قمح
Wheat - Blé
القمح
يعدّ القمح wheat طليعة المحاصيل الاستراتيجيّة العالمية بحكم أهميّته الغذائيّة التّي تشكّل مصدراً غذائياً لأكثر من 35% من سكان العالم. وهو من أهمّ محاصيل الحبوب، ينتمي إلى الفصيلة النجيلية Gramineae والجنس Triticum ويغطي أكبر مساحة مزروعة على سطح الأرض بالمقارنة مع المحاصيل الغذائية الأخرى.
الموطن الأصلي ومناطق الانتشار الجغرافي العالمي وفي الوطن العربي
تشير معظم الدراسات إلى أنّ الموطن الأصلي للقمح المزروع اليوم هو الشرقين الأوسط والأدنى، اعتماداً على أنّ القمح ثنائي الحبّة (Emmer wheat) Triticum dicoccum يشبه الأنواع المنتشرة برّياً حتى اليوم في جبال سورية وفلسطين. من جهة أخرى يشير ڤاڤيلوڤ (1951) Vavilov إلى أنّ قمح الخبز T.aestivum قد نشأ في أواسط آسيا والشرق الأدنى، أما القمح القاسي T.durum فنشأ في الحبشة (الشكل 1).
تمتدّ زراعة القمح في العالم بين خطّي عرض 30و60 ْ شمالاً و27و40 ْجنوباً، ويزرع بالقرب من خطّ الاستواء في المناطق المرتفعة أو في الفصول الباردة، ولعلّ أهمّ مناطق زراعة القمح هي سهول أمريكا الشمالية، وشمال غربي أوربا، ومنطقة حوض البحر المتوسط، وجنوبي روسيا، وشمال غربي الهند، وشرقي ووسط الصين، والأرجنتين وجنوب شرقي أستراليا.
بلغت المساحة المزروعة قمحاً في العالم عام 2004 نحو 213.8مليون هكتار، وتعد الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وفرنسا وكندا وألمانيا من أهم الدول المنتجة للقمح في العالم. يزرع قمح الخبز العادي في معظم المساحات العالمية، أما القمح القاسي فيزرع أساساً في شمالي ووسط أمريكا ومنطقة حوض البحر المتوسط، ويطلق عليه اسم قمح المعكرونة لجودته وتلاؤمه مع هذه الصناعة.
بلغت المساحة المزروعة قمحاً في الوطن العربي عام 2004 نحو 11.64مليون هكتار، تسهم بنسبة 85% من تلك المساحة المغرب ومصر وسورية والجزائر والسعودية.
الوصف النباتي والخصائص الحيوية والتهجين
جذور القمح ليفيّة ويمكن تمييز نوعين منها: الجذور الجنينيّة التي تنشأ أصلاً من الجنين، ويبلغ عددها 3ـ7جذور، والجذور الثانوية التي تتشكّل على العقد الساقية السفلى.
تحمل الساق الأوراق والنورات، وتتألف من عقد وسلاميات، ويزداد طول السلامية تدريجياً نحو الأعلى (الشكل 2).
تتصف نباتات القمح بمقدرتها على إعطاء سيقان جانبية (إشطاءات) من البراعم الإبطيّة الموجودة على العقد الساقية المكوّنة لتاج النبات.
تتوضّع الأوراق على الساق تبادلياً بمعدّل ورقة واحدة عند كلّ عقدة. جميع الأوراق خضرية باستثناء الورقة الأولية لكلّ من الساق الأمّ والإشطاء.
النورة سنبلية spike، تتوضّع على نهاية الساق بمعدّل نورة واحدة لكل ساق. تتكوّن النّورة من محور غير متفرع وسنيبلات، والسنيبلة من قنبعتين و2ـ5أزهار خنثى. تتركّب الزهرة من العصافتين وأعضاء التذكير والتأنيث. التلقيح ذاتي ويحدث الخلطي بنسبة 2ـ5% والإخصاب بعد مضي 24ـ48ساعة من التلقيح (الشكل 3).
ثمرة القمح برّة caryopsis جافّة عارية متطاولة الشكل يمتدّ أخدود على طول منطقة بطنها، تحوي حبّة القمح الناضجة على 15% نخالة، 82.5% أندوسبرم، 2.5% جنين (الشكل 4).
يوجد الجنين عند قاعدة الحبّة، ويعدّ نباتاً صغيراً في حالة سبات، ويمكن أن ينمو ويتكاثر عند توافر الشروط المناسبة ويتحوّل إلى بادرة seedling.
يقدّر عمر المحصول من تاريخ الزراعة حتى الحصاد بأكثر من 200يوم. وتُعد المدة الكائنة بين الإنبات والإشطاء من المراحل المهمة للنمو الخضري في حين تُعد المدة بين التسنبل والامتلاء من المراحل الحرجة لنضج الحبوب، ويمكن أن تؤثر العوامل المناخية المختلفة في تطور هذه المراحل.
