مصطلحات «السوشيال ميديا» تهدد العربية في عُقر واقعها الافتراض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصطلحات «السوشيال ميديا» تهدد العربية في عُقر واقعها الافتراض

    مصطلحات «السوشيال ميديا» تهدد العربية في عُقر واقعها الافتراض

    دبي - د. محمد سبيل

    لن نبالغ حين نقول إن مجمع اللغة العربية والإعلام وحتى المجتمع العربي عامة، حتى منتصف القرن العشرين الماضي، كان قادراً وبكفاءة عالية على مواكبة أسماء الابتكارات الغربية الحديثة وإيجاد نظير يقابلها في لغتنا الأم، ولذلك كانت المخترعات من قبيل: الطائرة والقطار والمروحة والكهرباء والمصنع والسيارة والمدفع والرافعة والترس والعربة والدراجة ومكبر الصوت بدائل حقيقية تدل على المدلولات الجديدة، رغم أنها منتجات غربية طارئة على ثقافتنا، ورغم وقوع معظم بلداننا حينئذ تحت نير الاستعمار الغربي نفسه.

    أما في مرحلة النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد نيل بلداننا الاستقلال الوطني، فقد بدأ الترنح ومكابدة الصعاب أمام غزو المفردات الإنجليزية والفرنسية الدالة على المخترعات الجديدة، لقاموسنا اليومي، وفي هذا السياق غلبت كلمة التلفزيون على «المرئي» وصارعت مفردة تيليفون «الهاتف» وطغى الراديو على المذياع..الخ. إلا أن مجامع اللغة العربية ظلت تثابر ولم تعجز عن ابتكار البديل الملائم لخصائص اللغة العربية فكانت المفردات المعرّبة وفيرة ومتاحة حتى وإن أهملها الإعلام والمجتمع.



    وماذا عن الراهن؟

    لكن الأمر الآن بات مختلفاً، فالملحوظ بجلاء أنه ومنذ بداية الألفية الثالثة واندلاع ثورة المعلوماتية، فإننا استسلمنا طوعاً أو كرهاً وتحولنا إلى مستهلكين للمعطيات التقنية شكلاً ومضموناً ولغةً، ربما كان مرد ذلك إلى سرعة إيقاع نموها واطراد تدفقها الذي لا يني، فلا أحد يحبذ الآن الشبكة العنكبوتية بدلاً من «الإنترنت»، ولا أحد يأبه لكلمة الحاسوب حينما يريد الكمبيوتر.

    بالتالي أصبحت جهود مجامع اللغة العربية بلا جدوى، كما أن البدائل العربية غالباً ما تكون كلمات مركبة وثقيلة النطق، في ظل خفة ورشاقة الكلمة في أصلها الإنجليزي، فضلاً عن أن ثقافة العولمة وضعف الشعور القومي لدى الأجيال الجديدة في مختلف بلدان العالم، قد جعلا كل أمم الأرض تنخرط في قاموس واحد مشترك للتعامل مع أدوات العولمة المستجدة، وعلى رأسها مصطلحات تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني.

    في هذا الملف نقف على المصطلحات الإنجليزية التي تستخدم في وسائل التواصل الاجتماعي حتى هيمنت على ثقافة كل مستخدمي مواقع الإنترنت بنطقها الإنجليزي، وإما في الأوساط العربية فقد رصدنا محاولات عفوية شعبية لتكييفها بالمزاج العربي، بحيث أضحت قابلة للاشتقاق أحياناً والجمع، كأن تقول «يبلّك» لتعني يحظر، اشتقاقاً من الكلمة الإنجليزية بلوك Block، وكأن تقول «لايكات» لجمع كلمة «لايك» like وتصل مساعي الهضم العسير حد جمع الكلمة الأجنبية بالألف واللام فنقول الإيميل، والهتاشتاغ والشير فيجري التصرف فيها وكأنما هي عربية.. لهذا السبب استطلعنا رأي مجمع اللغة العربية في القاهرة ورأي علماء لغة وشباناً منغمسين في ثقافة «السوشيال ميديا» لنقترب من اتجاهات ومآلات هذا الواقع وتأثيره على واقع ومستقبل اللغة العربية فكانت الحصيلة التالية:


    الألف (1000).

