رشيد العروصي.. كتابي الجديد يدرس بدايات الفيلم الوثائقي بالمغرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رشيد العروصي.. كتابي الجديد يدرس بدايات الفيلم الوثائقي بالمغرب

    رشيد العروصي لـ"العرب": كتابي الجديد يدرس بدايات الفيلم الوثائقي بالمغرب


    الاستعمار الفرنسي - الإسباني وضع اللبنة الأولى للفيلم الوثائقي بالمملكة.
    الاثنين 2024/09/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    جهد مهم في تأريخ السينما المغربية

    أي ملامح للسينما الوثائقية المغربية في بداياتها؟ هذا ما يجيب عنه كتاب المخرج والسيناريست المغربي رشيد العروصي، الذي يستعرض ملامح النشأة وأغلب المؤثرين فيها، ويعيدنا إلى أول الأفلام الوثائقية التي أشرف على إنتاجها الاستعمار الغربي للمغرب، وهو في هذا الحوار مع "العرب" يوضح منهجه والتحديات التي واجهته، وأهم ما تطرق إليه الكتاب.

    الرباط- أصدر السيناريست والمخرج المسرحي رشيد العروصي كتابه النقدي الجديد “الفيلم الوثائقي المغربي: البدايات”، حيث يستعرض فيه بدايات الفيلم الوثائقي المغربي، متناولا تفكيك مراحل نشأته وتطوره.

    ويقول العروصي في حوار مع “العرب”، “أنا باحث في الفنون وخاصة السينما وسبق أن أخرجت للسينما أفلاما روائية ووثائقية، أردت أن أقدم الجديد في البحث العلمي فاخترت الفيلم الوثائقي المغربي لأن النقد السينمائي في المغرب لم يول الفيلم الوثائقي ‘الكولونيالي’ أي الاستعماري ما يستحقه، إلا ما هو مبعثر في الصحف والمجلات من كتابات انطباعية، ولم يأخذ بمهمة تأصيل هذا الفن الراقي والبحث عن جذوره التي ستكبر فيما بعد، لذلك رأيت أنه من الملائم أن تنطلق دراسة الفيلم الوثائقي في المغرب من البحث عن أسسه ومصادر نشأته الأولى ومستوى ما تضمنته من قيم فكرية وعناصر فنية”.
    أسئلة مهمة


    يشرح المخرج “لقد واجهتني عدة أسئلة من بينها هل كل هذه الأشرطة أفلام وثائقية؟ إذا كانت كذلك هل هي مغربية أم لا؟ الأفلام عبارة عن صور متحركة باللونين الأبيض والأسود، أغلبها بدون تعليق، وفي أغلب الأحيان لا تتوفر حتى على الصوت، لم ندقق هل هي ريبورتاجات أم أفلام تسجيلية أم أفلام وثائقية بالمفهوم العلمي الحديث؟ أولا لأن هذا التدقيق لن يجعلنا نتقدم في البحث، وثانيا اعتبرنا أي صورة متحركة هي وثيقة لتاريخ المغرب، والأكيد أن هذه الأفلام أنجزها أجانب عن المغرب، تعبر عن نظرة خارجية مترفعة تنظر إلى المغربي على أنه شيء من الطبيعة، ورغم هذا اعتبرتها أفلاما وثائقية مغربية لأنها موثقة بالصورة وتعطينا رؤية واضحة عن المغرب وسكانه، ولأنها أيضا صورت في ديكورات طبيعية وبشخوص اليومي والمعيش”.

    ◄ الاستعمار كان يدعم السينما بطريقة مباشرة، عبر أوامر توجه للجيش كي يوفر الظروف الملائمة لتصوير الأفلام

    ويضيف “حاولت من خلال هذا الكتاب أن أساهم في التفكير في العلاقة الموجودة بين السينما الوثائقية والاستعمار، ولهذا سألت جميع الجهات التي لها علاقة بالفيلم الوثائقي في المغرب وخارجه، كما شاهدت أغلب الأشرطة الوثائقية التي صورت في فترة الاستعمار، كي أتعرف على إدراكها للمجتمع المغربي آنذاك، والصورة التي قدمت فيها المغاربة، وكيف فسرت احتلالها للمغرب؟ وعبر هذه الأسئلة تمحور هذا الإصدار”.

    يرى رشيد العروصي أن الحديث يصعب بشكل دقيق عما يسمى بـ”السينما الوثائقية الكولونيالية”، نظرا “لكثرة التفرعات التي تنبثق عن هذا التعريف أصلا، فهل السينما الوثائقية الكولونيالية تعتبر مغربية؟ هل مغربة هذه السينما تتحدد في الصفة الوطنية أم في جنسية المخرج أم في القضايا المعالجة والمميزة للمجتمع المغربي فقط؟ فمثل هذه الأسئلة سوف نتجنبها ولا ننوي الخوض فيها أصلا، لأنها لسبب بسيط تعرقل البحث ولن تفيدنا في شيء، ومن هنا يتبين لنا حجم إشكالية الحديث عن تأسيس مشروع بقيم فكرية للسينما الوثائقية المغربية، إذ كانت هناك أفلام وثائقية وضعت برنامجا توسعيا ولم تفكر في القيم الفكرية والإنسانية”.