التهجين: أشار لوبتون Lupton عام 1987 إلى أنّ الأنواع البرية للقمح قد نشأت عن التهجين الطبيعي أو الطفرات أو الاصطفاء[ر]، وأنّ منشأ القمح الثنائي الحبة المزروع هو الطراز البرّي T.dicoccoides، وأنّ القمح الثنائي الحبة يمكن أن يتهجّن طبيعياً لإنتاج القمح السداسي T.spelta، نشأت الأقماح الرباعية (T.turgidum وT.durum) نتيجة طفرات في القمح الثنائي الحبة. ويُعد القمح الثنائي الحبّة أحد الآباء التي انحدرت منها أصناف القمح المزروعة حالياً.
المتطلبات البيئية
الحرارة من أهم العوامل المناخية للقمح، لأنها تحدّد موسم النمو وموعد الزراعة المثالي لكل منطقة من مناطق زراعته. وتصنف نباتات القمح في مجموعتين رئيستين هما: الأصناف الخريفية أو الشتوية والأصناف الربيعية.
يزرع القمح الخريفي في المناطق الباردة الشمالية من العالم في فصل الخريف. ويزرع القمح الربيعي في هذه المناطق في فصل الربيع، ولا تتعرّض هذه النباتات لدرجات الحرارة المنخفضة جداً التي تتعرّض لها نباتات القمح الخريفي. أما في بيئة البحر المتوسط فإنّ زراعة القمح الرّبيعي هي السائدة، إذ تبدأ في بداية فصل الشتاء وتُمضي النباتات معظم مراحل نموها الثمريّة في فصل الربيع وأوائل فصل الصيف.
إنّ معامل النّتح عند القمح هو بحدود 400ملم، وقد ينخفض أو يرتفع بحسب عوامل عدّة متعلقة بمنطقة الزراعة ورطوبة التربة وخصوبة الأرض. ويؤثر هذا العامل، إضافة إلى عوامل أخرى، في تحديد مقدار استهلاك نبات القمح للماء من مرحلة إلى أخرى، وتبين وجود فترتين حرجتين في حياة القمح: الفترة الأولى عند تطاول الساق، والثانية تأتي مباشرةً قبل انبثاق السنابل.
لأصناف القمح ردود فعل مختلفة إزاء درجات الحرارة المرتفعة والإجهاد المائي خلال فترة النضج، حيث تنخفض كتلة الماء داخل الحبة بسرعة عند الأصناف الحسّاسة وتتوقّف هجرة المواد الغذائية باتّجاه الحبّة. وحبوب القمح الطري أكثر حسّاسية للضّمور مقارنةً بالقمح القاسي يقلّل الجفاف محتواها من السكريات، وله أثر مهم في زيادة محتواها من البروتينات. لذلك يجب العمل في شروط بلادنا الجافة على استنباط أصناف متحمّلة للجفاف ومبكّرة في النضج واتبّاع العمليات الزراعية التي من شأنها ادّخار الرطوبة في التربة.
القمح من نباتات النهار الطويل تحتاج نباتاته لفترة ضوئيّة أطول من الحدّ الحرج حتى تزهر. وتختلف النباتات اختلافاً واسعاً فيما بينها في طول الفترة الحرجة وفي حساسيتها لطول الفترة الضوئية.
إنّ أنسب أنواع التّرب للقمح هي الترب الخصبة المتوسّطة القوام الجيدة الصرف، تنتج الترب الطينية الخفيفة والأراضي الصفراء أعلى مردود من القمح. وعموماً لا تنجح زراعة القمح في الترب المالحة أو القلويّة.
زراعة القمح وخدماته الزراعية وطرائق حصاده
تزرع الأقماح الربيعية في الخريف في البلدان ذات المناخ المعتدل شتاء، مثل بلدان حوض البحر المتوسط، وتفضّل الزراعة المبكّرة لأن مردودها يكون أعلى منه في الزراعة المتأخرة.
يستحسن أن يكون السّلف الزراعي محصولاً بقولياً، وأن يُحضّر البذار للزراعة بغربلته وإجراء المعاملات اللازمة له. كذلك يجب إعداد مهد البذار جيداً إذ تعدّ حراثة الأرض وتسويتها وإضافة الأسمدة العضوية والمعدنية إليها من الأهمية بمكان لمساعدة البذور على الإنبات السريع وتجنب أمراض التربة، وتكوين بادرات قويّة وسليمة لتعطي بعد ذلك نموّاً خضريّاً قويّاً وإنتاجاً وفيراً من القمح. تؤدّي إضافة الأسمدة الآزوتيّة إلى تشجيع الإشطاء، كما تساعد على زيادة عدد الإشطاءات الخصبة في النبات عند توافر قدرٍ كافٍ من الرطوبة والعناصر الغذائية الأخرى كالفسفور. وتشير دراسات عديدة إلى دور العناصر الصغرى في زيادة الغلّة وتحسين نوعيّتها عند القمح.