    مليار ومئتا مليون عاشق

    الكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي، مؤلفة كتاب «التحديات التي تواجه اللغة العربية في عصرنا» الصادر عن دار مداد للنشر في دبي، تنطلق نحو الموضوع بالطمأنة، بسبب الرصيد القوي للغة الضاد؛ إذ يحبها أكثر من مليار ومئتي ألف نسمة، هم عدد مسلمي العالم الذين يتعلمونها عبادة وتقرباً إلى الله عز وجل، لقراءة القرآن العربي، ولمعرفة تعاليم دينهم.

    تقول شيماء: يرى الكثيرون أن هناك من يخطط لطمس هذه اللغة الخالدة، وأعتقد أن مثل هذه الآراء تبالغ في تصوير الخطر، فلقد ظلت العربية لغة مستهدفة منذ قرون عدة ورغم هذا تنتشر وتنمو.
    تلوث ودعوات

    أمّا البُعْدُ الثالثُ في نظر الصديق عمر فهو شأنٌ تربوي يتعلق بالبيئة المُعرّبة الصّالحة نأياً عن التلوّث الذي تُحدثه اللاّفتات الأجنبية وما فيها من عبث أنّى اتّجه بصرك في بلاد العُرب دون تدخل من السلطة، والخُطورةُ هنا تكمُنُ في جعل اللغة الأجنبية أصلاً، وشيئاً عادياً.

    النتيجة: التلوّثُ البصريُّ الذي تُحدِثُه الفوضى الكتابية في اللاّفتات والعناوين يُبْعِدُ الشّباب العربي عن حساسية الانتماء للغة الضّاد، والوعي القومي بها.

    مهما يكن من أمر كُلّ الذي ذكرنا فإنّ ما تحتاجه العربيّة الآن ما يلي:

    أولاً: توطين اللغة هندسياً في قلب الحاسوب الذي هو آية العصر (وهذا أمر لا بدّ فيه من إنفاق المال للبحث العلمي في هذا الباب).

    ثانياً: معالجة مشكلة الترجمة الآلية (تقنياً) أسوةً باللُّغات الحيّة الأُخرى.

    ثالثاً: إقرار التعريب، ومعالجة مشكلاته حتى تُصْبح اللغة العربية لغة العلم والبحث التقني فالطّب والهندسة في (فيتنام) يُدرّسان بالفيتنامية.

    رابعاً: لإنجاح التعريب لا بّد من معالجة مشكلة المختصرات العربية أسوة باللغة الإنجليزية.

    خامساً يرى دكتور الصديق: في شأن التقنية أيضاً لا بّد من معالجة مشكلة الأعداد العربية متناهية الصّغر، وتلك التي تزيد عن


    ضغوط وتحديات

    وتستطرد: دون شك أن ثمة ضغوطاً وتحديات تواجهها لغتنا، فهذا الزخم المعلوماتي اليومي الذي ينتشر ويصلنا يأتي بلغات غير العربية وما يتم ترجمته ونقله للعربية قليل جداً لذا بات من المعقول لدى الكثير من الدارسين أن يحاولوا إتقان لغة أخرى تساعدهم وتسهل أمورهم مثل الإنجليزية.

