آلان ديلون في شبابه: تصويبات من رفيق بداياته (غيتي)
آلان ديلون نجم "الصدفة" الذي لم يمر عبر هوليوود
جان كلود بريالي يكتب تاريخاً للموجة السينمائية الجديدة الفرنسية من الجانب الآخر من المرآة
إبراهيم العريس باحث وكاتب
السبت 24 أغسطس 2024م
ملخص
يخبر صديق النجم الفرنسي الذي رحل مؤخرا آلان ديلون أن الفتى العشريني استبعد أن يرضى بأن يخوض معترك الفن حتى وإن كانت صديقته الممثلة بريجيت أوبير التي يرافقها في "كان" قد شجعته على ذلك، لكن المصادفات كان لها رأي آخر
كتب النقاد والمؤرخون السينمائيون ومنذ بدايات ظهور الأفلام التي انتمت إلى ذلك التيار الذي سمي باكراً "الموجة الجديدة" مئات الكتب وعشرات الدراسات التي أرخت للتيار، بحيث قيل دائماً إنه قد "أخذ حقه" من الاهتمام البحثي وربما أكثر كثيراً مما يستحق. ونعرف طبعاً أن نحو الدزينة من المخرجين السينمائيين الفرنسيين الذين أسسوا التيار خلال النصف الأول من خمسينيات القرن الـ20، نظرياً في الأقل، ثم خلال النصف الثاني من تلك الخمسينيات، عملياً هذه المرة، تمكنوا من أن يحققوا مكانة كبيرة من خلال أفلامهم التي ربما كانت قد خضعت للتحليل والتعليق بأكثر كثيراً مما شوهدت، في عروضها الأولى على أية حال، بحيث إن كثراً من الناس نسوا - أو لم يدركوا أصلاً - أن ثمة وجهاً آخر للميدالية يتمثل في ذلك الرهط من الممثلين الذين شكلوا بدورهم جزءاً من ذلك التاريخ، ذكوراً وإناثاً، ومن شتى الأعمار والحساسيات!
موجة جديدة على رغم أنفه
ولعل رحيل الفنان الفرنسي آلان ديلون عن عالمنا وقد أربى على الـ88 قبل أيام والصخب الإعلامي الذي دار من حول ذلك الرحيل، وكذلك استعادة اسم رفيق دربه وصديقه الممثل والكاتب جان كلود بريالي (الراحل في عام 2007) وإشارة كثر من المعلقين إلى الدور الذي لعبه بريالي في بدايات ديلون، ناسبين إلى بريالي حثه ديلون العائد حديثاً من خدمته العسكرية في فيتنام عام 1954على دخول عالم النجومية، يعيدنا إلى تلك السنوات الذهبية ولا سيما من خلال شهادة بريالي نفسه الذي نجد في مذكراته الخبر اليقين حول بدايات ديلون، ولكن أكثر من ذلك حكايات تتعلق ببدايات "الموجة الجديدة" الفرنسية نفسها، وهو كان أكثر من نجم النجوم انخراطاً فيها وتورطاً في بداياتها التي كانت بداياته هو الآخر.
ولعل من الأفضل هنا أن نبدأ بإشارة لا بد منها إلى أن بريالي نفسه ينفي الحكاية المتداولة اليوم عن كونه هو الذي نصح ديلون، حين التقاه في باريس، بأن يتوجه إلى مهرجان "كان" لعله يجد مجالاً في العمل السينمائي. فهو يخبرنا أنه في الواقع لم يكن قد التقى ديلون ولا يعرفه حين لاحظ وجوده كشاب لا مبالٍ ساخر خفيف الظل في حلقة من هواة فضوليين متجمعين على رمال شاطئ في "كان" خلال صخب المهرجان. وكان ذلك الشاب يستفز الجميع ويسخر من كل شيء ومن السينما وأهلها في ترفع عجيب ومضحك، يروي بريالي "وهكذا التقينا وبتنا صديقين ودارت بيننا سجالات صاخبة حول السينما والتمثيل فيها"، مضيفاً "ثم في يوم تال جاءني آلان ضاحكاً ليخبرني أن ثمة مسؤولاً في وكالة فنية التقاه وعرض عليه أن تجرى له تجارب على الأداء لحساب شركة إنتاج هوليوودية".