يحدّد معدل البذار على أساس عدد الحبوب النابتة في وحدة المساحة، ويختلف هذا العدد بحسب الصنف ومواصفاته الإشطائية، وعوامل أخرى. ويفضّل أن تكون كثافة القمح نحو 250نباتاً في المتر المربع الواحد في الزراعات المبكرة. كما يختلف عمق الزراعة حسب طبيعة التربة والخدمة الزراعية ونسبة الرطوبة الأرضية والصنف المستخدم. يكون عمق الزراعة في الأراضي المتوسطة القوام نحو 5ـ6سم، أما في المناطق الجافة فنحو 7ـ9سم. وتعدّ طريقة الزراعة بالتسطير بوساطة البذّارات من الطرائق الحديثة حيث تقوم الآلات بوضع البذور في التربة بسطور متوازية (تفصلها مسافة 8ـ10سم) وعلى أبعاد متساوية داخل السّطر الواحد، وبعمق واحد كما تساعد على خلط البذور بالأسمدة أو المبيدات الكيمياوية.
تتبع بعد ذلك عمليات الخدمة وهي: التزحيف والحشّ والتمشيط والعزيق ومقاومة الأعشاب الضّارة والتسميد الآزوتي والريّ حيث بيّنت الدراسات أنّ إنتاجية القمح في وحدة المساحة قد زادت بوضوح باستخدام الريّ التكميلي supplementary irrigation.
يحصد القمح عندما يصل إلى مرحلة النضج الملائمة المطلوبة كمّاً ونوعاً، وذلك بطريقتين: يدويّاً بالمنجل وآليّاً بوساطة نوعين من الآلات: الحصّادات فقط، والحصّادات الميكانيكيّة التي تجمع عمليات الحصاد والدّراس وتستخدم في المساحات الواسعة.
التّسويق والتخزين
تعدّ أمريكا وفرنسا وكندا وأستراليا وروسيا والأرجنتين وألمانيا من أهمّ الدول المصدّرة للقمح، أما إيطاليا والبرازيل والجزائر ومصر وإسبانيا وكوريا وبلجيكا وإندونيسيا فمن أهمّ الدّول المستوردة له، وذلك حسب إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة FAO عام 2003.
حققت الجمهورية العربيّة السوريّة فوائض تصديريّة من القمح، إذ وصلت صادراتها في عام 2003 إلى نحو 1.2مليون طن، وتتطلّب عمليّة التصدير الالتزام بتحسين أصناف القمح المنتجة وتحسين أساليب الحصاد لمواكبة المواصفات العالميّة بما يحقّق نقاوة الحبوب وخلوّها من الشوائب، وكذلك سلامتها من الإصابات الحشريّة والفطرية، مع المحافظة على نوعية البروتين الجيّدة.
يعدّ تخزين القمح أحد حلقات تجارة الحبوب وتصنيعها موضوعاً استراتيجياً، لذلك كان لابدّ من تطوير تقانات التّخزين، وذلك باستخدام صوامع [ر. صوامع الحبوب] تستوعب كميّات كبيرة من القمح (100ألف طن أو أكثر)، وغالباً ما يكون نظام عملها آلياً. ويعدُّ التّحكم بالشروط المثلى داخل الصّومعة (حرارة ورطوبة) أمراً ضرورياً لتقليل تلف الحبوب أو فقدانها في أثناء التخزين.
الاستعمالات المختلفة للقمح وقيمته الغذائية والصحية
تشكّل حبوب القمح نحو 20% من أغذية الطاقة energy لسكّان الكرة الأرضيّة، إذْ تتميّز من غيرها من الأغذية النباتية باحتوائها على البروتين (الغلوتين gluten)، والذي يسمح للعجينة المتخمّرة بالانتفاخ وبصنع خبز متخمّر ناضج. تتباين بشدّة أهميّة حبوب القمح وثقلها في غذاء الإنسان حسب المنطقة الجغرافية، ففي أوربا وروسيا توفر أكثر من 30% من أغذية الطاقة، وفي بعض الأقاليم تشكّل أقل من 20%، ويتفوّق طلب الأمريكيين للقمح على أيّ مادة غذائية أخرى.
