خاصة بهن.. فلنلغها» جاء فيها: «من المحبط أن تحقق شيئا على أساس هويتك لا على أساس جدارتك».
ما يحدث الآن من فوز نساء بجوائز أدبية كبيرة، وحضور واضح في قوائمها القصيرة، مع أنه لم يبلغ درجة الإنصاف الكامل للإبداع النسوي، لكن من المؤكد أنه اعتراف حقيقي بالكتابة النسوية، كان وليد مثابرة آلاف النساء على ممارسة حقهن في التعبير عن أنفسهن كتابة، وأن يَصِحْنَ صياح الديك متى شئن دون أن يَخشَيْن الذبح.
شاعرة وإعلامية من البحرين