    ويضيف العروصي أن “الرغبة التي تحدونا في بسط خيوط هذه الدراسة لها علاقة بالمنطلق التاريخي، وتنم عن منطق استعراضي يبتغي كشف الذات ويتبع المنهج التاریخي، من خلال الرجوع إلى نشأة الظاهرة والتطورات التي مرت علیها، والعوامل التي أدت إلى تكوینها الحالي وتساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. كما أنه يلتزم باستخدام المنهج العلمي في جميع خطواته، وهنا وظفنا المنهج الوصفي”.

    يقول المخرج “أردت أن تختص دراستي بالفيلم الوثائقي الذي أنتج وصور بالمغرب إبان الاستعمار الفرنسي – الإسباني، حيث حاولت فيه أن أركز على حقبة الاستعمار، فقد رأيت من الملائم أن تنطلق دراسة الفيلم الوثائقي الكولونيالي من تلك البدايات التي قد نستخف بها اليوم أو نختلف بشأنها ومستوى ما تضمنته من قيم فكرية وعناصر فنية، محاولا تقسيمها إلى مراحل مختلفة، وأن أضع خارطة لتاريخ السينما الوثائقية المغربية منذ البدايات إلى استقلال المغرب، حيث توقفت عند المحطات التي اعتبرتها علامات مميزة في تطور هذا الفيلم وسيرورته، بوضع فيلموغرافيا مدققة على الفيلم الوثائقي الكولونيالي”.



    ويضيف “ركزت على حقبة الاستعمار، محاولا تقسيمها إلى مراحل مختلفة، فالأولى تمتد من عام 1897 إلى عام 1918 التي عرفت أول ظهور للسينما بالمغرب وذلك بتصوير بعض الريبورتاجات والأشرطة الوثائقية، حيث راهنت كل الدول العظمى على السينما الوثائقية كوسيلة للتعبير ولمواجهة الخصوم في الحروب، مبينة نقاط القوة ومكامن الخلاف، بل حتى لحظات الانتصار كانت توثق بالسينما. وعلى الرغم من مختلف الأزمات سواء كانت صعوبات سياسية أو اقتصادية أو منافسة خارجية، فالسينما الوثائقية الصامتة أو الناطقة استطاعت أن تؤكد وجودها وتتطور رغم أن هذه المرحلة طبعتها الحروب خارج المغرب كالحرب العالمية الأولى والثانية وحروب داخل المغرب كحرب الريف، وخير دليل هو ظهور شركات تجارية أنتجت أفلاما وثائقية في شمال أفريقيا”.

    ويتابع “في الثلاثينات من القرن العشرين بدأت السينما الوثائقية تزدهر حيث صورت مجموعة من الأفلام في المغرب، كلها أنتجت لأغراض إيديولوجية وبأفكار عسكرية، ولعبت دورا فعالا في التأثير على المشاهدين في بقاع العالم. وفي الأربعينات اختلف الإنتاج وتنوعت الأفلام من فرنسية إلى إسبانية ثم أنغلوسكسونية، حيث نشطت السينما الوثائقية قلبا وقالبا بسبب التقلبات السوسيو – اقتصادية والتوجهات السياسية التي أجبرت الفيلم الوثائقي الاستعماري على التأقلم مع الأوضاع الخطيرة في العالم”.

    ويصف المخرج تلك الفترة بأنها “تميزت بتغيرات نشطت قطاع الإنتاج، مع تشييد بنية إنتاج الفيلم الذي يستهدف المجتمعات المسلمة، كما تم تحفيز سينمائيين إسبان وفرنسيين للتعاون مع منتجين مغاربة لتصوير أفلام في المغرب. أما في الخمسينات والستينات، فتطورت السينما الوثائقية بشكل رهيب، بفضل توظيف المنتجين للاكتشافات التكنولوجية الحديثة آنذاك كسينما سكوب والألوان، مما أعطى للصورة فرجة مبهرة”.
    دور مهم


    يلاحظ العروصي أن “الحماية اعتمدت موارد مهمة لإنتاج الأفلام وتوزيعها وأرشفتها، إذ تضاعفت من حيث العدد كما تحسنت جودتها بالمقارنة مع سنوات العشرينات أي أن الصورة أصبحت واضحة وتظهر بسرعة، فالصوت مسموع ومفهوم لأن صانع الفيلم أصبح مطالبا بإقناع المشاهد وسحره، ولأجل هذا أصبحنا نسمع اللهجات المغربية يتكلم بها أصحاب البلد ولا يتم حذفها، رغم أن مخرجي هذه الأفلام كلهم أجانب والإنتاج فرنسي. كما أن تركُّز تقنية الكاميرا التي اعتمدها صناع السينما على المستعمر الفرنسي على أنه مصلح اجتماعي وثوري إيجابي في هذه الأفلام كان مقصودا، حيث إن هذه النظرة كانت تعتمد على تمجيد البطل الفرنسي وتمحي أي محاولة رد اعتبار أو تلميع لصورة المقاوم المغربي وهذا ما نلمسه في أفلام مثل ‘فشل البؤس’، أو ‘نساك البلاد’، لكي تخلف عند المشاهد الشعور بالأمن، كما كانت الغاية من هذه الرؤية هي التوسع الاستعماري الذي كان يشجع الفرنسيين على اكتشاف الأراضي المغربية لتقوية الهيمنة الفرنسية”.