يعدّ القمح القاسي من أكثر أنواع القمح شيوعاً في دول حوض البحر المتوسط؛ لأنه يدخل في معظم منتجات الغذاء المستهلكة محلياً وخاصة في المناطق الريفية، حيث يدخل في صناعة الخبز المرقّد والمعكرونة والبرغل والكسكس والكعك والكشك والمحمّص والفريكة ومنتجات أخرى، وذلك بما يلائم الأغذية التقليدية الشائعة سواء في شمالي إفريقيا أو الشرق الأوسط. أما القمح الطري فتبدو أهميته في إنتاج الخبز بأنواعه المختلفة والحلويات والمعجنات.
يمكن لنباتات القمح إذا شحّت الأمطار في الزراعات البعلية فتوقف نموها، أن تحشّ مبكراً وتقدّم علفاً للحيوانات. ويمكن استخدام الحبوب في علائق الدواجن والأبقار، ومخلّفاته في تركيب العلائق العلفيّة ولكن ذلك نادر الحدوث لارتفاع أسعار حبوب القمح واستخدامها في غذاء الإنسان. ويستخدم تبن القمح كعلف مالئ straw في تغذية الحيوانات على نطاق واسع.
وللحبوب أهميّة في الصناعة لأهداف متعددة لعلّ أهمها استخراج النشاء starch، مع إمكانية استخدام قشّ القمح في صناعة أوراق الجرائد والكرتون وإنتاج الكحول بتخميره والمواد اللاصقة من نشائه. كما تستخدم الأغلفة الخارجية لحبوبه في تلميع المعدن والزجاج.
إن حبوب القمح الكاملة غنية بالمواد الغذائية التي تشمل النشاء والبروتين، وتحتوي نخالته على فيتاميناتE ومجموعة B ت(1و2 و6) والنياسين والريبوفلافين والثيامين، كما تحتوي أيضاً على معادن أساسية مثل الحديد والفسفور، وتحتوي الحبوب الكاملة للقمح الشتوي الأحمر القاسي نحو 71.7% كربوهدرات، و12.5% ماء، و12.3% بروتين خام، و1.8% دهن.
ويفتقر الدقيق الأبيض (السويداء) الذي يحتوي على الجلوتين والنشاء إلى الفيتامينات والمعادن التي توجد في النخالة wheat bran وهي الغلاف القوي الذي يكسو الحبة والجنين.
وعلى هذا فإن تناول الخبز الأسمر المصنوع من الحبوب بكاملها يقي من شر مرض البري بري (التهاب الأعصاب) والبلاغرا، كما يوفر القوة والنشاط ويساعد على تحسين الإخصاب لوجود الفيتامين (و ـ E) فيه. أما الخبز الأبيض المصنوع من الدقيق الخالي من النخالة فهو خال من الفيتامينات والمعادن.
كما تحتوي الطبقة الخارجية للقمح على الفسفور الذي يغذي الدماغ والأعصاب والأجهزة التناسلية ويقويها، إضافة إلى الحديد والكلسيوم الذي يساعد على بناء العظام وتقوية الأسنان، وعناصر مغذية أخرى تفيد في تقوية الشعر ووظيفة الغدة الدرقية وتكوين الأنسجة والعصارات الهاضمة.
أهمّ الآفات
الأصداء والتفحمات هي من أهمّ الأمراض الفطريّة، وتقاوم باستخدام مبيدات فطرية، كما يمكن استنباط أصناف مقاومة. ويصاب الفطر أيضاً بأمراض بكتيرية وفيروسية، وذلك حسب قابلية الأصناف والشروط البيئية.
ومن أهم الحشراتن حشرة السونة ودبور الحنطة المنشاري وذبابة هس وحفار أوراق الحبوب وغيرها.
الأهمية الاقتصادية والآفاق المستقبلية
يعدّ القمح المحصول الغذائي الأوّل في سائر أنحاء العالم. وقد بلغ الإنتاج العالمي منه عام 2004 نحو 619.3مليون طن، وإنتاج الوطن العربي نحو 23.18مليون طن. وتشير إحصائيات عام 1993 إلى أنّ نحو 90% من منتجات القمح تستهلك مباشرة من قبل الإنسان. ويستهلك الفرد من القمح سنوياً نحو 130كغ في منطقة الشرق الأوسط، ويصل الاستهلاك إلى نحو 200كغ في دول المغرب العربي. وتبين أنه نتيجة زيادة الطلب على الغذاء صار من المحتّم زيادة الإنتاج لتلبية الزيادة السكانيّة إذ إنّ عدد سكان العالم سيصل إلى 8 بليون نسمة عام 2020، وعليه فإنه يجب أن تصل الزيادة في إنتاج القمح عام 2020 إلى نحو 40% لتغطية الحاجة المتزايدة للغذاء. وهكذا صار ضرورياً الاستمرار في تحسين سلالات القمح بتسارع يكافئ الزيادة في طلبها، إضافة إلى توفير العوامل البيئية المناسبة لهذه الزراعة، وتطوير طرائقها ورعاية النباتات وما يتبعها من حصاد وتخزين وتسويق.
