أحمد شوقي وطقوس الإبداع العجيبة
المصدر:
- إعداد: السيد رمضان السيد -التاريخ: 27 أبريل 2022
الإبداع الراقي يأخذ بألباب الناس ويستحوذ على نفوسهم، وتُدهشهم صورته النهائية التي آل إليها، فكيف إذا عايشوا مراحل تكوينه ونضجه؟
ولأنه لم يتعوَّد المبدعون في شتى المجالات أن يسردوا، في الأعم الأغلب، تفاصيل صناعة أعمالهم البديعة، ويكشفوا أسرار معاناتهم في تشكيلها، ظلت طقوس الإبداع التي تخصُّ كل مبدع عالَمًا غامضًا، نتمنى جميعًا لو ينحسر الستار عنها بعض الشيء لنطلع على عجائبها وألغازها.
وربما أسهم بعض من قُدِّر لهم الاقتراب من عوالم المبدعين في تحقيق شيء من تلك الأمنية، كالذي سطَّره سكرتير أمير الشعراء أحمد شوقي عن حياته وسيرته، وألقى فيه الضوء على جانب من عاداته الإبداعية.
ولأن المقام لا يتسع لكل ما حكاه أحمد عبد الوهاب أبو العز في كتابه «اثنا عشر عامًا في صحبة أمير الشعراء»، سنعرض لأغرب ثلاث ظواهر من طقوس شوقي في نظمه الشعر.
ولعل أهم تلك الظواهر ما لاحظه أبو العز من سرعة الشاعر الكبيرة في تأليف قصائده، فحكى عنه مثلًا أنه نظم قصيدته التي مطلعها:
أَرَى شَجَرًا فِي السَّمَاءِ احْتَجَبْ |
وَشَقَّ الْعَنَانَ بِمَرْأًى عَجَبْ |
خلال نصف ساعة، وهو يمارس رياضة المشي في أحد الشوارع التي يكثر فيها النخيل، وأملاها كلها عليه أثناء ذلك.
وليس أقل من تلك الظاهرة في الغرابة قدرة شوقي على صياغة القوافي في كل حال، ولا سيما في أشد لحظات يومه انشغالًا، فأورد عنه أبو العز أنه كان يختار الجلوس بالصف الأول في السينما ويصوغ الشعر وهو منشغل بمشاهدة أحد الأفلام، والأغرب أنه يخرج وقد أنجز قدرًا كبيرًا من القصيدة، وكذلك يمكنه فيما بعد تبادل النقاش في الفيلم الذي شاهده.
والظاهرة الأخيرة هي اعتياده أن يتناول كوبًا من صفار البيض المخفوق بعدما ينتهي من عمله في القصيدة، كأنما هو دليل على شدة الجهد الذي يكابده في النظم وصناعة الصور الخيالية والتراكيب البليغة.
لقد دان شعراء عصر أحمد شوقي له بالشاعرية، وبايعوه بإمارة الشعر معترفين له بالسبق، وذلك كله اعتمادًا على ما عاينوه من جودة شعره وبراعة إبداعه، لكنَّ الظواهر السالفة الذكر تجعله جديرًا بأن يُمنح لقبًا جديدًا يفي بغرابة طقوسه أيضًا.