    وتقترح شيماء إيجاد مرصد عربي دولي يعمل على إدخال لغة الضاد في كل حقل ويتولى التواصل مع الجامعات ويقيس تواجدها في كل مجتمع ويرصد أي جهد مناهض لتواجدها، وخير من يتولى هذه الهيئة أو المرصد، هي جامعة الدول العربية



    لا غضاضة في الأمر

    الكاتبة إيمان الهاشمي، تبدأ مشاركتها بنفي وجود مشكلة كبيرة في تبني بعض الكلمات التي لا محل لها في القاموس العربي، وتقول: تختلف اللغات حول العالم بمصطلحات لا نجد لها معنى يتمثل في كلمة واحدة في لغتنا، مثل «الكمبيوتر» مقابل «الحاسب الآلي» أي التحوّل من كلمة إلى كلمتين، ولكنني أرى المشكلة في مكان آخر يتمثل في استخدام هذه المصطلحات بالرغم من وجود ما يشرح معناها بكلمة ما في اللغة العربية، فمثلاً «البلوك» وتعني «الحظر»! حيث أعتقد أنها لا تستخدم كثيراً بسبب جهل العديد من الناس بوجود هذه الكلمة من الأساس، وربما قد يجدها البعض ثقيلة على لسانه العربي الأصيل، حتى أن البعض منهم قد يستغلها للسخرية ممن يستخدمها، ولذلك يلجأ الكثيرون إلى استخدام ما هو متداول وشائع كي لا يبدو غريباً عن البقية، لأن الأهم هو أن يتم فهم المقصود، حيث إن سوء التفاهم وارد جداً رغم توفر الكلمات المناسبة لشرح المقصود بيننا، ناهيك الآن عن الشرح وتوصيل المعلومة إن كانت بمفردات لا يفهمها الآخرون، ومن هنا أرى أن الدور الأكبر يقع على التعليم الأساسي في البيت والمدرسة، مع تحفيز الفرد منذ الصغر على حب اللغة العربية، وبيان مدى جمالها وروعتها وقوتها وبلاغتها، كي يستطيع استساغة جميع المفردات الجديدة التي تطرأ على المجتمع بسهولة فيما بعد، كما أود التنويه عن أهمية الإعلام العربي في نشر التوعية واستخدام المفردات والمصطلحات العربية التي تمثل المعنى المطلوب من الكلمة المترجمة بشكل سلس وسهل التداول والنطق أيضاً، إذاً فباختصار لا توجد مشكلة في تبني بعض المصطلحات التي تحتاج إلى جملة كاملة لتفسير كلمة واحدة! ولهذا أرى ضرورة الاجتهاد في إيجاد المفردات العربية المناسبة والمتناسبة مع المفردات المطلوب ترجمتها بشكل صحيح وبسيط.

    لايكات وبلوكات

    الأديبة إيمان اليوسف، تذهب إلى أن اللغة كائن حي، يتنفس، ينمو، يؤثر ويتأثر وبالطبع يعيش ويموت. أما أن تبقى اللغة على قيد الحياة، وأن تعمر سنين طويلة بل وتنتشر فيتم تداولها واستخدامها عبر الأجيال ومن قبل ملايين البشر، فذاك أمر يتطلب اجتماع جوانب الحياة وأركانها الداعمة لها.

    وتضيف إيمان: اليوم، نبحث عن حلول لمشكلة دخول ألفاظ فرضتها الحداثة والتكنولوجيا في حياتنا اليومية كـ«لايك وقروب ولينك وأب ديت وبلوك» وما يلحق بها من تصريفات تتماهى مع نحو اللغة العربية من جمع مؤنث سالم ونسبة مثل لايكات ولايكاتهم وبلوكاتي وغيرها.

    وتواصل: هناك أكثر من عقبة تحول دون القدرة الحقيقية على حل المشكلة، أهمها أننا نستورد التكنولوجيا والأجهزة والتطبيقات التي تُبنى عليها تفاصيل حياتنا اليومية والمهنية والأكاديمية، ومعها بالطبع نستورد الكلمات والمصطلحات.