جان كلود بريالي: دور في ولادة الموجة الجديدة (غيتي)
تجارب في روما
والحال أن بريالي يخبرنا هنا أن ديلون العشريني استبعد حينها أن يرضى بأن يخوض معترك الفن حتى وإن كانت صديقته الممثلة بريجيت أوبير التي يرافقها في "كان" قد شجعته، وهي التي كانت تنفق عليه وتضع سيارتها الرياضية في تصرفه. "فنصحته بأن يحاول لكنه سخر مني ولم أعد أراه في ’كان‘ حينها. لكننا عدنا والتقينا في باريس بعد شهر ليخبرني أنه توجه من ’كان‘ مباشرة إلى روما حيث كانت الاختبارات لحساب المنتج الأميركي الكبير ديفيد سلزنيك - صاحب ’ذهب مع الريح‘ الذي كان حديث الدنيا والناس حينها - وحين سألته كيف كانت النتيجة قهقه ضاحكاً ولم يجب، لكني عرفت أن الأميركيين عرضوا عليه عقداً لسبع سنوات في هوليوود نفسها لكنه سخر منهم و... رفض!". أدهش موقف ديلون صديقه بريالي الذي سيقول إنه لم يفهم ذلك الموقف أبداً، لكنه في المقابل لن يفهم كذلك الموقف الإيجابي الذي سيقبل به ديلون في ذلك الوقت بالذات توقيع عقد مع زوجة المنتج والمخرج إيف أليغريه، للقيام ببطولة فيلم فرنسي سيكون الأول في مسيرته عنوانه "حين تتورط المرأة". والحقيقة أن ديلون الذي سيصبح خلال السنوات الـ50 التالية نجم النجوم في فرنسا والعالم، سيكون الفرنسي الوحيد الذي لم تمر عالميته عبر هوليوود.
بين ديلون وبريالي
ولكن في المقابل ليس من الصحيح أنه قد أسهم في ولادة الموجة الجديدة الفرنسية، وذلك على عكس جان كلود بريالي الذي كان من أعمدتها المؤسسة بينما أسهم ديلون في بعض أروع أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية ولا سيما من خلال عمله مرات عديدة مع فيسكونتي وبخاصة في "الفهد" و"روكو وإخوته". أما المرات القليلة التي مثل فيها مع أميركيين فكانت غالباً في أوروبا وتحديداً في فيلمين سياسيين يساريين من إخراج جوزيف لوزاي الأميركي المنشق اللاجئ إلى أوروبا: "اغتيال تروتسكي" و"مستر كلاين" والفيلمان يتنافيان على أية حال في سياساتهما مع مبادئ ديلون اليمينية المتطرفة. ولكن من قال إن آلان ديلون كان ذا مبادئ سياسية حقيقية؟!
تلك المبادئ وما يواكبها من ثقافة عميقة كانت في المقابل من سمات بريالي الذي كان صادق الدعم للمخرجين الفرنسيين الشبان، الذين حلقت نجوميتهم أواسط سنوات الخمسين هم الذين تعرف إليهم باكراً فيما كان هو نفسه عائداً من خدمته العسكرية، وأتيح له أن يصحب مجموعة منهم في سفرة إلى أول دورة من مهرجان "كان" شارك هو فيها والتقاهم في حافلة واحدة.
الرحلة الأولى
وها هو يكمل لنا الحكاية هنا: "الحقيقة أن العامين الأولين اللذين أمضيتهما في رفقة شبان السينما الفرنسية أولئك تشابها بالنسبة إليَّ مع السنوات الأولى التي أمضاها مناضلو الثورة الفرنسية أنفسهم. وكنت قد تعرفت إليهم من خلال الكاتب الصديق بيار لوم خلال رحلة قمنا بها معا إلى مدينة آرل كي نشاهد مدعوين عرضاً لمسرحية شكسبير ’يوليوس قيصر‘ من إخراج جان رينوار. كنت في الـ18 وكنت في إجازة من خدمتي العسكرية. وهكذا وجدتني في حافلة تسير بنا جنوباً في رفقة جان لوك غودار وجاك ريفيت وكلود شابرول وآلان كافالييه وزوجته. وكانوا يثرثرون طوال الرحلة عن السينما وعما سيحققونه فيها ويحدثون من تغيير. لكننا وصلنا متأخرين إذ لم تعد هناك مقاعد لنا، لكننا التقينا رينوار الذي بدا لي كطفل منفوخ زهري الملامح، وإلى جانبه يقف أندريه بازان سيد النقاد الفرنسيين حينها وفرانسوا تروفو النحيل الدائم الحركة لغضبه المتواصل إزاء كل شيء".
اقرأ المزيد
الموت لقيصر!