لعلّ ما يدعم مسيرة التنمية الزراعية في الوطن العربي نتائج الأعمال المبشّرة بإمكانيّة رفع مردودية وحدة المساحة، عبر الوصول إلى سلالات مميّزة من القمح، تجمع بين الغلّة الحبيّة العالية والنوعية التكنولوجية المرغوبة، إضافة إلى كونها مبكرة في الإزهار والنضج والثباتيّة في الإنتاج. وتحديد المعادلات الخاصة بكميّات الرّيّ ومواعيده في المناطق الزراعية المختلفة. كذلك ضرورة تطوير أبحاث الهندسة الوراثية والتقانات الحيويّة، واستثمار الأصول الوراثية البرّيّة والمحلية في برامج التربية؛ بهدف استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية ومتحمّلة للإجهادات الحيويّة والبيئيّة المختلفة.
طارق علي ديب
Wheat - Blé
القمح
يعدّ القمح wheat طليعة المحاصيل الاستراتيجيّة العالمية بحكم أهميّته الغذائيّة التّي تشكّل مصدراً غذائياً لأكثر من 35% من سكان العالم. وهو من أهمّ محاصيل الحبوب، ينتمي إلى الفصيلة النجيلية Gramineae والجنس Triticum ويغطي أكبر مساحة مزروعة على سطح الأرض بالمقارنة مع المحاصيل الغذائية الأخرى.
الموطن الأصلي ومناطق الانتشار الجغرافي العالمي وفي الوطن العربي
الشكل (1) حقل مزروع بنبات القمح القاسي |
تمتدّ زراعة القمح في العالم بين خطّي عرض 30و60 ْ شمالاً و27و40 ْجنوباً، ويزرع بالقرب من خطّ الاستواء في المناطق المرتفعة أو في الفصول الباردة، ولعلّ أهمّ مناطق زراعة القمح هي سهول أمريكا الشمالية، وشمال غربي أوربا، ومنطقة حوض البحر المتوسط، وجنوبي روسيا، وشمال غربي الهند، وشرقي ووسط الصين، والأرجنتين وجنوب شرقي أستراليا.
بلغت المساحة المزروعة قمحاً في العالم عام 2004 نحو 213.8مليون هكتار، وتعد الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وفرنسا وكندا وألمانيا من أهم الدول المنتجة للقمح في العالم. يزرع قمح الخبز العادي في معظم المساحات العالمية، أما القمح القاسي فيزرع أساساً في شمالي ووسط أمريكا ومنطقة حوض البحر المتوسط، ويطلق عليه اسم قمح المعكرونة لجودته وتلاؤمه مع هذه الصناعة.
بلغت المساحة المزروعة قمحاً في الوطن العربي عام 2004 نحو 11.64مليون هكتار، تسهم بنسبة 85% من تلك المساحة المغرب ومصر وسورية والجزائر والسعودية.
الوصف النباتي والخصائص الحيوية والتهجين
الشكل (2) |
تحمل الساق الأوراق والنورات، وتتألف من عقد وسلاميات، ويزداد طول السلامية تدريجياً نحو الأعلى (الشكل 2).
تتصف نباتات القمح بمقدرتها على إعطاء سيقان جانبية (إشطاءات) من البراعم الإبطيّة الموجودة على العقد الساقية المكوّنة لتاج النبات.
تتوضّع الأوراق على الساق تبادلياً بمعدّل ورقة واحدة عند كلّ عقدة. جميع الأوراق خضرية باستثناء الورقة الأولية لكلّ من الساق الأمّ والإشطاء.
النورة سنبلية spike، تتوضّع على نهاية الساق بمعدّل نورة واحدة لكل ساق. تتكوّن النّورة من محور غير متفرع وسنيبلات، والسنيبلة من قنبعتين و2ـ5أزهار خنثى. تتركّب الزهرة من العصافتين وأعضاء التذكير والتأنيث. التلقيح ذاتي ويحدث الخلطي بنسبة 2ـ5% والإخصاب بعد مضي 24ـ48ساعة من التلقيح (الشكل 3).
ثمرة القمح برّة caryopsis جافّة عارية متطاولة الشكل يمتدّ أخدود على طول منطقة بطنها، تحوي حبّة القمح الناضجة على 15% نخالة، 82.5% أندوسبرم، 2.5% جنين (الشكل 4).
يوجد الجنين عند قاعدة الحبّة، ويعدّ نباتاً صغيراً في حالة سبات، ويمكن أن ينمو ويتكاثر عند توافر الشروط المناسبة ويتحوّل إلى بادرة seedling.