    وتتابع: اليوم، نضطر كموظفين أو دارسين أو أصحاب أعمال إلى استخدام هذه الكلمات



    سأستخدم البدائل المتوفرة باللغة العربية؟ وهل سيكون لنا توجهان مختلفان، فنستخدم لفظة «بلوك» أو «لايك» مع فئة محددة وثم نعود فنستخدم «حظر» و«إعجاب» مع فئة أخرى أقل عدداً؟

    وتمضي إيمان اليوسف قائلة: يُعتبر شيكسبير أبا اللغة الإنجليزية، وقد استحدث وأضاف إليها عشرات الكلمات الجديدة. هذا بالإضافة إلى عشرات الكلمات التي لا تزال تُضاف إلى معاجمها كل عام من مصادر مختلفة منها «اللكنات»، حيث تواجه خطراً يتمثل في من يستخدمها كلغة ثانية أو ثالثة فيضيف من لغته أو لكنته إليها وفي الفئات التي تحصل على جنسيات دول تتحدث الإنجليزية كلغة أولى.

    حل مزدوج

    وعن مواجهة الظـــاهرة تقول اليوسف: الحل ببساطة يكمن على كفتي ميزان. الأول، أن نوفر البدائل اللفظية وأن ننشر فكرة استخدامها بما يعزز ويدعـــــم حبنا وتعلقنا باللغة العربية. هذا ما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم من قيادتها الرشيدة.

    ثانياً، أن تتمدد اللغة لتستوعب كل جديد. أن يكون هذا الكائن حياً ينبض مستوعباً التغيير. أن ترحب تلك الأم المعطاءة بمصطلحات تواكب ما يعيشه أبناؤها اليوم وغداً.

    مرحلة حرجة

    الإعلامية ميرا علي تشير إلى الشواهد التاريخية الدالة على تأثر الغرب بشكل عام بالمصطلحات العربية العلمية يوماً، وليس هذا فحسب، وإنما حتى بإسهامات العلماء العرب الذين نبغوا في ذلك العصر الغزير بالإنتاج الفكري والصناعي العربي، أما الآن فلغة العصر هي لغة المخترع! أيا كانت جنسيته، الكرواسون، لم يتغير اسمه ولن يتغير، وإن اجتهد المجمع العربي للغة باستحضار اسم آخر له، فلابد من أن تسانده الدول والمستثمرون من صناعة آلاف المخابز التي تخبز لنا الكرواسون على أساس عربي وبالإسم الذي إجازة المجمع اللغوي (الكرواسون: الرغيف الهلالي المدهون بالزبدة والمقرمش المنفوش من عاليه والمتدرج إلى منتهاه من الجانبين)، قس على ذلك، فلقد اتفقوا بأن يغيروا اسم الكمبيوتر إلى حاسوب، فلم يلتزم بذلك حتى من اجتهدوا بالتعريب، فلا ينطقون الكلمة المعربة إلا في المحافل الرسمية التي يجتمع فيها اللغويون العرب ومن بعض المجاملين لتاريخ مضى، بتكاسل عن أداء الدور الحقيقي الفاعل على إبقاء اللغة، وهذا الدور لن يكون إلا بالصناعة والإنتاج وتصدير اللغة عبر بوابة الصناعة، والمخترع هو من يفرض لغته كما فرض سلعته.

    اللغة صناعة

    تقول الإعلامية ميرا علي إنه لا توجد لغة جامدة ولها قاعدة واحدة فقط، ولكن توجد لغة لها أصولها وقابلة للمستجدات والتجدد، إذ إنها صناعة لتسهيل التعاملات والتفاهم ما بين البشر، وليست للتنافس في نظم الكلمات فقط، كما أنها المعيار الحقيقي للتواصل والتقريب والتعايش السلمي وتنمية الأداء السلوكي، ودون جرح وتعديل. اللغة العربية ليست في خطر، العرب هم الذين في خطر، ليس الإبداع في أن نكون من دول الشبه بالأبراج والشوارع والمرافق، ولكن الإبداع يتحقق عندما نكون «نحن» بهويتنا الإنتاجية لا «هم


    اىبيان
يعمل...
X