وهنا قبل أن يدمدم القراء "يا للصحبة المذهلة!!" ينبهنا بريالي إلى أنهم في معظمهم كانوا مجهولين تماماً حينها وفي بداياتهم. ومن هنا "كي نشاهد العرض قبلنا بما اقترحه رينوار علينا من أن ننضم إلى الكورس على خشبة المسرح ونصرخ مع الصارخين بصورة متواصلة: الموت ليوليوس قيصر! أو أي شيء من هذا القبيل. وكنت طوال الوقت أقف إلى جانب كلود شابرول وأحاكيه في كل ما يفعل ناظراً إليه بإعجاب". وعلى ذلك النحو توطدت بين بريالي وشابرول تلك العلاقة التي لن تنفصم أبداً، جاعلة من الأول واحداً من نجوم تلك الموجة الجديدة التي سيكون شابرول نفسه أنشط مبدعيها وأغزرهم إنتاجاً، ليجد من الطبيعي أن يعطي لصديقه الجديد الشاب دور بطولة في فيلمه الأول وجعل منه في نظر الجمهور والنقاد مساهماً أساساً في ولادة تلك الموجة الجديدة التي يصارحنا غير مرة بأنه لم يفهم منها شيئا أول الأمر "لكني وجدت نفسي أنخرط فيها كلياً... إلى درجة أنني لم أتوقف عن زيارة أولئك الرفاق في مكاتب مجلة ’كراسات السينما‘ وأشاركهم نقاشات كانت سرعان ما تنغلق عليَّ فأسكت. لكني في المقابل لفت نظر شابرول أكثر وأكثر إلى درجة أنه من دون أدنى تردد منحني ثلاث بطولات متتالية في أفلامه الثلاثة الأولى ولا سيما "أبناء العم" و"سيرج الجميل". ولا يفوت بريالي في هذا السياق أن يخبرنا كيف أنه لاحقاً وحين كان يلتقي بكبار من نجوم هوليوود الجديدة من أمثال داستين هوفمان وروبرت دي نيرو وآل باتشينو كان يطربه أن يتعرفوا إليه ليقولوا له إنهم لولا أداؤه وأداء رفاقه من أمثال جان بول بلموندو وآلان ديلون (!) في أفلام الموجة الجديدة الفرنسية لما كان من شأنهم أن يوجدوا!!
آلان ديلون في شبابه: تصويبات من رفيق بداياته (غيتي)
آلان ديلون نجم "الصدفة" الذي لم يمر عبر هوليوود
جان كلود بريالي يكتب تاريخاً للموجة السينمائية الجديدة الفرنسية من الجانب الآخر من المرآة
إبراهيم العريس باحث وكاتب
السبت 24 أغسطس 2024م
ملخص
يخبر صديق النجم الفرنسي الذي رحل مؤخرا آلان ديلون أن الفتى العشريني استبعد أن يرضى بأن يخوض معترك الفن حتى وإن كانت صديقته الممثلة بريجيت أوبير التي يرافقها في "كان" قد شجعته على ذلك، لكن المصادفات كان لها رأي آخر
كتب النقاد والمؤرخون السينمائيون ومنذ بدايات ظهور الأفلام التي انتمت إلى ذلك التيار الذي سمي باكراً "الموجة الجديدة" مئات الكتب وعشرات الدراسات التي أرخت للتيار، بحيث قيل دائماً إنه قد "أخذ حقه" من الاهتمام البحثي وربما أكثر كثيراً مما يستحق. ونعرف طبعاً أن نحو الدزينة من المخرجين السينمائيين الفرنسيين الذين أسسوا التيار خلال النصف الأول من خمسينيات القرن الـ20، نظرياً في الأقل، ثم خلال النصف الثاني من تلك الخمسينيات، عملياً هذه المرة، تمكنوا من أن يحققوا مكانة كبيرة من خلال أفلامهم التي ربما كانت قد خضعت للتحليل والتعليق بأكثر كثيراً مما شوهدت، في عروضها الأولى على أية حال، بحيث إن كثراً من الناس نسوا - أو لم يدركوا أصلاً - أن ثمة وجهاً آخر للميدالية يتمثل في ذلك الرهط من الممثلين الذين شكلوا بدورهم جزءاً من ذلك التاريخ، ذكوراً وإناثاً، ومن شتى الأعمار والحساسيات!