يقدّر عمر المحصول من تاريخ الزراعة حتى الحصاد بأكثر من 200يوم. وتُعد المدة الكائنة بين الإنبات والإشطاء من المراحل المهمة للنمو الخضري في حين تُعد المدة بين التسنبل والامتلاء من المراحل الحرجة لنضج الحبوب، ويمكن أن تؤثر العوامل المناخية المختلفة في تطور هذه المراحل.
التهجين: أشار لوبتون Lupton عام 1987 إلى أنّ الأنواع البرية للقمح قد نشأت عن التهجين الطبيعي أو الطفرات أو الاصطفاء[ر]، وأنّ منشأ القمح الثنائي الحبة المزروع هو الطراز البرّي T.dicoccoides، وأنّ القمح الثنائي الحبة يمكن أن يتهجّن طبيعياً لإنتاج القمح السداسي T.spelta، نشأت الأقماح الرباعية (T.turgidum وT.durum) نتيجة طفرات في القمح الثنائي الحبة. ويُعد القمح الثنائي الحبّة أحد الآباء التي انحدرت منها أصناف القمح المزروعة حالياً.
المتطلبات البيئية
الشكل (3) |
يزرع القمح الخريفي في المناطق الباردة الشمالية من العالم في فصل الخريف. ويزرع القمح الربيعي في هذه المناطق في فصل الربيع، ولا تتعرّض هذه النباتات لدرجات الحرارة المنخفضة جداً التي تتعرّض لها نباتات القمح الخريفي. أما في بيئة البحر المتوسط فإنّ زراعة القمح الرّبيعي هي السائدة، إذ تبدأ في بداية فصل الشتاء وتُمضي النباتات معظم مراحل نموها الثمريّة في فصل الربيع وأوائل فصل الصيف.
إنّ معامل النّتح عند القمح هو بحدود 400ملم، وقد ينخفض أو يرتفع بحسب عوامل عدّة متعلقة بمنطقة الزراعة ورطوبة التربة وخصوبة الأرض. ويؤثر هذا العامل، إضافة إلى عوامل أخرى، في تحديد مقدار استهلاك نبات القمح للماء من مرحلة إلى أخرى، وتبين وجود فترتين حرجتين في حياة القمح: الفترة الأولى عند تطاول الساق، والثانية تأتي مباشرةً قبل انبثاق السنابل.
الشكل (4) |
القمح من نباتات النهار الطويل تحتاج نباتاته لفترة ضوئيّة أطول من الحدّ الحرج حتى تزهر. وتختلف النباتات اختلافاً واسعاً فيما بينها في طول الفترة الحرجة وفي حساسيتها لطول الفترة الضوئية.
إنّ أنسب أنواع التّرب للقمح هي الترب الخصبة المتوسّطة القوام الجيدة الصرف، تنتج الترب الطينية الخفيفة والأراضي الصفراء أعلى مردود من القمح. وعموماً لا تنجح زراعة القمح في الترب المالحة أو القلويّة.
زراعة القمح وخدماته الزراعية وطرائق حصاده
تزرع الأقماح الربيعية في الخريف في البلدان ذات المناخ المعتدل شتاء، مثل بلدان حوض البحر المتوسط، وتفضّل الزراعة المبكّرة لأن مردودها يكون أعلى منه في الزراعة المتأخرة.
يستحسن أن يكون السّلف الزراعي محصولاً بقولياً، وأن يُحضّر البذار للزراعة بغربلته وإجراء المعاملات اللازمة له. كذلك يجب إعداد مهد البذار جيداً إذ تعدّ حراثة الأرض وتسويتها وإضافة الأسمدة العضوية والمعدنية إليها من الأهمية بمكان لمساعدة البذور على الإنبات السريع وتجنب أمراض التربة، وتكوين بادرات قويّة وسليمة لتعطي بعد ذلك نموّاً خضريّاً قويّاً وإنتاجاً وفيراً من القمح. تؤدّي إضافة الأسمدة الآزوتيّة إلى تشجيع الإشطاء، كما تساعد على زيادة عدد الإشطاءات الخصبة في النبات عند توافر قدرٍ كافٍ من الرطوبة والعناصر الغذائية الأخرى كالفسفور. وتشير دراسات عديدة إلى دور العناصر الصغرى في زيادة الغلّة وتحسين نوعيّتها عند القمح.
يحدّد معدل البذار على أساس عدد الحبوب النابتة في وحدة المساحة، ويختلف هذا العدد بحسب الصنف ومواصفاته الإشطائية، وعوامل أخرى. ويفضّل أن تكون كثافة القمح نحو 250نباتاً في المتر المربع الواحد في الزراعات المبكرة. كما يختلف عمق الزراعة حسب طبيعة التربة والخدمة الزراعية ونسبة الرطوبة الأرضية والصنف المستخدم. يكون عمق الزراعة في الأراضي المتوسطة القوام نحو 5ـ6سم، أما في المناطق الجافة فنحو 7ـ9سم. وتعدّ طريقة الزراعة بالتسطير بوساطة البذّارات من الطرائق الحديثة حيث تقوم الآلات بوضع البذور في التربة بسطور متوازية (تفصلها مسافة 8ـ10سم) وعلى أبعاد متساوية داخل السّطر الواحد، وبعمق واحد كما تساعد على خلط البذور بالأسمدة أو المبيدات الكيمياوية.