    ويشير العروصي إلى أن “الاستعمار كان يدعم السينما بطريقة مباشرة، عبر أوامر توجه للجيش كي يوفر الظروف الملائمة لتصوير الأفلام. أصبحت السينما بالنسبة للجيش سلاحا للدعاية، كما أشرف الجيش على تكوين لجنة خاصة لمتابعة الأفلام من باب الاحتياط، فكانت تراقب أمكنة التصوير وتشرف على مراجعة كل اللقطات التي صورت، ولها صلاحية الرقابة بحذف المشاهد التي لا تخدم الفكر الاستعماري الفرنسي كما تستشار تقنيا من قبل المنتجين. وفي بعض الأحيان تفرض تدريبا قبل البدء في الإنجاز. ولتسهيل ظروف اشتغال صناع السينما وضع الجيش البحري رهن إشارة المخرجين قوارب وطائرات مائية وعددا مهما من رجال البحرية. كما لعبت السينما الوثائقية دورا لا يستهان به لنشر الوعي الإمبريالي عند الفرنسيين والإسبان، وذلك بتقوية الثقة بالنفس وبتكسير شعور العزلة والتحمس لخوض أي حرب منتظرة، ولأجل هذا كانت الدولة الفرنسية حريصة على طمأنة الشارع بالقوة التي يمتلكها الجيش ماديا ومعنويا وتعده بالانتصار”.

    ◄ كتاب "الفيلم الوثائقي المغربي: البدايات" لبنة في مكتبتنا المغربية والعربية التي تفتقر إلى مراجع متخصصة في مجالات السينما

    ويكشف المخرج أن جميع الأفلام الوثائقية “موقعة بأسماء فرنسية، ويعلل هذا مقدم كتاب ‘السينما الكولونيالية’ غي هانيبال، على أنه من أهم الأسباب التي حالت دون تمكن مخرجين مغاربة من الوقوف خلف الكاميرا لإنجاز أفلام طيلة الفترة الاستعمارية ببلدانهم، وخوف المستعمر الفرنسي من استغلال الأهالي لهذه الوسيلة الإعلامية الخطيرة، والتي نعتها بالهدامة أو التخريبية حتى لا يظهروا على الشاشة الوضع الحقيقي الذي تعانيه شعوبهم”.

    وإضافة إلى الأفلام الوثائقية التي كان يخرجها مخرجون تابعون للمركز السينمائي المغربي، هناك أفلام وثائقية أخرى أعدها مخرجون خارج المغرب يشتغلون بهيئة الأخبار الفرنسية التي أعدت مجموعة من الأفلام الوثائقية، يذكر منها العروصي في كتابه، فيلم “الصيد البحري” الذي يبين الطرق التقليدية لصيد السمك في المغرب، وتطوير المستعمر لهذا القطاع. فالاستغلال السينمائي على حد قول المخرج المغربي “كان يعول على السينما كترفيه حقيقي، إذ حاول إدماج مختلف الفئات الاجتماعية التي كانت منقسمة إلى جمهورين، فالأول كان مكونا من الشعب الأوروبي الأكثر تركيزا، وهم مشاهدون مداومون متحمسون للأفلام والمغامرات والأسفار والرياضة والدراما ذات الإيقاع السريع، والثاني مكون من المغاربة المسلمين الذين يترددون على القاعات بصورة تقل عن 50 في المئة بقاعات المركز، لأن الصالات الأكثر ترددا كانت هي صالات الأحياء. بالنسبة لهذه الفئة كانت السينما وبقيت ترفيها. وهناك المجال للتمييز بين النخبة والسكان الأصليين الذين يعتبرون جمهورا رئيسيا رغم أنهم لم يهتموا بكل أنواع السينما، حيث كانوا يتجهون خاصة إلى أفلام المغامرات ثم الفيلم الوثائقي والدراما والكوميديا”.

    ويرجو المخرج المغربي “أن يكون هذا الكتاب لبنة في مكتبتنا المغربية والعربية التي تفتقر للأسف إلى مراجع متخصصة في مجالات السينما، حيث إننا على يقين بأن الالتفات إلى تراثنا السينمائي الوثائقي لن يأخذ أبعاده المرجوة إلا متى كان عنصرا من عناصر نهضة ثقافية واجتماعية واقتصادية متكاملة”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    كاتب مغربي
يعمل...
X