موجة جديدة على رغم أنفه
ولعل رحيل الفنان الفرنسي آلان ديلون عن عالمنا وقد أربى على الـ88 قبل أيام والصخب الإعلامي الذي دار من حول ذلك الرحيل، وكذلك استعادة اسم رفيق دربه وصديقه الممثل والكاتب جان كلود بريالي (الراحل في عام 2007) وإشارة كثر من المعلقين إلى الدور الذي لعبه بريالي في بدايات ديلون، ناسبين إلى بريالي حثه ديلون العائد حديثاً من خدمته العسكرية في فيتنام عام 1954على دخول عالم النجومية، يعيدنا إلى تلك السنوات الذهبية ولا سيما من خلال شهادة بريالي نفسه الذي نجد في مذكراته الخبر اليقين حول بدايات ديلون، ولكن أكثر من ذلك حكايات تتعلق ببدايات "الموجة الجديدة" الفرنسية نفسها، وهو كان أكثر من نجم النجوم انخراطاً فيها وتورطاً في بداياتها التي كانت بداياته هو الآخر.
ولعل من الأفضل هنا أن نبدأ بإشارة لا بد منها إلى أن بريالي نفسه ينفي الحكاية المتداولة اليوم عن كونه هو الذي نصح ديلون، حين التقاه في باريس، بأن يتوجه إلى مهرجان "كان" لعله يجد مجالاً في العمل السينمائي. فهو يخبرنا أنه في الواقع لم يكن قد التقى ديلون ولا يعرفه حين لاحظ وجوده كشاب لا مبالٍ ساخر خفيف الظل في حلقة من هواة فضوليين متجمعين على رمال شاطئ في "كان" خلال صخب المهرجان. وكان ذلك الشاب يستفز الجميع ويسخر من كل شيء ومن السينما وأهلها في ترفع عجيب ومضحك، يروي بريالي "وهكذا التقينا وبتنا صديقين ودارت بيننا سجالات صاخبة حول السينما والتمثيل فيها"، مضيفاً "ثم في يوم تال جاءني آلان ضاحكاً ليخبرني أن ثمة مسؤولاً في وكالة فنية التقاه وعرض عليه أن تجرى له تجارب على الأداء لحساب شركة إنتاج هوليوودية".
جان كلود بريالي: دور في ولادة الموجة الجديدة (غيتي)
تجارب في روما
والحال أن بريالي يخبرنا هنا أن ديلون العشريني استبعد حينها أن يرضى بأن يخوض معترك الفن حتى وإن كانت صديقته الممثلة بريجيت أوبير التي يرافقها في "كان" قد شجعته، وهي التي كانت تنفق عليه وتضع سيارتها الرياضية في تصرفه. "فنصحته بأن يحاول لكنه سخر مني ولم أعد أراه في ’كان‘ حينها. لكننا عدنا والتقينا في باريس بعد شهر ليخبرني أنه توجه من ’كان‘ مباشرة إلى روما حيث كانت الاختبارات لحساب المنتج الأميركي الكبير ديفيد سلزنيك - صاحب ’ذهب مع الريح‘ الذي كان حديث الدنيا والناس حينها - وحين سألته كيف كانت النتيجة قهقه ضاحكاً ولم يجب، لكني عرفت أن الأميركيين عرضوا عليه عقداً لسبع سنوات في هوليوود نفسها لكنه سخر منهم و... رفض!". أدهش موقف ديلون صديقه بريالي الذي سيقول إنه لم يفهم ذلك الموقف أبداً، لكنه في المقابل لن يفهم كذلك الموقف الإيجابي الذي سيقبل به ديلون في ذلك الوقت بالذات توقيع عقد مع زوجة المنتج والمخرج إيف أليغريه، للقيام ببطولة فيلم فرنسي سيكون الأول في مسيرته عنوانه "حين تتورط المرأة". والحقيقة أن ديلون الذي سيصبح خلال السنوات الـ50 التالية نجم النجوم في فرنسا والعالم، سيكون الفرنسي الوحيد الذي لم تمر عالميته عبر هوليوود.
بين ديلون وبريالي
ولكن في المقابل ليس من الصحيح أنه قد أسهم في ولادة الموجة الجديدة الفرنسية، وذلك على عكس جان كلود بريالي الذي كان من أعمدتها المؤسسة بينما أسهم ديلون في بعض أروع أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية ولا سيما من خلال عمله مرات عديدة مع فيسكونتي وبخاصة في "الفهد" و"روكو وإخوته". أما المرات القليلة التي مثل فيها مع أميركيين فكانت غالباً في أوروبا وتحديداً في فيلمين سياسيين يساريين من إخراج جوزيف لوزاي الأميركي المنشق اللاجئ إلى أوروبا: "اغتيال تروتسكي" و"مستر كلاين" والفيلمان يتنافيان على أية حال في سياساتهما مع مبادئ ديلون اليمينية المتطرفة. ولكن من قال إن آلان ديلون كان ذا مبادئ سياسية حقيقية؟!