تتبع بعد ذلك عمليات الخدمة وهي: التزحيف والحشّ والتمشيط والعزيق ومقاومة الأعشاب الضّارة والتسميد الآزوتي والريّ حيث بيّنت الدراسات أنّ إنتاجية القمح في وحدة المساحة قد زادت بوضوح باستخدام الريّ التكميلي supplementary irrigation.
يحصد القمح عندما يصل إلى مرحلة النضج الملائمة المطلوبة كمّاً ونوعاً، وذلك بطريقتين: يدويّاً بالمنجل وآليّاً بوساطة نوعين من الآلات: الحصّادات فقط، والحصّادات الميكانيكيّة التي تجمع عمليات الحصاد والدّراس وتستخدم في المساحات الواسعة.
التّسويق والتخزين
تعدّ أمريكا وفرنسا وكندا وأستراليا وروسيا والأرجنتين وألمانيا من أهمّ الدول المصدّرة للقمح، أما إيطاليا والبرازيل والجزائر ومصر وإسبانيا وكوريا وبلجيكا وإندونيسيا فمن أهمّ الدّول المستوردة له، وذلك حسب إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة FAO عام 2003.
حققت الجمهورية العربيّة السوريّة فوائض تصديريّة من القمح، إذ وصلت صادراتها في عام 2003 إلى نحو 1.2مليون طن، وتتطلّب عمليّة التصدير الالتزام بتحسين أصناف القمح المنتجة وتحسين أساليب الحصاد لمواكبة المواصفات العالميّة بما يحقّق نقاوة الحبوب وخلوّها من الشوائب، وكذلك سلامتها من الإصابات الحشريّة والفطرية، مع المحافظة على نوعية البروتين الجيّدة.
يعدّ تخزين القمح أحد حلقات تجارة الحبوب وتصنيعها موضوعاً استراتيجياً، لذلك كان لابدّ من تطوير تقانات التّخزين، وذلك باستخدام صوامع [ر. صوامع الحبوب] تستوعب كميّات كبيرة من القمح (100ألف طن أو أكثر)، وغالباً ما يكون نظام عملها آلياً. ويعدُّ التّحكم بالشروط المثلى داخل الصّومعة (حرارة ورطوبة) أمراً ضرورياً لتقليل تلف الحبوب أو فقدانها في أثناء التخزين.
الاستعمالات المختلفة للقمح وقيمته الغذائية والصحية
تشكّل حبوب القمح نحو 20% من أغذية الطاقة energy لسكّان الكرة الأرضيّة، إذْ تتميّز من غيرها من الأغذية النباتية باحتوائها على البروتين (الغلوتين gluten)، والذي يسمح للعجينة المتخمّرة بالانتفاخ وبصنع خبز متخمّر ناضج. تتباين بشدّة أهميّة حبوب القمح وثقلها في غذاء الإنسان حسب المنطقة الجغرافية، ففي أوربا وروسيا توفر أكثر من 30% من أغذية الطاقة، وفي بعض الأقاليم تشكّل أقل من 20%، ويتفوّق طلب الأمريكيين للقمح على أيّ مادة غذائية أخرى.
يعدّ القمح القاسي من أكثر أنواع القمح شيوعاً في دول حوض البحر المتوسط؛ لأنه يدخل في معظم منتجات الغذاء المستهلكة محلياً وخاصة في المناطق الريفية، حيث يدخل في صناعة الخبز المرقّد والمعكرونة والبرغل والكسكس والكعك والكشك والمحمّص والفريكة ومنتجات أخرى، وذلك بما يلائم الأغذية التقليدية الشائعة سواء في شمالي إفريقيا أو الشرق الأوسط. أما القمح الطري فتبدو أهميته في إنتاج الخبز بأنواعه المختلفة والحلويات والمعجنات.
يمكن لنباتات القمح إذا شحّت الأمطار في الزراعات البعلية فتوقف نموها، أن تحشّ مبكراً وتقدّم علفاً للحيوانات. ويمكن استخدام الحبوب في علائق الدواجن والأبقار، ومخلّفاته في تركيب العلائق العلفيّة ولكن ذلك نادر الحدوث لارتفاع أسعار حبوب القمح واستخدامها في غذاء الإنسان. ويستخدم تبن القمح كعلف مالئ straw في تغذية الحيوانات على نطاق واسع.
وللحبوب أهميّة في الصناعة لأهداف متعددة لعلّ أهمها استخراج النشاء starch، مع إمكانية استخدام قشّ القمح في صناعة أوراق الجرائد والكرتون وإنتاج الكحول بتخميره والمواد اللاصقة من نشائه. كما تستخدم الأغلفة الخارجية لحبوبه في تلميع المعدن والزجاج.
إن حبوب القمح الكاملة غنية بالمواد الغذائية التي تشمل النشاء والبروتين، وتحتوي نخالته على فيتاميناتE ومجموعة B ت(1و2 و6) والنياسين والريبوفلافين والثيامين، كما تحتوي أيضاً على معادن أساسية مثل الحديد والفسفور، وتحتوي الحبوب الكاملة للقمح الشتوي الأحمر القاسي نحو 71.7% كربوهدرات، و12.5% ماء، و12.3% بروتين خام، و1.8% دهن.
ويفتقر الدقيق الأبيض (السويداء) الذي يحتوي على الجلوتين والنشاء إلى الفيتامينات والمعادن التي توجد في النخالة wheat bran وهي الغلاف القوي الذي يكسو الحبة والجنين.
وعلى هذا فإن تناول الخبز الأسمر المصنوع من الحبوب بكاملها يقي من شر مرض البري بري (التهاب الأعصاب) والبلاغرا، كما يوفر القوة والنشاط ويساعد على تحسين الإخصاب لوجود الفيتامين (و ـ E) فيه. أما الخبز الأبيض المصنوع من الدقيق الخالي من النخالة فهو خال من الفيتامينات والمعادن.
كما تحتوي الطبقة الخارجية للقمح على الفسفور الذي يغذي الدماغ والأعصاب والأجهزة التناسلية ويقويها، إضافة إلى الحديد والكلسيوم الذي يساعد على بناء العظام وتقوية الأسنان، وعناصر مغذية أخرى تفيد في تقوية الشعر ووظيفة الغدة الدرقية وتكوين الأنسجة والعصارات الهاضمة.
أهمّ الآفات
الأصداء والتفحمات هي من أهمّ الأمراض الفطريّة، وتقاوم باستخدام مبيدات فطرية، كما يمكن استنباط أصناف مقاومة. ويصاب الفطر أيضاً بأمراض بكتيرية وفيروسية، وذلك حسب قابلية الأصناف والشروط البيئية.
ومن أهم الحشراتن حشرة السونة ودبور الحنطة المنشاري وذبابة هس وحفار أوراق الحبوب وغيرها.
الأهمية الاقتصادية والآفاق المستقبلية
يعدّ القمح المحصول الغذائي الأوّل في سائر أنحاء العالم. وقد بلغ الإنتاج العالمي منه عام 2004 نحو 619.3مليون طن، وإنتاج الوطن العربي نحو 23.18مليون طن. وتشير إحصائيات عام 1993 إلى أنّ نحو 90% من منتجات القمح تستهلك مباشرة من قبل الإنسان. ويستهلك الفرد من القمح سنوياً نحو 130كغ في منطقة الشرق الأوسط، ويصل الاستهلاك إلى نحو 200كغ في دول المغرب العربي. وتبين أنه نتيجة زيادة الطلب على الغذاء صار من المحتّم زيادة الإنتاج لتلبية الزيادة السكانيّة إذ إنّ عدد سكان العالم سيصل إلى 8 بليون نسمة عام 2020، وعليه فإنه يجب أن تصل الزيادة في إنتاج القمح عام 2020 إلى نحو 40% لتغطية الحاجة المتزايدة للغذاء. وهكذا صار ضرورياً الاستمرار في تحسين سلالات القمح بتسارع يكافئ الزيادة في طلبها، إضافة إلى توفير العوامل البيئية المناسبة لهذه الزراعة، وتطوير طرائقها ورعاية النباتات وما يتبعها من حصاد وتخزين وتسويق.
لعلّ ما يدعم مسيرة التنمية الزراعية في الوطن العربي نتائج الأعمال المبشّرة بإمكانيّة رفع مردودية وحدة المساحة، عبر الوصول إلى سلالات مميّزة من القمح، تجمع بين الغلّة الحبيّة العالية والنوعية التكنولوجية المرغوبة، إضافة إلى كونها مبكرة في الإزهار والنضج والثباتيّة في الإنتاج. وتحديد المعادلات الخاصة بكميّات الرّيّ ومواعيده في المناطق الزراعية المختلفة. كذلك ضرورة تطوير أبحاث الهندسة الوراثية والتقانات الحيويّة، واستثمار الأصول الوراثية البرّيّة والمحلية في برامج التربية؛ بهدف استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية ومتحمّلة للإجهادات الحيويّة والبيئيّة المختلفة.
طارق علي ديب