تلك المبادئ وما يواكبها من ثقافة عميقة كانت في المقابل من سمات بريالي الذي كان صادق الدعم للمخرجين الفرنسيين الشبان، الذين حلقت نجوميتهم أواسط سنوات الخمسين هم الذين تعرف إليهم باكراً فيما كان هو نفسه عائداً من خدمته العسكرية، وأتيح له أن يصحب مجموعة منهم في سفرة إلى أول دورة من مهرجان "كان" شارك هو فيها والتقاهم في حافلة واحدة.
الرحلة الأولى
وها هو يكمل لنا الحكاية هنا: "الحقيقة أن العامين الأولين اللذين أمضيتهما في رفقة شبان السينما الفرنسية أولئك تشابها بالنسبة إليَّ مع السنوات الأولى التي أمضاها مناضلو الثورة الفرنسية أنفسهم. وكنت قد تعرفت إليهم من خلال الكاتب الصديق بيار لوم خلال رحلة قمنا بها معا إلى مدينة آرل كي نشاهد مدعوين عرضاً لمسرحية شكسبير ’يوليوس قيصر‘ من إخراج جان رينوار. كنت في الـ18 وكنت في إجازة من خدمتي العسكرية. وهكذا وجدتني في حافلة تسير بنا جنوباً في رفقة جان لوك غودار وجاك ريفيت وكلود شابرول وآلان كافالييه وزوجته. وكانوا يثرثرون طوال الرحلة عن السينما وعما سيحققونه فيها ويحدثون من تغيير. لكننا وصلنا متأخرين إذ لم تعد هناك مقاعد لنا، لكننا التقينا رينوار الذي بدا لي كطفل منفوخ زهري الملامح، وإلى جانبه يقف أندريه بازان سيد النقاد الفرنسيين حينها وفرانسوا تروفو النحيل الدائم الحركة لغضبه المتواصل إزاء كل شيء".
اقرأ المزيد
الموت لقيصر!
وهنا قبل أن يدمدم القراء "يا للصحبة المذهلة!!" ينبهنا بريالي إلى أنهم في معظمهم كانوا مجهولين تماماً حينها وفي بداياتهم. ومن هنا "كي نشاهد العرض قبلنا بما اقترحه رينوار علينا من أن ننضم إلى الكورس على خشبة المسرح ونصرخ مع الصارخين بصورة متواصلة: الموت ليوليوس قيصر! أو أي شيء من هذا القبيل. وكنت طوال الوقت أقف إلى جانب كلود شابرول وأحاكيه في كل ما يفعل ناظراً إليه بإعجاب". وعلى ذلك النحو توطدت بين بريالي وشابرول تلك العلاقة التي لن تنفصم أبداً، جاعلة من الأول واحداً من نجوم تلك الموجة الجديدة التي سيكون شابرول نفسه أنشط مبدعيها وأغزرهم إنتاجاً، ليجد من الطبيعي أن يعطي لصديقه الجديد الشاب دور بطولة في فيلمه الأول وجعل منه في نظر الجمهور والنقاد مساهماً أساساً في ولادة تلك الموجة الجديدة التي يصارحنا غير مرة بأنه لم يفهم منها شيئا أول الأمر "لكني وجدت نفسي أنخرط فيها كلياً... إلى درجة أنني لم أتوقف عن زيارة أولئك الرفاق في مكاتب مجلة ’كراسات السينما‘ وأشاركهم نقاشات كانت سرعان ما تنغلق عليَّ فأسكت. لكني في المقابل لفت نظر شابرول أكثر وأكثر إلى درجة أنه من دون أدنى تردد منحني ثلاث بطولات متتالية في أفلامه الثلاثة الأولى ولا سيما "أبناء العم" و"سيرج الجميل". ولا يفوت بريالي في هذا السياق أن يخبرنا كيف أنه لاحقاً وحين كان يلتقي بكبار من نجوم هوليوود الجديدة من أمثال داستين هوفمان وروبرت دي نيرو وآل باتشينو كان يطربه أن يتعرفوا إليه ليقولوا له إنهم لولا أداؤه وأداء رفاقه من أمثال جان بول بلموندو وآلان ديلون (!) في أفلام الموجة الجديدة الفرنسية لما كان من شأنهم أن يوجدوا!!